الحرب التركية من أجل حلب لن تقع، والسوريون والإيرانيون واللبنانيون بالمرصاد في المدينة. الحرب لم يحن وقتها لنقص العديد والعدة، ووصول آلاف المقاتلين الإيرانيين إلى عاصمة الشمال السوري، وقبلة الغزو التركي.

الإعلان عن غرفة عمليات «فتح حلب» لتدعيم جبهة إدلب، التي تبقى أولوية تركية وسعودية، وتزخيم الحرب النفسية التي تشنها السعودية ووسائل إعلامها الكبيرة، على سوريا، لضرب الجبهة الداخلية، بعضها يحقق نتائج نسبية وارتباكاً ملحوظاً، في غياب حرب إعلامية مضادة ومنسقة.

وليست المرة الأولى التي تعلن فيها المجموعات المسلحة عزمها «فتح» حلب، إذ سبق لها أن شكلت «الجبهة الشامية» وغرفة عمليات، قالت إنها تضم 35 ألف مقاتل، وضربت السابع عشر من نيسان الماضي، موعداً لدخول المدينة. وهي تعلن موعد الأول من حزيران المقبل موعداً «لفتح» المدينة.

ذلك أن الإعلان عن 22 ألف مقاتل، وانضمام أكثر من 22 فصيلاً إلى الغرفة المفترضة «لغزو حلب»، وتكرار عمليات إدلب أو جسر الشغور، يبدو بعيداً جداً عن الوقائع التي تشهدها هذه الجبهة منذ أكثر من عامين. بل إن بقاء «جبهة النصرة» و«جبهة أنصار الدين» خارج الغرفة المعلنة، يوحي، ليس فقط بوجود خلافات كبيرة بين أطرافها فحسب، بل انعدام الضوء الأخضر التركي. إذ يعرف الأتراك انه لا مقومات لإنشاء «جيش فتح جديد حلبي».

بل إن المبادرة التي تبحث عن استعادتها من يد الجيش السوري، تلك المجموعات المسلحة المؤتمرة بأمر غرفة عمليات إنطاكيا والاستخبارات التركية والسعودية، ليست في متناولها، لا عدة ولا عدداً، فضلا عن أن القرار السياسي التركي لا يزال يعتبر أن الأولوية لا تزال تثبيت احتلال إدلب، وانتزاع انتصار نهائي في جسر الشغور، يحسم السيطرة على محافظة إدلب.

ويبدو الرهان محفوفاً بالمخاطر في ظل الهجوم المضاد الذي يشنه الجيش السوري في المنطقة، ومواصلة وحدة من قواته مقاومة المهاجمين بشجاعة منقطعة النظير داخل المستشفى الوطني، وتشيكل رأس جسر لاستعادة المدينة، التي بات الجيش السوري يشرف على مداخلها الجنوبية الشرقية والغربية.

وعلى العكس مما يشير إليه الإعلان، يمنع الأتراك توجه المجموعات المسلحة نحو حلب عبر باب السلامة القريب من إعزاز، ويحشدون أكثر «جيش الفتح» على جبهة إدلب وجسر الشغور، ويتوسعون فيهما. والأرجح أن الهدف من العملية هو مشاغلة الجيش السوري في منطقة حلب، حيث تتمركز قوات من 50 ألف جندي ونصير مسلح في الجزء الغربي والجنوبي من المدينة، وثني الجيش السوري عن إرسال أي تعزيزات، إلى جبهة إدلب. وتتمتع القوات السورية المحتشدة في المدينة بخبرة قتالية عالية، وتتشكل من وحدات النخبة في الحرس الجمهوري، والاستخبارات الجوية، والقوات الخاصة، وكتائب «البعث»، والدفاع الوطني، فضلا عن بيئة حلبية حاضنة وقوية. وخلال عامين ونصف العام من الحرب، لم تنجح المعارضة، في اختراق أي من مواقع الجيش، ولا في قطع طرق إمداده التي تمتد إلى 200 كيلومتر، من الراموسة جنوباً فخريبل، فتل شغيب فالسفيرة، وخناصر وأثويا، حتى السلمية، شرق حماه التي تعد مركز تجمع الجيش السوري، ومنطلق إمداداته عبر الطريق الدولي إلى حلب. وبرغم لجوئها إلى حرب الأنفاق، لم تستطع الدخول أو تجاوز خطوط التماس التي فرضت أثناء غزوها المدينة صيف العام 2012، فخلال الأسبوع الماضي انفجرت ستة أنفاق في ساحة فرحات، وفجر الجيش نفقاً في حي صلاح الدين، وآخر في حي ميسلون، وخمسة أنفاق في المدينة القديمة، من دون أن يتقدم المسلحون خطوة واحدة.

وتقول مصادر عسكرية في المدينة إن تعزيزات من «الحرس الثوري»، تعد بضعة آلاف مقاتل، ووحدات لبنانية متخصصة حليفة وصلت إلى المنطقة، وأن الجيش السوري يعتزم قريباً مواصلة عملية إحكام الطوق على المسلحين في القسم الشرقي من حلب، واستئناف الهجوم على مزارع الملاح. وتطل هذه المزارع على حريتان، وطريق كفر حمرة ـ الكاستيلو، طريق الإمداد الأخير للمجموعات المسلحة شرقي حلب. وكانت المعارك قد توقفت فيها منذ شهرين، بعد انسحاب وحدات من الدفاع الوطني كانت تتمركز فيها، ما أعاد القتال فيها إلى نقطة الصفر.

والأرجح أن سباقاً يقوم بين تعزيزات إيرانية بدأت بالوصول إلى المدينة، تواجهه ادِّعاءات تركية بقرب غزو المدينة عبر «غرفة عمليات الفتح»، التي لا تملك مقومات الوجود الحقيقي. إذ تقول تقديرات محلية إن المجموعات المسلحة لم تعد تملك أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل في المدينة وريفها القريب، وهو ريف يتقاسم السيطرة فيه بالمثالثة، الجيش السوري في الريف الجنوبي والجنوبي الشرقي، والمجموعات المسلحة من «جبهة النصرة» و«داعش» وغيرها من إعزاز حتى الريف الغربي والباب ومنبج وجرابلس، فيما يسيطر الأكراد على عفرين وأريافها، وهو توزيع يحد من قدرتها أيضاً على تعزيز عديدها.

ويقول «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض إن أكثر المجموعات التي باتت تقاتل على جبهات ادلب، وحدها، تضم في صفوفها من 50 إلى 60 في المئة من المقاتلين الأجانب. وينضوي هؤلاء في عداد المجموعات التي تقودها مباشرة الاستخبارات التركية، مثل «جنود الشام» و «أنصار الإسلام»، و «الحزب الإسلامي التركستاني»، و «أحرار الشام» التي شطبت الاستخبارات التركية قيادتها السابقة، بتفجير مقرها قبل أشهر.

ويعود النقص في عديد المجموعات المسلحة إلى التضحية بأعداد كبيرة من المقاتلين من الجيل الأول، وإرسال موجات واسعة من المهاجمين لتحقيق تفوق أكيد على الجيش السوري. ويبدو أن تكتيكات الموجات البشرية الكثيفة التي استخدمتها المجموعات المسلحة، في معارك مزارع الملاح، قد منعت الجيش من حصار حلب الشرقية، ولكن لقاء ثمن بشري باهظ. إذ وجد الجنود السوريون على أرض المعركة أكثر من 200 جثة، خمسون منها لأجانب. كما وجد الجنود مدافن حديثة العهد في المنطقة تعود إلى مقاتلين مجهولين.

كما يعود النقص في المقاتلين إلى تعدد عمليات التصفية، والاقتتال بين «إخوة الجهاد»، من «جبهة النصرة» و أحرار الشام»، فـ «الجيش الحر» الذي لم يبق منه في الشمال السوري إلا الاسم، وكان آخر ضحاياها «حركة حزم» التي قتلت «النصرة» العشرات من مقاتليها، خصوصاً في الأتارب مطلع العام الحالي، وفي «الفوج 48». كما طاردت وقتلت المئات من «جبهة ثوار سوريا»، ونفت قائدها جمال معروف إلى فندق في إنطاكيا مع 50 من مرافقيه، هم كل ما تبقى من الجبهة، التي كانت الاستخبارات الأميركية ترى فيها نواة «الجيش الحر المعتدل» من أصل 15 ألف مقاتل، في ذروة ازدهاره.

وكانت المجموعات المسلحة «الحلبية» قد لجأت هي نفسها إلى استقدام مقاتلين من إدلب، وشكلت «غرفة عمليات تحرير حندرات»، من «جيش الإسلام» و «أنصار الدين»، و «أحرار الشام»، وغيرهم، بقيادة احمد طعوم، الذي قتل مع المئات من مقاتليه خلال العملية، بعد ان اصطدم بوحدات الجيش السوري في القرية الإستراتيجية. ويقول مصدر في المدينة إن نقل الجماعات المسلحة مقاتليها نحو جبهات إدلب، خفف من ضغطها على الأهالي في الريف، وزاد من صعوبة تجنيد عناصر جديدة.

ويلاحظ مقاتلون على جبهات المدينة تزايد أعداد «الأطفال والفتية» المنخرطين في صفوف الجماعات المسلحة. وبرغم انتشار شبكة دعوية واسعة في الريف الحلبي، إلا أن الهجرة الكثيفة إلى تركيا بدأت بحرمان الجماعات المسلحة من تجديد عديدها، وتجنيد مقاتلين جدد، وهو ما يفسر أيضاً ارتفاع عدد المقاتلين الأجانب في صفوفها. وكان لافتاً أن تقوم الغرفة الجديدة باستدعاء مقاتلين «متقاعدين» أو من المبعدين لأسباب مسلكية، أو ممن تعرضوا إلى أحكام من «الهيئات الشرعية»، وأعادت تجميعهم في «سرايا المجاهدين» للتعويض عن النقص في المقاتلين، وزيادة عدد الفصائل المنضمة إلى العملية.

وباتت العمليات الانغماسية والانتحارية اختصاص الجماعات الشيشانية أو التركستانية. ويقول مصدر معارض إن من بين السبعين انغماسياً، الذين قتلهم الجيش السوري، بعد وصولهم إلى الطابق الأول من المستشفى الوطني المحاصر في جسر الشغور، أمكن التعرف إلى 30 تركستانياً، و10 شيشانيين، و16 «جهادياً» من جنسيات متفرقة، و10 سوريين فقط. ويبدو النقص في العديد فادحاً في الأيام الماضية، إذ استطاعت فصيلة استطلاع من الجيش السوري، خلال تدريبات حول خناصر، استعادة الرشادية و10 قرى تحيط بها بعمق 25 كيلومتراً، بعد اكتشاف خلوها من المسلحين الذين هجروها إلى إدلب. كما تمكنت وحدات من الجيش السوري و «حزب الله»، للمرة الأولى منذ أشهر، من التقدم نحو العامرية، جنوب المدينة، لتعزيز خط إمدادها عبر الراموسة، في اشتباك قصير بعد تراجع المسلحين منها.

لكن الحرب النفسية تبدو آثارها أقوى، في تركيز الجماعات المسلحة على قصف الأحياء المسيحية في المدينة القديمة، والسليمانية، والميدان، والجديدة، والعزيزية، ومنطقة الجلاء. إذ انخفض عددهم من 120 ألفاً إلى اقل من 50 ألفاً حالياً. وتتعرض هذه الأحياء غرب حلب إلى قصف عنيف، بجرات الغاز، و «مدافع جهنم»، أدت إلى نزوح الآلاف وقتل المئات من أهلها. ويقول مصدر في المدينة إن المسيحيين يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة، لو دخل المسلحون أحياءهم، وأن البعض ينتظر الوضعية التي يعيشها مسيحيو الرقة، فيما ينتظر آخرون انتهاء الموسم الدراسي، للجوء إلى وادي النصارى. وتظهر المنظمات الدولية قابلية اكبر من السكان للحرب الإعلامية والنفسية، إذ تستعد منظمة الغذاء العالمي لتسليم 39 قافلة من المساعدات الغذائية إلى غرب المدينة، وهي قوافل كان إرسالها يستغرق، قبل تكثيف القصف الإعلامي والمدفعي على المدينة، شهرين على الأقل.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-11
  • 13816
  • من الأرشيف

«فتح حلب» تهويل إعلامي وحرب نفسية

الحرب التركية من أجل حلب لن تقع، والسوريون والإيرانيون واللبنانيون بالمرصاد في المدينة. الحرب لم يحن وقتها لنقص العديد والعدة، ووصول آلاف المقاتلين الإيرانيين إلى عاصمة الشمال السوري، وقبلة الغزو التركي. الإعلان عن غرفة عمليات «فتح حلب» لتدعيم جبهة إدلب، التي تبقى أولوية تركية وسعودية، وتزخيم الحرب النفسية التي تشنها السعودية ووسائل إعلامها الكبيرة، على سوريا، لضرب الجبهة الداخلية، بعضها يحقق نتائج نسبية وارتباكاً ملحوظاً، في غياب حرب إعلامية مضادة ومنسقة. وليست المرة الأولى التي تعلن فيها المجموعات المسلحة عزمها «فتح» حلب، إذ سبق لها أن شكلت «الجبهة الشامية» وغرفة عمليات، قالت إنها تضم 35 ألف مقاتل، وضربت السابع عشر من نيسان الماضي، موعداً لدخول المدينة. وهي تعلن موعد الأول من حزيران المقبل موعداً «لفتح» المدينة. ذلك أن الإعلان عن 22 ألف مقاتل، وانضمام أكثر من 22 فصيلاً إلى الغرفة المفترضة «لغزو حلب»، وتكرار عمليات إدلب أو جسر الشغور، يبدو بعيداً جداً عن الوقائع التي تشهدها هذه الجبهة منذ أكثر من عامين. بل إن بقاء «جبهة النصرة» و«جبهة أنصار الدين» خارج الغرفة المعلنة، يوحي، ليس فقط بوجود خلافات كبيرة بين أطرافها فحسب، بل انعدام الضوء الأخضر التركي. إذ يعرف الأتراك انه لا مقومات لإنشاء «جيش فتح جديد حلبي». بل إن المبادرة التي تبحث عن استعادتها من يد الجيش السوري، تلك المجموعات المسلحة المؤتمرة بأمر غرفة عمليات إنطاكيا والاستخبارات التركية والسعودية، ليست في متناولها، لا عدة ولا عدداً، فضلا عن أن القرار السياسي التركي لا يزال يعتبر أن الأولوية لا تزال تثبيت احتلال إدلب، وانتزاع انتصار نهائي في جسر الشغور، يحسم السيطرة على محافظة إدلب. ويبدو الرهان محفوفاً بالمخاطر في ظل الهجوم المضاد الذي يشنه الجيش السوري في المنطقة، ومواصلة وحدة من قواته مقاومة المهاجمين بشجاعة منقطعة النظير داخل المستشفى الوطني، وتشيكل رأس جسر لاستعادة المدينة، التي بات الجيش السوري يشرف على مداخلها الجنوبية الشرقية والغربية. وعلى العكس مما يشير إليه الإعلان، يمنع الأتراك توجه المجموعات المسلحة نحو حلب عبر باب السلامة القريب من إعزاز، ويحشدون أكثر «جيش الفتح» على جبهة إدلب وجسر الشغور، ويتوسعون فيهما. والأرجح أن الهدف من العملية هو مشاغلة الجيش السوري في منطقة حلب، حيث تتمركز قوات من 50 ألف جندي ونصير مسلح في الجزء الغربي والجنوبي من المدينة، وثني الجيش السوري عن إرسال أي تعزيزات، إلى جبهة إدلب. وتتمتع القوات السورية المحتشدة في المدينة بخبرة قتالية عالية، وتتشكل من وحدات النخبة في الحرس الجمهوري، والاستخبارات الجوية، والقوات الخاصة، وكتائب «البعث»، والدفاع الوطني، فضلا عن بيئة حلبية حاضنة وقوية. وخلال عامين ونصف العام من الحرب، لم تنجح المعارضة، في اختراق أي من مواقع الجيش، ولا في قطع طرق إمداده التي تمتد إلى 200 كيلومتر، من الراموسة جنوباً فخريبل، فتل شغيب فالسفيرة، وخناصر وأثويا، حتى السلمية، شرق حماه التي تعد مركز تجمع الجيش السوري، ومنطلق إمداداته عبر الطريق الدولي إلى حلب. وبرغم لجوئها إلى حرب الأنفاق، لم تستطع الدخول أو تجاوز خطوط التماس التي فرضت أثناء غزوها المدينة صيف العام 2012، فخلال الأسبوع الماضي انفجرت ستة أنفاق في ساحة فرحات، وفجر الجيش نفقاً في حي صلاح الدين، وآخر في حي ميسلون، وخمسة أنفاق في المدينة القديمة، من دون أن يتقدم المسلحون خطوة واحدة. وتقول مصادر عسكرية في المدينة إن تعزيزات من «الحرس الثوري»، تعد بضعة آلاف مقاتل، ووحدات لبنانية متخصصة حليفة وصلت إلى المنطقة، وأن الجيش السوري يعتزم قريباً مواصلة عملية إحكام الطوق على المسلحين في القسم الشرقي من حلب، واستئناف الهجوم على مزارع الملاح. وتطل هذه المزارع على حريتان، وطريق كفر حمرة ـ الكاستيلو، طريق الإمداد الأخير للمجموعات المسلحة شرقي حلب. وكانت المعارك قد توقفت فيها منذ شهرين، بعد انسحاب وحدات من الدفاع الوطني كانت تتمركز فيها، ما أعاد القتال فيها إلى نقطة الصفر. والأرجح أن سباقاً يقوم بين تعزيزات إيرانية بدأت بالوصول إلى المدينة، تواجهه ادِّعاءات تركية بقرب غزو المدينة عبر «غرفة عمليات الفتح»، التي لا تملك مقومات الوجود الحقيقي. إذ تقول تقديرات محلية إن المجموعات المسلحة لم تعد تملك أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل في المدينة وريفها القريب، وهو ريف يتقاسم السيطرة فيه بالمثالثة، الجيش السوري في الريف الجنوبي والجنوبي الشرقي، والمجموعات المسلحة من «جبهة النصرة» و«داعش» وغيرها من إعزاز حتى الريف الغربي والباب ومنبج وجرابلس، فيما يسيطر الأكراد على عفرين وأريافها، وهو توزيع يحد من قدرتها أيضاً على تعزيز عديدها. ويقول «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض إن أكثر المجموعات التي باتت تقاتل على جبهات ادلب، وحدها، تضم في صفوفها من 50 إلى 60 في المئة من المقاتلين الأجانب. وينضوي هؤلاء في عداد المجموعات التي تقودها مباشرة الاستخبارات التركية، مثل «جنود الشام» و «أنصار الإسلام»، و «الحزب الإسلامي التركستاني»، و «أحرار الشام» التي شطبت الاستخبارات التركية قيادتها السابقة، بتفجير مقرها قبل أشهر. ويعود النقص في عديد المجموعات المسلحة إلى التضحية بأعداد كبيرة من المقاتلين من الجيل الأول، وإرسال موجات واسعة من المهاجمين لتحقيق تفوق أكيد على الجيش السوري. ويبدو أن تكتيكات الموجات البشرية الكثيفة التي استخدمتها المجموعات المسلحة، في معارك مزارع الملاح، قد منعت الجيش من حصار حلب الشرقية، ولكن لقاء ثمن بشري باهظ. إذ وجد الجنود السوريون على أرض المعركة أكثر من 200 جثة، خمسون منها لأجانب. كما وجد الجنود مدافن حديثة العهد في المنطقة تعود إلى مقاتلين مجهولين. كما يعود النقص في المقاتلين إلى تعدد عمليات التصفية، والاقتتال بين «إخوة الجهاد»، من «جبهة النصرة» و أحرار الشام»، فـ «الجيش الحر» الذي لم يبق منه في الشمال السوري إلا الاسم، وكان آخر ضحاياها «حركة حزم» التي قتلت «النصرة» العشرات من مقاتليها، خصوصاً في الأتارب مطلع العام الحالي، وفي «الفوج 48». كما طاردت وقتلت المئات من «جبهة ثوار سوريا»، ونفت قائدها جمال معروف إلى فندق في إنطاكيا مع 50 من مرافقيه، هم كل ما تبقى من الجبهة، التي كانت الاستخبارات الأميركية ترى فيها نواة «الجيش الحر المعتدل» من أصل 15 ألف مقاتل، في ذروة ازدهاره. وكانت المجموعات المسلحة «الحلبية» قد لجأت هي نفسها إلى استقدام مقاتلين من إدلب، وشكلت «غرفة عمليات تحرير حندرات»، من «جيش الإسلام» و «أنصار الدين»، و «أحرار الشام»، وغيرهم، بقيادة احمد طعوم، الذي قتل مع المئات من مقاتليه خلال العملية، بعد ان اصطدم بوحدات الجيش السوري في القرية الإستراتيجية. ويقول مصدر في المدينة إن نقل الجماعات المسلحة مقاتليها نحو جبهات إدلب، خفف من ضغطها على الأهالي في الريف، وزاد من صعوبة تجنيد عناصر جديدة. ويلاحظ مقاتلون على جبهات المدينة تزايد أعداد «الأطفال والفتية» المنخرطين في صفوف الجماعات المسلحة. وبرغم انتشار شبكة دعوية واسعة في الريف الحلبي، إلا أن الهجرة الكثيفة إلى تركيا بدأت بحرمان الجماعات المسلحة من تجديد عديدها، وتجنيد مقاتلين جدد، وهو ما يفسر أيضاً ارتفاع عدد المقاتلين الأجانب في صفوفها. وكان لافتاً أن تقوم الغرفة الجديدة باستدعاء مقاتلين «متقاعدين» أو من المبعدين لأسباب مسلكية، أو ممن تعرضوا إلى أحكام من «الهيئات الشرعية»، وأعادت تجميعهم في «سرايا المجاهدين» للتعويض عن النقص في المقاتلين، وزيادة عدد الفصائل المنضمة إلى العملية. وباتت العمليات الانغماسية والانتحارية اختصاص الجماعات الشيشانية أو التركستانية. ويقول مصدر معارض إن من بين السبعين انغماسياً، الذين قتلهم الجيش السوري، بعد وصولهم إلى الطابق الأول من المستشفى الوطني المحاصر في جسر الشغور، أمكن التعرف إلى 30 تركستانياً، و10 شيشانيين، و16 «جهادياً» من جنسيات متفرقة، و10 سوريين فقط. ويبدو النقص في العديد فادحاً في الأيام الماضية، إذ استطاعت فصيلة استطلاع من الجيش السوري، خلال تدريبات حول خناصر، استعادة الرشادية و10 قرى تحيط بها بعمق 25 كيلومتراً، بعد اكتشاف خلوها من المسلحين الذين هجروها إلى إدلب. كما تمكنت وحدات من الجيش السوري و «حزب الله»، للمرة الأولى منذ أشهر، من التقدم نحو العامرية، جنوب المدينة، لتعزيز خط إمدادها عبر الراموسة، في اشتباك قصير بعد تراجع المسلحين منها. لكن الحرب النفسية تبدو آثارها أقوى، في تركيز الجماعات المسلحة على قصف الأحياء المسيحية في المدينة القديمة، والسليمانية، والميدان، والجديدة، والعزيزية، ومنطقة الجلاء. إذ انخفض عددهم من 120 ألفاً إلى اقل من 50 ألفاً حالياً. وتتعرض هذه الأحياء غرب حلب إلى قصف عنيف، بجرات الغاز، و «مدافع جهنم»، أدت إلى نزوح الآلاف وقتل المئات من أهلها. ويقول مصدر في المدينة إن المسيحيين يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة، لو دخل المسلحون أحياءهم، وأن البعض ينتظر الوضعية التي يعيشها مسيحيو الرقة، فيما ينتظر آخرون انتهاء الموسم الدراسي، للجوء إلى وادي النصارى. وتظهر المنظمات الدولية قابلية اكبر من السكان للحرب الإعلامية والنفسية، إذ تستعد منظمة الغذاء العالمي لتسليم 39 قافلة من المساعدات الغذائية إلى غرب المدينة، وهي قوافل كان إرسالها يستغرق، قبل تكثيف القصف الإعلامي والمدفعي على المدينة، شهرين على الأقل.

المصدر : محمد بلوط - السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة