كانت الأحداث السورية والعراقية بالنسبة إلى الأردني مجرَّد أخبار مُقلقة تخصُّ الأشقَّاء، وتعني بشكل أو بآخر أنَّ ثمَّة لاجئين آتين إلى البلد التي اعتادت اللجوء، لكن أخبار جنوب سوريا في هذه الأيام، تعني أنَّ الخطر بات أقرب إلى الأردن.

ما يضع القلق في نصابه الحقيقي، هو حديث مستشار الملك للشؤون العسكرية ورئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن مشعل الزبن، في الاحتفال الذي أقامته القوات المسلحة الأردنية، لمناسبات «عيد الاستقلال» و«عيد الجلوس الملكي» و«الثورة العربية الكبرى» و«يوم الجيش»، حين قال: «لن نتردَّد في التعامل مع أيّ خطر يهدِّد أمن بلدنا خارج حدودنا إنْ لزم الأمر، وهذا حقٌّ مشروع للدفاع عن أنفسنا».

ويصبح المشهد أوضح عند استعادة حدث تسليم الملك عبد الله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، في التاسع من حزيران الحالي، الراية الهاشمية إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة خلال مراسم عسكرية، لتنضم هذه الراية إلى رايات وأعلام القوات المسلحة الأردنية.

وبرغم التحليلات العديدة التي فاض فيها الشارع الأردني حول الراية التي تحمل عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، إلَّا أنَّ معظم المحلِّلين رأوا فيها رسالة موجَّهة إلى تنظيم «داعش»: لستم الوكلاء الحصريين للإسلام ومفاهيمه، وفقاً لترجيح الخبير العسكري واللواء المتقاعد مأمون أبو نوار أثناء حديثه إلى «السفير».

فهل تفرض الأحداث المقبلة، في حال سيطرت الجماعات المتطرفة على الجنوب السوري، على الجيش الأردني تغيير قواعد الاشتباك واجتياز الحدود السورية لقصف الجماعات المتطرفة لحماية البلد؟

حدود اخترقتها الأيديولوجيا!

يترجم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني النائب بسام المناصير إيمانه بقدرة الجيش الأردني على ضبط الحدود بمشاهداته أثناء زيارة الحدود الأردنية ـ السورية على رأس وفد نيابي أردني، إذ يقول لـ«السفير» إنه «من العصي على أيّ عصفور المرور من الحدود الأردنية ـ السورية من دون أن يظهر لكاميرات المراقبة في القيادة العامة»، معتبراً أنَّ الحدود الأردنية آمنة بما يكفي لمنع الإرهابيين من اختراقها، بينما استبعد خيار دخول الجيش الأردني إلى الحدود السورية أو تنفيذ ضربات في الداخل السوري.

«لا يوجد حدود آمنة»، هذا ما يؤكِّده اللواء المتقاعد أبو نوار، برغم عدم تشكيكه بفاعلية السور الرقمي الذي تحدَّث عنه المناصير، إلَّا أنَّه يضيف لما سبق تساؤلاً عن دور الخلايا النائمة المؤيدة لـ«داعش» و«جبهة النصرة» في الأردن. بل إنَّ الكاتب ناهض حتر يشير لـ«السفير» إلى أنَّ عدداً من قادة «النصرة» تعود أصولهم إلى الأردن، ويؤكد أنَّ الخطر الحقيقي نابع من وجود حواضن شعبية لهذه التنظيمات.

في موروثنا الشعبي، يقول الناس «إجاك الموت يا تارك الصلاة»، فمتى وكيف ستُدرك الحواضن الشعبية في الأردن أنَّ طريقة التديُّن التي تطوّع الناس باتجاه السياسات المعادية لمصالح المنطقة العربية، سيترتَّب عليها دفع الحساب، هل يعلم الناس في هذا البلد الصغير ـ الذين آمنوا بسبب المناهج والمواعظ بضرورة قيام الدولة الإسلامية ـ أنَّهم ربَّما يدفعون الثمن من أمنهم وأمن بلادهم؟ وهل يعلمون أنَّ الآراء والتحليلات وغرف العمليات تدرس كيفية حماية البلد من ذلك الحلم الذي عشعش في أذهانهم بسبب تمدُّد الإسلام السياسي، والمقصود به حلم «الدولة الإسلامية؟».

كخبير عسكري، يؤكِّد أبو نوار ضرورة إعلان الأردن تغييره لقواعد الاشتباك، وأن يتعامل معها عبر تنفيذ هجمات على الجماعات المسلحة في حال اجتازت نقاط أو حدود الخطر التي سيعلنها الأردن، وذلك بهدف الحماية المسبقة لحدوده.

وبينما يعتبر أبو نوار أنَّ الحل يتلخص في تغيير الأردن لقواعد اشتباكه، يرى حتَّر أنَّ الخط الوقائي الأول يستند إلى مراجعة كل الموقف الأردني من الأزمة السورية، والتنسيق مع الجيش السوري لضرب الإرهاب وحماية مصالح الأردن الوطنية بمعزل عن مصالح الآخرين، يقصد بذلك المصالح الأميركية والسعودية والقطرية وغيرها من الدول. برغم ذلك، فإنَّه ينفي وجود سياسة أردنية تنظر إلى المخاطر السورية بمعزل عن المكاسب السياسية والإقليمية، علماً أنَّ المعلومات والتحليلات الدقيقة التي تملي على الأردن تغيير سياساته، لا تنقص صانعي القرار في البلد، لكنهم، بحسب حتَّر، ما زالوا يميلون نحو نزعة المغامرة.

هل أخفق الأردن في حل معادلة أمنه الوطني؟

الإرهاب سيصبح جاراً للأردن في حال سقط الجنوب السوري، وليس مجرد «كرت» سياسي يجري تحريكه في مكان بعيد! فكيف يمكن وصف تعامل الأردن الرسمي مع هذه المعادلة الخطيرة؟ يختصر حتَّر الإجابة بعبارة بسيطة: «إنه يتعامل بنزعة المغامر».

العبارة السابقة يشرحها في سياق ما يجري على الأرض السورية، وتعامل الأردن الرسمي مع المعطيات، إذ إنَّ غرفة عمليات الـ «موك» الموجودة في الأردن والتي تدير تنظيمات مسلحة في جنوب سوريا ذات طابع عشائري ومحلي، والتي يعتقد القائمون عليها أنَّها أكثر اعتدالاً من التنظيمات الإرهابية، بينما يذهب حتَّر إلى القول إنَّ القنوات مفتوحة بين الكيان الصهيوني و«جبهة النصرة».

على الأوراق، تبدو المسألة بسيطة، لكنَّها تتعقَّد أكثر في الميدان، بحسب حتر، إذ أنه لا يمكن الفصل بين تنظيمات الـ «موك» وبين «النصرة». ويشدد على أنَّ ذلك لا يعني أنَّ هناك علاقة مباشرة بين الطرفين، لكن في الميدان ثمة تداخل عقائدي بين هذه التنظيمات المسلحة (العشائر والمقاتلين المحليين وبين جبهة النصرة)، بالإضافة إلى التنسيق الأمني، فضلاً عن أنَّ كثيراً من الأسلحة التي تُمنح لتنظيمات الـ «موك»، يتم تسريبها بشكل أو بآخر لـ«النصرة».

الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى صيغة أكثر رعباً، لأنَّ ما تزرعه الجماعات المعتدلة في الأرض السورية تقطفه الجماعات المتطرفة، والواقع هو الذي يدعم هذه الفرضية. يذكّر حتَّر بحادثة معبر نصيب، فيقول: «لقد جرى الترتيب على أن تسيطر تنظيمات الموك على المعبر، لكن جبهة النصرة هي التي سيطرت ميدانياً على المعبر، وهذا ما حصل في الموصل، إذ تم الترتيب في مؤتمر جرى في عمّان على أن عزت الدوري والبعثيين والمعتدلين هم مَن سيكونون على راس اللجنة العسكرية الحاكمة للموصل، لكن داعش هو الذي سيطر في النهاية».

وبناء على ذلك، فإنَّ سقوط الجنوب السوري سيعني استيلاء «النصرة» عليه، ليصبح الأردن جاراً لتنظيم «القاعدة». وفي النهاية، فإن الصفقات السياسية التي سيعقدها الأردن مع «القاعدة» لن تكون طويلة المدى. لذا هو يتبنى الفكرة القائلة بأنَّ «تنظيمات الموك تزرع وجبهة النصرة، وتالياً إسرائيل، تحصد».

  • فريق ماسة
  • 2015-06-19
  • 9229
  • من الأرشيف

الأردن والجنوب السوري: هل تتغيَّر قواعد الاشتباك؟

كانت الأحداث السورية والعراقية بالنسبة إلى الأردني مجرَّد أخبار مُقلقة تخصُّ الأشقَّاء، وتعني بشكل أو بآخر أنَّ ثمَّة لاجئين آتين إلى البلد التي اعتادت اللجوء، لكن أخبار جنوب سوريا في هذه الأيام، تعني أنَّ الخطر بات أقرب إلى الأردن. ما يضع القلق في نصابه الحقيقي، هو حديث مستشار الملك للشؤون العسكرية ورئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن مشعل الزبن، في الاحتفال الذي أقامته القوات المسلحة الأردنية، لمناسبات «عيد الاستقلال» و«عيد الجلوس الملكي» و«الثورة العربية الكبرى» و«يوم الجيش»، حين قال: «لن نتردَّد في التعامل مع أيّ خطر يهدِّد أمن بلدنا خارج حدودنا إنْ لزم الأمر، وهذا حقٌّ مشروع للدفاع عن أنفسنا». ويصبح المشهد أوضح عند استعادة حدث تسليم الملك عبد الله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، في التاسع من حزيران الحالي، الراية الهاشمية إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة خلال مراسم عسكرية، لتنضم هذه الراية إلى رايات وأعلام القوات المسلحة الأردنية. وبرغم التحليلات العديدة التي فاض فيها الشارع الأردني حول الراية التي تحمل عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، إلَّا أنَّ معظم المحلِّلين رأوا فيها رسالة موجَّهة إلى تنظيم «داعش»: لستم الوكلاء الحصريين للإسلام ومفاهيمه، وفقاً لترجيح الخبير العسكري واللواء المتقاعد مأمون أبو نوار أثناء حديثه إلى «السفير». فهل تفرض الأحداث المقبلة، في حال سيطرت الجماعات المتطرفة على الجنوب السوري، على الجيش الأردني تغيير قواعد الاشتباك واجتياز الحدود السورية لقصف الجماعات المتطرفة لحماية البلد؟ حدود اخترقتها الأيديولوجيا! يترجم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني النائب بسام المناصير إيمانه بقدرة الجيش الأردني على ضبط الحدود بمشاهداته أثناء زيارة الحدود الأردنية ـ السورية على رأس وفد نيابي أردني، إذ يقول لـ«السفير» إنه «من العصي على أيّ عصفور المرور من الحدود الأردنية ـ السورية من دون أن يظهر لكاميرات المراقبة في القيادة العامة»، معتبراً أنَّ الحدود الأردنية آمنة بما يكفي لمنع الإرهابيين من اختراقها، بينما استبعد خيار دخول الجيش الأردني إلى الحدود السورية أو تنفيذ ضربات في الداخل السوري. «لا يوجد حدود آمنة»، هذا ما يؤكِّده اللواء المتقاعد أبو نوار، برغم عدم تشكيكه بفاعلية السور الرقمي الذي تحدَّث عنه المناصير، إلَّا أنَّه يضيف لما سبق تساؤلاً عن دور الخلايا النائمة المؤيدة لـ«داعش» و«جبهة النصرة» في الأردن. بل إنَّ الكاتب ناهض حتر يشير لـ«السفير» إلى أنَّ عدداً من قادة «النصرة» تعود أصولهم إلى الأردن، ويؤكد أنَّ الخطر الحقيقي نابع من وجود حواضن شعبية لهذه التنظيمات. في موروثنا الشعبي، يقول الناس «إجاك الموت يا تارك الصلاة»، فمتى وكيف ستُدرك الحواضن الشعبية في الأردن أنَّ طريقة التديُّن التي تطوّع الناس باتجاه السياسات المعادية لمصالح المنطقة العربية، سيترتَّب عليها دفع الحساب، هل يعلم الناس في هذا البلد الصغير ـ الذين آمنوا بسبب المناهج والمواعظ بضرورة قيام الدولة الإسلامية ـ أنَّهم ربَّما يدفعون الثمن من أمنهم وأمن بلادهم؟ وهل يعلمون أنَّ الآراء والتحليلات وغرف العمليات تدرس كيفية حماية البلد من ذلك الحلم الذي عشعش في أذهانهم بسبب تمدُّد الإسلام السياسي، والمقصود به حلم «الدولة الإسلامية؟». كخبير عسكري، يؤكِّد أبو نوار ضرورة إعلان الأردن تغييره لقواعد الاشتباك، وأن يتعامل معها عبر تنفيذ هجمات على الجماعات المسلحة في حال اجتازت نقاط أو حدود الخطر التي سيعلنها الأردن، وذلك بهدف الحماية المسبقة لحدوده. وبينما يعتبر أبو نوار أنَّ الحل يتلخص في تغيير الأردن لقواعد اشتباكه، يرى حتَّر أنَّ الخط الوقائي الأول يستند إلى مراجعة كل الموقف الأردني من الأزمة السورية، والتنسيق مع الجيش السوري لضرب الإرهاب وحماية مصالح الأردن الوطنية بمعزل عن مصالح الآخرين، يقصد بذلك المصالح الأميركية والسعودية والقطرية وغيرها من الدول. برغم ذلك، فإنَّه ينفي وجود سياسة أردنية تنظر إلى المخاطر السورية بمعزل عن المكاسب السياسية والإقليمية، علماً أنَّ المعلومات والتحليلات الدقيقة التي تملي على الأردن تغيير سياساته، لا تنقص صانعي القرار في البلد، لكنهم، بحسب حتَّر، ما زالوا يميلون نحو نزعة المغامرة. هل أخفق الأردن في حل معادلة أمنه الوطني؟ الإرهاب سيصبح جاراً للأردن في حال سقط الجنوب السوري، وليس مجرد «كرت» سياسي يجري تحريكه في مكان بعيد! فكيف يمكن وصف تعامل الأردن الرسمي مع هذه المعادلة الخطيرة؟ يختصر حتَّر الإجابة بعبارة بسيطة: «إنه يتعامل بنزعة المغامر». العبارة السابقة يشرحها في سياق ما يجري على الأرض السورية، وتعامل الأردن الرسمي مع المعطيات، إذ إنَّ غرفة عمليات الـ «موك» الموجودة في الأردن والتي تدير تنظيمات مسلحة في جنوب سوريا ذات طابع عشائري ومحلي، والتي يعتقد القائمون عليها أنَّها أكثر اعتدالاً من التنظيمات الإرهابية، بينما يذهب حتَّر إلى القول إنَّ القنوات مفتوحة بين الكيان الصهيوني و«جبهة النصرة». على الأوراق، تبدو المسألة بسيطة، لكنَّها تتعقَّد أكثر في الميدان، بحسب حتر، إذ أنه لا يمكن الفصل بين تنظيمات الـ «موك» وبين «النصرة». ويشدد على أنَّ ذلك لا يعني أنَّ هناك علاقة مباشرة بين الطرفين، لكن في الميدان ثمة تداخل عقائدي بين هذه التنظيمات المسلحة (العشائر والمقاتلين المحليين وبين جبهة النصرة)، بالإضافة إلى التنسيق الأمني، فضلاً عن أنَّ كثيراً من الأسلحة التي تُمنح لتنظيمات الـ «موك»، يتم تسريبها بشكل أو بآخر لـ«النصرة». الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى صيغة أكثر رعباً، لأنَّ ما تزرعه الجماعات المعتدلة في الأرض السورية تقطفه الجماعات المتطرفة، والواقع هو الذي يدعم هذه الفرضية. يذكّر حتَّر بحادثة معبر نصيب، فيقول: «لقد جرى الترتيب على أن تسيطر تنظيمات الموك على المعبر، لكن جبهة النصرة هي التي سيطرت ميدانياً على المعبر، وهذا ما حصل في الموصل، إذ تم الترتيب في مؤتمر جرى في عمّان على أن عزت الدوري والبعثيين والمعتدلين هم مَن سيكونون على راس اللجنة العسكرية الحاكمة للموصل، لكن داعش هو الذي سيطر في النهاية». وبناء على ذلك، فإنَّ سقوط الجنوب السوري سيعني استيلاء «النصرة» عليه، ليصبح الأردن جاراً لتنظيم «القاعدة». وفي النهاية، فإن الصفقات السياسية التي سيعقدها الأردن مع «القاعدة» لن تكون طويلة المدى. لذا هو يتبنى الفكرة القائلة بأنَّ «تنظيمات الموك تزرع وجبهة النصرة، وتالياً إسرائيل، تحصد».

المصدر : السفير / رانية الجعبري


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة