دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الحراك الدبلوماسي المكثف في الأيام القليلة الماضية حول الأزمة السورية، وما ينتظر منه في القريب العاجل، وتجاوز الكثير من الحواجز في اللقاءات والنقاشات، كانت تعتبر في الماضي خطوطاً حمراء، كل ذلك يشير إلى أن فرص حل الأزمة باتت أكبر بكثير مما سبق.
قنبلة إعلامية من العيار الثقيل فجرتها صحيفة "الحياة" اللندنية، المحسوبة على التوجه السعودي، بتأكيدها التسريبات الإعلامية التي انتشرت مؤخراً، بخصوص زيارة رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك لمدينة جدة السعودية، ولقائه مع مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى في السابع من شهر تموز (يوليو) الماضي.
وأعادت الصحيفة التذكير بالوصف الذي أطلق على هذا اللقاء، ألا وهو "اللقاء المعجزة". ولا يمكن إنكار أن الوصف لا يقع في سياق مبالغة إعلامية، حيث لم يكن أحد يتوقع ترتيب مثل هكذا لقاء، لكن وفقاً لما كشفت عنه المصادر للصحيفة يعدُّ هذا اللقاء ثمرة لوساطة قامت بها روسيا، كما شارك وفد روسي في لقاء مسؤولين سعوديين مع مملوك والوفد المرافق معه.
بالطبع ما سربته المصادر السعودية لصحيفة "الحياة"، حول سياق المباحثات وما تمخض عنها، يتعارض في العديد من جوانبه مع تسريبات سابقة من جهات غير سعودية، إلا أن تناقض معطيات التسريبات لا يبخس من أهمية اللقاء بحد ذاته، والذي كان ينظر إليه خلال ما يقارب أربع سنوات، منذ عام 2011، من المستحيلات، وبالتالي فإن انعقاده يعتبر تحولاً كبيراً في السياسة السعودية تجاه الأزمة السورية وسبل تسويتها، حسب المصادر التي سرَّبت الخبر للصحيفة، أبلغت الرياض موسكو "أنها على استعداد لفعل أي شيء لوقف نزيف الدم السوري".
وكان لافتاً قول المصادر ذاتها: "الرياض طلبت من موسكو تقديم أي مبادرة تضمن الحل بديلة من جنيف"، بما يعني ضمناً أن القيادة السعودية منفتحة على الخروج بفهم مشترك للبيان الصادر عن "مؤتمر جنيف1"، وترجمته على الأرض كأساس لتسوية سياسية تكون مقبولة وقابلة للحياة. وهذا تقدم مهم في الحقل الدبلوماسي من شأنه البناء عليه.
غير أنه كان من اللافت أيضاً ارتفاع وتيرة وشدَّة المواجهات العسكرية، واتساع نطاقها في العديد من الجبهات في شمال ووسط وجنوب سورية، بعد لقاء اللواء مملوك مع مسؤولين سعوديين، ودخول الحكومة التركية على خط التسخين العسكري، في تطورات لا يمكن حصر أهدافها لمحاولة التأثير على أي حراك سياسي ودبلوماسي لانتزاع مكاسب أكبر على طاولة الحوار، من خلال فرض وقائع جديدة على الأرض تخل بميزان القوى العسكري بدرجة كبيرة، فالحديث عن "منطقة عازلة"، أو وفقاً لوصف أنقرة "منطقة آمنة"، تقيمها تركيا داخل الأراضي السورية سيدخل الأزمة السورية في طور مختلف تماماً يعزز من المراهنة على الحسم العسكري، وسيزداد الوضع تعقيداً إذا استنسخت التجربة التركية في جنوب سورية على الحدود مع الأردن.
ولا يجب إغفال التطورات على الأرض في اليمن خلال الأسابيع الماضية، والتي تنظر إليها الرياض من زاوية أنها تصب في كفتها، وتعزز دورها الإقليمي في مواجهة ثقل النفوذ الإيراني في المنطقة، بما قد يؤدي إلى تشدّد في المواقف السعودية، لكن في قراءة عكسية ربما تؤدي الثقة السعودية بالنفس إلى التعاطي بانفتاح مع الأزمات الساخنة، وفي مقدمتها الأزمة السورية، لاسيما أن القيادة السعودية تدرك أن أسئلة اليوم التالي في الأزمات لا تقل صعوبة على الأسئلة في ميادين الحرب.
إذاً المسائل ليست محسومة بعد، وينتظر أن تكون الزيارة المقبلة لوزير الخارجية السعودية إلى روسيا، يوم الثلاثاء القادم، وكذلك زيارة وفد "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" إلى موسكو في الثاني عشر من الشهر الجاري، محطة غاية في الأهمية لتقييم الخطوات التي قطعت، وكيفية متابعتها والبناء عليها، في حراك سياسي ودبلوماسي يتمتع بنفس طويل وبالمواظبة، حتى يتحقق اختراق سياسي ينقل الحراك من المراهنة على تسوية ممكنة إلى أرضية ثابتة لتسوية سياسية، الوصول إليها يحتاج إلى توحيد وتوظيف كل الجهود الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة.
وفي شكل عام، يشير الحراك السياسي والدبلوماسي المتواصل إلى تحقيق انجازات ملموسة، يمكن اعتبارها دليلاً على أن فرص حل الأزمة السورية باتت أكبر بكثير مما سبق، لكنها لم تصبح بعد في متناول اليد.. متى وكيف هذا ما ستجيب عليه مبدئياً لقاءات موسكو خلال الأيام القليلة القادمة.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة