قل أن حازت معركة أو جبهة في سورية منذ بدء العدوان عليها بالاهتمام والمتابعة كالتي حظيت به منطقة القلمون، ما طرح الأسئلة الكثيرة حول خلفية الأمر وطبيعة المعركة فيها والتداعيات المرتقبة بعدها،وهنا نذكر بأن المنطقة تلك هي جزء من السلسلة الشرقية التي يشترك فيها لبنان وسورية حيث يمر خط الحدود بينهما متعرجاً ليصل بين معظم النقاط المرتفعة وهي جردية في غالبيتها، لجأ إليها الإرهابيون إثر إخراجهم من البلدات والقرى السورية بضغط عسكري مارسه الجيش العربي السوري والمقاومة.‏

لقد قررت سورية وحلفاؤها في محور المقاومة تطهير القلمون من الإرهابيين نظراً لما يشكل وجودهم هناك من خطر على لبنان خاصة في بقاعه الشمالي وشماله، كما ويشكل خطراً على طريق دمشق بيروت إذا تمددوا اليه عبر الزبداني، لكن الأخطر من كل ذلك هو الربط بين وجود الإرهابيين في القلمون بالخطة الأميركية الرابعة في سياق العدوان على سورية (المسماة خطة فكي الكماشة) والتي تتمثل بالتحرك المتزامن من الجنوب باتجاه دمشق انطلاقاً من الأردن (شكل له ما سمي الفيلق الأول) وباتجاه حمص انطلاقاً من تركيا (شكل له ما سمي جيش الفتح) وأسند لإرهابيي القلمون في الخطة دور مزدوج لدعم المحور الجنوبي بالتلقي وتثبيت دمشق من الغرب ودعم المحور الشمالي وبالتلقي وتثبيت حمص من الجنوب الغربي. وعلى هذا الأساس بات تطهير القلمون جزءاً رئيسياً من معركة إسقاط خطة العدوان تلك.‏

ولأن لهذه المعركة هذه الأهمية، ولأن لها هذه الوظيفة الاستراتيجية والعملانية المزدوجة، رأينا كيف خاضت مكونات العدوان على سورية حرباً تهويلية استباقية توخوا منها منع سورية والمقاومة من اقتلاع الإرهابيين من القلمون لتأثيرهم الأكيد على خطة العدوان الأخيرة كما ذكرنا، ولهذا قامت إسرائيل بالعدوان الجوي على هدف في القلمون قبل أيام من بدء العمليات التمهيدية للمعركة، عدوان توخت منه توجيه رسالة بالنار تحذيراً للمعنيين بالشأن، بأن إسرائيل لن تتقبل فكرة إخراج الإرهابيين من المنطقة، سلوك ترافق مع حرب نفسية خاضتها وسائل إعلام العدوان وأدواتها من لبنان إلى الخليج وكان لجماعات ما يسمى 14 آذار في لبنان دور واضح للضغط على حزب الله حتى يتراجع عن المعركة.‏

لكن سورية وحلفاءها، تعاملوا مع الأمر كما يجب من حيث الأهمية العسكرية والاستراتيجية ولم يأبه أحد منهم لتحذير أو تهويل وقرروا المواجهة بما تقتضيه من تحضير مادي ومعنوي مكنهم وفي العمليات التمهيدية الأولى للمعركة من تحقيق إنجازات فاقت المتوقع، حيث تمكنت القوى من تنفيذ عمليات هجومية رشيقة خاطفة تميزت بالدقة والإتقان تحضيراً وتنفيذاً، ما أدى إلى انهيار إدراكي معنوي سريع في صفوف الإرهابيين وفّر على القوى المهاجمة بعض المواجهة والقتال في أكثر من موقع ومركز، الأمر الذي أدى إلى خفض مهم في حجم الخسائر البشرية، إذ لم تتعد على سبيل المثال في صفوف المقاومة 3 شهداء في حين أنزلت بالإرهابيين خسائر لامست الـ 65 قتيلاً في الساعات الأولى للعملية.‏

ومع ذلك ورغم أننا لا نرى أن المعركة الرئيسية في القلمون قد فتحت، ورغم أن توصيفنا لما جرى لا يتعدى القول إنه عمليات تمهيدية محددة غايتها جس النبض وتلمس الموقف والإمساك بمفاتيح المنطقة للتمكن من انطلاق ثابت وموثوق للعملية الرئيسة التي بات القرار بتنفيذها نهائياً لا رجعة فيه، رغم ذلك فقد كان لما تم تداعيات أولية مهمة جاءت كالتالي:‏

1- تكون شعور لدى مثلث قواعد الانطلاق لتنفيذ «خطة فكي الكماشة» ضد سورية (إسرائيل وتركيا والأردن) بأن محور المقاومة يقظ لما يخطط وعازم على المواجهة، وأن العمليات الاستباقية التي نفذها في الجنوب لم تكن الأخيرة التي استبقت العدوان، كما أن ما حصل في إدلب وجسر الشغور لم يؤثر بأي حال على قرار المواجهة.‏

ونتيجة لهذا الشعور التزمت إسرائيل الصمت وأحجمت عن التدخل العلني لنصرة الإرهابيين، كما سجل تراجع في الموقف التركي بعد 24 ساعة على بدء العملية. وهنا من المفيد أن نذكر بأن تركيا الراعية لـ «جيش الفتح الإرهابي» كانت لوحت قبل 5 أيام بأنها تحضر للدخول عسكرياً بجيشها النظامي لإقامة المنطقة العازلة في الشمال السوري لكنها بعد الإنجازات الأولية لعملية القلمون ورسائل أخرى تراجعت ونفت أي نية لديها في هذا الشأن. كل ذلك يعني أن عملية القلمون التمهيدية ساهمت مع ما يجري في جسر الشعور وسهل الغاب في التأثير على قرار تنفيذ خطة العدوان الجديدة.‏

 

2- أما على الصعيد الأمني المباشر فإننا نستطيع أن نسجل إبعاد الخطر الأمني المباشر عن طريق دمشق بيروت، وعن القرى اللبنانية غربي القلمون، كما إنها ستؤدي لاحقاً إلى تحرير جزء كبير من القوى في الجيش العربي السوري والمقاومة ما يمكن من استعمالهم في مناطق أخرى فيسرع عمليات تطهيرها.‏

3- أما على صعيد لبنان فإن مجرد تسجيل النجاحات التي ذكرت في الساعات الأولى للعملية أدى إلى خفض أصوات المعترضين وعملاء المشروع الغربي في لبنان وقد شعروا بأن محور المقاومة عندما يقرر لا يثنيه تهويل أو ترهيب.‏

4- وعلى صعيد إسرائيل فإنها لا شك تنظر بقلق شديد لتوثيق صلة المقاومة في لبنان بالجيش العربي السوري وخوضهما المعارك المشتركة معه واكتسابها للخبرات المضافة بما يقض مضجع إسرائيل.‏

  • فريق ماسة
  • 2015-05-10
  • 9831
  • من الأرشيف

القلمون.. عمليات ما قبل المعركة الأساسية وتداعياتها

قل أن حازت معركة أو جبهة في سورية منذ بدء العدوان عليها بالاهتمام والمتابعة كالتي حظيت به منطقة القلمون، ما طرح الأسئلة الكثيرة حول خلفية الأمر وطبيعة المعركة فيها والتداعيات المرتقبة بعدها،وهنا نذكر بأن المنطقة تلك هي جزء من السلسلة الشرقية التي يشترك فيها لبنان وسورية حيث يمر خط الحدود بينهما متعرجاً ليصل بين معظم النقاط المرتفعة وهي جردية في غالبيتها، لجأ إليها الإرهابيون إثر إخراجهم من البلدات والقرى السورية بضغط عسكري مارسه الجيش العربي السوري والمقاومة.‏ لقد قررت سورية وحلفاؤها في محور المقاومة تطهير القلمون من الإرهابيين نظراً لما يشكل وجودهم هناك من خطر على لبنان خاصة في بقاعه الشمالي وشماله، كما ويشكل خطراً على طريق دمشق بيروت إذا تمددوا اليه عبر الزبداني، لكن الأخطر من كل ذلك هو الربط بين وجود الإرهابيين في القلمون بالخطة الأميركية الرابعة في سياق العدوان على سورية (المسماة خطة فكي الكماشة) والتي تتمثل بالتحرك المتزامن من الجنوب باتجاه دمشق انطلاقاً من الأردن (شكل له ما سمي الفيلق الأول) وباتجاه حمص انطلاقاً من تركيا (شكل له ما سمي جيش الفتح) وأسند لإرهابيي القلمون في الخطة دور مزدوج لدعم المحور الجنوبي بالتلقي وتثبيت دمشق من الغرب ودعم المحور الشمالي وبالتلقي وتثبيت حمص من الجنوب الغربي. وعلى هذا الأساس بات تطهير القلمون جزءاً رئيسياً من معركة إسقاط خطة العدوان تلك.‏ ولأن لهذه المعركة هذه الأهمية، ولأن لها هذه الوظيفة الاستراتيجية والعملانية المزدوجة، رأينا كيف خاضت مكونات العدوان على سورية حرباً تهويلية استباقية توخوا منها منع سورية والمقاومة من اقتلاع الإرهابيين من القلمون لتأثيرهم الأكيد على خطة العدوان الأخيرة كما ذكرنا، ولهذا قامت إسرائيل بالعدوان الجوي على هدف في القلمون قبل أيام من بدء العمليات التمهيدية للمعركة، عدوان توخت منه توجيه رسالة بالنار تحذيراً للمعنيين بالشأن، بأن إسرائيل لن تتقبل فكرة إخراج الإرهابيين من المنطقة، سلوك ترافق مع حرب نفسية خاضتها وسائل إعلام العدوان وأدواتها من لبنان إلى الخليج وكان لجماعات ما يسمى 14 آذار في لبنان دور واضح للضغط على حزب الله حتى يتراجع عن المعركة.‏ لكن سورية وحلفاءها، تعاملوا مع الأمر كما يجب من حيث الأهمية العسكرية والاستراتيجية ولم يأبه أحد منهم لتحذير أو تهويل وقرروا المواجهة بما تقتضيه من تحضير مادي ومعنوي مكنهم وفي العمليات التمهيدية الأولى للمعركة من تحقيق إنجازات فاقت المتوقع، حيث تمكنت القوى من تنفيذ عمليات هجومية رشيقة خاطفة تميزت بالدقة والإتقان تحضيراً وتنفيذاً، ما أدى إلى انهيار إدراكي معنوي سريع في صفوف الإرهابيين وفّر على القوى المهاجمة بعض المواجهة والقتال في أكثر من موقع ومركز، الأمر الذي أدى إلى خفض مهم في حجم الخسائر البشرية، إذ لم تتعد على سبيل المثال في صفوف المقاومة 3 شهداء في حين أنزلت بالإرهابيين خسائر لامست الـ 65 قتيلاً في الساعات الأولى للعملية.‏ ومع ذلك ورغم أننا لا نرى أن المعركة الرئيسية في القلمون قد فتحت، ورغم أن توصيفنا لما جرى لا يتعدى القول إنه عمليات تمهيدية محددة غايتها جس النبض وتلمس الموقف والإمساك بمفاتيح المنطقة للتمكن من انطلاق ثابت وموثوق للعملية الرئيسة التي بات القرار بتنفيذها نهائياً لا رجعة فيه، رغم ذلك فقد كان لما تم تداعيات أولية مهمة جاءت كالتالي:‏ 1- تكون شعور لدى مثلث قواعد الانطلاق لتنفيذ «خطة فكي الكماشة» ضد سورية (إسرائيل وتركيا والأردن) بأن محور المقاومة يقظ لما يخطط وعازم على المواجهة، وأن العمليات الاستباقية التي نفذها في الجنوب لم تكن الأخيرة التي استبقت العدوان، كما أن ما حصل في إدلب وجسر الشغور لم يؤثر بأي حال على قرار المواجهة.‏ ونتيجة لهذا الشعور التزمت إسرائيل الصمت وأحجمت عن التدخل العلني لنصرة الإرهابيين، كما سجل تراجع في الموقف التركي بعد 24 ساعة على بدء العملية. وهنا من المفيد أن نذكر بأن تركيا الراعية لـ «جيش الفتح الإرهابي» كانت لوحت قبل 5 أيام بأنها تحضر للدخول عسكرياً بجيشها النظامي لإقامة المنطقة العازلة في الشمال السوري لكنها بعد الإنجازات الأولية لعملية القلمون ورسائل أخرى تراجعت ونفت أي نية لديها في هذا الشأن. كل ذلك يعني أن عملية القلمون التمهيدية ساهمت مع ما يجري في جسر الشعور وسهل الغاب في التأثير على قرار تنفيذ خطة العدوان الجديدة.‏   2- أما على الصعيد الأمني المباشر فإننا نستطيع أن نسجل إبعاد الخطر الأمني المباشر عن طريق دمشق بيروت، وعن القرى اللبنانية غربي القلمون، كما إنها ستؤدي لاحقاً إلى تحرير جزء كبير من القوى في الجيش العربي السوري والمقاومة ما يمكن من استعمالهم في مناطق أخرى فيسرع عمليات تطهيرها.‏ 3- أما على صعيد لبنان فإن مجرد تسجيل النجاحات التي ذكرت في الساعات الأولى للعملية أدى إلى خفض أصوات المعترضين وعملاء المشروع الغربي في لبنان وقد شعروا بأن محور المقاومة عندما يقرر لا يثنيه تهويل أو ترهيب.‏ 4- وعلى صعيد إسرائيل فإنها لا شك تنظر بقلق شديد لتوثيق صلة المقاومة في لبنان بالجيش العربي السوري وخوضهما المعارك المشتركة معه واكتسابها للخبرات المضافة بما يقض مضجع إسرائيل.‏

المصدر : امين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة