دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
انقلب فجأة، أمير «جبهة النصرة في القلمون» أبو مالك التلي على قناعاته السابقة بخصوص العلاقة مع «إخوة المنهج» في تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» الذين كان حتى وقت قريب يرفض وصفهم بـ «الخوارج»، بل طالما سعى إلى حمايتهم ومنع الفصائل الأخرى من المساس بهم، فإذا به نفسه يعلن الحرب عليهم ويبدأ قتالهم من دون أي مقدمات. فما هي ملابسات موقف التلي، ولماذا قرر قتال «داعش»؟
وشهدت عدة مناطق في القلمون الغربي منذ مساء أمس الأول حملة مداهمات عنيفة، قامت بها «جبهة النصرة» ضد معاقل وحواجز «الدولة الإسلامية»، تخللت بعضها اشتباكات واسعة بين الطرفين.
وأسفرت هذه الحملة عن اعتقال العشرات من عناصر «داعش» بينهم قادة و «أمراء». وقدرت بعض المصادر أعداد المعتقلين في اليوم الأول بحوالي 47 عنصراً بينهم القيادي أبو عبدالله العراقي الذي يعتبر من القادة البارزين في «الدولة الإسلامية»، ويعتبر إلى جانب أبو بلقيس العراقي الذي لم يشمله الاعتقال، القيادة الفعلية لـ «داعش» في منطقة القلمون الغربي، كما ترددت أنباء عن اعتقال «الأمير الشرعي» أبو البراء الذي ورد اسمه في الوثيقتين السابقتين. وما يلفت الانتباه أن التلي كان قد خاطبه في الوثيقة بكثير من الاحترام والوقار!
وما يثير التساؤلات حول قرار القتال المفاجئ الذي دخل إلى حيز التنفيذ قبل الإعلان عنه رسمياً، أنه جاء بعد ساعات فقط من تسريب وثيقتين صادرتين عن أبي مالك التلي شخصياً، وأقر بصحتها عدد من قيادات «النصرة» مثل أبو ماريا القحطاني. تضمنت الأولى طلباً مقدماً إلى «الدولة الإسلامية» لتقديم العون له والوقوف إلى جانبه في جبهة عسال الورد والجبة ضد الجيش السوري و «حزب الله»، والثانية عبارة عن تصريح اسمي لأحد قادة «الدولة الإسلامية» يسمح له بموجبه بالمرور عبر حواجز «جبهة النصرة» برفقة من يشاء ممن «يثق بدينهم».
فكيف يطلب التلي العون من «الدولة الإسلامية» ويسمح بمرور قادته وعناصره عبر الحواجز التابعة له، ثم بعد ذلك بعدة أيام فقط يعلن الحرب الشاملة عليه؟
توضيحاً لذلك قال لـ «السفير»، مصدر مقرب من «جبهة النصرة» إن «قرار الحرب على الخوارج هو قرار نهائي، وليس متعلقاً بالقلمون الغربي وحسب، بل يشمل كل المناطق الأخرى، وعلى رأسها القلمون الشرقي ووادي بردى والزبداني»، مشيراً إلى أن «القتال سيستمر حتى استئصال الخوارج أو إعلان توبتهم وتقديم أنفسهم لتنفيذ الحدود بحقهم على ما ارتكبوه من سفك دماء». وأضاف ان «الحملة أثمرت حتى الآن طرد الخوارج من كامل منطقتي الجبة والمعرة».
وحول الوثيقتين وتناقضهما مع قرار القتال، قال المصدر إن «أبي مالك الشامي (التلي) أصدر منذ فترة قراراً بمنع الخوارج من المشاركة في أي قتال إلى جانب جبهة النصرة، ولكن مع بداية الحديث عن معركة القلمون تقدّم إليه بعض قادة داعش بطلب للسماح لهم بالمشاركة، فرأى أن المصلحة تتطلب التوحد لرد هجوم حزب الله، وبالتالي سمح لهم بالقتال وأصدر تبعاً لذلك تصريحات لبعض قادتهم للمرور عبر حواجز النصرة». ولفت المصدر إلى أن «الخوارج كعادتهم حاولوا استغلال الظروف لتقوية شوكتهم، وهاجموا حاجزاً للنصرة واعتقلوا بعض عناصره» فما كان من أبي مالك إلا أن قرر أن الوقت قد حان للتخلص منهم، لا سيما أنه ساءه كثيراً أن يأتي اعتداؤهم بالتزامن مع هجوم «حزب الله» الذي يعتبر عدواً للطرفين.
ويأتي قرار التلي بعد أسبوع من بيان مماثل صدر عن قيادة «جبهة النصرة في القلمون الشرقي» أكدت فيه «الاستمرار في قتال الخوارج ما زال فينا عرق ينبض، وذلك حتى يعودوا (الخوارج) عن بدعتهم في تكفير المسلمين واستحلال دمائهم»، وهو ما يعني عملياً دخول منطقة القلمون مرحلة جديدة من الصراع، لأنها كانت حتى وقت قريب تعتبر من المناطق القليلة في سوريا التي لم تنتقل إليها «الفتنة الجهادية» منذ اندلاعها في نيسان من العام 2013.
ولعب التلي نفسه دوراً كبيراً في عدم انتقال هذه الفتنة إلى قطاع القلمون، حيث أصدر، مطلع العام الماضي، بياناً شهيراً رفض فيه قتال «داعش»، بل هدد فيه «أي فصيل يعتدي على مقار الدولة الإسلامية بأنه سيكون هدفاً مشروعاً للجبهة»، مستنداً في ذلك إلى اقتناع بأن «منهج النصرة والدولة هو منهج واحد»، وهو ما يخالف حتى رأي زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري الذي تحدث أكثر من مرة عن «خلاف منهجي» بين الطرفين. وبعد ذلك بأقل من عام، وتحديداً في كانون الثاني الماضي، وبالرغم من إصدار «الأمير الشرعي لداعش في القلمون» أبو الوليد المقدسي فتوى بتكفير «جبهة النصرة» إلا أن التلي بقي متمسكاً بقناعاته، ورفض، في بيان صادر عنه، أن يصف عناصر «الدولة الإسلامية» بأنهم «خوارج»، مؤكداً أن «ما ندين به أنهم إخواننا في الدين» و «لا نطلق صفة الخوارج على تنظيم الدولة بكل عناصره».
غير أن التلي أشار، في ذلك البيان، إلى نقطة في غاية الأهمية تؤكد أنه لم يغلق كل الأبواب أمام احتمال قتال «داعش»، هذا إن لم يكن يتوقعه، حيث أشار إلى أنه «ليس من منهجنا أن نبدأ بقتال أي مسلم من دون سبب»، ما يعني أنه في حال توافر الأسباب يغدو القتال احتمالاً وارداً، وهو على ما يبدو ما حدث في اليومين الماضيين.
وبالرغم من أن المصدر السابق أكد لـ «السفير» أن مواجهة «الدولة الإسلامية» تجري في مناطق محصورة، وبالتالي لن يكون لها أي تأثير على جبهة القتال مع «حزب الله» والجيش السوري، إلا أن الأمر يبقى رهناً بطبيعة التطورات والاتجاه الذي تسلكه، وبالتالي لا يمكن التكهن بالتداعيات التي قد تترتب عليه، خصوصاً أن المعارك ضد «داعش» تشتعل على أكثر من جبهة، سواء في حلب أو حمص أو الغوطة أو القلمون الشرقي، فهل سيكون بمقدور «جبهة النصرة» حسم موضوع وجود «الدولة الإسلامية» في القلمون خلال ساعات كما يشيع أنصارها، أم أن الأمور ستذهب أبعد من ذلك.
واستطاع الجيش السوري وعناصر «حزب الله» أمس إحكام السيطرة على معبر الخربة في جرود القلمون. وبدأت عملية للسيطرة على جرود رأس المعرة، حيث دارت اشتباكات عنيفة في مرتفع الباروح في جرد رأس المعرة. ويعتبر مرتفع الباروح موقعاً استراتيجياً لناحية إشرافه على رأس المعرة والحدود اللبنانية.
وسيطرت القوات السورية وعناصر الحزب على كامل جرد الجبة في القلمون، وعلى منطقة أرض المعيصرة وكامل سهل المعيصرة التي كانت معسكراً لتدريب المسلحين وسهل الواطية. كما تمت السيطرة على مرتفع قرنة عبد الحق المشرف على جرود نحلة اللبنانية، والذي يبلغ ارتفاعه 2428 متراً عن سطح البحر. وأدت العمليات الى مقتل وإصابة عشرات المسلحين.
المصدر :
السفير /عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة