منذ بدء الحرب على سورية , دأب ساسة العالم و أصحاب الرأي و المواقف , دولا كانوا أم منظمات و هيئات أممية دولية , و رؤساء و قادة و شخصيات , على ترديد و تكرار عبارة " الحل السياسي " , و لم ينفكوا عن إطلاقها حتى اليوم .

فيما تتابع سجلات الحرب الميدانية تسطير يومياتها الدامية, و فظائعها و التي لم يعرف العالم مثيلا  لها. إذ لم يصدق مطلقوها يوما , و ما كانوا جادين ولو للحظة  واحدة, فبقي الحل السياسي شماعة  للجميع, و تعبيرا يوميا مخادعا , فيما يراقب الشعب السوري أفواه مطلقيها, و يرون ما ترتكبه أيديهم. لقد وصل النفاق و الخداع السياسي إلى حد استصدار مجلس الأمن قرارات أجمع العالم عليها, تقضي بمحاربة الإرهاب ووقف تمويله و تجفيف مصادره, و السعي باتجاه الحل السياسي, لكنها بقيت حبرا  على ورق. استمرت الحرب و تصاعد تهديد الإرهاب , و بدأ يرتد على أصحابه و داعميه , بالتزامن مع صمود الدولة السورية , فشعر البعض بالخطر , و ذاق بعضهم الاّخر لسعاته , فانكفأ البعض و أجبرت بطولات الجيش العربي السوري البعض الاّخر على التراجع , فيما حافظ " الحل السياسي " على بريقه المزيف و حضوره , مع احتفاظه بعشرات التفاسير و المعاني و السبل .

إن المتغيرات الكبيرة التي حدثت خلال العامين الأخيرين للحرب و المفاصل الهامة التي تحققت على الأرض , فرضت واقعا  سياسيا  جديدا  لجهة تقارب و توحيد المعنى الحقيقي للحل السياسي لدى أغلب الدول , فيما بقيت الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل و تركيا و السعودية و الأردن تتصدر فريق الحرب على سورية . لقد جاء النصف الثاني من عام 2015 ليحمل إلى العالم نبأ توقيع الإنفاق النووي الإيراني – الأممي , و انخراط السعودية في العدوان على الجار و الشقيق اليمني , و غرق الوالي العثماني المريض في أوحال أحلامه بقضم و ضم مدينة حلب , و اشتعال الداخل التركي الرافض لسياسته , و بالضربات الإرهابية الموجعة للجيش و الشعب التركي . مفاصل هامة و معارك  ضارية لم تتوقف عند حدود أوكرانيا و بحر الصين الجنوبي , انتصر فيها محور المقاومة و فرض ضغطا  رهيبا  على الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها , مما جعلهم أكثر قربا من الحل السياسي الحقيقي . و مع عدم جدوى استمرار الحرب على سورية , و انعدام أفق إسقاطها , و سرعة تحرك جيشها نحو الحسم , ووقوع تركيا و السعودية في الأفخاخ القاتلة .. تغير الحال و أصبح لا بد من التقدم على مسار " الحل السياسي ". فبدأ الحراك السياسي و شهدت المنطقة تحركات و لقاءات و مشاورات و مساومات و عروض تبلورت في مبادرات هامة أطلقها كل من روسيا و إيران على حدة . و على الرغم من توتر الأجواء و تعارض و تصادم و تضاد التصريحات الرسمية الروسية مع نظيرتها الأمريكية , إلا  أن السوريون شعروا ببارقة أمل في حل الأزمة خاصة  بعد الدعوة العمانية للوزير المعلم لزيارة مسقط و اللقاء بالسلطان قابوس و الوزير يوسف بن علوي , و عينهم على تصاعد الخان الأبيض في سماء السلطنة .. إذ يعلم السوريون و غيرهم مصداقية السلطنة و مواقفها الإيجابية من جميع الأطراف , و أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها مع الدولة السورية , و التي وقفت على الحياد بحكمة  و ذكاء و شجاعة , انطلاقا من ثوابتها سياساتها المعروفة , بالإضافة إلى ثقة العالم باتزان مواقفها دون أن ينسى العالم دورها في تحضير الإتفاق النووي في مطابخها و الإعلان عنه من منابرها , و لقدرتها على جمع كل الأطراف و لعب الدور المناسب لإنهاء الحرب السعودية – اليمنية . و بالرغم من اختلاف المبادرتين الروسية و الإيرانية , إلا  أنهما يسعيان و بصدق لمساعدة الشعب السوري , ووضع النهاية للحرب على سورية . إذ ترافقت المبادرة الروسية بصفة " المعجزة " إذ سعت إلى تشكيل تحالف رباعي يضم سورية , السعودية , تركيا , و الأردن لمحاربة داعش , عبر تجاوز الخلافات السياسية فيما بينها و خصوصا  الخلافات السورية – السعودية , و تدعو إلى مناقشة الحل السياسي بين المعارضة و الحكومة السورية , بعد توقف الأعمال العسكرية و أتمام القضاء على الإرهاب في سورية , و تعتبر هذه المناقشات من أساسيات الحوار السوري – السوري , و تضمن بذلك الوزن الحقيقي لكلا الطرفين في الشارع السوري , و تحتفظ الدولة الروسية بمفاتيح الأبواب التي يعتقد الكثيرون أنها لن تُفتح .. بعيدا عن الإعلام , لتضمن تجاوز الخلافات , بعدما أجرت العديد من اللقاءات و المشاورات مع كل الأطراف و التي سوف تستكملها الأسبوع القادم في روسيا مع أطياف من المعارضة السورية . في حين تبدو البنود الأربعة المعلنة للمبادرة الإيرانية المعدّلة قادرة على سحب كل الذرائع من كل الأطراف, و إعطاء الفرصة و الأمل بالنجاح للجميع, خاصة بعد المشاورات و المناقشات التي أجرتها مع تركيا و قطر و مصر و فرنسا و الولايات المتحدة.. إذ تسعى المبادرة لمساعدة الشعب السوري بإشراف  أممي , و تقوم على الوقف الفوري لإطلاق النار , و تشكيل حكومة وطنية , و إعادة تعديل الدستور بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية و الطائفية في سورية , و من ثم إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين . و من الواضح أن كلا المبادرتين تؤكدان وقوف روسيا و إيران على مسافة  واحدة من جميع أطياف الشعب السوري , و نواياهما الصادقة تجاهه , على الرغم من الصعوبة الظاهرية في تطبيقهما , إلا  أنهما يتحركان بدافع  أخلاقي  لطالما تحلّت سياساتهما به . أما الولايات المتحدة الأمريكية .......... فقد سعت لإشاعة الفوضى في العالم , و أربكت كل الدول , و استثمرت في الإرهاب و لا تزال تعتمده طريقة  لتحقيق مصالحها و الفوز بما لم تستطيعه في الميدان في سورية , عبر سياسة لا أخلاقية أصبح يعرفها القاصي و الداني , و لم يعد يخفى على أحد سعيها لاستمرار الحرب , إلا  بعد أن تضمن ما يلي : 1- عدم إعطاء الرئيس بشار الأسد فرصة الفوز و الانتصار . 2- تحويل الدولة السورية إلى صيغة مشابهة للدولة اللبنانية , و تحافظ على وجود طرفين متنازعين متناقضين , تصبح معهما سورية القادمة دولة  عاجزة  عن إتخاذ المواقف الكبرى داخليا  و إقليميا , و ينحصر الصراع السياسي فيها على السلطة و الفوز بالحقائب الوزارية السيادية في كل دورة  انتخابية . 3- الدفع بعملائها إلى داخل الجسد الحكومي السوري , و سيطرتها على القرار السياسي السوري , و التحكم به من بعيد . 4- تعديل الدستور بما يكفل و يضمن تغيير عقيدة الجيش العربي السوري, و نزع صفة المقاومة عن الدولة السورية, و فتح الطرق لفك ارتباطها مع الدولة الإيرانية و المقاومة اللبنانية و المقاومة الفلسطينية, تمهيدا  لتصفية القضية الفلسطينية و إلى الأبد.

 تقدر الحكومة السورية جهود أصدقائها و حلفائها الساعين لوقف الحرب, و إيجاد الحلول السياسية التي يرضى بها السوريون أنفسهم, إذ تبقى للشعب السوري كلمته.. و أن أي مبادرة لا تراعي الواقع الميداني و انتصار الدولة السورية سيبقى قاصرا  , فالمنتصر هو من يفرض شروطه , و لا يقبل السوريون أي حل يجرد سورية من هويتها و خصوصيتها العربية و القومية و الوطنية الأخلاقية , و لن يرض بأي حل ٍ يسيء إلى سورية التاريخ و الحضارة و الرسالة . فمن قدّم شلال الدماء من أجلها و كرمى لعيونها , و دفع مهرها .. لن يرض لها إلا ّ أغلى و أجمل الأثواب في يوم زفافها و انتصارها.

  • فريق ماسة
  • 2015-08-08
  • 11490
  • من الأرشيف

هل ينبعث الدخان السوري الأبيض من سماء مسقط ..

منذ بدء الحرب على سورية , دأب ساسة العالم و أصحاب الرأي و المواقف , دولا كانوا أم منظمات و هيئات أممية دولية , و رؤساء و قادة و شخصيات , على ترديد و تكرار عبارة " الحل السياسي " , و لم ينفكوا عن إطلاقها حتى اليوم . فيما تتابع سجلات الحرب الميدانية تسطير يومياتها الدامية, و فظائعها و التي لم يعرف العالم مثيلا  لها. إذ لم يصدق مطلقوها يوما , و ما كانوا جادين ولو للحظة  واحدة, فبقي الحل السياسي شماعة  للجميع, و تعبيرا يوميا مخادعا , فيما يراقب الشعب السوري أفواه مطلقيها, و يرون ما ترتكبه أيديهم. لقد وصل النفاق و الخداع السياسي إلى حد استصدار مجلس الأمن قرارات أجمع العالم عليها, تقضي بمحاربة الإرهاب ووقف تمويله و تجفيف مصادره, و السعي باتجاه الحل السياسي, لكنها بقيت حبرا  على ورق. استمرت الحرب و تصاعد تهديد الإرهاب , و بدأ يرتد على أصحابه و داعميه , بالتزامن مع صمود الدولة السورية , فشعر البعض بالخطر , و ذاق بعضهم الاّخر لسعاته , فانكفأ البعض و أجبرت بطولات الجيش العربي السوري البعض الاّخر على التراجع , فيما حافظ " الحل السياسي " على بريقه المزيف و حضوره , مع احتفاظه بعشرات التفاسير و المعاني و السبل . إن المتغيرات الكبيرة التي حدثت خلال العامين الأخيرين للحرب و المفاصل الهامة التي تحققت على الأرض , فرضت واقعا  سياسيا  جديدا  لجهة تقارب و توحيد المعنى الحقيقي للحل السياسي لدى أغلب الدول , فيما بقيت الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل و تركيا و السعودية و الأردن تتصدر فريق الحرب على سورية . لقد جاء النصف الثاني من عام 2015 ليحمل إلى العالم نبأ توقيع الإنفاق النووي الإيراني – الأممي , و انخراط السعودية في العدوان على الجار و الشقيق اليمني , و غرق الوالي العثماني المريض في أوحال أحلامه بقضم و ضم مدينة حلب , و اشتعال الداخل التركي الرافض لسياسته , و بالضربات الإرهابية الموجعة للجيش و الشعب التركي . مفاصل هامة و معارك  ضارية لم تتوقف عند حدود أوكرانيا و بحر الصين الجنوبي , انتصر فيها محور المقاومة و فرض ضغطا  رهيبا  على الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها , مما جعلهم أكثر قربا من الحل السياسي الحقيقي . و مع عدم جدوى استمرار الحرب على سورية , و انعدام أفق إسقاطها , و سرعة تحرك جيشها نحو الحسم , ووقوع تركيا و السعودية في الأفخاخ القاتلة .. تغير الحال و أصبح لا بد من التقدم على مسار " الحل السياسي ". فبدأ الحراك السياسي و شهدت المنطقة تحركات و لقاءات و مشاورات و مساومات و عروض تبلورت في مبادرات هامة أطلقها كل من روسيا و إيران على حدة . و على الرغم من توتر الأجواء و تعارض و تصادم و تضاد التصريحات الرسمية الروسية مع نظيرتها الأمريكية , إلا  أن السوريون شعروا ببارقة أمل في حل الأزمة خاصة  بعد الدعوة العمانية للوزير المعلم لزيارة مسقط و اللقاء بالسلطان قابوس و الوزير يوسف بن علوي , و عينهم على تصاعد الخان الأبيض في سماء السلطنة .. إذ يعلم السوريون و غيرهم مصداقية السلطنة و مواقفها الإيجابية من جميع الأطراف , و أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها مع الدولة السورية , و التي وقفت على الحياد بحكمة  و ذكاء و شجاعة , انطلاقا من ثوابتها سياساتها المعروفة , بالإضافة إلى ثقة العالم باتزان مواقفها دون أن ينسى العالم دورها في تحضير الإتفاق النووي في مطابخها و الإعلان عنه من منابرها , و لقدرتها على جمع كل الأطراف و لعب الدور المناسب لإنهاء الحرب السعودية – اليمنية . و بالرغم من اختلاف المبادرتين الروسية و الإيرانية , إلا  أنهما يسعيان و بصدق لمساعدة الشعب السوري , ووضع النهاية للحرب على سورية . إذ ترافقت المبادرة الروسية بصفة " المعجزة " إذ سعت إلى تشكيل تحالف رباعي يضم سورية , السعودية , تركيا , و الأردن لمحاربة داعش , عبر تجاوز الخلافات السياسية فيما بينها و خصوصا  الخلافات السورية – السعودية , و تدعو إلى مناقشة الحل السياسي بين المعارضة و الحكومة السورية , بعد توقف الأعمال العسكرية و أتمام القضاء على الإرهاب في سورية , و تعتبر هذه المناقشات من أساسيات الحوار السوري – السوري , و تضمن بذلك الوزن الحقيقي لكلا الطرفين في الشارع السوري , و تحتفظ الدولة الروسية بمفاتيح الأبواب التي يعتقد الكثيرون أنها لن تُفتح .. بعيدا عن الإعلام , لتضمن تجاوز الخلافات , بعدما أجرت العديد من اللقاءات و المشاورات مع كل الأطراف و التي سوف تستكملها الأسبوع القادم في روسيا مع أطياف من المعارضة السورية . في حين تبدو البنود الأربعة المعلنة للمبادرة الإيرانية المعدّلة قادرة على سحب كل الذرائع من كل الأطراف, و إعطاء الفرصة و الأمل بالنجاح للجميع, خاصة بعد المشاورات و المناقشات التي أجرتها مع تركيا و قطر و مصر و فرنسا و الولايات المتحدة.. إذ تسعى المبادرة لمساعدة الشعب السوري بإشراف  أممي , و تقوم على الوقف الفوري لإطلاق النار , و تشكيل حكومة وطنية , و إعادة تعديل الدستور بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية و الطائفية في سورية , و من ثم إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين . و من الواضح أن كلا المبادرتين تؤكدان وقوف روسيا و إيران على مسافة  واحدة من جميع أطياف الشعب السوري , و نواياهما الصادقة تجاهه , على الرغم من الصعوبة الظاهرية في تطبيقهما , إلا  أنهما يتحركان بدافع  أخلاقي  لطالما تحلّت سياساتهما به . أما الولايات المتحدة الأمريكية .......... فقد سعت لإشاعة الفوضى في العالم , و أربكت كل الدول , و استثمرت في الإرهاب و لا تزال تعتمده طريقة  لتحقيق مصالحها و الفوز بما لم تستطيعه في الميدان في سورية , عبر سياسة لا أخلاقية أصبح يعرفها القاصي و الداني , و لم يعد يخفى على أحد سعيها لاستمرار الحرب , إلا  بعد أن تضمن ما يلي : 1- عدم إعطاء الرئيس بشار الأسد فرصة الفوز و الانتصار . 2- تحويل الدولة السورية إلى صيغة مشابهة للدولة اللبنانية , و تحافظ على وجود طرفين متنازعين متناقضين , تصبح معهما سورية القادمة دولة  عاجزة  عن إتخاذ المواقف الكبرى داخليا  و إقليميا , و ينحصر الصراع السياسي فيها على السلطة و الفوز بالحقائب الوزارية السيادية في كل دورة  انتخابية . 3- الدفع بعملائها إلى داخل الجسد الحكومي السوري , و سيطرتها على القرار السياسي السوري , و التحكم به من بعيد . 4- تعديل الدستور بما يكفل و يضمن تغيير عقيدة الجيش العربي السوري, و نزع صفة المقاومة عن الدولة السورية, و فتح الطرق لفك ارتباطها مع الدولة الإيرانية و المقاومة اللبنانية و المقاومة الفلسطينية, تمهيدا  لتصفية القضية الفلسطينية و إلى الأبد.  تقدر الحكومة السورية جهود أصدقائها و حلفائها الساعين لوقف الحرب, و إيجاد الحلول السياسية التي يرضى بها السوريون أنفسهم, إذ تبقى للشعب السوري كلمته.. و أن أي مبادرة لا تراعي الواقع الميداني و انتصار الدولة السورية سيبقى قاصرا  , فالمنتصر هو من يفرض شروطه , و لا يقبل السوريون أي حل يجرد سورية من هويتها و خصوصيتها العربية و القومية و الوطنية الأخلاقية , و لن يرض بأي حل ٍ يسيء إلى سورية التاريخ و الحضارة و الرسالة . فمن قدّم شلال الدماء من أجلها و كرمى لعيونها , و دفع مهرها .. لن يرض لها إلا ّ أغلى و أجمل الأثواب في يوم زفافها و انتصارها.

المصدر : الماسة السورية/ المهندس ميشيل كلاغاصي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة