دخلت تركيا، يوم امس، مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار السياسي خلال العقد الماضي، وذلك غداة الضربة القاسية التي تلقاها «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية،

  حيث اخفق في الحصول على الغالبية المطلقة من المقاعد البرلمانية، ما جعل الخيارات محدودة أمام الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان يرغب في تحويل هذه الانتخابات الى استفتاء على تغيير النظام السياسي.

 واستفاق أردوغان، ومعه رئيس حكومته أحمد داود أوغلو وأركان «حزب العدالة والتنمية»، على أزمة حكم، تتراوح سيناريوهاتها بين تشكيل حكومة أقلية غير مستقرة، والدعوة الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وبينهما تقديم تنازلات سياسية كبيرة لخصومه بغرض تشكيل حكومة ائتلافية، وربما خروج الإسلاميين تماماً من الحكم، في حال تجاوز خصومهم الألدّاء نتاقضاتهم الموضوعية لتشكيل حكومة ائتلافية بديلة.

وفي ما يؤكد المأزق الذي تعيشه تركيا، وبشكل خاص «حزب العدالة والتنمية»، استفاق الأتراك يوم امس على اضطراب في الأسواق المالية حيث سجلت بورصة اسطنبول هبوطاً بنسبة ستة في المئة، في حين تدنت الليرة التركية الى مستوى قياسي إزاء الدولار واليورو، إذ خسرت حوالي 4 في المئة بالنسبة الى العملتين، ما دفع المصرف المركزي التركي الى التدخل لوقف هذا الانهيار، معلناً عن خفض نسب الفوائد على الودائع القصيرة الأمد بالعملات الأجنبية لمدة اسبوع.

وفي حصيلة نهائية، ولكن غير رسمية لنتائج الانتخابات البرلمانية، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 40.8 في المئة من الاصوات (258 مقعداً من اصل 550)، في مقابل 25 في المئة لـ «حزب الشعب الجمهوري» (132 مقعداً)، و16.3 في المئة لحزب «الحركة القومية» (80 مقعداً)، و13.1 في المئة لـ»حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي (80 مقعداً).

هكذا، خسر أردوغان الأكثرية المطلقة في البرلمان (276 مقعداً)، التي كانت بحوزته منذ 13 عاماً، ما يجبره للمرة الاولى على تشكيل حكومة ائتلافية او حكومة أقلية.

وهذه النتيجة قضت على مشاريع اردوغان بتعديل الدستور لإقامة نظام رئاسي قوي في تركيا، حيث كان يلزمه، من اجل تمرير هذه «الإصلاحات» التي نددت بها كل الأحزاب الأخرى باعتبارها «ديكتاتورية دستورية»، الفوز بـ330 مقعداً، لكي يمكن لحزبه اعتماده بمفرده.

ورحب خصوم أردوغان بأول خسارة سياسية له منذ 13 عاماً.

وعلى الورق، يملك خصوم أردوغان، ممثلين بـ«حزب الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» و«حزب الشعوب الديموقراطي» القدرة على إطاحة «حزب العدالة والتنمية»، بشرط تجاوز خلافاتهم العميقة، ولكن رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو استبعد هذا الخيار، قائلاً «هذه الانتخابات اثبتت ان حزب العدالة والتنمية هو العمود الفقري لهذه البلاد».

وأعرب عدد من الوزراء في حكومة داود اوغلو عن تأييدهم تشكيل ائتلاف. وصرح نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش «انه السيناريو الأكثر ترجيحاً»، لكن تصريح زعيم «الحركة القومية» داود بهتشلي ربما يبدد هذه الآمال، إذ قال إن نتائج الانتخابات تشكل «بداية النهاية لحزب العدالة والتنمية»، مع العلم ان المحللين ينظرون الى «الحركة القومية» باعتباره الشريك المرجح للائتلاف مع «حزب العدالة والتنمية».

 وربما هذا ما دفع مسؤول بارز في «حزب العدالة والتنمية» الى القول إن «إمكانية ظهور حكومة في الوضع الحالي ضئيلة للغاية»، مؤكداً انه «بهذه النتائج تبدو الانتخابات المبكرة حتمية»، فيما قال مسؤول آخر إن «كل شيء من الاقتصاد إلى المشروعات الكبرى معطل حالياً ولا نملك رفاهية الاستمرار في حكومة ضعيفة... خصوصاً في وقت يواجه فيه العالم مخاطر اقتصادية كبرى».

وفي حال فشلت المشاورات التي ستجري خلال الايام الخمسة والأربعين المقبلة، يحق لأردوغان حل البرلمان ودعوة الناخبين مجدداً الى صناديق الاقتراع.

من جهته، علق رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين دميرطاش قائلاً: «نحن الشعب الذي يعاني من القمع في تركيا ويريد العدالة والسلام والحرية... لقد حققنا انتصاراً كبيراً اليوم»، متعهداً بـ «تشكيل معارضة قوية وصادقة»، ما يوحي بعدم رغبته في أن يدخل في ائتلاف حكومي مع «حزب العدالة والتنمية».

وفي المحصلة، وبانتظار ان تتكثف المشاورات والاصطفافات السياسية خلال الأسابيع الخمسة المقبلة، تبدو تركيا امام واحد من أربعة سيناريوهات:

- ائتلاف حكومي يضم «حزب العدالة والتنمية» و»الحركة القومية»، وهو ما يفرض على اردوغان تقديم تنازلات في السياسة الخارجية. وإذا كان الحزبان يتشاركان بدرجة ما في الإيديولوجيا القومية، الا ان قضايا كثيرة، ومن بينها الملف السوري، تفرّقهما، الى جانب الموقف المتعارض من عملية السلام مع «حزب العمال الكردستاني».

- تحالف واسع من المعارضة: إذا لم يستطع أحمد داود أوغلو أن يشكل حكومة مستقرة فإن العرف في تركيا جرى على أن أردوغان قد يطلب من ثاني أكبر حزب في البرلمان وهو حزب الشعب الجمهوري العلماني أن يقوم بذلك. ومع ذلك فإن لا إلزام دستورياً بذلك، ومن غير المؤكد أن أردوغان الذي بنى مسيرته السياسية على معارضة الحزب العلماني سيتخذ هذا المسار.

ووفقاً للنتائج المبدئية فقد فاز الحزب العلماني بنحو 132 مقعداً. وقد يتحد «حزب الشعب الجمهوري» في ائتلاف مع «الحركة القومية» و «حزب الشعوب الديموقراطي»، ولكن من غير المرجح أن ينحي القوميون والاكراد الخلافات الجذرية بينهم.

- حكومة أقلية يقودها «حزب العدالة والتنمية»: ومن المتوقع أن يكون حزب «الحركة القومية» هو أكثر الداعمين لهذا التحرك، لكنه مرة أخرى سيحاول الحصول على تنازلات، مثل ضمانات بإجراء انتخابات مبكرة. ويرى محللون أن «حزب الشعب الجمهوري» و «حزب الشعوب الديموقراطي» ليسا مهتمين بدعم هذا التحرك.

- الدعوة الى انتخابات مبكرة: وهو خيار قد يلجأ اليه اردوغان في حال لم يتم تشكيل ائتلاف فعال أو فشلت حكومة أقلية في الفوز باقتراع على الثقة خلال 45 يوماً.

  • فريق ماسة
  • 2015-06-08
  • 14742
  • من الأرشيف

تركيا تدخل نفق ما بعد الانتخابات..اهتزاز البورصة والليرة... وأردوغان يراجع خياراته المُرَّة

دخلت تركيا، يوم امس، مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار السياسي خلال العقد الماضي، وذلك غداة الضربة القاسية التي تلقاها «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات التشريعية،   حيث اخفق في الحصول على الغالبية المطلقة من المقاعد البرلمانية، ما جعل الخيارات محدودة أمام الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان يرغب في تحويل هذه الانتخابات الى استفتاء على تغيير النظام السياسي.  واستفاق أردوغان، ومعه رئيس حكومته أحمد داود أوغلو وأركان «حزب العدالة والتنمية»، على أزمة حكم، تتراوح سيناريوهاتها بين تشكيل حكومة أقلية غير مستقرة، والدعوة الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وبينهما تقديم تنازلات سياسية كبيرة لخصومه بغرض تشكيل حكومة ائتلافية، وربما خروج الإسلاميين تماماً من الحكم، في حال تجاوز خصومهم الألدّاء نتاقضاتهم الموضوعية لتشكيل حكومة ائتلافية بديلة. وفي ما يؤكد المأزق الذي تعيشه تركيا، وبشكل خاص «حزب العدالة والتنمية»، استفاق الأتراك يوم امس على اضطراب في الأسواق المالية حيث سجلت بورصة اسطنبول هبوطاً بنسبة ستة في المئة، في حين تدنت الليرة التركية الى مستوى قياسي إزاء الدولار واليورو، إذ خسرت حوالي 4 في المئة بالنسبة الى العملتين، ما دفع المصرف المركزي التركي الى التدخل لوقف هذا الانهيار، معلناً عن خفض نسب الفوائد على الودائع القصيرة الأمد بالعملات الأجنبية لمدة اسبوع. وفي حصيلة نهائية، ولكن غير رسمية لنتائج الانتخابات البرلمانية، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 40.8 في المئة من الاصوات (258 مقعداً من اصل 550)، في مقابل 25 في المئة لـ «حزب الشعب الجمهوري» (132 مقعداً)، و16.3 في المئة لحزب «الحركة القومية» (80 مقعداً)، و13.1 في المئة لـ»حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي (80 مقعداً). هكذا، خسر أردوغان الأكثرية المطلقة في البرلمان (276 مقعداً)، التي كانت بحوزته منذ 13 عاماً، ما يجبره للمرة الاولى على تشكيل حكومة ائتلافية او حكومة أقلية. وهذه النتيجة قضت على مشاريع اردوغان بتعديل الدستور لإقامة نظام رئاسي قوي في تركيا، حيث كان يلزمه، من اجل تمرير هذه «الإصلاحات» التي نددت بها كل الأحزاب الأخرى باعتبارها «ديكتاتورية دستورية»، الفوز بـ330 مقعداً، لكي يمكن لحزبه اعتماده بمفرده. ورحب خصوم أردوغان بأول خسارة سياسية له منذ 13 عاماً. وعلى الورق، يملك خصوم أردوغان، ممثلين بـ«حزب الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» و«حزب الشعوب الديموقراطي» القدرة على إطاحة «حزب العدالة والتنمية»، بشرط تجاوز خلافاتهم العميقة، ولكن رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو استبعد هذا الخيار، قائلاً «هذه الانتخابات اثبتت ان حزب العدالة والتنمية هو العمود الفقري لهذه البلاد». وأعرب عدد من الوزراء في حكومة داود اوغلو عن تأييدهم تشكيل ائتلاف. وصرح نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش «انه السيناريو الأكثر ترجيحاً»، لكن تصريح زعيم «الحركة القومية» داود بهتشلي ربما يبدد هذه الآمال، إذ قال إن نتائج الانتخابات تشكل «بداية النهاية لحزب العدالة والتنمية»، مع العلم ان المحللين ينظرون الى «الحركة القومية» باعتباره الشريك المرجح للائتلاف مع «حزب العدالة والتنمية».  وربما هذا ما دفع مسؤول بارز في «حزب العدالة والتنمية» الى القول إن «إمكانية ظهور حكومة في الوضع الحالي ضئيلة للغاية»، مؤكداً انه «بهذه النتائج تبدو الانتخابات المبكرة حتمية»، فيما قال مسؤول آخر إن «كل شيء من الاقتصاد إلى المشروعات الكبرى معطل حالياً ولا نملك رفاهية الاستمرار في حكومة ضعيفة... خصوصاً في وقت يواجه فيه العالم مخاطر اقتصادية كبرى». وفي حال فشلت المشاورات التي ستجري خلال الايام الخمسة والأربعين المقبلة، يحق لأردوغان حل البرلمان ودعوة الناخبين مجدداً الى صناديق الاقتراع. من جهته، علق رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين دميرطاش قائلاً: «نحن الشعب الذي يعاني من القمع في تركيا ويريد العدالة والسلام والحرية... لقد حققنا انتصاراً كبيراً اليوم»، متعهداً بـ «تشكيل معارضة قوية وصادقة»، ما يوحي بعدم رغبته في أن يدخل في ائتلاف حكومي مع «حزب العدالة والتنمية». وفي المحصلة، وبانتظار ان تتكثف المشاورات والاصطفافات السياسية خلال الأسابيع الخمسة المقبلة، تبدو تركيا امام واحد من أربعة سيناريوهات: - ائتلاف حكومي يضم «حزب العدالة والتنمية» و»الحركة القومية»، وهو ما يفرض على اردوغان تقديم تنازلات في السياسة الخارجية. وإذا كان الحزبان يتشاركان بدرجة ما في الإيديولوجيا القومية، الا ان قضايا كثيرة، ومن بينها الملف السوري، تفرّقهما، الى جانب الموقف المتعارض من عملية السلام مع «حزب العمال الكردستاني». - تحالف واسع من المعارضة: إذا لم يستطع أحمد داود أوغلو أن يشكل حكومة مستقرة فإن العرف في تركيا جرى على أن أردوغان قد يطلب من ثاني أكبر حزب في البرلمان وهو حزب الشعب الجمهوري العلماني أن يقوم بذلك. ومع ذلك فإن لا إلزام دستورياً بذلك، ومن غير المؤكد أن أردوغان الذي بنى مسيرته السياسية على معارضة الحزب العلماني سيتخذ هذا المسار. ووفقاً للنتائج المبدئية فقد فاز الحزب العلماني بنحو 132 مقعداً. وقد يتحد «حزب الشعب الجمهوري» في ائتلاف مع «الحركة القومية» و «حزب الشعوب الديموقراطي»، ولكن من غير المرجح أن ينحي القوميون والاكراد الخلافات الجذرية بينهم. - حكومة أقلية يقودها «حزب العدالة والتنمية»: ومن المتوقع أن يكون حزب «الحركة القومية» هو أكثر الداعمين لهذا التحرك، لكنه مرة أخرى سيحاول الحصول على تنازلات، مثل ضمانات بإجراء انتخابات مبكرة. ويرى محللون أن «حزب الشعب الجمهوري» و «حزب الشعوب الديموقراطي» ليسا مهتمين بدعم هذا التحرك. - الدعوة الى انتخابات مبكرة: وهو خيار قد يلجأ اليه اردوغان في حال لم يتم تشكيل ائتلاف فعال أو فشلت حكومة أقلية في الفوز باقتراع على الثقة خلال 45 يوماً.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة