من يقرأ في مجريات الحرب الدفاعية التي تخوضها سورية ومحور المقاومة، بتأييد من منظومات وهيئات دولية محددة يمكنه أن يتبين بوضوح مدى القوة والحكمة والإتقان في إدارة هذه الحرب التي أدت إلى إجهاض أربع خطط عدوانية كبرى اجتمعت على تنفيذها دول وأحلاف وهيئات دولية كبرى عجز حشدها عن تحقيق غرضه أو أغراضها الأساسية.‏

 وإذا قارنا بين قدرات المعتدي بهيئاته المتعددة وقدرات المدافع وحلفائه، مقارنة موضوعية ووفقا للقواعد المعتمدة من أهل الخبرة لخرجنا باستنتاج لا يحتمل الشك بأن المعتدي يملك من القدرات ما يفوق أضعاف مضاعفة قدرات وإمكانات الجهة المدافعة على الصعد كافة باستثناء المعنوي منها، خاصة المادية والعسكرية والاقتصادية والمالية والإعلامية والسياسية.‏

 وهنا يطرح السؤال كيف استطاعت سورية الصمود، وكيف استطاعت أن تدفع المعتدي بمعظم مكوناته إلى وضع ينبئ بأن جهات العدوان استنفدت أكثر وسائلها بعد أن استعملت تقريبا معظم أوراقها الرئيسية في الميدان ولن تكون قادرة مستقبلا على فعل شيء يفوق ما فعلته سابقا لتعويض إخفاقات السنوات الأربع، في مقابل مشهد تبدو فيه الجهات المدافعة انها لازالت تمسك بالوضع وتملك قدرات إضافية يمكن زجها في الميدان بشكل فعال ومؤثر.‏

 قد يقول قائل بأن هناك مناطق شاسعة من الأرض السورية فقدت الدولة السيطرة عليها كليا أو جزئيا أو حتى الوجود، وقد يلفت آخر إلى حجم التنظيمات المسلحة المتحركة على الأرض السورية والتي تعدت المئة وعشرين ألف مسلح وإرهابي، يعملون تحت عناوين تفوق المئة، فكيف يمكن للدولة استعادة السيطرة على كل أرضها وتنظيفها من الإرهابيين؟‏

 أسئلة مشروعة ولكن الإجابة عليها تكون من طبيعة استراتيجية كلية دون الغرق في تفصيل معركة هنا أو ميدان فرعي هناك. وهنا يكمن سر نجاح سورية في حرب الصمود والدفاع عن الذات والمحور والمبادئ. وفي هذا السياق من المفيد التوقف عند العناصر الرئيسية للاستراتيجية التي اتبعت وللمبادئ التي تم احترامها في هذا السياق والتي أدت إلى ما أدت إليه من نجاح وانتجت ما هو قائم في نفوس المدافعين لجهة النتائج النهائية. استراتيجية تقوم على مبدأ المحافظة على أساس الدولة، وعلى فعالية القوة في يدها، وعلى القدرة على الموجهة بالنفس الطويل وحرمان العدو من صرف أي مكسب في الميدان صرفا سياسيا.‏

 وعملا بهذه الاستراتيجية تمكنت الدولة من تحقيق النجاح في المحافظة على ذاتها ومؤسساتها عاملة قادرة على متابعة المواجهة مستفيدة من شرعيتها الدولية ومن ولايتها الوطنية وقدراتها في التحشيد واستثمار الثروة الوطنية، في مقابل عجز الآخرين وتمكنت الدولة من إجهاض كل المحاولات لإنتاج الهيئات البديلة التي تنازعها الشرعية الوطنية والدستورية. فرغم استماتة الأعداء في السعي لإيجاد البديل فقد كان الفشل واضحا في المسعى ذاك.‏

 لقد تمكنت الدولة من النجاح في المحافظة على مراكز ثقلها النوعي الاستراتيجي وفعاليتها بعناوينها الأربعة: السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية فضلا عن الكتلة الديمغرافية الأساسية للشعب. فبقيت العاصمة دمشق بكل جزئياتها وتفاصيلها ومؤسساتها عاملة، وبقي الجيش قادرا على تطوير ذاته وتجديد الدم فيه، وبقيت المنظومة الدبلوماسية فاعلة لم تمس، لا بل شكل صوت الدبلوماسية السورية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى علامة فارقة في العمل الدبلوماسي الناجح والمؤثر، أما في الاقتصاد ورغم الخسائر الفادحة التي لحقت به فقد نجحت الدولة في المحافظة على عملتها وعلى الاتصال بالعالم الخارجي عبر البحر لتوفير احتياجات السكان.‏

 في مقابل هذا النجاح سجل عجز القوى المناهضة عن تحقيق أي مكسب قابل للصرف السياسي، سواء منها الميداني أم السياسي.‏

 ففي الميدان نجد أن الأساسيين اثنان هما وبتصنيف الأمم المتحدة إرهابيين غير مؤهلين للعب أي دور سياسي أو الحصول على أي اعتراف دولي بهما وهما «داعش « و» النصرة « التي تذاكى المعتدي بتغيير اسمها العملاني إلى «جيش الفتح» حتى يتفلت من التصنيف الإرهابي لها. لكن هذا التذاكي لم يغير شيئاً في الحال فهي تبقى منظمة إرهابية لا تملك مؤهلات إقامة الدولة أو امتلاك سلطة معترف بها شأنها في ذلك شأن داعش أيضاً.‏

 أما في السياسة فنجد هيئات شتى تعمل تحت عنوان «معارضة « داخلية أو خارجية «معتدلة». والداخلية منها متمسك بوحدة الدولة وقرار شعبها المستقل ويرفض المس بالسيادة الوطنية لكن هذه المعارضة لا تملك سلاحاً في الميدان وتفتقر إلى القاعدة الشعبية المؤثرة، ومع ذلك فان وجودها مفيد في مواجهة العدوان الخارجي والإرهاب الذي تتعرض له الدولة، أما التشكيلات المناهضة للدولة والموجودة في معظمها في الخارج فهي تفتقر إلى عنصري التأثير معاً فضلاً عن مواقفها العدائية لسيادة الدولة. فهي لا تملك تأثيراً في الميدان ولا تملك قاعدة شعبية مؤثرة، وهي مرتهنة لقيادة العدوان وبالتالي ليس لها قرار يختلف عن إرادة المعتدي الخارجي.‏

 على ضوء ذلك نستطيع أن نقول بان يد سورية وحلفائها على حد قول السيد حسن نصر الله هي العليا، وأن إرادتها هي المقررة في مصير المواجهة وأن خسارة تلة أو قرية هنا أو إعادة انتشار عسكري هناك ليس من شأنه أن يؤثر على المشهد العام فالحرب خطط استراتيجية وأهداف كبرى وإرادة مواجهة وقوة فاعلة، وسورية تملك وتتقن ذلك وليست الحرب معركة واحدة أو تلة هنا أو معبراً هناك. وكم من تراجع عن موقع على خلفية التحضير لهجوم كان سببا للنجاح في ربح الحرب كلها، وكم من نصر موضعي في موقع ذهب أدراج الرياح نتيجة لخسارة الحرب.‏

 وفي الخلاصة تعتبر سورية التي يتقن المناورة وتقدير الجدوى والتكلفة مع الاحتفاظ بالبنية الأساسية والأهداف الاستراتيجية ذات ارجحية مؤكدة على عكس المعتدين عليها الذين تجدهم بين عاجز أو غير ذي أهلية، فمن كان منه مسيطراً على ارض تجده غير مؤهل لصرفها في السياسة ومن كان منهم قادراً على الصرف تجده لا يملك في الميدان أصلاً ما يصرفه.‏

  • فريق ماسة
  • 2015-06-08
  • 10512
  • من الأرشيف

لهذه الأسباب يد سورية ومحورها هي العليا ...بقلم: د. أمين حطيط

من يقرأ في مجريات الحرب الدفاعية التي تخوضها سورية ومحور المقاومة، بتأييد من منظومات وهيئات دولية محددة يمكنه أن يتبين بوضوح مدى القوة والحكمة والإتقان في إدارة هذه الحرب التي أدت إلى إجهاض أربع خطط عدوانية كبرى اجتمعت على تنفيذها دول وأحلاف وهيئات دولية كبرى عجز حشدها عن تحقيق غرضه أو أغراضها الأساسية.‏  وإذا قارنا بين قدرات المعتدي بهيئاته المتعددة وقدرات المدافع وحلفائه، مقارنة موضوعية ووفقا للقواعد المعتمدة من أهل الخبرة لخرجنا باستنتاج لا يحتمل الشك بأن المعتدي يملك من القدرات ما يفوق أضعاف مضاعفة قدرات وإمكانات الجهة المدافعة على الصعد كافة باستثناء المعنوي منها، خاصة المادية والعسكرية والاقتصادية والمالية والإعلامية والسياسية.‏  وهنا يطرح السؤال كيف استطاعت سورية الصمود، وكيف استطاعت أن تدفع المعتدي بمعظم مكوناته إلى وضع ينبئ بأن جهات العدوان استنفدت أكثر وسائلها بعد أن استعملت تقريبا معظم أوراقها الرئيسية في الميدان ولن تكون قادرة مستقبلا على فعل شيء يفوق ما فعلته سابقا لتعويض إخفاقات السنوات الأربع، في مقابل مشهد تبدو فيه الجهات المدافعة انها لازالت تمسك بالوضع وتملك قدرات إضافية يمكن زجها في الميدان بشكل فعال ومؤثر.‏  قد يقول قائل بأن هناك مناطق شاسعة من الأرض السورية فقدت الدولة السيطرة عليها كليا أو جزئيا أو حتى الوجود، وقد يلفت آخر إلى حجم التنظيمات المسلحة المتحركة على الأرض السورية والتي تعدت المئة وعشرين ألف مسلح وإرهابي، يعملون تحت عناوين تفوق المئة، فكيف يمكن للدولة استعادة السيطرة على كل أرضها وتنظيفها من الإرهابيين؟‏  أسئلة مشروعة ولكن الإجابة عليها تكون من طبيعة استراتيجية كلية دون الغرق في تفصيل معركة هنا أو ميدان فرعي هناك. وهنا يكمن سر نجاح سورية في حرب الصمود والدفاع عن الذات والمحور والمبادئ. وفي هذا السياق من المفيد التوقف عند العناصر الرئيسية للاستراتيجية التي اتبعت وللمبادئ التي تم احترامها في هذا السياق والتي أدت إلى ما أدت إليه من نجاح وانتجت ما هو قائم في نفوس المدافعين لجهة النتائج النهائية. استراتيجية تقوم على مبدأ المحافظة على أساس الدولة، وعلى فعالية القوة في يدها، وعلى القدرة على الموجهة بالنفس الطويل وحرمان العدو من صرف أي مكسب في الميدان صرفا سياسيا.‏  وعملا بهذه الاستراتيجية تمكنت الدولة من تحقيق النجاح في المحافظة على ذاتها ومؤسساتها عاملة قادرة على متابعة المواجهة مستفيدة من شرعيتها الدولية ومن ولايتها الوطنية وقدراتها في التحشيد واستثمار الثروة الوطنية، في مقابل عجز الآخرين وتمكنت الدولة من إجهاض كل المحاولات لإنتاج الهيئات البديلة التي تنازعها الشرعية الوطنية والدستورية. فرغم استماتة الأعداء في السعي لإيجاد البديل فقد كان الفشل واضحا في المسعى ذاك.‏  لقد تمكنت الدولة من النجاح في المحافظة على مراكز ثقلها النوعي الاستراتيجي وفعاليتها بعناوينها الأربعة: السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية فضلا عن الكتلة الديمغرافية الأساسية للشعب. فبقيت العاصمة دمشق بكل جزئياتها وتفاصيلها ومؤسساتها عاملة، وبقي الجيش قادرا على تطوير ذاته وتجديد الدم فيه، وبقيت المنظومة الدبلوماسية فاعلة لم تمس، لا بل شكل صوت الدبلوماسية السورية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى علامة فارقة في العمل الدبلوماسي الناجح والمؤثر، أما في الاقتصاد ورغم الخسائر الفادحة التي لحقت به فقد نجحت الدولة في المحافظة على عملتها وعلى الاتصال بالعالم الخارجي عبر البحر لتوفير احتياجات السكان.‏  في مقابل هذا النجاح سجل عجز القوى المناهضة عن تحقيق أي مكسب قابل للصرف السياسي، سواء منها الميداني أم السياسي.‏  ففي الميدان نجد أن الأساسيين اثنان هما وبتصنيف الأمم المتحدة إرهابيين غير مؤهلين للعب أي دور سياسي أو الحصول على أي اعتراف دولي بهما وهما «داعش « و» النصرة « التي تذاكى المعتدي بتغيير اسمها العملاني إلى «جيش الفتح» حتى يتفلت من التصنيف الإرهابي لها. لكن هذا التذاكي لم يغير شيئاً في الحال فهي تبقى منظمة إرهابية لا تملك مؤهلات إقامة الدولة أو امتلاك سلطة معترف بها شأنها في ذلك شأن داعش أيضاً.‏  أما في السياسة فنجد هيئات شتى تعمل تحت عنوان «معارضة « داخلية أو خارجية «معتدلة». والداخلية منها متمسك بوحدة الدولة وقرار شعبها المستقل ويرفض المس بالسيادة الوطنية لكن هذه المعارضة لا تملك سلاحاً في الميدان وتفتقر إلى القاعدة الشعبية المؤثرة، ومع ذلك فان وجودها مفيد في مواجهة العدوان الخارجي والإرهاب الذي تتعرض له الدولة، أما التشكيلات المناهضة للدولة والموجودة في معظمها في الخارج فهي تفتقر إلى عنصري التأثير معاً فضلاً عن مواقفها العدائية لسيادة الدولة. فهي لا تملك تأثيراً في الميدان ولا تملك قاعدة شعبية مؤثرة، وهي مرتهنة لقيادة العدوان وبالتالي ليس لها قرار يختلف عن إرادة المعتدي الخارجي.‏  على ضوء ذلك نستطيع أن نقول بان يد سورية وحلفائها على حد قول السيد حسن نصر الله هي العليا، وأن إرادتها هي المقررة في مصير المواجهة وأن خسارة تلة أو قرية هنا أو إعادة انتشار عسكري هناك ليس من شأنه أن يؤثر على المشهد العام فالحرب خطط استراتيجية وأهداف كبرى وإرادة مواجهة وقوة فاعلة، وسورية تملك وتتقن ذلك وليست الحرب معركة واحدة أو تلة هنا أو معبراً هناك. وكم من تراجع عن موقع على خلفية التحضير لهجوم كان سببا للنجاح في ربح الحرب كلها، وكم من نصر موضعي في موقع ذهب أدراج الرياح نتيجة لخسارة الحرب.‏  وفي الخلاصة تعتبر سورية التي يتقن المناورة وتقدير الجدوى والتكلفة مع الاحتفاظ بالبنية الأساسية والأهداف الاستراتيجية ذات ارجحية مؤكدة على عكس المعتدين عليها الذين تجدهم بين عاجز أو غير ذي أهلية، فمن كان منه مسيطراً على ارض تجده غير مؤهل لصرفها في السياسة ومن كان منهم قادراً على الصرف تجده لا يملك في الميدان أصلاً ما يصرفه.‏

المصدر : الماسة السورية / أمين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة