إشكاليات لوجستية حالت دون إصدار الاتفاق في فيينا، أمس، بين إيران ومجموعة «5+1»، وحالت دون نزول سكان طهران إلى الشوارع للاحتفال بالتوصل إلى اتفاق،

وإنهاء سنوات الحصار الاقتصادي الطويلة، وإبقاء الإدارات المحلية بدعوة من وزير الداخلية الإيراني على الاستعداد لتظاهرات الفرح في الشوارع فور إعلان الاتفاق. الاتفاق الذي تمدد ليبلغ مئة صفحة، يخضع لإعادة قراءة وتدقيق في صياغته من قبل جميع الأطراف. الإيرانيون رفضوا في مقدمة الاتفاق إشارة تصف البرنامج النووي الإيراني ما قبل الاتفاق، بـ «الأنشطة غير الشرعية»، أفخاخ لغوية كثيرة كان ينبغي تمحيصها طيلة ليل أمس الأول، ونهار أمس، قبل الموافقة على كل عبارة، تختبئ خلفها معان مزدوجة، أو عدم تطابق في الترجمات الفارسية والإنكليزية.

البحث دار في اللحظات الأخيرة، بعد الموافقة على تزامن رفع العقوبات مع إعلان الاتفاق، على آلية تحرير الأرصدة الإيرانية، وعشرات مليارات الدولارات في المصارف الغربية. الإيرانيون طالبوا بآلية قانونية مرنة لتقصير المهل، فإبلاغ المصارف بالاتفاق لا يجعل من تحرير الأرصدة المجمدة مسألة تلقائية. المفاوضات استؤنفت حتى في قضايا اعتبرت خلال الأيام الأخيرة منتهية، لا سيما عندما بدأ الخبراء يطرحون تفاصيل عملية إجراء تعديلات على قلب مفاعل «آراك» لإنتاج البلوتونيوم. الصينيون سيشرفون على العملية، مع إجراء تعديلات على تصميم الموقع نفسه، ولكن لا تزال التفاصيل العملية غير مكتملة، حتى أن مساعدة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان قالت إن أكثر من مئة عنوان فرعي وتفصيلي لا تزال غير مكتملة وتحتاج إلى توسيع في هذه القضية.

وخلال الاستعراض العام لنقاط الاتفاق طالب الإيرانيون بنقاط تحديد أدق لحقهم باستيراد تكنولوجيا نووية، تسمح لهم بها اتفاقية التعاون مع وكالة الطاقة الدولية، وفق معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقعوا عليها. اعترض الغربيون على نوعية المعدات التي تحدث عنها الإيرانيون، واعتبروها أنها تدخل في مجال الاستخدام المزدوج العسكري والمدني، والتي لن يُسمح للإيرانيين باستيرادها. ودار النقاش حول آلية عمل اللجنة الدولية المشتركة التي ستتألف من ممثلين عن الدول الست (الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن + ألمانيا)، وإذا ما كانت القرارات الصادرة عنها ستكون صالحة إذا ما صدرت بالإجماع أو بالأكثرية. وكان الاتفاق على تشكيلها قد أحلها محل اقتراح فرنسي، بإعادة فرض العقوبات تلقائياً على إيران، بمجرد انتهاكها لالتزاماتها، بناءً على أي تقرير من مفتشي وكالة الطاقة الدولية، ومن دون المرور مجدداً بمجلس الأمن الدولي، حيث من الممكن أن ينتظرها «فيتو» روسي أو صيني.

وبينما كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يعلن «أن الاتفاق سيكون انتصاراً للجميع»، مشيراً إلى أن «لا شيء سيعلن اليوم (أمس) حول الاتفاق النووي، لكن غداً قد يكون ذلك ممكناً»، عاد البيت الأبيض وناطقه جوش ايرنست إلى القول إن المفاوضين في فيينا أحرزوا «تقدماً حقيقياً» في المحادثات المتواصلة حول برنامج إيران النووي، ولكن اذا لم يتم التوصل إلى اتفاق اليوم فإن الاتفاق المؤقت سيظل سارياً. وكان لافتاً الاعلان متأخراً عن سماح الولايات المتحدة لفريق رعاية المصالح الإيرانية في واشنطن بالانتقال من مبنى السفارة الباكستانية إلى مقر مستقل محاذ لوزارة الخارجية الاميركية. وكان وزير الخارجية الصيني وانغ لي ينشر تفاؤلاً مبرراً بأنه «لا يمكن لأي اتفاق أن يكون كاملاً»، مضيفاً «أن الظروف باتت مؤاتية للتوصل إلى اتفاق جيد، ولا داعي لمهل جديدة».

حتى اللحظة الأخيرة في فيينا من المفاوضات مع الأميركيين، أمسك الإيرانيون بناصية التفاوض إلى أن دقت ساعة الاتفاق. ذلك أن خيار تحديد ساعة الاتفاق بقي إيرانياً ليس في فيينا فحسب، وإنما خلال عقد كامل من الجولات التفاوضية. لم تكن فيينا بالنسبة إلى الإيرانيين والأميركيين على السواء لحظة انتصار العقوبات الاقتصادية وتراجع الإيرانيين عن برنامجهم، ولا انكفاء الأميركيين عن احتواء إيران كلياً، والانصياع لطموحاتها النووية والإقليمية. الأرجح أن الإيرانيين اعتبروا أن برنامجهم قد استكمل قاعدته البشرية والعلمية والتكنولوجية والبنيوية، قبل أن يقرروا أن اللحظة قد حانت لإبرام التسوية عليه، ويرسلوا أبرع تقنييهم وديبلوماسييهم إلى فيينا، لطي صفحة العقوبات. كما استكملوا في العقد الفائت تجميع أوراقهم الإقليمية في العراق وفي سوريا وفي لبنان وأخيراً في اليمن، وهي جميعها أوراق تزن في التسويات الإقليمية وفي قاعدة الاتفاق.

وبالرغم من أن التنازلات التي قدمت قد تكون مؤلمة، ولكن العناصر المكونة لبرنامج نووي متطور قادر على تأمين قاعدة صناعية وطاقية صلبة واستقلال اقتصادي، ودور إقليمي أفضل، هي كلها عناصر تم الحفاظ عليها في الاتفاق الذي جعل إيران رسمياً دولة عتبة نووية، قادرة ضمنياً على إنتاج السلاح النووي، لكنها لن تخطو نحو إنتاجه، كدول كثيرة تعمل في نادي العتبة النووية كاليابان والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا. كما أن التجميد الذي يلحق بأكثر أقسام البرنامج تقدماً خصوصاً إنتاج البلوتونيوم بالمياه الثقيلة، وتحريم بناء منشآت جديدة، ووقف منشأة «فوردو» عن العمل، ولجم تطوير البحث في طاردات مركزية جديدة، واقتصار البرنامج والتخصيب على نماذج قديمة، هي كلها أثمان لا بد من دفعها، غير أن عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً من تجميد جزئي للبرنامج، لا تحسب في حياة الأمم، ولا تزن فيها.

عبر البرنامج النووي بـ «الأمة « الإيرانية، من نظام الشاه الذي أطلقه مطلع السبعينيات، وأعد كوادره، ومنهم عباس عراقجي، وعلي أكبر صالحي وغيرهما، واستقدم مفاعله التجريبي الأول الأميركي من طراز «وستنكهاوس»، حتى الجمهورية الإسلامية، من دون أن يرتدي البرنامج طابعاً أيديولوجياً، لا امبراطورياً فارسياً محضاً، ولا شيعياً إسلامياً خالصاً.

وينبغي انتظار الاتفاق بأكمله لكي تبدأ صياغة صورة متكاملة حول ما ينتظر الإقليم والتسويات، من دون أن تختلط الوقائع بالتكهنات والاستنتاجات حول المزايا الإستراتيجية التي حصلت عليها إيران، والتي ستغير في ميزان القوى. لكن الاتفاق في حده الأدنى، يفتح هدنة طويلة مع الولايات المتحدة في بعض الملفات في العراق أولاً حيث تتواجد تقاطعات مسبقة حول «داعش»، وبدرجة أقل في اليمن وفي سوريا، حيث لا تلوح أي إمكانية للتعاون حتى الآن. وكأي اتفاق سيتعرض اتفاق فيينا لهزات لا تخلو منها عملية تطبيق الاتفاق وأزمات محتملة حول ثغرات في تطبيقه، أو في جولات التفتيش التي قد تحاول إسرائيل والسعودية استغلالها، لأنه لا يوجد في النهاية اتفاق كامل قابل

  • فريق ماسة
  • 2015-07-13
  • 13113
  • من الأرشيف

تسوية تاريخية و فجر إيراني في فيينا

إشكاليات لوجستية حالت دون إصدار الاتفاق في فيينا، أمس، بين إيران ومجموعة «5+1»، وحالت دون نزول سكان طهران إلى الشوارع للاحتفال بالتوصل إلى اتفاق، وإنهاء سنوات الحصار الاقتصادي الطويلة، وإبقاء الإدارات المحلية بدعوة من وزير الداخلية الإيراني على الاستعداد لتظاهرات الفرح في الشوارع فور إعلان الاتفاق. الاتفاق الذي تمدد ليبلغ مئة صفحة، يخضع لإعادة قراءة وتدقيق في صياغته من قبل جميع الأطراف. الإيرانيون رفضوا في مقدمة الاتفاق إشارة تصف البرنامج النووي الإيراني ما قبل الاتفاق، بـ «الأنشطة غير الشرعية»، أفخاخ لغوية كثيرة كان ينبغي تمحيصها طيلة ليل أمس الأول، ونهار أمس، قبل الموافقة على كل عبارة، تختبئ خلفها معان مزدوجة، أو عدم تطابق في الترجمات الفارسية والإنكليزية. البحث دار في اللحظات الأخيرة، بعد الموافقة على تزامن رفع العقوبات مع إعلان الاتفاق، على آلية تحرير الأرصدة الإيرانية، وعشرات مليارات الدولارات في المصارف الغربية. الإيرانيون طالبوا بآلية قانونية مرنة لتقصير المهل، فإبلاغ المصارف بالاتفاق لا يجعل من تحرير الأرصدة المجمدة مسألة تلقائية. المفاوضات استؤنفت حتى في قضايا اعتبرت خلال الأيام الأخيرة منتهية، لا سيما عندما بدأ الخبراء يطرحون تفاصيل عملية إجراء تعديلات على قلب مفاعل «آراك» لإنتاج البلوتونيوم. الصينيون سيشرفون على العملية، مع إجراء تعديلات على تصميم الموقع نفسه، ولكن لا تزال التفاصيل العملية غير مكتملة، حتى أن مساعدة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان قالت إن أكثر من مئة عنوان فرعي وتفصيلي لا تزال غير مكتملة وتحتاج إلى توسيع في هذه القضية. وخلال الاستعراض العام لنقاط الاتفاق طالب الإيرانيون بنقاط تحديد أدق لحقهم باستيراد تكنولوجيا نووية، تسمح لهم بها اتفاقية التعاون مع وكالة الطاقة الدولية، وفق معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقعوا عليها. اعترض الغربيون على نوعية المعدات التي تحدث عنها الإيرانيون، واعتبروها أنها تدخل في مجال الاستخدام المزدوج العسكري والمدني، والتي لن يُسمح للإيرانيين باستيرادها. ودار النقاش حول آلية عمل اللجنة الدولية المشتركة التي ستتألف من ممثلين عن الدول الست (الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن + ألمانيا)، وإذا ما كانت القرارات الصادرة عنها ستكون صالحة إذا ما صدرت بالإجماع أو بالأكثرية. وكان الاتفاق على تشكيلها قد أحلها محل اقتراح فرنسي، بإعادة فرض العقوبات تلقائياً على إيران، بمجرد انتهاكها لالتزاماتها، بناءً على أي تقرير من مفتشي وكالة الطاقة الدولية، ومن دون المرور مجدداً بمجلس الأمن الدولي، حيث من الممكن أن ينتظرها «فيتو» روسي أو صيني. وبينما كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يعلن «أن الاتفاق سيكون انتصاراً للجميع»، مشيراً إلى أن «لا شيء سيعلن اليوم (أمس) حول الاتفاق النووي، لكن غداً قد يكون ذلك ممكناً»، عاد البيت الأبيض وناطقه جوش ايرنست إلى القول إن المفاوضين في فيينا أحرزوا «تقدماً حقيقياً» في المحادثات المتواصلة حول برنامج إيران النووي، ولكن اذا لم يتم التوصل إلى اتفاق اليوم فإن الاتفاق المؤقت سيظل سارياً. وكان لافتاً الاعلان متأخراً عن سماح الولايات المتحدة لفريق رعاية المصالح الإيرانية في واشنطن بالانتقال من مبنى السفارة الباكستانية إلى مقر مستقل محاذ لوزارة الخارجية الاميركية. وكان وزير الخارجية الصيني وانغ لي ينشر تفاؤلاً مبرراً بأنه «لا يمكن لأي اتفاق أن يكون كاملاً»، مضيفاً «أن الظروف باتت مؤاتية للتوصل إلى اتفاق جيد، ولا داعي لمهل جديدة». حتى اللحظة الأخيرة في فيينا من المفاوضات مع الأميركيين، أمسك الإيرانيون بناصية التفاوض إلى أن دقت ساعة الاتفاق. ذلك أن خيار تحديد ساعة الاتفاق بقي إيرانياً ليس في فيينا فحسب، وإنما خلال عقد كامل من الجولات التفاوضية. لم تكن فيينا بالنسبة إلى الإيرانيين والأميركيين على السواء لحظة انتصار العقوبات الاقتصادية وتراجع الإيرانيين عن برنامجهم، ولا انكفاء الأميركيين عن احتواء إيران كلياً، والانصياع لطموحاتها النووية والإقليمية. الأرجح أن الإيرانيين اعتبروا أن برنامجهم قد استكمل قاعدته البشرية والعلمية والتكنولوجية والبنيوية، قبل أن يقرروا أن اللحظة قد حانت لإبرام التسوية عليه، ويرسلوا أبرع تقنييهم وديبلوماسييهم إلى فيينا، لطي صفحة العقوبات. كما استكملوا في العقد الفائت تجميع أوراقهم الإقليمية في العراق وفي سوريا وفي لبنان وأخيراً في اليمن، وهي جميعها أوراق تزن في التسويات الإقليمية وفي قاعدة الاتفاق. وبالرغم من أن التنازلات التي قدمت قد تكون مؤلمة، ولكن العناصر المكونة لبرنامج نووي متطور قادر على تأمين قاعدة صناعية وطاقية صلبة واستقلال اقتصادي، ودور إقليمي أفضل، هي كلها عناصر تم الحفاظ عليها في الاتفاق الذي جعل إيران رسمياً دولة عتبة نووية، قادرة ضمنياً على إنتاج السلاح النووي، لكنها لن تخطو نحو إنتاجه، كدول كثيرة تعمل في نادي العتبة النووية كاليابان والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا. كما أن التجميد الذي يلحق بأكثر أقسام البرنامج تقدماً خصوصاً إنتاج البلوتونيوم بالمياه الثقيلة، وتحريم بناء منشآت جديدة، ووقف منشأة «فوردو» عن العمل، ولجم تطوير البحث في طاردات مركزية جديدة، واقتصار البرنامج والتخصيب على نماذج قديمة، هي كلها أثمان لا بد من دفعها، غير أن عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً من تجميد جزئي للبرنامج، لا تحسب في حياة الأمم، ولا تزن فيها. عبر البرنامج النووي بـ «الأمة « الإيرانية، من نظام الشاه الذي أطلقه مطلع السبعينيات، وأعد كوادره، ومنهم عباس عراقجي، وعلي أكبر صالحي وغيرهما، واستقدم مفاعله التجريبي الأول الأميركي من طراز «وستنكهاوس»، حتى الجمهورية الإسلامية، من دون أن يرتدي البرنامج طابعاً أيديولوجياً، لا امبراطورياً فارسياً محضاً، ولا شيعياً إسلامياً خالصاً. وينبغي انتظار الاتفاق بأكمله لكي تبدأ صياغة صورة متكاملة حول ما ينتظر الإقليم والتسويات، من دون أن تختلط الوقائع بالتكهنات والاستنتاجات حول المزايا الإستراتيجية التي حصلت عليها إيران، والتي ستغير في ميزان القوى. لكن الاتفاق في حده الأدنى، يفتح هدنة طويلة مع الولايات المتحدة في بعض الملفات في العراق أولاً حيث تتواجد تقاطعات مسبقة حول «داعش»، وبدرجة أقل في اليمن وفي سوريا، حيث لا تلوح أي إمكانية للتعاون حتى الآن. وكأي اتفاق سيتعرض اتفاق فيينا لهزات لا تخلو منها عملية تطبيق الاتفاق وأزمات محتملة حول ثغرات في تطبيقه، أو في جولات التفتيش التي قد تحاول إسرائيل والسعودية استغلالها، لأنه لا يوجد في النهاية اتفاق كامل قابل

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة