لم يكن أحد ليصدق بأن تتم المرحلة الأساسية من عملية القلمون بالسرعة والطريقة التي حصلت فيها، حيث استطاع الجيش العربي السوري ومجاهدو المقاومة التي ينظمها حزب الله، تحقيق إنجاز عسكري إعجازي تجاوز خطوط ما رسمه المخططون أو حلم به المنفذون،

 حيث إن المعركة التي كان مقدراً لها أن تكون على مرحلتين أساسية تتوخى الإمساك بمفاتيح المنطقة والتحكم بالحركة وخطوط الإمداد فيها، ولاحقة تكرس لعمليات التنظيف والتطهير، وأن لا تنجز بأقل من شهر وقد تصل إلى ستة أسابيع، فإنها أنجزت خاصة في المرحلة الأساسية بسرعة فاقت التوقع إذ لم تستغرق فعلياً أكثر من أسبوع واحد، تحققت خلاله الإنجازات الميدانية بما يزيد عن أهداف المرحلة الأساسية –مرحلة التحكم والسيطرة– وفتحت الطريق لتنفيذ مرحلة التطهير والتنظيف بأقل ما كان مخططاً له من الجهود والقدرات وبأقصر ما كان مرتقباً من وقت.‏

 وتأسيساً على ذلك جاءت النتائج والمفاعيل التي أحدثتها معركة القلمون متجاوزة أيضاً ما كان يمكن حصره بميدانها واندفعت لتؤثر على أكثر من اتجاه وحركة في كامل المشهد السوري والإقليمي بعناوينه العسكرية والسياسية والاستراتيجية إلى درجة يمكن معها القول بحصول متغيّرات أساسية رسمت مشهداً مختلفاً جذرياً عما كان سارياً قبل القلمون. وهنا نستطيع التوقف عند التالي:‏

 1- على الصعيد السوري ومحور المقاومة: أحدثت معركة القلمون نقلة نوعية في معرض الصراع القائم بين المشروع الصهيوأميركي العدواني، والمشروع الاستقلالي الإقليمي الدفاعي أمكن معها القول:‏

 أ- سقوط خطة فكي الكماشة التي عمل بها العدوان مؤخراً بعد فشله في الخطط الثلاث السابقة (خطة الإخوان – خطة بندر السعودية – خطة داعش التكفيرية)، سقوط ترافق مع صعوبة عملية بإطلاق خطة عدوان خامسة لضيق الوقت وتغير الميدان وانخفاض سقف المنفذين. إنجاز انعكس إخراجاً للمنطقة السورية الوسطى الممتدة من دمشق وريفها جنوباً إلى حمص ومعظم ريفها شمالاً من دائرة التهديد الجدي وبات الوسط السوري في مأمن فعلي بعيداً بشكل شبه نهائي عن خطر أي خطة تلجأ اليها قيادة العدوان على سورية. فقد كانت خطة فكي الكماشة تستند إلى القلمون بشكل جذري في نجاحها لتثبيت وتطويق دمشق وحمص والآن طارت تلك الفرصة وتعقدت تلك الخطة حتى أجهضت.‏

 ب- سقط التفكير المعادي باللجوء إلى العنف والإرهاب من أجل إسقاط سورية، أو من أجل إعادة التوزان إلى الميدان وهو الهدف الذي أفشل جنيف2 وتعثّرت بسببه محاولات البحث عن حل سياسي للأزمة. ولم يعد بعد القلمون بمقدور مدّع القول بقدرته على إجراء تغيير ميداني عميق لمصلحته ضد الدولة السورية، ولهذا اعترف أوباما بأنه لا يملك حلاً عسكرياً في سورية.‏

 ت‌- تغيير وظيفة العمل الإرهابي الميداني المستقبلي ضد سورية، فبعد أن كان يهدف إلى إسقاط الدولة أو إعادة التوازن إلى الميدان فيها بات هدفه الآن الاستنزاف والإرهاق ومنع تطوير إنجازات سورية لمنعها وحلفائها من صرفها في السياسة على مائدة الحل عندما يلجأ إلى التفاوض والحوار.‏

 2- على الصعيد اللبناني أكدت المقاومة قدراتها وبُعد نظرها في تقييم الأمور وعدم الانجرار إلى المعارك الإلهائية أو الوقوع في فخ الغوغاء، إذ رغم كل ما قامت به الجماعات الملتزمة بالقرار السعودي وعبره أو بدونه بالقرار الصهيوأميركي لثني حزب الله عن خوض هذه المعركة الاستراتيجية بمفاعيلها، ورغم الضغط على الجيش اللبناني لينأى بنفسه عن ميدانها فإن المقاومة نفذت ما رأته صواباً لمصلحة الوطن ونسقت مع حليفها الاستراتيجي الجيش العربي السوري وحققت للبنان مكاسب هامة على الصعيدين الأمني والسياسي منها:‏

 أ‌- إبعاد خطر الإرهاب المباشر بالذراع القصيرة أو غير المباشر بالذراع الطويلة عن لبنان فارتاح لبنان من صواريخ العصابات المسلحة ومن سياراتها المفخخة ما أدى إلى انفراج أمني واسع في الداخل اللبناني.‏

 ب‌- سقوط هواجس كانت تلاحق اللبنانيين منذ أن أعلنت داعش خريطة دولتها المزعومة وضمت لبنان اليها، وحاولت تنفيذها في آب 2014 والهادفة إلى اقتطاع كلي وجزئي للمنطقة شمال خط عرسال طرابلس لإعلانه إمارة تتبع لدولة الإرهاب في العراق والشام (داعش).‏

 ت- خفض مستوى مراهنات الفريق السياسي اللبناني الداعشي والنصروي الوهابي (ربطاً بجبهة النصرة) ما يمنعه عن المغامرات بمصير الوطن ويجعله أكثر تقبلاً لفكرة الشراكة الوطنية في إدارة الدولة بعيداً عن الهيمنة الاستئثارية التي جنح اليها منذ العام 2005 ما يعني التمهيد لتشكل بيئة خروج لبنان من حالة الانتظار وتعطيل إعادة تكوين السلطة ويبقى أن يكتمل الأمر بتحرك مسار الحل النهائي للمنطقة الذي يقترب.‏

 3- على الصعيد العسكري والاستراتيجي المتصل بإسرائيل والصراع معها تسجل:‏

 أ‌- خسارة إسرائيلية مزدوجة: فورية مرتبطة بالعدوان على سورية وتتمثل بفشل خطة فكي الكماشة التي شكلت إسرائيل إحدى مكوناتها التنفيذية، واستراتيجية مستقبلية تعلق بطبيعة المواجهة مع المقاومة. إذ من غير أدنى شك تابعت إسرائيل عبر أقمارها الاصطناعية وطائراتها مجريات معركة القلمون ووقفت على النقلة النوعية للأداء الميداني العملاني لحزب الله و هو أمر تجاوز ما كانت تتوقعه أن لجهة الإبداع في أساليب القتال أو لجهة استعمال الأسلحة الجديدة أو لجهة التعاون مع الجيش العربي السوري أو تناغم العمليات معه وكلها أمور تفرض على إسرائيل إعادة النظر بالعقيدة القتالية التي كانت راجعتها بعد حرب 2006، كما أنها تفرض عليها القبول صاغرة بتفعيل أكبر لمعادلة الردع المتبادل واستبعاد حرب قريبة مع حزب الله، تجرأ أحد ضباطها قائلاً عنها بأنها لن تكون قبل 3 سنوات في حين كانت إسرائيل تهول بها في أشهر قريبة.‏

 ب‌- أما الأخطر على الصعيد الاستراتيجي المتصل بالمشروع الصهيو-أميركي فهو النتيجة التي أثبتتها معركة القلمون بأن الإرهاب إذا واجه المقاومة فإنه يندحر حتماً وهنا تكون الصفعة الأكبر التي تتلقاها أميركا التي عوّلت على الإرهاب جيشاً سرياً لها يشوّه المقاومة أولاً ثم يستنزفها ويلتهمها فأثبتت معركة القلمون أن المقاومة كعصا موسى تلقَف ما يأفكون.‏

  • فريق ماسة
  • 2015-05-17
  • 11506
  • من الأرشيف

متغيّرات المشهد بعد عمليات القلمون .....بقلم د. أمين حطيط

لم يكن أحد ليصدق بأن تتم المرحلة الأساسية من عملية القلمون بالسرعة والطريقة التي حصلت فيها، حيث استطاع الجيش العربي السوري ومجاهدو المقاومة التي ينظمها حزب الله، تحقيق إنجاز عسكري إعجازي تجاوز خطوط ما رسمه المخططون أو حلم به المنفذون،  حيث إن المعركة التي كان مقدراً لها أن تكون على مرحلتين أساسية تتوخى الإمساك بمفاتيح المنطقة والتحكم بالحركة وخطوط الإمداد فيها، ولاحقة تكرس لعمليات التنظيف والتطهير، وأن لا تنجز بأقل من شهر وقد تصل إلى ستة أسابيع، فإنها أنجزت خاصة في المرحلة الأساسية بسرعة فاقت التوقع إذ لم تستغرق فعلياً أكثر من أسبوع واحد، تحققت خلاله الإنجازات الميدانية بما يزيد عن أهداف المرحلة الأساسية –مرحلة التحكم والسيطرة– وفتحت الطريق لتنفيذ مرحلة التطهير والتنظيف بأقل ما كان مخططاً له من الجهود والقدرات وبأقصر ما كان مرتقباً من وقت.‏  وتأسيساً على ذلك جاءت النتائج والمفاعيل التي أحدثتها معركة القلمون متجاوزة أيضاً ما كان يمكن حصره بميدانها واندفعت لتؤثر على أكثر من اتجاه وحركة في كامل المشهد السوري والإقليمي بعناوينه العسكرية والسياسية والاستراتيجية إلى درجة يمكن معها القول بحصول متغيّرات أساسية رسمت مشهداً مختلفاً جذرياً عما كان سارياً قبل القلمون. وهنا نستطيع التوقف عند التالي:‏  1- على الصعيد السوري ومحور المقاومة: أحدثت معركة القلمون نقلة نوعية في معرض الصراع القائم بين المشروع الصهيوأميركي العدواني، والمشروع الاستقلالي الإقليمي الدفاعي أمكن معها القول:‏  أ- سقوط خطة فكي الكماشة التي عمل بها العدوان مؤخراً بعد فشله في الخطط الثلاث السابقة (خطة الإخوان – خطة بندر السعودية – خطة داعش التكفيرية)، سقوط ترافق مع صعوبة عملية بإطلاق خطة عدوان خامسة لضيق الوقت وتغير الميدان وانخفاض سقف المنفذين. إنجاز انعكس إخراجاً للمنطقة السورية الوسطى الممتدة من دمشق وريفها جنوباً إلى حمص ومعظم ريفها شمالاً من دائرة التهديد الجدي وبات الوسط السوري في مأمن فعلي بعيداً بشكل شبه نهائي عن خطر أي خطة تلجأ اليها قيادة العدوان على سورية. فقد كانت خطة فكي الكماشة تستند إلى القلمون بشكل جذري في نجاحها لتثبيت وتطويق دمشق وحمص والآن طارت تلك الفرصة وتعقدت تلك الخطة حتى أجهضت.‏  ب- سقط التفكير المعادي باللجوء إلى العنف والإرهاب من أجل إسقاط سورية، أو من أجل إعادة التوزان إلى الميدان وهو الهدف الذي أفشل جنيف2 وتعثّرت بسببه محاولات البحث عن حل سياسي للأزمة. ولم يعد بعد القلمون بمقدور مدّع القول بقدرته على إجراء تغيير ميداني عميق لمصلحته ضد الدولة السورية، ولهذا اعترف أوباما بأنه لا يملك حلاً عسكرياً في سورية.‏  ت‌- تغيير وظيفة العمل الإرهابي الميداني المستقبلي ضد سورية، فبعد أن كان يهدف إلى إسقاط الدولة أو إعادة التوازن إلى الميدان فيها بات هدفه الآن الاستنزاف والإرهاق ومنع تطوير إنجازات سورية لمنعها وحلفائها من صرفها في السياسة على مائدة الحل عندما يلجأ إلى التفاوض والحوار.‏  2- على الصعيد اللبناني أكدت المقاومة قدراتها وبُعد نظرها في تقييم الأمور وعدم الانجرار إلى المعارك الإلهائية أو الوقوع في فخ الغوغاء، إذ رغم كل ما قامت به الجماعات الملتزمة بالقرار السعودي وعبره أو بدونه بالقرار الصهيوأميركي لثني حزب الله عن خوض هذه المعركة الاستراتيجية بمفاعيلها، ورغم الضغط على الجيش اللبناني لينأى بنفسه عن ميدانها فإن المقاومة نفذت ما رأته صواباً لمصلحة الوطن ونسقت مع حليفها الاستراتيجي الجيش العربي السوري وحققت للبنان مكاسب هامة على الصعيدين الأمني والسياسي منها:‏  أ‌- إبعاد خطر الإرهاب المباشر بالذراع القصيرة أو غير المباشر بالذراع الطويلة عن لبنان فارتاح لبنان من صواريخ العصابات المسلحة ومن سياراتها المفخخة ما أدى إلى انفراج أمني واسع في الداخل اللبناني.‏  ب‌- سقوط هواجس كانت تلاحق اللبنانيين منذ أن أعلنت داعش خريطة دولتها المزعومة وضمت لبنان اليها، وحاولت تنفيذها في آب 2014 والهادفة إلى اقتطاع كلي وجزئي للمنطقة شمال خط عرسال طرابلس لإعلانه إمارة تتبع لدولة الإرهاب في العراق والشام (داعش).‏  ت- خفض مستوى مراهنات الفريق السياسي اللبناني الداعشي والنصروي الوهابي (ربطاً بجبهة النصرة) ما يمنعه عن المغامرات بمصير الوطن ويجعله أكثر تقبلاً لفكرة الشراكة الوطنية في إدارة الدولة بعيداً عن الهيمنة الاستئثارية التي جنح اليها منذ العام 2005 ما يعني التمهيد لتشكل بيئة خروج لبنان من حالة الانتظار وتعطيل إعادة تكوين السلطة ويبقى أن يكتمل الأمر بتحرك مسار الحل النهائي للمنطقة الذي يقترب.‏  3- على الصعيد العسكري والاستراتيجي المتصل بإسرائيل والصراع معها تسجل:‏  أ‌- خسارة إسرائيلية مزدوجة: فورية مرتبطة بالعدوان على سورية وتتمثل بفشل خطة فكي الكماشة التي شكلت إسرائيل إحدى مكوناتها التنفيذية، واستراتيجية مستقبلية تعلق بطبيعة المواجهة مع المقاومة. إذ من غير أدنى شك تابعت إسرائيل عبر أقمارها الاصطناعية وطائراتها مجريات معركة القلمون ووقفت على النقلة النوعية للأداء الميداني العملاني لحزب الله و هو أمر تجاوز ما كانت تتوقعه أن لجهة الإبداع في أساليب القتال أو لجهة استعمال الأسلحة الجديدة أو لجهة التعاون مع الجيش العربي السوري أو تناغم العمليات معه وكلها أمور تفرض على إسرائيل إعادة النظر بالعقيدة القتالية التي كانت راجعتها بعد حرب 2006، كما أنها تفرض عليها القبول صاغرة بتفعيل أكبر لمعادلة الردع المتبادل واستبعاد حرب قريبة مع حزب الله، تجرأ أحد ضباطها قائلاً عنها بأنها لن تكون قبل 3 سنوات في حين كانت إسرائيل تهول بها في أشهر قريبة.‏  ب‌- أما الأخطر على الصعيد الاستراتيجي المتصل بالمشروع الصهيو-أميركي فهو النتيجة التي أثبتتها معركة القلمون بأن الإرهاب إذا واجه المقاومة فإنه يندحر حتماً وهنا تكون الصفعة الأكبر التي تتلقاها أميركا التي عوّلت على الإرهاب جيشاً سرياً لها يشوّه المقاومة أولاً ثم يستنزفها ويلتهمها فأثبتت معركة القلمون أن المقاومة كعصا موسى تلقَف ما يأفكون.‏

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة