«فرديناند دوليسبس»، هو أكبر من اسم لمهندس فرنسي درس مشروع فتح قناة السويس لوصل البحر الأحمر بالمتوسط، هذا الاسم هو كلمة السر التي استخدمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطابه عشية تأميم قناة السويس. بمعنى آخر، كانت خطة التأميم هي قيام الوحدات الموكلة بالقيام بمهمة السيطرة على مراكز التحكم بالقناة، في اللحظة التي ينطق فيها عبد الناصر بخطابه اسم «دوليسبس».

في حديثه الأخير، على أهميته بما يتعلق بنسف الحرب النفسية التي يشنها العدو، لم يأتِ السيد حسن نصر اللـه على تحديد أو إعلان عن بدء لأي معركة. في اليوم التالي خرج السيد الرئيس بين أبناء وبنات الشهداء ـ اللذين يعتز بوجوده معهم ـ ليتحدث في العموميات التي هي بالنهاية متاهةٌ تصيب العدو في مقتل، أكثر مما لو كان حديثاً عن التهديد والوعيد. في كلا الإطلالتين كان أعداؤهما يبحثون بين سطور كلامهما عن ما يشابه لاسم «دوليسبس»، لكنهم ربما وقعوا في فخ أن ظروف المعركة الحالية ليست كما كانت زمن عبد الناصر، وأن من ينطلق في نهج الدفاع عن وطنه من مسلمات رفض الخنوع والتسلط، لا يعير أهمية لكلمات السر ولا يدفع عدوه لبذل جهده بتحليل الكلام، لأن الكلام واضح، لكن العدو غالباً ما يتجاهله بسبب الاستسلام لأحلام اليقظة.

 

بدأت معركة القلمون، تبدو الفكرة منطلقةً من إستراتيجية أولوية القضاء على الإرهاب في مناطق وجوده، حتى الوصول إلى المناطق الحدودية وتأمينها، فمن دون تأمين المناطق الحدودية فإن الجهد العام سيذهب سدى، تحديداً أن المناطق التي تصلح لعمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود ليست بحاجة لمساحات شاسعة. كذلك الأمر فإن لبنان لم يكن خاصرة رخوة فحسب، بل إن جزءاً كبيراً منه متآمر على لبنان نفسه، قبل أن يكون متآمراً على سورية.

في الشكل العام لا يمكننا أن نفصل الإرهابيين في هذه المناطق، أصدقاء وليد جنبلاط وسعد الحريري من «النصرة» التي هي أحد فروع تنظيم القاعدة، عن تركيا وقطر، تحديداً أن قطر تستطيع ببساطة أن تُرسل موفدين للقاء هؤلاء الإرهابيين والتفاوض معهم على مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين.

كان واضحاً منذ البداية أن خطف العسكريين لم يكن هدفه المؤسسة العسكرية اللبنانية، بقدر ما هو تكتيك اتبعته قطر وتركيا لفرملة أي اندفاعة مستقبلية للمقاومة في هذه المنطقة بالتعاون مع الجيش السوري لطرد الإرهابيين، تحديداً أن فكرة الرد على تقدم الجيش السوري وحزب اللـه في المنطقة بالبدء بإعدام العسكريين لاستثارة الشارع على المقاومة باتت قائمة، لكن هل ستخضع لها المقاومة؟ إذا ما أخذنا بالحسبان أن معركة هؤلاء الإرهابيين مع الجيش السوري هي معركة كل من يعادي سورية، فهل سمعنا منهم خوفاً أو حرصاً على لبنان من ضغطٍ يمثله سيطرة هؤلاء على مناطق في طرفي الحدود؟ حتى وزير الدفاع اللبناني وفي خضم المعركة التي تخوضها المقاومة لتأمين حدود لبنان الشرقية، قرر «فجأة» زيارة الجنوب للاطمئنان على الوضع هناك.

إن إصرار الجيش العربي السوري وحلفائه على هذه المعركة، لم يأتِ من أهميتها بما يتعلق بالشأن اللبناني فحسب، فالرهان على تنظيم القاعدة الممثل بـ«جبهة النصرة» بات رهاناً على آخر الأوراق التي لا تستهدف انهيار الدولة السورية فحسب، لكن يتعداها ليحاصر المقاومة اللبنانية في نقاط مهمة لا يبدو الكيان الصهيوني بعيداً عنها، إذ لا يمكننا النظر إلى تصريحات العدو عن أن (معركة القلمون ستحدد مصير الأسد)، دون الأخذ بالحسبان ما هو أهم منها وهو إقرار صحف العدو بأن (عصابات النصرة تعمل تحت إمرة الاستخبارات «الإسرائيلية»). أي إن الهدف هو طول الشريط الحدودي الذي يساهم بعزل المقاومة، وعندما نتحدث عن استخبارات «إسرائيلية» هذا يعني حكماً استخبارات تركية -القطرية تبقى مجرد اسم- فالتركية تعتقد أن مهمتها في الشمال الغربي لسورية وعبر النصرة تمت بنجاح، فلا بد من استنساخ هذه التجربة في مواقع أخرى، تحديداً بعد حديث الصحف التركية عن تدفق شاحنات عبر الحدود لا تحمل لوحات، وبعضها يختبئ بلوحات للأمم المتحدة، دون أن ننسى المصير الذي لاقوه من ساهموا سابقاً بإيقاف شحنات أسلحة كانت متوجهة إلى سورية.

عملياً النجاح بأي مهمة (ولو كانت قذرة) كالتي يقوم بها أعداء سورية مرتبطٌ بديمومته، بمعنى آخر تحدث الأسد عن خسارة معركة لا حرب (كم كان لافتاً حديثه عن أننا في حرب على حين لا يزال البعض من أبناء جلدتنا يُسميها… أزمة)، والأهم أن وعده فيما يخص المحاصرين في المشفى الوطني في جسر الشغور بُدء بتنفيذه، مع توالي الأخبار عن تقدم الجيش السوري على هذا المحور، وهذا بلغةٍ إستراتيجيةٍ واقعيةٍ اعتاد عليها الأسد تعني أن الانتصارات قادمة وبعثرة أوراق الجميع هي مسألة وقت لا أكثر، فكيف نستدل على ذلك؟

زيارة مسعود البرزاني الطامح لتهويد العراق إلى الولايات المتحدة (نقول العراق وليس كردستان فالإقليم الشمالي لم يهوَّد فحسب بل تأسرل)، جاءت بعد إخفاق جميع المحاولات في زج العراق في حربٍ أهلية طاحنةٍ، ورفض الحكومة العراقية المزيد من التنازلات كقبول تسليح البشمركة دون العودة للحكومة المركزية. فجاء البرزاني محاولاً اللعب بالوقت الضائع عساه يستفيد من الفوضتين العراقية والسورية لتحقيق حلم «إسرائيل الشمالية»، تحديداً أن التحريض المذهبي على قوات الحشد الشعبي تم الرد عليها بإعلان 1000 عنصر من قوات العشائر انضمامهم للحشد الشعبي، وهو ما سيترك أثره في الحرب القادمة على داعش ويكبح -حتى الآن- طموح انفصال الإقليم.

النقطة الثانية هي استعارة التحريض المذهبي والطائفي على السوريين لدرجاتٍ وصلت عند البعض إلى حد الجنون (وهنا لا نبالغ)، فالتحريض هذه المرة كان على شكل دعوات إبادة جماعية. بالتأكيد لم يفاجئنا قيام السوريين بتلقي هذه الدعوات والحديث عنها بطريقة تهكمية تزيد من إرباك العدو، لكن ربما ما يزال يفاجئنا هو إصرار البعض على الظهور في قنوات كهذه وبرامج كتلك تحت أي ذريعة. منذ 2012 قلنا إن الظهور على هذه القناة وفي هذا البرنامج كالظهور على التلفزيون «الإسرائيلي»، يومها «حرد» من كانوا ضيوفاً دائمين، فمتى سنقتنع أن «التفكير على الورق» هو خيرٌ من «الهوبرات» الإعلامية؟

النقطة الأخيرة وهي فقدان «آل سعود» صوابهم في عدوانهم على اليمن، تحديداً أن ما جرى من قصف منذ الأمس حتى -كتابة هذه الكلمات- في صعدة قد لا يشبهه إلا جنون «نيرون»، فصمود اليمنيين جعل مملكة «آل سعود» تصب جام غضبها على الأبرياء، فقررت إبادة مناطق بكاملها لإثبات نظرية نجاح عاصفة الحزم؛ بإظهار «الحزم» اتجاه الأطفال والرضع والنساء على حين يهرب جنودهم من المواجهة المباشرة كما حدث في موقع «المنارة». إن نجاح عاصفة «الأمل» بانتهاك حقوق الدول، يجعل الإنسان يفقد أي أمل بأن «آل سعود» يمكن بعد اليوم التعايش معهم، لأن المجازر والصور التي شاهدناها بالأمس تدفعنا للقول إننا فعلياً أمام فرصة قد لا تتكرر، فإما أن نكون يوماً ما جميعاً ضحايا لـ«سُعار» هذه الطغمة، وإما أن نتخلص منها ـ ولو بأقل الخسائر ـ فلم يعد لدى السوريين واليمنيين ما يخسرونه؛ لا على مستوى البناء ولا على مستوى الإنسان. المطلوب الآن المزيد من الصمود ربما لأن هناك من يقول إن الساعات الأخيرة تستلزم تدرجاً في انغماس «آل سعود» أكثر في اليمن، فالحدود الجنوبية الغربية للمملكة انهارت تماماً، وحديث أوباما عن ضرورة حصول الخليج على الدرع الصاروخية لا يبدو أنه للمزيد من كسب المال فحسب، بل هو لدفع مملكة «آل سعود» نحو الهاوية أكثر من خلال تقزيمها كدولةٍ تصطنع خطراً إيرانياً وتطلب من السنغاليين وغيرهم الدفاع عنها.

جميعهم باتوا يستغيثون، فلم تكن استغاثة «فاروق طيفور» نائب حركة إخوان الشياطين بالأمس بالقول إن الحركة يتم تهميشها عن الحل السياسي ناتجة عن عبث، فكلما ارتفعت في السياسة استغاثات العملاء، زاد إجرام إرهابيي أردوغان و«آل سعود» على الأرض.

لا تبحثوا في كلام الأسد عن كلمه سر، لأن كلمة السر التي قالها ليست لغزاً، لكنها وصَّفت الواقع والماضي (إن جمال باشا السفاح هو من ارتكب هذه الجريمة وأردوغان هو من يرتكب الجرائم الآن). بمعنى آخر، أراد الأسد أن يجعلنا نتذكر الحكمة التي تقول: والحيَّات لا تنجب إلا صلالاً… وأسد لا ينجب إلا ضيغماً.

ليتنا تنبهنا لهذا الكلام مسبقاً وليتنا نحمله معنا لقادمات الأيام، تحديداً أنها ساعات وأد الطموح الأردوغاني -وغير الأردوغاني- إلى غير رجعة… إلا أن كان هناك من يعتقد أن العرض العسكري الذي شهدته موسكو بمناسبة النصر على النازية… هو مجرد عرض.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-09
  • 12402
  • من الأرشيف

جنون «نيرون» ومعارك القلمون: من قال إن الأسد يتعاطى بكلمات السر؟

«فرديناند دوليسبس»، هو أكبر من اسم لمهندس فرنسي درس مشروع فتح قناة السويس لوصل البحر الأحمر بالمتوسط، هذا الاسم هو كلمة السر التي استخدمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطابه عشية تأميم قناة السويس. بمعنى آخر، كانت خطة التأميم هي قيام الوحدات الموكلة بالقيام بمهمة السيطرة على مراكز التحكم بالقناة، في اللحظة التي ينطق فيها عبد الناصر بخطابه اسم «دوليسبس». في حديثه الأخير، على أهميته بما يتعلق بنسف الحرب النفسية التي يشنها العدو، لم يأتِ السيد حسن نصر اللـه على تحديد أو إعلان عن بدء لأي معركة. في اليوم التالي خرج السيد الرئيس بين أبناء وبنات الشهداء ـ اللذين يعتز بوجوده معهم ـ ليتحدث في العموميات التي هي بالنهاية متاهةٌ تصيب العدو في مقتل، أكثر مما لو كان حديثاً عن التهديد والوعيد. في كلا الإطلالتين كان أعداؤهما يبحثون بين سطور كلامهما عن ما يشابه لاسم «دوليسبس»، لكنهم ربما وقعوا في فخ أن ظروف المعركة الحالية ليست كما كانت زمن عبد الناصر، وأن من ينطلق في نهج الدفاع عن وطنه من مسلمات رفض الخنوع والتسلط، لا يعير أهمية لكلمات السر ولا يدفع عدوه لبذل جهده بتحليل الكلام، لأن الكلام واضح، لكن العدو غالباً ما يتجاهله بسبب الاستسلام لأحلام اليقظة.   بدأت معركة القلمون، تبدو الفكرة منطلقةً من إستراتيجية أولوية القضاء على الإرهاب في مناطق وجوده، حتى الوصول إلى المناطق الحدودية وتأمينها، فمن دون تأمين المناطق الحدودية فإن الجهد العام سيذهب سدى، تحديداً أن المناطق التي تصلح لعمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود ليست بحاجة لمساحات شاسعة. كذلك الأمر فإن لبنان لم يكن خاصرة رخوة فحسب، بل إن جزءاً كبيراً منه متآمر على لبنان نفسه، قبل أن يكون متآمراً على سورية. في الشكل العام لا يمكننا أن نفصل الإرهابيين في هذه المناطق، أصدقاء وليد جنبلاط وسعد الحريري من «النصرة» التي هي أحد فروع تنظيم القاعدة، عن تركيا وقطر، تحديداً أن قطر تستطيع ببساطة أن تُرسل موفدين للقاء هؤلاء الإرهابيين والتفاوض معهم على مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين. كان واضحاً منذ البداية أن خطف العسكريين لم يكن هدفه المؤسسة العسكرية اللبنانية، بقدر ما هو تكتيك اتبعته قطر وتركيا لفرملة أي اندفاعة مستقبلية للمقاومة في هذه المنطقة بالتعاون مع الجيش السوري لطرد الإرهابيين، تحديداً أن فكرة الرد على تقدم الجيش السوري وحزب اللـه في المنطقة بالبدء بإعدام العسكريين لاستثارة الشارع على المقاومة باتت قائمة، لكن هل ستخضع لها المقاومة؟ إذا ما أخذنا بالحسبان أن معركة هؤلاء الإرهابيين مع الجيش السوري هي معركة كل من يعادي سورية، فهل سمعنا منهم خوفاً أو حرصاً على لبنان من ضغطٍ يمثله سيطرة هؤلاء على مناطق في طرفي الحدود؟ حتى وزير الدفاع اللبناني وفي خضم المعركة التي تخوضها المقاومة لتأمين حدود لبنان الشرقية، قرر «فجأة» زيارة الجنوب للاطمئنان على الوضع هناك. إن إصرار الجيش العربي السوري وحلفائه على هذه المعركة، لم يأتِ من أهميتها بما يتعلق بالشأن اللبناني فحسب، فالرهان على تنظيم القاعدة الممثل بـ«جبهة النصرة» بات رهاناً على آخر الأوراق التي لا تستهدف انهيار الدولة السورية فحسب، لكن يتعداها ليحاصر المقاومة اللبنانية في نقاط مهمة لا يبدو الكيان الصهيوني بعيداً عنها، إذ لا يمكننا النظر إلى تصريحات العدو عن أن (معركة القلمون ستحدد مصير الأسد)، دون الأخذ بالحسبان ما هو أهم منها وهو إقرار صحف العدو بأن (عصابات النصرة تعمل تحت إمرة الاستخبارات «الإسرائيلية»). أي إن الهدف هو طول الشريط الحدودي الذي يساهم بعزل المقاومة، وعندما نتحدث عن استخبارات «إسرائيلية» هذا يعني حكماً استخبارات تركية -القطرية تبقى مجرد اسم- فالتركية تعتقد أن مهمتها في الشمال الغربي لسورية وعبر النصرة تمت بنجاح، فلا بد من استنساخ هذه التجربة في مواقع أخرى، تحديداً بعد حديث الصحف التركية عن تدفق شاحنات عبر الحدود لا تحمل لوحات، وبعضها يختبئ بلوحات للأمم المتحدة، دون أن ننسى المصير الذي لاقوه من ساهموا سابقاً بإيقاف شحنات أسلحة كانت متوجهة إلى سورية. عملياً النجاح بأي مهمة (ولو كانت قذرة) كالتي يقوم بها أعداء سورية مرتبطٌ بديمومته، بمعنى آخر تحدث الأسد عن خسارة معركة لا حرب (كم كان لافتاً حديثه عن أننا في حرب على حين لا يزال البعض من أبناء جلدتنا يُسميها… أزمة)، والأهم أن وعده فيما يخص المحاصرين في المشفى الوطني في جسر الشغور بُدء بتنفيذه، مع توالي الأخبار عن تقدم الجيش السوري على هذا المحور، وهذا بلغةٍ إستراتيجيةٍ واقعيةٍ اعتاد عليها الأسد تعني أن الانتصارات قادمة وبعثرة أوراق الجميع هي مسألة وقت لا أكثر، فكيف نستدل على ذلك؟ زيارة مسعود البرزاني الطامح لتهويد العراق إلى الولايات المتحدة (نقول العراق وليس كردستان فالإقليم الشمالي لم يهوَّد فحسب بل تأسرل)، جاءت بعد إخفاق جميع المحاولات في زج العراق في حربٍ أهلية طاحنةٍ، ورفض الحكومة العراقية المزيد من التنازلات كقبول تسليح البشمركة دون العودة للحكومة المركزية. فجاء البرزاني محاولاً اللعب بالوقت الضائع عساه يستفيد من الفوضتين العراقية والسورية لتحقيق حلم «إسرائيل الشمالية»، تحديداً أن التحريض المذهبي على قوات الحشد الشعبي تم الرد عليها بإعلان 1000 عنصر من قوات العشائر انضمامهم للحشد الشعبي، وهو ما سيترك أثره في الحرب القادمة على داعش ويكبح -حتى الآن- طموح انفصال الإقليم. النقطة الثانية هي استعارة التحريض المذهبي والطائفي على السوريين لدرجاتٍ وصلت عند البعض إلى حد الجنون (وهنا لا نبالغ)، فالتحريض هذه المرة كان على شكل دعوات إبادة جماعية. بالتأكيد لم يفاجئنا قيام السوريين بتلقي هذه الدعوات والحديث عنها بطريقة تهكمية تزيد من إرباك العدو، لكن ربما ما يزال يفاجئنا هو إصرار البعض على الظهور في قنوات كهذه وبرامج كتلك تحت أي ذريعة. منذ 2012 قلنا إن الظهور على هذه القناة وفي هذا البرنامج كالظهور على التلفزيون «الإسرائيلي»، يومها «حرد» من كانوا ضيوفاً دائمين، فمتى سنقتنع أن «التفكير على الورق» هو خيرٌ من «الهوبرات» الإعلامية؟ النقطة الأخيرة وهي فقدان «آل سعود» صوابهم في عدوانهم على اليمن، تحديداً أن ما جرى من قصف منذ الأمس حتى -كتابة هذه الكلمات- في صعدة قد لا يشبهه إلا جنون «نيرون»، فصمود اليمنيين جعل مملكة «آل سعود» تصب جام غضبها على الأبرياء، فقررت إبادة مناطق بكاملها لإثبات نظرية نجاح عاصفة الحزم؛ بإظهار «الحزم» اتجاه الأطفال والرضع والنساء على حين يهرب جنودهم من المواجهة المباشرة كما حدث في موقع «المنارة». إن نجاح عاصفة «الأمل» بانتهاك حقوق الدول، يجعل الإنسان يفقد أي أمل بأن «آل سعود» يمكن بعد اليوم التعايش معهم، لأن المجازر والصور التي شاهدناها بالأمس تدفعنا للقول إننا فعلياً أمام فرصة قد لا تتكرر، فإما أن نكون يوماً ما جميعاً ضحايا لـ«سُعار» هذه الطغمة، وإما أن نتخلص منها ـ ولو بأقل الخسائر ـ فلم يعد لدى السوريين واليمنيين ما يخسرونه؛ لا على مستوى البناء ولا على مستوى الإنسان. المطلوب الآن المزيد من الصمود ربما لأن هناك من يقول إن الساعات الأخيرة تستلزم تدرجاً في انغماس «آل سعود» أكثر في اليمن، فالحدود الجنوبية الغربية للمملكة انهارت تماماً، وحديث أوباما عن ضرورة حصول الخليج على الدرع الصاروخية لا يبدو أنه للمزيد من كسب المال فحسب، بل هو لدفع مملكة «آل سعود» نحو الهاوية أكثر من خلال تقزيمها كدولةٍ تصطنع خطراً إيرانياً وتطلب من السنغاليين وغيرهم الدفاع عنها. جميعهم باتوا يستغيثون، فلم تكن استغاثة «فاروق طيفور» نائب حركة إخوان الشياطين بالأمس بالقول إن الحركة يتم تهميشها عن الحل السياسي ناتجة عن عبث، فكلما ارتفعت في السياسة استغاثات العملاء، زاد إجرام إرهابيي أردوغان و«آل سعود» على الأرض. لا تبحثوا في كلام الأسد عن كلمه سر، لأن كلمة السر التي قالها ليست لغزاً، لكنها وصَّفت الواقع والماضي (إن جمال باشا السفاح هو من ارتكب هذه الجريمة وأردوغان هو من يرتكب الجرائم الآن). بمعنى آخر، أراد الأسد أن يجعلنا نتذكر الحكمة التي تقول: والحيَّات لا تنجب إلا صلالاً… وأسد لا ينجب إلا ضيغماً. ليتنا تنبهنا لهذا الكلام مسبقاً وليتنا نحمله معنا لقادمات الأيام، تحديداً أنها ساعات وأد الطموح الأردوغاني -وغير الأردوغاني- إلى غير رجعة… إلا أن كان هناك من يعتقد أن العرض العسكري الذي شهدته موسكو بمناسبة النصر على النازية… هو مجرد عرض.

المصدر : فراس عزيز ديب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة