دخلت تركيا النفق السياسي المظلم، وخطت الخطوة الأولى نحو الفوضى السياسية، والتحجيم الإجباري لدورها الإقليمي المنطلق أصلاً من سعي حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه رجب أردوغان لفرض مشروع «الإخوان المسلمين» على الأتراك، وعبر مكانة وقدرات تركيا على المنطقة،بالتالي السير نحو هدفين لا يحظيان بالقبول من سائر المكونات التركية الحزبية والسياسية، وهما داخلي يتمثل بالانتقال عبر تعديل جذري للدستور من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وملامسة مقاييس السلطنة في دور رئيس الجمهورية المفترض أنه أردوغان لولايات ثلاثة جديدة تحتسب من تاريخ التعديل، والثاني خارجي عنوانه استعادة أمجاد السلطنة العثمانية بمدّ النفوذ التركي المدمج بالهوية الإخوانية ليطاول العالم الإسلامي انطلاقاً من البلاد العربية، خصوصاً سورية ومصر.

الكلّ كان يعلم أنّ ردع تركيا وإعادتها عنصراً إيجابياً في أزمات المنطقة، أمر لا يمكن تحقيقه بالمواجهة الخارجية التي ستمنح حزب أردوغان فرصة الادّعاء بالدفاع عن تركيا والزجّ بقدراتها في حروب مجنونة، ولذلك كان كلما يظهر حجم التورّط التركي مع «داعش»، أو حجم الرعاية التركية للجماعات المسلحة التي تقاتل في سورية، خصوصاً مشروع تعويم «جبهة النصرة» وتبنّيها، وتعويمها كفريق قابل للدمج بالعملية السياسية وهي الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة»، كانت العيون تشخص نحو الداخل التركي، وينطرح السؤال، متى ستستيقظ تركيا ومتى سيقول الأتراك لأردوغان وجنون العظمة كفى؟

قدّم أردوغان من خلال سعيه للإمساك بصلاحيات تجعله ديكتاتوراً حاكماً، وما يعنيه من استفزاز للحسّ الديمقراطي لورثة أتاتورك من جهة، وقدم بسعيه لتهميش الحضور الكردي في البرلمان لضمان الغالبية اللازمة لتعديل الدستور وما تضمّنه من استفزاز للحسّ القومي للأكراد من جهة أخرى، الفرصة لتجتمع في الاستحقاق الانتخابي كلّ عناصر التراكم والاحتجاج والغضب والحماسة لجعل هذه الانتخابات معركة الفصل لتلقين «الإخوان المسلمين» الدرس الأهمّ في تاريخهم، وهو خسارة القلعة التي تأسّس عليها مشروعهم الحديث، تركيا، وهي إذا أضيفت إلى خسارتهم في مصر، ضربتان على الرأس لا يستطيع التنظيم الدولي للإخوان أن يستفيق منهما ربما لعقود طويلة.

هي «لعنة سورية» كما قال أكثر من معلق تركي بعد النتائج المفاجئة والمدوية للانتخابات التي توقّع كثيرون أن يخسر فيها أردوغان فرصة الحصول على ثلثي البرلمان، لكن قلة توقعت أن يخسر الغالبية المطلقة اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة، وربما قلة قليلة جداً توقعت النتيجة المهينة التي تمثلت بالـ40 في المئة التي حازها والتي تعني العجز المكعّب، فلا تعديل دستور ولا تشكيل حكومة منفرداً، ولا قدرة على تشكيل ائتلاف، وفوق ذلك مهانة بما تمثل من إعلان كامل واضح بسحب التفويض الشعبي من حزب حكم تركيا لعقد ونيّف.

 

إنْ تواضع أردوغان وقرّر الذهاب إلى ائتلاف حكومي هو طريقه الوحيد للبقاء في الحكم، فأمامه أحد خيارين ليس بينهما خيار التحالف مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، الذي يشكل العدو الأول لحزب أردوغان، ويدعو إلى محاكمة قادة حزب العدالة والتنمية بتهمة تخريب التجربة العلمانية التي أسّسها أتاتورك ومحاولة أخونة الدولة وبالتالي خيانة الدستور، الخياران هما، حزب الشعوب الديمقراطي الذي يرفض مبدئياً الائتلاف وقد أعلن قادته ذلك، لكن المراقبين الأكثر تفاؤلاً يعتقدون أنه إذا كان ممكناً قبوله للائتلاف فسيشترط إطلاق سراح زعيم الأكراد عبد الله أوجلان من سجنه والتراجع كلياً عن مشروع تعديل الدستور، ما يعني عملياً انتحار أردوغان وحزبه، أما الخيار الثاني فهو السعي إلى التحالف مع حزب المعارضة الأبرز، حزب الشعب الجمهوري، الذي سيكون صعباً عليه القبول بالمشاركة في أيّ ائتلاف بعد الإهانات والشتائم النابية التي وجهها أردوغان بحق الحزب ما لم يعتذر علناً عنها ويعلن التراجع عن نيته تعديل الدستور، كما قالت مصادر تركية متابعة، مضيفة أنّ لدى الحزب المعارض سبباً إضافياً لرفض الائتلاف وعدم تقديم حبل النجاة لأردوغان وحزبه، فالحزب المعارض لديه الفرصة الذهبية لزعامة تركيا وتشكيل ائتلاف حاكم بقيادته مع أيّ انتخابات مبكرة مفترضة، لأنّ هناك كتلة تقارب الـ20 في المئة من الناخبين هم أصحاب المصالح الذين كان طبيعياً بالنسبة إليهم أن يحقق أردوغان فوزاً ساحقاً مفاجئاً كما جرت العادة لثلاث مرات متتالية، فتتفادى إغضابه والتسبّب بضرب مصالحها، وهؤلاء من مفاتيح انتخابية ومواقع عشائرية وتجار المدن سينقلبون لحساب حزب الشعب الجمهوري كجهة وحيدة مهيأة تقليدياً لإعادة ترتيب الأوراق التركية، بعد عاصفة الوهم الإخوانية التي خرّبت الكثير في المؤسسات التركية السياسية والقضائية والعسكرية.

تركيا جديدة قيد التشكل، وهذا يعني مرور زمن غير قصير قبل أن تستقرّ الأمور على صورة جديدة لتركيا وتوازناتها، وأرجحية أن يكون الانكفاء نحو سياسة شبه حيادية تجاه قضايا المنطقة في الحقبة المقبلة، التي ستسبقها حقبة الغياب بداعي الانشغال بالهمّ الداخلي، وستكون الجماعات المسلحة التي تتخذ من تركيا مقراً ومنطلقاً ومصدر تمويل وتسليح، خصوصاً نحو سورية والعراق، كما نحو مصر، في وضع صعب، يجعل المنطقة أكثر قدرة على السيطرة على المخاطر وإدارتها.

بعد خروج محمد مرسي وحمد بن خليفة آل ثاني بدأ تدحرج الرأس الثالث للحرب على سورية رجب أردوغان، وها هي لعنة سورية تضرب مرة أخرى، وها هو صمود سورية يثبت أنه كفيل بتحرك قوى كامنة غير متوقعة تدخل ساحات المواجهة بطريقتها وخطتها وتحسم أوراقاً لم يكن محسوباً أن تحسم بهذه الطريقة.

المنطقة بلا «إخوان مسلمين» في موقع القرار مشهد جديد سيحتاج وقتاً حتى تعتاد عليه أقلام المحرّرين وعقول المحللين، وحسابات القادة في المنطقة والعالم.

إذا كانت سورية وشعبها وجيشها ورئيسها في مقام الرابح الأول فإنّ «داعش» و»النصرة» في مقام الخاسر الأول، والطبيعي أن يكون لذلك وقع معنوي ومادي على الملفات المتصلة بمستقبل حروب المنطقة والتي يشكل لبنان طرفاً مباشراً فيها ومتأثراً بتداعياتها.

 

حرب القلمون والمواجهة مع «النصرة» و»داعش» ستتغيّر قواعدها بالتأكيد، ومثلها مواقف القوى السياسية التي كانت كحال تيار المستقبل تبني حساباتها على وجود ركيزتين قويتين للمواجهة مع سورية والمقاومة هما تركيا والسعودية، والحكمان يدخلان تداعيات لا يملك أحد تخيّل كيفية لملمة شظاياها وبلسمة جراحاتها.

في لبنان بعض من الاستشراف لمتغيّرات، لكن من دون إدراك لحجم ماهيتها واتجاهها، فتحرك البطريرك الماروني بشارة الراعي نحو سورية على رغم الإصرار على الطابع الرعوي للزيارة، يحمل معاني رمزية، فهي كما كان يقول معارضو زيارة البطريرك نصرالله صفير أثناء زيارة البابا يوحنا بولس الثاني عندما قيل له لست مضطراً لأيّ نشاط سياسي ولا لإعلان مواقف سياسية ولتكن الزيارة رعوية ودينية فقط، وكان الجواب، إنّ مجرّد التحرك برعاية مؤسسات الدولة السورية وحمايتها هو موقف سياسي، وهذا بمثل ما كان صحيحاً يومها هو صحيح أكثر اليوم.

ومثل البطريرك الراعي المستشعر للمتغيّرات، النائب وليد جنبلاط متسارع لا ييأس من تقديم المبادرات التي تشتغل كما يقول على تدوير الزوايا لإنقاذ مؤسسات الدولة من الانهيار، بينما ما يرويه المقرّبون أنّ السبب الحقيقي للنخوة الجنبلاطية هو موقف «جبهة النصرة» التي قدم لها جنبلاط أكثر مما تتوقع، وأبلغته رسمياً أنه سيسمع الجواب على طلباته حول وضع دروز محافظة السويداء، في حوار زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني، على قناة الجزيرة، وجاء الجواب أنّ لدى «النصرة» وصفة لنقل الدروز من الشرك إلى الإيمان، فأسقط بيد جنبلاط بالضربة القاضية.

التحركات الناعمة للراعي وجنبلاط يوازيها، تحرك النار المشتعلة في القلمون حيث تحقق المقاومة انتصارات مبهرة من جهة، ومن جهة أخرى تبدو الحرائق تقترب من عرسال بمبادرة من مسلحي «النصرة» الذين يقاربون حال حصار كلما تقدّم مقاتلو المقاومة نحو الجرود الشمالية والجنوبية أكثر فأكثر وأغلقت الدائرة حول عرسال.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-06-07
  • 12820
  • من الأرشيف

بعد حمد ومرسي «لعنة سورية» تلاحق أردوغان: تركيا تهزم «الإخوان»

دخلت تركيا النفق السياسي المظلم، وخطت الخطوة الأولى نحو الفوضى السياسية، والتحجيم الإجباري لدورها الإقليمي المنطلق أصلاً من سعي حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه رجب أردوغان لفرض مشروع «الإخوان المسلمين» على الأتراك، وعبر مكانة وقدرات تركيا على المنطقة،بالتالي السير نحو هدفين لا يحظيان بالقبول من سائر المكونات التركية الحزبية والسياسية، وهما داخلي يتمثل بالانتقال عبر تعديل جذري للدستور من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وملامسة مقاييس السلطنة في دور رئيس الجمهورية المفترض أنه أردوغان لولايات ثلاثة جديدة تحتسب من تاريخ التعديل، والثاني خارجي عنوانه استعادة أمجاد السلطنة العثمانية بمدّ النفوذ التركي المدمج بالهوية الإخوانية ليطاول العالم الإسلامي انطلاقاً من البلاد العربية، خصوصاً سورية ومصر. الكلّ كان يعلم أنّ ردع تركيا وإعادتها عنصراً إيجابياً في أزمات المنطقة، أمر لا يمكن تحقيقه بالمواجهة الخارجية التي ستمنح حزب أردوغان فرصة الادّعاء بالدفاع عن تركيا والزجّ بقدراتها في حروب مجنونة، ولذلك كان كلما يظهر حجم التورّط التركي مع «داعش»، أو حجم الرعاية التركية للجماعات المسلحة التي تقاتل في سورية، خصوصاً مشروع تعويم «جبهة النصرة» وتبنّيها، وتعويمها كفريق قابل للدمج بالعملية السياسية وهي الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة»، كانت العيون تشخص نحو الداخل التركي، وينطرح السؤال، متى ستستيقظ تركيا ومتى سيقول الأتراك لأردوغان وجنون العظمة كفى؟ قدّم أردوغان من خلال سعيه للإمساك بصلاحيات تجعله ديكتاتوراً حاكماً، وما يعنيه من استفزاز للحسّ الديمقراطي لورثة أتاتورك من جهة، وقدم بسعيه لتهميش الحضور الكردي في البرلمان لضمان الغالبية اللازمة لتعديل الدستور وما تضمّنه من استفزاز للحسّ القومي للأكراد من جهة أخرى، الفرصة لتجتمع في الاستحقاق الانتخابي كلّ عناصر التراكم والاحتجاج والغضب والحماسة لجعل هذه الانتخابات معركة الفصل لتلقين «الإخوان المسلمين» الدرس الأهمّ في تاريخهم، وهو خسارة القلعة التي تأسّس عليها مشروعهم الحديث، تركيا، وهي إذا أضيفت إلى خسارتهم في مصر، ضربتان على الرأس لا يستطيع التنظيم الدولي للإخوان أن يستفيق منهما ربما لعقود طويلة. هي «لعنة سورية» كما قال أكثر من معلق تركي بعد النتائج المفاجئة والمدوية للانتخابات التي توقّع كثيرون أن يخسر فيها أردوغان فرصة الحصول على ثلثي البرلمان، لكن قلة توقعت أن يخسر الغالبية المطلقة اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة، وربما قلة قليلة جداً توقعت النتيجة المهينة التي تمثلت بالـ40 في المئة التي حازها والتي تعني العجز المكعّب، فلا تعديل دستور ولا تشكيل حكومة منفرداً، ولا قدرة على تشكيل ائتلاف، وفوق ذلك مهانة بما تمثل من إعلان كامل واضح بسحب التفويض الشعبي من حزب حكم تركيا لعقد ونيّف.   إنْ تواضع أردوغان وقرّر الذهاب إلى ائتلاف حكومي هو طريقه الوحيد للبقاء في الحكم، فأمامه أحد خيارين ليس بينهما خيار التحالف مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، الذي يشكل العدو الأول لحزب أردوغان، ويدعو إلى محاكمة قادة حزب العدالة والتنمية بتهمة تخريب التجربة العلمانية التي أسّسها أتاتورك ومحاولة أخونة الدولة وبالتالي خيانة الدستور، الخياران هما، حزب الشعوب الديمقراطي الذي يرفض مبدئياً الائتلاف وقد أعلن قادته ذلك، لكن المراقبين الأكثر تفاؤلاً يعتقدون أنه إذا كان ممكناً قبوله للائتلاف فسيشترط إطلاق سراح زعيم الأكراد عبد الله أوجلان من سجنه والتراجع كلياً عن مشروع تعديل الدستور، ما يعني عملياً انتحار أردوغان وحزبه، أما الخيار الثاني فهو السعي إلى التحالف مع حزب المعارضة الأبرز، حزب الشعب الجمهوري، الذي سيكون صعباً عليه القبول بالمشاركة في أيّ ائتلاف بعد الإهانات والشتائم النابية التي وجهها أردوغان بحق الحزب ما لم يعتذر علناً عنها ويعلن التراجع عن نيته تعديل الدستور، كما قالت مصادر تركية متابعة، مضيفة أنّ لدى الحزب المعارض سبباً إضافياً لرفض الائتلاف وعدم تقديم حبل النجاة لأردوغان وحزبه، فالحزب المعارض لديه الفرصة الذهبية لزعامة تركيا وتشكيل ائتلاف حاكم بقيادته مع أيّ انتخابات مبكرة مفترضة، لأنّ هناك كتلة تقارب الـ20 في المئة من الناخبين هم أصحاب المصالح الذين كان طبيعياً بالنسبة إليهم أن يحقق أردوغان فوزاً ساحقاً مفاجئاً كما جرت العادة لثلاث مرات متتالية، فتتفادى إغضابه والتسبّب بضرب مصالحها، وهؤلاء من مفاتيح انتخابية ومواقع عشائرية وتجار المدن سينقلبون لحساب حزب الشعب الجمهوري كجهة وحيدة مهيأة تقليدياً لإعادة ترتيب الأوراق التركية، بعد عاصفة الوهم الإخوانية التي خرّبت الكثير في المؤسسات التركية السياسية والقضائية والعسكرية. تركيا جديدة قيد التشكل، وهذا يعني مرور زمن غير قصير قبل أن تستقرّ الأمور على صورة جديدة لتركيا وتوازناتها، وأرجحية أن يكون الانكفاء نحو سياسة شبه حيادية تجاه قضايا المنطقة في الحقبة المقبلة، التي ستسبقها حقبة الغياب بداعي الانشغال بالهمّ الداخلي، وستكون الجماعات المسلحة التي تتخذ من تركيا مقراً ومنطلقاً ومصدر تمويل وتسليح، خصوصاً نحو سورية والعراق، كما نحو مصر، في وضع صعب، يجعل المنطقة أكثر قدرة على السيطرة على المخاطر وإدارتها. بعد خروج محمد مرسي وحمد بن خليفة آل ثاني بدأ تدحرج الرأس الثالث للحرب على سورية رجب أردوغان، وها هي لعنة سورية تضرب مرة أخرى، وها هو صمود سورية يثبت أنه كفيل بتحرك قوى كامنة غير متوقعة تدخل ساحات المواجهة بطريقتها وخطتها وتحسم أوراقاً لم يكن محسوباً أن تحسم بهذه الطريقة. المنطقة بلا «إخوان مسلمين» في موقع القرار مشهد جديد سيحتاج وقتاً حتى تعتاد عليه أقلام المحرّرين وعقول المحللين، وحسابات القادة في المنطقة والعالم. إذا كانت سورية وشعبها وجيشها ورئيسها في مقام الرابح الأول فإنّ «داعش» و»النصرة» في مقام الخاسر الأول، والطبيعي أن يكون لذلك وقع معنوي ومادي على الملفات المتصلة بمستقبل حروب المنطقة والتي يشكل لبنان طرفاً مباشراً فيها ومتأثراً بتداعياتها.   حرب القلمون والمواجهة مع «النصرة» و»داعش» ستتغيّر قواعدها بالتأكيد، ومثلها مواقف القوى السياسية التي كانت كحال تيار المستقبل تبني حساباتها على وجود ركيزتين قويتين للمواجهة مع سورية والمقاومة هما تركيا والسعودية، والحكمان يدخلان تداعيات لا يملك أحد تخيّل كيفية لملمة شظاياها وبلسمة جراحاتها. في لبنان بعض من الاستشراف لمتغيّرات، لكن من دون إدراك لحجم ماهيتها واتجاهها، فتحرك البطريرك الماروني بشارة الراعي نحو سورية على رغم الإصرار على الطابع الرعوي للزيارة، يحمل معاني رمزية، فهي كما كان يقول معارضو زيارة البطريرك نصرالله صفير أثناء زيارة البابا يوحنا بولس الثاني عندما قيل له لست مضطراً لأيّ نشاط سياسي ولا لإعلان مواقف سياسية ولتكن الزيارة رعوية ودينية فقط، وكان الجواب، إنّ مجرّد التحرك برعاية مؤسسات الدولة السورية وحمايتها هو موقف سياسي، وهذا بمثل ما كان صحيحاً يومها هو صحيح أكثر اليوم. ومثل البطريرك الراعي المستشعر للمتغيّرات، النائب وليد جنبلاط متسارع لا ييأس من تقديم المبادرات التي تشتغل كما يقول على تدوير الزوايا لإنقاذ مؤسسات الدولة من الانهيار، بينما ما يرويه المقرّبون أنّ السبب الحقيقي للنخوة الجنبلاطية هو موقف «جبهة النصرة» التي قدم لها جنبلاط أكثر مما تتوقع، وأبلغته رسمياً أنه سيسمع الجواب على طلباته حول وضع دروز محافظة السويداء، في حوار زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني، على قناة الجزيرة، وجاء الجواب أنّ لدى «النصرة» وصفة لنقل الدروز من الشرك إلى الإيمان، فأسقط بيد جنبلاط بالضربة القاضية. التحركات الناعمة للراعي وجنبلاط يوازيها، تحرك النار المشتعلة في القلمون حيث تحقق المقاومة انتصارات مبهرة من جهة، ومن جهة أخرى تبدو الحرائق تقترب من عرسال بمبادرة من مسلحي «النصرة» الذين يقاربون حال حصار كلما تقدّم مقاتلو المقاومة نحو الجرود الشمالية والجنوبية أكثر فأكثر وأغلقت الدائرة حول عرسال.  

المصدر : البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة