دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
غزة «القدس العربي» على خلاف كل التوقعات كان توني بلير الذي ترك قبل أسابيع منصبه كمبعوث للجنة الرباعية الدولية، الجهة التي فرضت الحصار الدولي على قطاع غزة حماس، قد حطّ في العاصمة القطرية الدوحة، يرتدي وجها جديدا وطريقة مخالفة لما كان عليه في التعامل الرسمي، ليقابل هناك رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، ضمن مهمة جديدة يعمل خلالها كوسيط لإحلال اتفاق «التهدئة الطويلة الأمد».
المهمة الجديدة لبلير الذي لا يحظى بأي احترام في اوساط السياسيين الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم، التي جاءت بطلب إسرائيلي، تتمثل في الوصول إلى اتفاق يحفظ ماء الوجه لأصدقائه المقربين في تل أبيب.
فالرجل الذي كان رأس الحربة الدولية التي حاربت حماس، لا يحظى بحب الحركة التي تحمله مسؤولية حصارها الدولي عندما فازت في الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني/ يناير عام 2006، ولا يحظى باحترام السلطة الفلسطينية التي عبر مسؤولوها عند مغادرته منصبه عن عدم أسفهم على قرارهم، واتهموه بأنه كان ينتهج سياسة دوما سخرها في خدمة إسرائيل.
في هذه الأيام عاد بلير، في مهمة لم تجد إسرائيل وسيطا ولا مفاوضا أكثر منه حرصا على مصالحها، لتدفعه باتجاه مقابلة قادة حماس مرغما، بعد أن كان يقف على رأس سياسة دولية تحظر التعامل مع الحركة من قريب أو من بعيد.
الكشف الأخير على قرب التوصل إلى اتفاق «التهدئة الطويلة الأمد» بين حركة حماس، وهو أمر لم يعد سرا كبيرا، في ظل التصريحات الأخيرة لإسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، بقرب الوصول للاتفاق، كان بعد جملة من الاتصالات واللقاءات والزيارات التي أجراها دبلوماسيون ومسؤولون غربيون إلى غزة، وهو ما جعل الكثير يتحدث عن وجود أكثر من وسيط وأكثر من جهة دولية ترعى الاتصال «غير المباشر» بين حماس وإسرائيل.
ففي ظل هذه الزيارات الدولية والدبلوماسية المكثفة لغزة لبحث التهدئة، التي غلفت بستار بحث الإعمار، ذكرت تقارير إسرائيلية نقلا عن مصادر في حماس أن بلير كان الوسيط الرسمي مع حماس، وأنه بحث معها في غزة والدوحة مسألة تبادل الأسرى، وهي ضمن عملية كاملة تشمل «التهدئة الطويلة».
فبعد سنوات القطيعة زار بلير غزة، وتشير معلومات إلى أنه التقى قادة حماس، ثم انتقل إلى العاصمة المصرية القاهرة، بوابة غزة في أي اتفاق حتى مع إسرائيل، ومن هناك طار إلى الدوحة للقاء قائد حماس خالد مشعل، وبحث تفاصيل مخطط التهدئة وتبادل الأسرى.
وكان مشعل قد كشف أن إسرائيل طلبت من الحركة، عبر وسيط أوروبي، الإفراج عن إسرائيليين اثنين وجثتين، وقال إن حماس امتنعت عن تقديم أي رد على هذا الموضوع، وأبلغت الوسيط أنها لن تبدأ أي شكل من أشكال التفاوض في شأن ما لديها من أسرى إسرائيليين، قبل أن تفرج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين أطلقت سراحهم في صفقة شاليط عام 2011، وأعادت اعتقالهم خلال العام الماضي.
بطبيعة الحال حركة حماس لا تمانع أي وساطة من أي جهة دولية، في سبيل تحقيق مطالبها الموضوعة قبل التفاوض، في ملفات التهدئة والتبادل، فالحركة ستقدم للوسيط المقترحات ويتطلب كالعادة التي جرت في صفقات تهدئة وتبادل سابقة الثمن.
وفي هذا السياق كشف تقرير إسرائيلي أن مصر ليست طرفا في الوساطة الحالية.
وربما يكون الأفضل لحماس أن تسلك طريق اللقاء مع وسيط قدم بناء على الطرف الآخر، فالأمر يعني أن هذا الطرف الذي أرسل الوسيط «إسرائيل» يرغب في دفع الثمن، وفي حالات كهذه يتوسط فيها طرف دولي تكون فرصة الوصول إلى حل سريعة.
وهنا تبرز تصريحات هنية التي أدلى بها في الأسبوع الماضي لتدلل على ذلك، حيث قال مخاطبا سكان غزة «مرحلة الانفراج لقطاع غزة اقتربت». وأرجع ذلك إلى التحركات والجهود الفلسطينية الكبيرة التي تبذل على عدة صعد واتجاهات، وبشر سكان غزة بقرب زوال الحصار الإسرائيلي.
الأسس النهائية لاتفاق التهدئة القريب، لم يكشف عنها بعد، لكن المبادئ الأساسية تلك التي جرى الكشف عنها سابقا، تتمحور حول فكرة «التنمية لسكان غزة مقابل الهدوء لسكان إسرائيل» وفق ما طرحه وزير الخارجية الألماني لقطاع غزة في الشعر الماضي، وتشمل وقفا طويلا لإطلاق النار يمتد لـ 15 عاما، مع بناء ميناء عائم في غزة، على شكل ممر مائي يربطها بالعالم، وفك الحصار وإدخال ما يحتاجه السكان، من أجل المحافظة على حالة الهدوء، ومنع انفجار المحاصرين في غزة.
فالهدوء على جبهة غزة أمر ترغب فيه حكومة إسرائيل اليمينية الضيقة، التي تخشى أي اهتزاز سياسي، قد يعجل من تفكيكها وصعود قوى الوسط واليمين في أي انتخابات مبكرة، فحالة الحرب السابقة وإن كانت قد حافظت على فوز حزب «الليكود» بزعامة بنيامين نتنياهو، قد ألحقت بقوى اليمين الأكثر تطرفا خسائر كبيرة، لصالح خصومهم اليساريين ومن الوسط، وتوترا جديدا من شأنه أن يفجر حربا واستهدافا من جديد لمدن إسرائيل في معركة تقول حماس إن جناحها المسلح استعد لها جيدا، قد يأتي بويلات على حكومة نتنياهو المتأرجحة.
الكثير من المراقبين يرى إمكانية عقد اتفاق شامل بين حماس وإسرائيل، خاصة أن الأخيرة لا تقف على أرضية قوية هذه الأيام تجعلها تنتهج سياسة المماطلة والتأجيل، فإضافة إلى فقدانها اثنين من الجنود في أرض المعارك في غزة خلال الصيف الماضي، وأحدهم أعلنت حماس أنه في قبضة جناحها المسلح، دون الكشف عن مصيره إن كان حيا أو ميتا، هناك اثنان آخران من مواطنيها، أحدهما من أصل أثيوبي، أخفت إسرائيل وقوعه في قبضة حماس طويلا، ما جعلها محل انتقادات كبيرة، خاصة في اوساط اليهود الأثيوبيين الذين يرون أنه لم يعامل معاملة أي إسرائيلي قادم من الغرب لو وقع في الأسر.
وهذا الإسرائيلي الذي وصل إلى غزة على قدميه قادما من إسرائيل، ومجتازا للحدود الفاصلة بعد أن تسلقها فارا من جنود إسرائيل الذين تواجدوا هناك إلى غزة مسرعا، يمثل صيدا كبيرا للحركة في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، خاصة وأنها وعدت قادة جناحها المسلح في سجون إسرائيل بحرية قريبة.
وإسرائيل كانت قد راوغت كثيرا في إتمام صفقة تبادل الأسرى الماضية مع حماس التي أبرمت بوساطة مصرية وألمانية في عام 2011، وأطلقت خلالها حماس الجندي جلعاد شاليط، مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا، خاصة وأن شاليط وقع في أسر حماس في عملية نوعية ضد موقع عسكري لإسرائيلي داخل الحدود، أطلقت عليها اسم الوهم المتبدد» في عام 2006.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة