على الرغم من انضمام الولايات المتحدة الاميركية الى مجموعة الدول التي اعلنت صراحة عدم "مفاوضة الارهابيين"، كان لافتاً ما تناقلته وسائل الاعلام الاميركية في الآونة الاخيرة حول الكتاب الذي وضعه رئيس موظفي طوني بلير السابق جوناثان باول(1)، وبدا خلاله انه اقرب الى محاولة الترويج للافكار التي تبناها الكتاب والتي تدعو الى التفاوض مع الارهابيين عاجلاً وليس آجلاً كما يحصل في معظم الاوقات.

ومن الطبيعي ان تنقسم الآراء، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل ايضاً في مختلف انحاء العالم حول هذه الدعوة، فمنهم من رأى انها منطقية لان الارهابيين سرعان ما يتحولون الى امر واقع لا يمكن القفز فوقه، ويجب بالتالي التعاطي معه من منظار آخر غير استعمال القوة، على غرار ما يحصل حالياً في افغانستان مثلاً بين الحكومة وحركة "طالبان".

ولكن هناك قسم آخر يرى ان الامر ليس بهذه البساطة، وان باول ربما تأثر بالاخفاق الذي عانى منه طوني بلير في العراق حين كان رئيساً للوزراء في بريطانيا، وخاض حرباً الى جانب الرئيس الاميركي السابق جورج بوش مستنداً الى ادلة مفبركة عن اسلحة دمار شامل عراقية... اضافة الى ذلك، يعتبر هؤلاء ان ما ورد في الكتاب يغفل حقيقة واقعية لا يمكن تخطيها وهي ان المفاوضات التي حصلت مع الارهابيين اتت بعد سنوات طويلة على وجودهم، وهو امر بالغ الاهمية. فالفترة الزمنية المديدة كفيلة بتغيير الافكار والمبادىء والاهم انها كفيلة بتغيير الاسلوب المعتمد، فبدل اللجوء اولا الى القتل والاجرام، تصبح هذه الطريقة متأخرة نسبياً لاعتمادها من قبل الارهابيين. بمعنى آخر، يعتبر هؤلاء ان السنوات الطويلة للمنظمات والمجموعات الارهابية كفيلة بتغيير نمطها وتصبح قابلة للتواصل بعد ان تكون اثبتت انها قابلة للحياة.

ولكن هؤلاء الاشخاص انفسهم يحذرون من ان ما ينطبق على المجموعات الارهابية بشكل عام، لا ينطبق بالضرورة على الارهابيين من اتباع العقيدة الدينية الخاصة بهم، وبالاخص من اتباع "داعش" واخواتها في الاجرام.

ويشرح معارضو فكرة التفاوض مع الارهابيين، ان ما يتم التداول به اعلامياً في الولايات المحدة حول موضوع التفاوض، يعكس رغبة رسمية اميركية في التمهيد لمرحلة ما بعد داعش تم التمهيد لها عبر وسائل الاعلام كما حصل في فترات سابقة. فالتفاوض مع اصحاب العقيدة الدينية الذين يقتلون وفق "المزاج"، امر غير وارد حتى لو رغبت الدول في ذلك، لانه لا يمكن الرهان على "المزاج" وحده لانشاء علاقة، كما ان التقلبات في المواقف والشحن "العقائدي الديني" دليلان كافيان لعدم قابلية المنظمة الارهابية للحياة على المدى البعيد. فكيف يمكن الاطمئنان الى ان المنظمة الارهابية ستتغير في حال السلم، فهي انشئت في زمن الحروب وبنت "امجادها" على القتل وعلى تغذية النفوس المضللة بأن ما يقومون به يرضي الله وان "الكفار" الذين يجولون حولهم هم سبب عدم وصولهم الى الله والجنة، والحل الوحيد يكون بالتالي ان يقضوا على من حولهم او من لا يشاطرهم عقيدتهم ورؤيتهم لله.

اما الحل الآخر للدول، فيكون بمحو الصورة التي بناها هذا التنظيم الارهابي واستبدالها بصورة تنظيم آخر اكثر قبولاً لدى الناس، ويكون هدفه الحصول على حقوقه بكل الوسائل المتاحة، فيكون ارهابه "معروفاً" الى حد ما والاهم انه لا يبني نفسه على فكرة عقائدية دينية لا يمكن تغييرها، بل على فكرة عقائدية سياسية او اجتماعية قابلة للتعديل وفق المتغيرات والمعطيات.

من هنا، قد يكون ما تتم قراءته في وسائل الاعلام الاميركية باباً للترويج للمعارضين السوريين مثلاً لاستلام زمام الامور بعد القضاء على "داعش"، وتقديمهم على انهم الورثة الحقيقيون للافكار الغربية المناهضة للنظام السوري، ويمكنهم بالتالي السيطرة على مساحات من الاراضي وحكمها اذا ما بقي مخطط التقسيم الموضوع واردا في سوريا كما غيرها من الدول.

 

 

(1) اصدر جوناثان باول كتاباً حمل عنوان "الارهابيون على الطاولة: لماذا التفاوض هو الطريق الوحيد للسلام". ومن ابرز افكار الكتاب ان الارهاب هو انعكاس لمشكلة سياسية لم يتم التعاطي معها كما يجب، وبالتالي فإن الحل للمشكلة يكون ايضاً سياسياً.

  • فريق ماسة
  • 2015-07-12
  • 5244
  • من الأرشيف

أميركا تمهد لانهاء ظاهرة "داعش"... بالحوار

على الرغم من انضمام الولايات المتحدة الاميركية الى مجموعة الدول التي اعلنت صراحة عدم "مفاوضة الارهابيين"، كان لافتاً ما تناقلته وسائل الاعلام الاميركية في الآونة الاخيرة حول الكتاب الذي وضعه رئيس موظفي طوني بلير السابق جوناثان باول(1)، وبدا خلاله انه اقرب الى محاولة الترويج للافكار التي تبناها الكتاب والتي تدعو الى التفاوض مع الارهابيين عاجلاً وليس آجلاً كما يحصل في معظم الاوقات. ومن الطبيعي ان تنقسم الآراء، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل ايضاً في مختلف انحاء العالم حول هذه الدعوة، فمنهم من رأى انها منطقية لان الارهابيين سرعان ما يتحولون الى امر واقع لا يمكن القفز فوقه، ويجب بالتالي التعاطي معه من منظار آخر غير استعمال القوة، على غرار ما يحصل حالياً في افغانستان مثلاً بين الحكومة وحركة "طالبان". ولكن هناك قسم آخر يرى ان الامر ليس بهذه البساطة، وان باول ربما تأثر بالاخفاق الذي عانى منه طوني بلير في العراق حين كان رئيساً للوزراء في بريطانيا، وخاض حرباً الى جانب الرئيس الاميركي السابق جورج بوش مستنداً الى ادلة مفبركة عن اسلحة دمار شامل عراقية... اضافة الى ذلك، يعتبر هؤلاء ان ما ورد في الكتاب يغفل حقيقة واقعية لا يمكن تخطيها وهي ان المفاوضات التي حصلت مع الارهابيين اتت بعد سنوات طويلة على وجودهم، وهو امر بالغ الاهمية. فالفترة الزمنية المديدة كفيلة بتغيير الافكار والمبادىء والاهم انها كفيلة بتغيير الاسلوب المعتمد، فبدل اللجوء اولا الى القتل والاجرام، تصبح هذه الطريقة متأخرة نسبياً لاعتمادها من قبل الارهابيين. بمعنى آخر، يعتبر هؤلاء ان السنوات الطويلة للمنظمات والمجموعات الارهابية كفيلة بتغيير نمطها وتصبح قابلة للتواصل بعد ان تكون اثبتت انها قابلة للحياة. ولكن هؤلاء الاشخاص انفسهم يحذرون من ان ما ينطبق على المجموعات الارهابية بشكل عام، لا ينطبق بالضرورة على الارهابيين من اتباع العقيدة الدينية الخاصة بهم، وبالاخص من اتباع "داعش" واخواتها في الاجرام. ويشرح معارضو فكرة التفاوض مع الارهابيين، ان ما يتم التداول به اعلامياً في الولايات المحدة حول موضوع التفاوض، يعكس رغبة رسمية اميركية في التمهيد لمرحلة ما بعد داعش تم التمهيد لها عبر وسائل الاعلام كما حصل في فترات سابقة. فالتفاوض مع اصحاب العقيدة الدينية الذين يقتلون وفق "المزاج"، امر غير وارد حتى لو رغبت الدول في ذلك، لانه لا يمكن الرهان على "المزاج" وحده لانشاء علاقة، كما ان التقلبات في المواقف والشحن "العقائدي الديني" دليلان كافيان لعدم قابلية المنظمة الارهابية للحياة على المدى البعيد. فكيف يمكن الاطمئنان الى ان المنظمة الارهابية ستتغير في حال السلم، فهي انشئت في زمن الحروب وبنت "امجادها" على القتل وعلى تغذية النفوس المضللة بأن ما يقومون به يرضي الله وان "الكفار" الذين يجولون حولهم هم سبب عدم وصولهم الى الله والجنة، والحل الوحيد يكون بالتالي ان يقضوا على من حولهم او من لا يشاطرهم عقيدتهم ورؤيتهم لله. اما الحل الآخر للدول، فيكون بمحو الصورة التي بناها هذا التنظيم الارهابي واستبدالها بصورة تنظيم آخر اكثر قبولاً لدى الناس، ويكون هدفه الحصول على حقوقه بكل الوسائل المتاحة، فيكون ارهابه "معروفاً" الى حد ما والاهم انه لا يبني نفسه على فكرة عقائدية دينية لا يمكن تغييرها، بل على فكرة عقائدية سياسية او اجتماعية قابلة للتعديل وفق المتغيرات والمعطيات. من هنا، قد يكون ما تتم قراءته في وسائل الاعلام الاميركية باباً للترويج للمعارضين السوريين مثلاً لاستلام زمام الامور بعد القضاء على "داعش"، وتقديمهم على انهم الورثة الحقيقيون للافكار الغربية المناهضة للنظام السوري، ويمكنهم بالتالي السيطرة على مساحات من الاراضي وحكمها اذا ما بقي مخطط التقسيم الموضوع واردا في سوريا كما غيرها من الدول.     (1) اصدر جوناثان باول كتاباً حمل عنوان "الارهابيون على الطاولة: لماذا التفاوض هو الطريق الوحيد للسلام". ومن ابرز افكار الكتاب ان الارهاب هو انعكاس لمشكلة سياسية لم يتم التعاطي معها كما يجب، وبالتالي فإن الحل للمشكلة يكون ايضاً سياسياً.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة