دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات في تركيا لا تشكل تهديدا لمشاريع رجب طيب أردوغان، الذي كان يرى نفسه سلطانا عثمانيا جديداً فحسب، بل تهديدا لهيمنة حزبه، حزب العدالة والتنمية أيضاً.
فقد أشار كل واحد من الأحزاب الثلاثة المنافسة إلى رفضه تشكيل حكومة ائتلاف معه، متمنين خلافا لذلك، تشكيل حكومة ائتلافية فيما بينهم فقط. وفي حال عدم توصلهم إلى تشكيل حكومة خلال 45 يوماً من تاريخه، ينبغي حينذاك الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة.
لا يزال هذا السيناريو بعيد الاحتمال، تماما مثلما كانت تبدو نتائج الانتخابات مستحيلة على النحو الذي حصلت بموجبه في نظر الأغلبية الساحقة من المحللين السياسيين حتى مساء يوم الأحد الماضي.
ألم يتحدَّ السيد أردوغان القواعد والنظم غير المعلنة لحلف شمال الأطلسي حين وقّع في الأول من شهر كانون الأول 2014 اتفاقية اقتصادية مع فلاديمير بوتين كي تمكنه من الالتفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على روسيا؟
هذا بالضبط ما حول الرجل إلى ورقة محروقة بنظر واشنطن وبروكسل.
وهذا ما حرك الأيادي الأميركية لتعمل في الخفاء طوال الحملة الانتخابية على جعل الإطاحة بحزب العدالة والتنمية، أمرا ممكنا.
في الواقع، تستند قوة حزب العدالة والتنمية في الحكم منذ عام 2002 إلى ركيزتين: تفتيت المعارضة، والنتائج الجيدة التي حققها على صعيد الاقتصاد، على الرغم من الفوضى التي يعاني منها الاقتصاد التركي حاليا: معدلات النمو التي ظلت طوال عقد من الزمن تراوح حول نسبة 10%، تراجعت إبان الحرب على ليبيا، ومن بعدها على سورية، لتصل إلى 3% في الوقت الراهن، وهي مرشحة لتكون سلبية في أي وقت.
أما مسألة تفتيت المعارضة التي ساهمت فيها وكالة الاستخبارات المركزية في الماضي، فقد أسرعت الأخيرة لمعالجة شؤونها.
كانت العملية بمنتهى السهولة، بالنظر إلى سلسلة المظالم السلطوية التي تسبب بها السيد أردوغان.
توحد المعارضة، حصل أساسا في شهر حزيران 2013، أثناء تظاهرات ميدان تقسيم. ولكن الانتفاضة فشلت، أولا لأن السيد أردوغان كان حتى ذلك الحين يحظى بدعم واشنطن، ولأن الحركة ظلت انتفاضة مدنية.
صحيح أن المتظاهرين في ميدان تقسيم كانوا يعلنون احتجاجهم على مشروع عمراني، لكنهم كانوا يحتجون أساسا على أخلاق الإخوان المسلمين، وضد الحرب على سورية.
لقد أخطأ حزب العدالة والتنمية حين استنتج أنه حزب لا يهزم، إثر إخفاق الانتفاضة الشعبية في الإطاحة به. لهذا حاول طرح مشروعه الإسلاموي بقوة (فرض الحجاب على المرأة، حظر المعاشرة بين غير المتزوجين.. الخ). ليهتز صفاء صورة السلطان الجديد حين كشفت الصحافة فجأة عن فساد داخل أسرته.
في شهر شباط من العام الماضي 2014، تم اعتراض مكالمة هاتفية كان السيد أردوغان يطلب فيها من نجله إخفاء مبلغ 30 مليون يورو قبل وصول قوات الشرطة إلى المنزل للتفتيش.
دعم حزب العدالة والتنمية للإرهاب الدولي، تأكد من خلال تحقيق أشار إلى الروابط الشخصية بين السيد أردوغان ومصرفي تنظيم القاعدة، وإرساله أسلحة لبوكو حرام في نيجيريا، وقيام جهاز الاستخبارات العسكرية التركي بإرسال 2000 شاحنة محملة بالأسلحة إلى داعش في سورية.
هذا، ناهيك عن إقصاء أتباع حليفه السابق فتح اللـه غولن، وإيداع أعداد غفيرة من جنرالات الجيش، والمحامين، والصحفيين في السجون. فضلا عن عدم الوفاء بوعوده التي قطعها للأكراد، ومحاولة تشييد أضخم قصر رئاسي في العالم.
احتمال سقوط حزب العدالة والتنمية يأتي بالتزامن مع توقيع الاتفاق بين واشنطن وطهران، الذي من المفترض أن يحفز المصالحة مع مصر، وإنهاء الحرب في سورية في وقت واحد.
بفقدانهم أنقرة، لن يبقى لجماعة الإخوان المسلمين إلا منافسو الدوحة والخرطوم ليقدموا لهم الدعم.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة