أعلنت صحيفة نيويورك تايمز، في 27 تموز الماضي، عن قيام واشنطن وأنقرة بإنشاء منطقة أمنية في سورية، لإيواء اللاجئين السوريين المقيمين حالياً في تركيا.

 

غير أن البيت الأبيض نفى صحة الخبر، بعد فترة وجيزة من ذلك التاريخ.

 

كنا قد بينّا في مقالة سابقة، كيف تعرضت صحيفة نيويورك تايمز للتضليل من قبل المبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد داعش، الجنرال جون آلن، والحكومة التركية المؤقتة.

 

بناء عليه، ذهب العديد من المحللين إلى الربط بين هذه المقاربة، مع أخرى مفادها أن البنتاغون قد سمح لنفسه من الآن فصاعداً بتقديم الدعم «لمتمرديه المعتدلين»، حين يتعرضون لهجوم، كائناً من كان المعتدي. وقد رأوا فيها إشارة لإطلاق أوسع حملة لحلف شمال الأطلسي على الجمهورية العربية السورية.

 

لكنه تفسير سخيف للأحداث، يستوجب منا توضيحاً بطريقة مختلفة.

 

فعلياً، هناك التزام من قبل التحالف الدولي، بعدم توجيه أي ضربة للجيش العربي السوري، بل ضرب داعش حصرياً- ومعها القاعدة- فوق الأراضي السورية.

 

علاوة على ذلك، فإن قوات التحالف ترسل خطط طيرانها الحربي، ومهمات قواتها البرية على الأرض مسبقاً، إلى هيئة أركان الجيش العربي السوري، عبر حلفائهم الكرد من حزب « PYG».

 

بهذه الطريقة يضمن التحالف أن طائراته لن تسقطها المقاتلات السورية، بل على العكس، فهي تشارك الجيش العربي السوري الأهداف نفسها، دون الحاجة لمزيد من التنسق معه.

 

رسمياً، البريطانيون والفرنسيون لايشاركون في العمليات على الأراضي السورية.

 

بيد أننا نعرف جيداً أن ذلك غير صحيح. هاتان الدولتان تقصفان داعش في سورية منذ عدة شهور. ومنذ أيام قليلة فقط، اضطر وزير الخارجية البريطاني إلى الاعتراف بالحقيقة في مجلس العموم. بينما يستمر نظيره الفرنسي بإنكار الواقع.

 

إضافة إلى ما سبق، نشر البريطانيون 120 عنصرا من قواتهم الخاصة على الأرض لتوجيه الضربات الجوية. بالنظر إلى أن هذا العمل محفوف بالمخاطر بالنسبة لأجانب لا يعرفون طبيعة الأرض، قام البنتاغون بتدريب ستين «متمرداً سورياً معتدلاً» لمساعدتهم، 54 منهم دخلوا الأراضي السورية، وتعرضوا على الفور لهجوم من قبل القاعدة.

 

من غير المعقول أن تدعي وزارة الدفاع الأميركية أنها قامت بتدريب ستين مقاتلاً من أجل إلحاق الهزيمة بمئات الألوف من جنود الجيش العربي السوري، والإطاحة بالنظام الجمهوري أيضا!.

 

وظيفة هؤلاء الوحيدة في الواقع، المشاركة في التحالف ضد داعش، ومهمتهم الوحيدة، تحديد الأهداف المراد قصفها على الأرض.

 

صحيح كما أوضح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن هذا الإعلان قد أسيء فهمه تماماً، نظراً لرغبة قسم من الأميركان، وبعض القادة الفرنسيين والأتراك في الدخول في حرب مفتوحة على سورية.

 

عملياً، فضّل المتحدث باسم إدارة أوباما تضليل معارضي الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران.

 

إضافة لما سبق، فقد ألمح البنتاغون إلى موقف حصل. «المتمردون المعتدلون» الـ54 تعرضوا لهجوم مباغت من قبل تنظيم القاعدة، ما اضطره للدفاع عنهم. لهذا، حاولت كل من فرنسا، والسعودية، إضافة إلى تركيا، إعادة تأهيل القاعدة أملاً في جعلها بديلاً مقبولاً لداعش.

 

بإقدامه على قصف داعش والقاعدة في آن واحد، يكون البنتاغون قد لعب، في الواقع، دور الجمهورية العربية السورية، طبقاً لاتفاقه مع إيران، وخلافاً لاستنتاجات العديد من المحللين.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-08-10
  • 13362
  • من الأرشيف

البلاغة والحقيقة ....بقلم تيري ميسان

أعلنت صحيفة نيويورك تايمز، في 27 تموز الماضي، عن قيام واشنطن وأنقرة بإنشاء منطقة أمنية في سورية، لإيواء اللاجئين السوريين المقيمين حالياً في تركيا.   غير أن البيت الأبيض نفى صحة الخبر، بعد فترة وجيزة من ذلك التاريخ.   كنا قد بينّا في مقالة سابقة، كيف تعرضت صحيفة نيويورك تايمز للتضليل من قبل المبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد داعش، الجنرال جون آلن، والحكومة التركية المؤقتة.   بناء عليه، ذهب العديد من المحللين إلى الربط بين هذه المقاربة، مع أخرى مفادها أن البنتاغون قد سمح لنفسه من الآن فصاعداً بتقديم الدعم «لمتمرديه المعتدلين»، حين يتعرضون لهجوم، كائناً من كان المعتدي. وقد رأوا فيها إشارة لإطلاق أوسع حملة لحلف شمال الأطلسي على الجمهورية العربية السورية.   لكنه تفسير سخيف للأحداث، يستوجب منا توضيحاً بطريقة مختلفة.   فعلياً، هناك التزام من قبل التحالف الدولي، بعدم توجيه أي ضربة للجيش العربي السوري، بل ضرب داعش حصرياً- ومعها القاعدة- فوق الأراضي السورية.   علاوة على ذلك، فإن قوات التحالف ترسل خطط طيرانها الحربي، ومهمات قواتها البرية على الأرض مسبقاً، إلى هيئة أركان الجيش العربي السوري، عبر حلفائهم الكرد من حزب « PYG».   بهذه الطريقة يضمن التحالف أن طائراته لن تسقطها المقاتلات السورية، بل على العكس، فهي تشارك الجيش العربي السوري الأهداف نفسها، دون الحاجة لمزيد من التنسق معه.   رسمياً، البريطانيون والفرنسيون لايشاركون في العمليات على الأراضي السورية.   بيد أننا نعرف جيداً أن ذلك غير صحيح. هاتان الدولتان تقصفان داعش في سورية منذ عدة شهور. ومنذ أيام قليلة فقط، اضطر وزير الخارجية البريطاني إلى الاعتراف بالحقيقة في مجلس العموم. بينما يستمر نظيره الفرنسي بإنكار الواقع.   إضافة إلى ما سبق، نشر البريطانيون 120 عنصرا من قواتهم الخاصة على الأرض لتوجيه الضربات الجوية. بالنظر إلى أن هذا العمل محفوف بالمخاطر بالنسبة لأجانب لا يعرفون طبيعة الأرض، قام البنتاغون بتدريب ستين «متمرداً سورياً معتدلاً» لمساعدتهم، 54 منهم دخلوا الأراضي السورية، وتعرضوا على الفور لهجوم من قبل القاعدة.   من غير المعقول أن تدعي وزارة الدفاع الأميركية أنها قامت بتدريب ستين مقاتلاً من أجل إلحاق الهزيمة بمئات الألوف من جنود الجيش العربي السوري، والإطاحة بالنظام الجمهوري أيضا!.   وظيفة هؤلاء الوحيدة في الواقع، المشاركة في التحالف ضد داعش، ومهمتهم الوحيدة، تحديد الأهداف المراد قصفها على الأرض.   صحيح كما أوضح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن هذا الإعلان قد أسيء فهمه تماماً، نظراً لرغبة قسم من الأميركان، وبعض القادة الفرنسيين والأتراك في الدخول في حرب مفتوحة على سورية.   عملياً، فضّل المتحدث باسم إدارة أوباما تضليل معارضي الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران.   إضافة لما سبق، فقد ألمح البنتاغون إلى موقف حصل. «المتمردون المعتدلون» الـ54 تعرضوا لهجوم مباغت من قبل تنظيم القاعدة، ما اضطره للدفاع عنهم. لهذا، حاولت كل من فرنسا، والسعودية، إضافة إلى تركيا، إعادة تأهيل القاعدة أملاً في جعلها بديلاً مقبولاً لداعش.   بإقدامه على قصف داعش والقاعدة في آن واحد، يكون البنتاغون قد لعب، في الواقع، دور الجمهورية العربية السورية، طبقاً لاتفاقه مع إيران، وخلافاً لاستنتاجات العديد من المحللين.  

المصدر : الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة