التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية ليس وليد اللحظة. فالمسار الانتخابي للحزب الحاكم ينذر بما لا يرضي طموحاته السياسية منذ تسلمه السلطة قبل ثلاثة عشر عاماً.

 صفيق النصر المطلق لن يسمعه بعد الآن رجب طيب أردوغان. هذا ما يقوله مسار حزب العدالة والتنمية الانتخابي منذ تسلمه السلطة عام 2002. فالعد العكسي لشعبية الحزب بدأ منذ قرر "العثمانيون الجدد" تغيير سياسة "صفر مشاكل مع الخارج"، هذه السياسة التي رفعها الحزب شعاراً انتخابياً بعدما أدارت له أوروبا ظهرها فتلقفه الشرق وأيضاً الداخل التركي.

 ثورة صامتة مقابل صخب ثورة اتاتورك، هكذا سميت بصمات الحزب الإسلامي المنفتح على العلمانيين في المجتمع والاقتصاد التركيين. لم تكن فلسطين بعيدة أيضاً عن شعاراته فبنى على أساس كل تلك العناوين انتصارات متلاحقة في كل الاستحقاقات البلدية والرئاسية والنيابية التي شهدتها البلاد منذ العام 2002، كان دائماً الحزب الأول وبفارق كبير.

 أيام العسل للحزب الحاكم تخللها موجات علقم كثيرة. بدأ الترهل ينخر جسم الحزب. أمعن في ضرب الحريات وقمع المتظاهرين في أحداث غيزي في اسطنبول. تورطت أسماء الحزب وفي مقدمها أردوغان نفسه ونجله بلال وبعض وزرائه في قضايا فساد لم تهمد روائحها إلى الآن. جاءت الانتخابات البلدية العام الماضي بمثابة الاستفتاء على حجم القوى سياسياً. التصويت السياسي آذنذاك أعطى حزب أردوغان غالبية 46%. نجح أردوغان حينها في تعويم صورته.

  لكن مع انتخابات اليوم اختلف الوضع. نحو 3 ملايين صوت خسرها "الفتى الشجاع" وهو معنى اسم اردوغان بالعربية. يسميها الخبراء: الهزيمة الكبيرة والأولى للحزب الحاكم. يعيد هؤلاء الأسباب إلى عاملين أساسين يضافان إلى ما سلف: الأكراد وسوريا.

انتقلت سياسة الحزب الحاكم من "صفر مشاكل" إلى "فليسقط النظام في سوريا". أربع سنوات ولم تسقط سوريا.

بدأ الاتراك يعيشون تبعات الأزمة السورية على أرضهم وفي عنوانين: الأول أمني حيث تصاعدت عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي والثاني يتعلق بالقضية الكردية التي أنكر أدروغان وجودها من الاصل، ناهيك عن التبعات السلبية لمسألة اللاجئين على الاقتصاد التركي.

 يقول الخبراء، التحول الكبير يطرق باب تركيا، فهزيمة حزب العدالة والتنمية ليست ظرفية وإنما تنذر بمسار انحداري لمسيرة حزب سقط حيث لا مجال لأي عودة.

 الزلزال التركي يثير الذعر في الخليج... واطمئنان أميركي أوروبي...التلي يعلن عرسال منطقة عسكرية

بينما بدأ الحديث عن تخلي أردوغان عن السعي إلى تعديل الدستور كشرط مسبق لمكوّنات البرلمان التركي الجديد عليه لقبول البدء بأيّ حوار هادف لتشكيل ائتلاف حكومي،

 وتقدّمت التوقعات التي تشير إلى الفشل في تخطي مهلة الخمسة وأربعين يوماً لتشكيل الحكومة قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة، كان الزلزال التركي لا يزال الحدث العالمي الأول الذي استأثر بمناقشات اجتماعات السبعة الكبار، الذين تتصدّرهم أميركا وفرنسا بريطانيا، وفي حصيلة التقويم الأولي لقادة الدول الغربية يكون الاطمئنان هو الحصيلة تجاه ما جرى في تركيا، كما عكست وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، التي أجمعت على أنّ الأهمّ في مستقبل تركيا يعكسه التأكيد على الثقة ببقائها دولة أطلسية، وتمسّك مكوّناتها بالتجربة الديمقراطية، حاصرة الأضرار بالحزب الحاكم وطموحاته المبالغ فيها.

 في الخليج وحده دبّ الذعر من نتائج الانتخابات التركية والإصابة البالغة التي تلقاها الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه، وفشلهما في الاحتفاظ بصفة الحزب الحاكم وخسارة فرصة الرئيس الحاكم بتعديل الدستور، وما بدا أنه تحوّل لا رجعة عنه لجهة غياب فرصة توظيف مكانة تركيا وقدراتها في توازنات المنطقة لحساب السياسات التي انتهجها أردوغان وحزبه خصوصاً تجاه ما يجري في سورية، وهو ما بدا أنّ إعادة النظر فيه ستكون من أولى أولويات حكومة تركية جديدة سواء بنتيجة تشكيل أي ائتلاف حاكم أو بالعودة إلى الانتخابات المبكرة التي سترسّخ النتائج الراهنة، فيما كانت مواقف مكوّنات تركية كحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والفائز بالمركز الثاني انتخابياً والمرشح الأبرز لتشكيل حكومة جديدة إذا ذهبت تركيا إلى الانتخابات المبكرة، تدعو إلى تحقيق مستقلّ في تورط أردوغان وحزبه بالتعاون مع تنظيم «القاعدة» وهو أمر يتخطى حدود الأزمة السورية لإمكانية توجيه تهمة الخيانة العظمى لأردوغان وأركان حكومته، والذعر الخليجي موصول بتغير حكمي متوقع بظروف ومعطيات الحرب في سورية، ومصير دور الحاضنة الرئيسية التي شكلها أردوغان وحزبه للجماعات المسلحة وخصوصاً تنظيمي «داعش» و»النصرة» كمتفرّعات لتنظيم «القاعدة»، والذعر أيضاً يطاول الخشية من أن تكشف أي تحقيقات يجريها القضاء التركي في هذا الملف عن أسماء خليجية بارزة موّلت وسلحت وساهمت في تدعيم دور «القاعدة» عبر تركيا في كلّ من سورية والعراق.

 الذعر الخليجي يطاول الذين كانوا على مسافة خلاف في العلاقة بتركيا أردوغان كحال السعودية لكن يجمعهم معها العداء لسورية، والذين كانوا يشكلون محمية تركية يخاصمون ويستفزون ويعلنون العداء مستندين إلى الحماية التركية كحال قطر، ففي الحسابات السعودية يحضر فوراً الأثر الكارثي للتغيير التركي على مواصلة الحرب في سورية من جهة، وعلى مكانة إيران الإقليمية بغياب حضور تركي نشط في مواجهتها، من جهة أخرى، ليجد حكام السعودية بعد كارثة اليمن التي جلبوها لأنفسهم أنهم محاصرون أمام فشل جديد في كلّ من سورية والعراق، ومقابل قوة إيران المتصاعدة على ضفة المياه المقابلة من دون شريك إقليمي يُعتمد عليه، أما الذين جعلوا تركيا بقوة حكم «الإخوان المسلمين» لها وعلاقتها بـ«القاعدة» سنداً لممارسة البلطجة الإقليمية، كما كان حال قطر، فالذعر مزدوج، لأنّ التورّط في حروب المنطقة مضاعف من جانبهم ويتكفل بصناعة عداوات ومشاريع انتقام ممتدّة من ليبيا إلى تونس ومصر وسواها، بعد أن عبثوا بمصائر هذه الدول وتسبّبوا بإراقة أنهار من الدماء فيها، ومن جهة مقابلة يتحسّس القطريون رقابهم من انتقام سعودي يرونه قريباً، بعدما بالغت قطر في الادّعاء والاستفزاز.

 الأثر الأكبر لزلزال تركيا أصاب «جبهة النصرة» التي لم تكن بحاجة لضربة ثانية على الرأس بهذا الحجم وهي تتلقى ضربة قاتلة في جرود القلمون وجرود عرسال، فـ»النصرة» وضعت كلّ بيضها في السلة التركية، بعد تراجع «إسرائيل» أمام ميزان الردع المفروض من المقاومة بعد عملية مزارع شبعا، كملاذ حدودي جغرافي قادر على توفير دور الحاضنة التي لا يفيد المال القطري في توفيرها بسقوط الدور التركي، و»النصرة» تواجه معضلة وجودية مع هذا التغيير، فهي محاصرة في جنوب سورية وغربها على جبهتي القنيطرة والقلمون، وها هو متنفّسها الشمالي الذي كانت تتباهي به قبل أسابيع قليلة وتستعرض إنجازاتها في جسر الشغور وإدلب، يتعرّض للسقوط المدوّي بتقدّم فرضية إقفال الحدود التركية في أيّ لحظة، مراضاة لمزاج داخلي غاضب يحتاج أردوغان وحزبه إلى رشوته بجملة إجراءات تجميلية من هذا النوع، طالما أنّ ما حدث يطوي فرصة الرهان على مواصلة اللعبة ذاتها وبالشروط ذاتها، بالنسبة لتركيا.

 في هذا المناخ خرج قائد «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي يعلن عرسال منطقة عسكرية ويبلغ فاعلياتها أنّ قواته ستعلن تدابير استثنائية للتحقق من عدم وجود اختراقات تهدّد أمنها، وأنّ من ضمن هذه الإجراءات نشر بعض الحواجز ومداهمة عدد من المنازل، وإعلان حظر التجوّل ليلاً، وفي تعبير عن حال الذعر واليأس التي يعيشها التلي، قال في بيان إنّ الدخول إلى عرسال سيتمّ على أجساد مقاتليه وهو ما ردّده قبل معارك يبرود التي سقطت بيد المقاومة خلال ست ساعات، ولم يتردّد التلي في تقديم العسكريين المخطوفين كرهائن يرتبط مصيرهم بأمنه الشخصي، فنقل عنه مقرّبون منه على صفحات التواصل أنه يضمن أمن العسكريين المخطوفين كما يضمن أمنه، وهو يصطحبهم معه أينما ذهب، موجهاً الرسائل لأهالي العسكريين بأنّ مصير أبنائهم مرتبط بأمنه الشخصي.

 على جبهات القتال، لم يلتفت مقاتلو المقاومة والجيش السوري في جرود القلمون إلى ما وراءهم وتابعوا حربهم التي أعلن السيد حسن نصرالله أنها بلا سقف ولا مدى محدّد، وقالت مصادر في المقاومة إنّ الحرب مع «النصرة» انتهت عملياً، وإنّ الحرب بدأت مع «داعش» وهي مستمرة بمواجهات جرود راس بعلبك، وستستمرّ حتى تطهير كلّ المنطقة من وجود «داعش» كما طهرت من وجود «النصرة»، باعتبار عرسال مسؤولية وعهدة الجيش اللبناني.

 يجري كلّ ذلك ولبنان بلا حكومة، بعدما أدّى قيام وزير الداخلية بتمديد ولاية مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص لسنتين إلى وضع التيار الوطني الحر تهديده برفض بحث أيّ بند على جدول أعمال الحكومة حتى البت بالتعيينات الأمنية والعسكرية موضع التنفيذ، ومع استمرار الإجازة المرضية للحكومة جدّد التيار شعاره، الأولوية للتعيين وإلا لا جدول أعمال للحكومة.

  • فريق ماسة
  • 2015-06-09
  • 13122
  • من الأرشيف

تحول كبير يطرق أبواب تركيا وينذر بمسار انحداري ..أردوغان يقبل استقالة الحكومة ويكلفها تسيير الأعمال

التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية ليس وليد اللحظة. فالمسار الانتخابي للحزب الحاكم ينذر بما لا يرضي طموحاته السياسية منذ تسلمه السلطة قبل ثلاثة عشر عاماً.  صفيق النصر المطلق لن يسمعه بعد الآن رجب طيب أردوغان. هذا ما يقوله مسار حزب العدالة والتنمية الانتخابي منذ تسلمه السلطة عام 2002. فالعد العكسي لشعبية الحزب بدأ منذ قرر "العثمانيون الجدد" تغيير سياسة "صفر مشاكل مع الخارج"، هذه السياسة التي رفعها الحزب شعاراً انتخابياً بعدما أدارت له أوروبا ظهرها فتلقفه الشرق وأيضاً الداخل التركي.  ثورة صامتة مقابل صخب ثورة اتاتورك، هكذا سميت بصمات الحزب الإسلامي المنفتح على العلمانيين في المجتمع والاقتصاد التركيين. لم تكن فلسطين بعيدة أيضاً عن شعاراته فبنى على أساس كل تلك العناوين انتصارات متلاحقة في كل الاستحقاقات البلدية والرئاسية والنيابية التي شهدتها البلاد منذ العام 2002، كان دائماً الحزب الأول وبفارق كبير.  أيام العسل للحزب الحاكم تخللها موجات علقم كثيرة. بدأ الترهل ينخر جسم الحزب. أمعن في ضرب الحريات وقمع المتظاهرين في أحداث غيزي في اسطنبول. تورطت أسماء الحزب وفي مقدمها أردوغان نفسه ونجله بلال وبعض وزرائه في قضايا فساد لم تهمد روائحها إلى الآن. جاءت الانتخابات البلدية العام الماضي بمثابة الاستفتاء على حجم القوى سياسياً. التصويت السياسي آذنذاك أعطى حزب أردوغان غالبية 46%. نجح أردوغان حينها في تعويم صورته.   لكن مع انتخابات اليوم اختلف الوضع. نحو 3 ملايين صوت خسرها "الفتى الشجاع" وهو معنى اسم اردوغان بالعربية. يسميها الخبراء: الهزيمة الكبيرة والأولى للحزب الحاكم. يعيد هؤلاء الأسباب إلى عاملين أساسين يضافان إلى ما سلف: الأكراد وسوريا. انتقلت سياسة الحزب الحاكم من "صفر مشاكل" إلى "فليسقط النظام في سوريا". أربع سنوات ولم تسقط سوريا. بدأ الاتراك يعيشون تبعات الأزمة السورية على أرضهم وفي عنوانين: الأول أمني حيث تصاعدت عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي والثاني يتعلق بالقضية الكردية التي أنكر أدروغان وجودها من الاصل، ناهيك عن التبعات السلبية لمسألة اللاجئين على الاقتصاد التركي.  يقول الخبراء، التحول الكبير يطرق باب تركيا، فهزيمة حزب العدالة والتنمية ليست ظرفية وإنما تنذر بمسار انحداري لمسيرة حزب سقط حيث لا مجال لأي عودة.  الزلزال التركي يثير الذعر في الخليج... واطمئنان أميركي أوروبي...التلي يعلن عرسال منطقة عسكرية بينما بدأ الحديث عن تخلي أردوغان عن السعي إلى تعديل الدستور كشرط مسبق لمكوّنات البرلمان التركي الجديد عليه لقبول البدء بأيّ حوار هادف لتشكيل ائتلاف حكومي،  وتقدّمت التوقعات التي تشير إلى الفشل في تخطي مهلة الخمسة وأربعين يوماً لتشكيل الحكومة قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة، كان الزلزال التركي لا يزال الحدث العالمي الأول الذي استأثر بمناقشات اجتماعات السبعة الكبار، الذين تتصدّرهم أميركا وفرنسا بريطانيا، وفي حصيلة التقويم الأولي لقادة الدول الغربية يكون الاطمئنان هو الحصيلة تجاه ما جرى في تركيا، كما عكست وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، التي أجمعت على أنّ الأهمّ في مستقبل تركيا يعكسه التأكيد على الثقة ببقائها دولة أطلسية، وتمسّك مكوّناتها بالتجربة الديمقراطية، حاصرة الأضرار بالحزب الحاكم وطموحاته المبالغ فيها.  في الخليج وحده دبّ الذعر من نتائج الانتخابات التركية والإصابة البالغة التي تلقاها الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه، وفشلهما في الاحتفاظ بصفة الحزب الحاكم وخسارة فرصة الرئيس الحاكم بتعديل الدستور، وما بدا أنه تحوّل لا رجعة عنه لجهة غياب فرصة توظيف مكانة تركيا وقدراتها في توازنات المنطقة لحساب السياسات التي انتهجها أردوغان وحزبه خصوصاً تجاه ما يجري في سورية، وهو ما بدا أنّ إعادة النظر فيه ستكون من أولى أولويات حكومة تركية جديدة سواء بنتيجة تشكيل أي ائتلاف حاكم أو بالعودة إلى الانتخابات المبكرة التي سترسّخ النتائج الراهنة، فيما كانت مواقف مكوّنات تركية كحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والفائز بالمركز الثاني انتخابياً والمرشح الأبرز لتشكيل حكومة جديدة إذا ذهبت تركيا إلى الانتخابات المبكرة، تدعو إلى تحقيق مستقلّ في تورط أردوغان وحزبه بالتعاون مع تنظيم «القاعدة» وهو أمر يتخطى حدود الأزمة السورية لإمكانية توجيه تهمة الخيانة العظمى لأردوغان وأركان حكومته، والذعر الخليجي موصول بتغير حكمي متوقع بظروف ومعطيات الحرب في سورية، ومصير دور الحاضنة الرئيسية التي شكلها أردوغان وحزبه للجماعات المسلحة وخصوصاً تنظيمي «داعش» و»النصرة» كمتفرّعات لتنظيم «القاعدة»، والذعر أيضاً يطاول الخشية من أن تكشف أي تحقيقات يجريها القضاء التركي في هذا الملف عن أسماء خليجية بارزة موّلت وسلحت وساهمت في تدعيم دور «القاعدة» عبر تركيا في كلّ من سورية والعراق.  الذعر الخليجي يطاول الذين كانوا على مسافة خلاف في العلاقة بتركيا أردوغان كحال السعودية لكن يجمعهم معها العداء لسورية، والذين كانوا يشكلون محمية تركية يخاصمون ويستفزون ويعلنون العداء مستندين إلى الحماية التركية كحال قطر، ففي الحسابات السعودية يحضر فوراً الأثر الكارثي للتغيير التركي على مواصلة الحرب في سورية من جهة، وعلى مكانة إيران الإقليمية بغياب حضور تركي نشط في مواجهتها، من جهة أخرى، ليجد حكام السعودية بعد كارثة اليمن التي جلبوها لأنفسهم أنهم محاصرون أمام فشل جديد في كلّ من سورية والعراق، ومقابل قوة إيران المتصاعدة على ضفة المياه المقابلة من دون شريك إقليمي يُعتمد عليه، أما الذين جعلوا تركيا بقوة حكم «الإخوان المسلمين» لها وعلاقتها بـ«القاعدة» سنداً لممارسة البلطجة الإقليمية، كما كان حال قطر، فالذعر مزدوج، لأنّ التورّط في حروب المنطقة مضاعف من جانبهم ويتكفل بصناعة عداوات ومشاريع انتقام ممتدّة من ليبيا إلى تونس ومصر وسواها، بعد أن عبثوا بمصائر هذه الدول وتسبّبوا بإراقة أنهار من الدماء فيها، ومن جهة مقابلة يتحسّس القطريون رقابهم من انتقام سعودي يرونه قريباً، بعدما بالغت قطر في الادّعاء والاستفزاز.  الأثر الأكبر لزلزال تركيا أصاب «جبهة النصرة» التي لم تكن بحاجة لضربة ثانية على الرأس بهذا الحجم وهي تتلقى ضربة قاتلة في جرود القلمون وجرود عرسال، فـ»النصرة» وضعت كلّ بيضها في السلة التركية، بعد تراجع «إسرائيل» أمام ميزان الردع المفروض من المقاومة بعد عملية مزارع شبعا، كملاذ حدودي جغرافي قادر على توفير دور الحاضنة التي لا يفيد المال القطري في توفيرها بسقوط الدور التركي، و»النصرة» تواجه معضلة وجودية مع هذا التغيير، فهي محاصرة في جنوب سورية وغربها على جبهتي القنيطرة والقلمون، وها هو متنفّسها الشمالي الذي كانت تتباهي به قبل أسابيع قليلة وتستعرض إنجازاتها في جسر الشغور وإدلب، يتعرّض للسقوط المدوّي بتقدّم فرضية إقفال الحدود التركية في أيّ لحظة، مراضاة لمزاج داخلي غاضب يحتاج أردوغان وحزبه إلى رشوته بجملة إجراءات تجميلية من هذا النوع، طالما أنّ ما حدث يطوي فرصة الرهان على مواصلة اللعبة ذاتها وبالشروط ذاتها، بالنسبة لتركيا.  في هذا المناخ خرج قائد «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي يعلن عرسال منطقة عسكرية ويبلغ فاعلياتها أنّ قواته ستعلن تدابير استثنائية للتحقق من عدم وجود اختراقات تهدّد أمنها، وأنّ من ضمن هذه الإجراءات نشر بعض الحواجز ومداهمة عدد من المنازل، وإعلان حظر التجوّل ليلاً، وفي تعبير عن حال الذعر واليأس التي يعيشها التلي، قال في بيان إنّ الدخول إلى عرسال سيتمّ على أجساد مقاتليه وهو ما ردّده قبل معارك يبرود التي سقطت بيد المقاومة خلال ست ساعات، ولم يتردّد التلي في تقديم العسكريين المخطوفين كرهائن يرتبط مصيرهم بأمنه الشخصي، فنقل عنه مقرّبون منه على صفحات التواصل أنه يضمن أمن العسكريين المخطوفين كما يضمن أمنه، وهو يصطحبهم معه أينما ذهب، موجهاً الرسائل لأهالي العسكريين بأنّ مصير أبنائهم مرتبط بأمنه الشخصي.  على جبهات القتال، لم يلتفت مقاتلو المقاومة والجيش السوري في جرود القلمون إلى ما وراءهم وتابعوا حربهم التي أعلن السيد حسن نصرالله أنها بلا سقف ولا مدى محدّد، وقالت مصادر في المقاومة إنّ الحرب مع «النصرة» انتهت عملياً، وإنّ الحرب بدأت مع «داعش» وهي مستمرة بمواجهات جرود راس بعلبك، وستستمرّ حتى تطهير كلّ المنطقة من وجود «داعش» كما طهرت من وجود «النصرة»، باعتبار عرسال مسؤولية وعهدة الجيش اللبناني.  يجري كلّ ذلك ولبنان بلا حكومة، بعدما أدّى قيام وزير الداخلية بتمديد ولاية مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص لسنتين إلى وضع التيار الوطني الحر تهديده برفض بحث أيّ بند على جدول أعمال الحكومة حتى البت بالتعيينات الأمنية والعسكرية موضع التنفيذ، ومع استمرار الإجازة المرضية للحكومة جدّد التيار شعاره، الأولوية للتعيين وإلا لا جدول أعمال للحكومة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة