هل أحبطت سوريا أخطر مشروع اسرائيلي كان يقضي بإنشاء منطقة حدودية في الجنوب يقطنها الموحدون الدروز؟

  القصة بدأت بتخطيط اسرائيلي استخدمت فيه تل أبيب دروزاً من الاراضي الفلسطينية المحتلة لتحريض الموحّدين في السويداء على اقامة دولة تحت الحماية الاسرائيلية. حصل تواصل بين دروز سوريين وآخرين ضمن الارضي المحتلة  من ضمن تحرك قاده المسؤول الاسرائيلي ايوب قره. رصدت سوريا اتصالات ورسائل تمهيدية تُرجمت تدريجيا داخل السويداء بالتمنع عن الالتحاق بالجيش السوري او الدعوة الى الحياد او التحريض على التحالف مع دروز فلسطين وطلب الحماية الاسرائيلية.

 لم يكن موقف الموحدّين في الجولان مشجعاً للانفصال عن الدولة السورية. هم حذروا من مصلحة إسرائيلية تقضي بإستخدام الدروز خط دفاع أمامي عن اسرائيل. ذكّر هؤلاء أن تل أبيب لا تهتم اساساً بالدروز في شمال الاراضي الاسرائيلية، لا خدماتياً ولا سياسياً. هي تتصرف معهم بحقد وعنصرية وترسّخ الفروقات الاجتماعية بينهم وبين اليهود.

حكماء السويداء واجهوا المشروع الاسرائيلي: لا يمكن فصلنا عن تاريخنا وعروبتنا ووطننا، فليُترجم الاسرائيلي ادعاءاته بحماية الدروز من خلال الضغط على الأميركيين لوقف تسليح وتمويل وادارة المعارك المسلحة التي تنظمها غرفة الموك(1) بإشراف اردني-سعودي-أميركي.  كيف يمكن للإسرائيليين الحديث عن حماية الدروز فيما يسهّلون بالمقابل تحرك المجموعات المسلحة في الجنوب السوري ويواكبون هجماتهم بمساعدة تقنية ولوجستية واحيانا عسكرية عدا عن علاج جرحى المسلحين في مستشفيات إسرائيلية؟

بعد انسحاب الجيش السوري من قواعد عسكرية جنوبية كما حصل مع "اللواء 52" شعر الدروز بخطر حقيقي. تجربتهم مع "جبهة النصرة" مُرة. المسلحون في درعا اعتدوا في بداية الاحداث السورية على معلمات من السويداء من دون سبب، فقط لانهن درزيات. القضية أعمق من موقف سياسي او خلاف مناطقي. المسألة تتعلق بمفهوم التطرف الديني الذي يطغى على معظم المعارضين وكل المسلحين.

ضخ الإسرائيليون مزيدا من الضغوط الإعلامية. ذكروا الدروز ان دولتهم كانت قائمة عمليا منذ عام 1919 وصولا الى عام 1936. وعدوا بحمايتهم وتشكيل جيش درزي يتعدى عديده مئة الف جندي تجهّزه اسرائيل بأحدث الاسلحة.

المخاطر الميدانية لم تمنع الدروز من استحضار تجربة الشريط الحدودي جنوب لبنان. ماذا حلّ بالمتعاملين مع اسرائيل؟ الم تتخلّ تل أبيب عنهم من دون سابق إنذار؟ الم تتركهم يواجهون مصيرهم بعد الانسحاب عام ألفين؟ ما هو مصير قائد "جيش لبنان الجنوبي" الآن؟ الا يبيع الفلافل في مطعم صغير في اسرائيل؟

 لم يرضَ الموحدون الدروز بالمشروع الاسرائيلي. تقدم سوريون قوميون اجتماعيون ينتمون الى الموحدين والسويداء وخاضوا معارك الدفاع بمواجهات مطار الثعلة. سقط شهداء دروز واستبسل آخرون الى جانب الجيش السوري ولجان الدفاع الوطني من اهالي السويداء. جرى الاتفاق مع الحكومة السورية على عودة المتخلفين عن الخدمة العسكرية الى الانخراط بالدفاع عن محافظة السويداء. حسم مشايخ الموحدين الامر وطنياً. لا حياد مع المسلحين المهاجمين. ليس الدروز من هاجموا بل دافعوا عن انفسهم ووجودهم. وصلت الرسالة الى تل أبيب بإتخاذ الدروز موقف الانحياز الى سوريا وطنا نهائيا للموحدّين في السويداء.

لم ينته المشروع الاسرائيلي. ازداد الضغط على الدروز. تم الإيعاز من تل أبيب الى إدارة عمليات الموك في الأردن بنقل الهجوم على الدروز من السويداء الى بلدات حضر وعرنة في جبل الشيخ. هذا ما حصل بالتزامن مع تضخيم إعلامي اسرائيلي بالحديث عن إبادة قد يتعرض لها الدروز هناك. الهدف في تل أبيب هو ضم المنطقة الى الاشراف الاسرائيلي تحت عنوان "حماية الدروز".

ما بين الأحاديث الإعلامية ولجان الكنيست تناوب المسؤولون الإسرائيليون على التهويل. اعلنوا الاستعداد لكل الخيارات بحجة "وقف المذبحة بحق الدروز". اما فتح الحدود او التدخل العسكري، وبالحالتين ضم المساحة الجغرافية الحدودية الى المنطقة العسكرية التي أعلنتها اسرائيل في الساعات الماضية شمال اراضيها.

المسؤولون العسكريون الإسرائيليون تناوبوا على الضغوط وتقديم انفسهم على انهم المخلصين، الى حد ان رئيس أركان الجيش الاسرائيلي غادي ايزنكوت تحدث عن "حلف دم" يربط تل أبيب بالدروز.

بالمقابل هجمات حضر ما كانت لتتم لولا المساعدة العسكرية الاسرائيلية للمسلحين. مجرد تشويش اسرائيلي على الاتصالات كان سيساهم في إحباط الهجوم على الدروز. يعرف الموحدون ذلك جيدا. هم يدركون ان مخطط ضرب النسيج السوري عبر فصل الدروز عن سوريا تباركه عواصم خليجية رغم عدم حماسة الأميركيين و قلق الأردنيين من اي كيان مستقبلي يحظى برعاية إسرائيلية بالقرب من المملكة الهاشمية.

افشل الدروز المخطط الاسرائيلي مبدئياً. ازدادت المقاومة شراسة بالدفاع بقوة دماء العسكريين السوريين والمدنيين من أبناء السويداء تحديدا، ومواجهات خاضها القوميون الاجتماعيون في مقدمة خطوط الدفاع.

فهل فشل مشروع التقسيم في سوريا؟ قبل السويداء أحبط اهل الساحل نفس المشروع بإحتضانهم النازحين من حلب والرقة ودير الزور وادلب والأرياف في اللاذقية وطرطوس. وحدها مدينة اللاذقية استوعبت اكثر من مليون وأربعمئة الف مواطن. ما يعني ان تغييرا ديموغرافيا حصل. فكيف يتم التقسيم على اساس طائفي او مذهبي؟!

يبدو ان المفاجآت السورية بدأت بالظهور. ربما هذا ما الى أدى الى قيام المعارضة المسلحة برد فعل متشنج يُترجم بقصف عشوائي على مدينتي حلب ودمشق بشكل أساسي. المواطنون هم الضحية. سخط شعبي يتوسع على المعارضة والعواصم الداعمة لها اكثر من اي وقت مضى. يمكنك ان تسمع ذلك من أبناء المدينتين عشية شهر رمضان الكريم. ما يعني ان اي حاضنة شعبية للمعارضة تتلاشى. فلننتظر. استعجل المعارضون بالحديث عن مكاسب سياسية وميدانية. اين هي؟ خصوصا ان "لعنة سوريا" تتمدد اقليمياً كما يبدو مؤخرا في تركيا. قد تكون هذه التطورات هي التي دفعت المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا الى زيارة دمشق والحديث مجددا عن الحل السياسي.

 (1) هي غرفة عمليات في الأردن تحت اسم (الموك) ويديرها ضباط استخبارات أميركيون وخليجيون وأردنيون وربما إسرائيليون، تتولى إدارة العمليات العسكرية في جنوب سهل حوران لمصلحة "الجيش السوري الحر" تحديداً وتزوده بالمعلومات اللوجستية والمعلومات الاستخباراتية.

 * الصورة تعود إلى مها الأطرش حفيدة سلطان باشا الأطرش وهي تقف أمام لوحة قرية الثعلة وهي مسلّحة ما يؤشر إلى أنها شاركت بالمعارك التي حصلت حول مطار الثعلة.

  • فريق ماسة
  • 2015-06-19
  • 14047
  • من الأرشيف

مفاجآت سوريا تبدأ من السويداء ‎

هل أحبطت سوريا أخطر مشروع اسرائيلي كان يقضي بإنشاء منطقة حدودية في الجنوب يقطنها الموحدون الدروز؟   القصة بدأت بتخطيط اسرائيلي استخدمت فيه تل أبيب دروزاً من الاراضي الفلسطينية المحتلة لتحريض الموحّدين في السويداء على اقامة دولة تحت الحماية الاسرائيلية. حصل تواصل بين دروز سوريين وآخرين ضمن الارضي المحتلة  من ضمن تحرك قاده المسؤول الاسرائيلي ايوب قره. رصدت سوريا اتصالات ورسائل تمهيدية تُرجمت تدريجيا داخل السويداء بالتمنع عن الالتحاق بالجيش السوري او الدعوة الى الحياد او التحريض على التحالف مع دروز فلسطين وطلب الحماية الاسرائيلية.  لم يكن موقف الموحدّين في الجولان مشجعاً للانفصال عن الدولة السورية. هم حذروا من مصلحة إسرائيلية تقضي بإستخدام الدروز خط دفاع أمامي عن اسرائيل. ذكّر هؤلاء أن تل أبيب لا تهتم اساساً بالدروز في شمال الاراضي الاسرائيلية، لا خدماتياً ولا سياسياً. هي تتصرف معهم بحقد وعنصرية وترسّخ الفروقات الاجتماعية بينهم وبين اليهود. حكماء السويداء واجهوا المشروع الاسرائيلي: لا يمكن فصلنا عن تاريخنا وعروبتنا ووطننا، فليُترجم الاسرائيلي ادعاءاته بحماية الدروز من خلال الضغط على الأميركيين لوقف تسليح وتمويل وادارة المعارك المسلحة التي تنظمها غرفة الموك(1) بإشراف اردني-سعودي-أميركي.  كيف يمكن للإسرائيليين الحديث عن حماية الدروز فيما يسهّلون بالمقابل تحرك المجموعات المسلحة في الجنوب السوري ويواكبون هجماتهم بمساعدة تقنية ولوجستية واحيانا عسكرية عدا عن علاج جرحى المسلحين في مستشفيات إسرائيلية؟ بعد انسحاب الجيش السوري من قواعد عسكرية جنوبية كما حصل مع "اللواء 52" شعر الدروز بخطر حقيقي. تجربتهم مع "جبهة النصرة" مُرة. المسلحون في درعا اعتدوا في بداية الاحداث السورية على معلمات من السويداء من دون سبب، فقط لانهن درزيات. القضية أعمق من موقف سياسي او خلاف مناطقي. المسألة تتعلق بمفهوم التطرف الديني الذي يطغى على معظم المعارضين وكل المسلحين. ضخ الإسرائيليون مزيدا من الضغوط الإعلامية. ذكروا الدروز ان دولتهم كانت قائمة عمليا منذ عام 1919 وصولا الى عام 1936. وعدوا بحمايتهم وتشكيل جيش درزي يتعدى عديده مئة الف جندي تجهّزه اسرائيل بأحدث الاسلحة. المخاطر الميدانية لم تمنع الدروز من استحضار تجربة الشريط الحدودي جنوب لبنان. ماذا حلّ بالمتعاملين مع اسرائيل؟ الم تتخلّ تل أبيب عنهم من دون سابق إنذار؟ الم تتركهم يواجهون مصيرهم بعد الانسحاب عام ألفين؟ ما هو مصير قائد "جيش لبنان الجنوبي" الآن؟ الا يبيع الفلافل في مطعم صغير في اسرائيل؟  لم يرضَ الموحدون الدروز بالمشروع الاسرائيلي. تقدم سوريون قوميون اجتماعيون ينتمون الى الموحدين والسويداء وخاضوا معارك الدفاع بمواجهات مطار الثعلة. سقط شهداء دروز واستبسل آخرون الى جانب الجيش السوري ولجان الدفاع الوطني من اهالي السويداء. جرى الاتفاق مع الحكومة السورية على عودة المتخلفين عن الخدمة العسكرية الى الانخراط بالدفاع عن محافظة السويداء. حسم مشايخ الموحدين الامر وطنياً. لا حياد مع المسلحين المهاجمين. ليس الدروز من هاجموا بل دافعوا عن انفسهم ووجودهم. وصلت الرسالة الى تل أبيب بإتخاذ الدروز موقف الانحياز الى سوريا وطنا نهائيا للموحدّين في السويداء. لم ينته المشروع الاسرائيلي. ازداد الضغط على الدروز. تم الإيعاز من تل أبيب الى إدارة عمليات الموك في الأردن بنقل الهجوم على الدروز من السويداء الى بلدات حضر وعرنة في جبل الشيخ. هذا ما حصل بالتزامن مع تضخيم إعلامي اسرائيلي بالحديث عن إبادة قد يتعرض لها الدروز هناك. الهدف في تل أبيب هو ضم المنطقة الى الاشراف الاسرائيلي تحت عنوان "حماية الدروز". ما بين الأحاديث الإعلامية ولجان الكنيست تناوب المسؤولون الإسرائيليون على التهويل. اعلنوا الاستعداد لكل الخيارات بحجة "وقف المذبحة بحق الدروز". اما فتح الحدود او التدخل العسكري، وبالحالتين ضم المساحة الجغرافية الحدودية الى المنطقة العسكرية التي أعلنتها اسرائيل في الساعات الماضية شمال اراضيها. المسؤولون العسكريون الإسرائيليون تناوبوا على الضغوط وتقديم انفسهم على انهم المخلصين، الى حد ان رئيس أركان الجيش الاسرائيلي غادي ايزنكوت تحدث عن "حلف دم" يربط تل أبيب بالدروز. بالمقابل هجمات حضر ما كانت لتتم لولا المساعدة العسكرية الاسرائيلية للمسلحين. مجرد تشويش اسرائيلي على الاتصالات كان سيساهم في إحباط الهجوم على الدروز. يعرف الموحدون ذلك جيدا. هم يدركون ان مخطط ضرب النسيج السوري عبر فصل الدروز عن سوريا تباركه عواصم خليجية رغم عدم حماسة الأميركيين و قلق الأردنيين من اي كيان مستقبلي يحظى برعاية إسرائيلية بالقرب من المملكة الهاشمية. افشل الدروز المخطط الاسرائيلي مبدئياً. ازدادت المقاومة شراسة بالدفاع بقوة دماء العسكريين السوريين والمدنيين من أبناء السويداء تحديدا، ومواجهات خاضها القوميون الاجتماعيون في مقدمة خطوط الدفاع. فهل فشل مشروع التقسيم في سوريا؟ قبل السويداء أحبط اهل الساحل نفس المشروع بإحتضانهم النازحين من حلب والرقة ودير الزور وادلب والأرياف في اللاذقية وطرطوس. وحدها مدينة اللاذقية استوعبت اكثر من مليون وأربعمئة الف مواطن. ما يعني ان تغييرا ديموغرافيا حصل. فكيف يتم التقسيم على اساس طائفي او مذهبي؟! يبدو ان المفاجآت السورية بدأت بالظهور. ربما هذا ما الى أدى الى قيام المعارضة المسلحة برد فعل متشنج يُترجم بقصف عشوائي على مدينتي حلب ودمشق بشكل أساسي. المواطنون هم الضحية. سخط شعبي يتوسع على المعارضة والعواصم الداعمة لها اكثر من اي وقت مضى. يمكنك ان تسمع ذلك من أبناء المدينتين عشية شهر رمضان الكريم. ما يعني ان اي حاضنة شعبية للمعارضة تتلاشى. فلننتظر. استعجل المعارضون بالحديث عن مكاسب سياسية وميدانية. اين هي؟ خصوصا ان "لعنة سوريا" تتمدد اقليمياً كما يبدو مؤخرا في تركيا. قد تكون هذه التطورات هي التي دفعت المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا الى زيارة دمشق والحديث مجددا عن الحل السياسي.  (1) هي غرفة عمليات في الأردن تحت اسم (الموك) ويديرها ضباط استخبارات أميركيون وخليجيون وأردنيون وربما إسرائيليون، تتولى إدارة العمليات العسكرية في جنوب سهل حوران لمصلحة "الجيش السوري الحر" تحديداً وتزوده بالمعلومات اللوجستية والمعلومات الاستخباراتية.  * الصورة تعود إلى مها الأطرش حفيدة سلطان باشا الأطرش وهي تقف أمام لوحة قرية الثعلة وهي مسلّحة ما يؤشر إلى أنها شاركت بالمعارك التي حصلت حول مطار الثعلة.

المصدر : االنشرة / عباس ضاهر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة