كان الديبلوماسي والاقتصادي الاميركي الشهير جون كنيث غالبريث يقول «لو استخدمنا الاموال التي انفقناها في الحروب من اجل بناء العالم، لكان باستطاعتنا ان ندعو الله الى تمضية الويك اند على الارض. لا ريب انه كان سيسأل كيف تمكنا من ان نصنع فردوسا هو صورة طبق الاصل عن الفردوس الذي وعدنا به».

 اما نحن فلا نزال نسأل عن السبب الذي جعل حجر قايين يتدحرج عبر الازمنة ليستقر في ديار العرب. هل لانه لحق بالانبياء، وفي ادبيات اساقفة الغيب عندنا ان الله بعث الينا بـ123 الف نبي (لماذا هذا الرقم بالذات؟). غريب ان كل هؤلاء لم يغسلوا فينا لوثة البداوة..

شاشات اشبه ما تكون بتورا بورا: مناظرات حول الحجاب، مناظرات حول عقد القران على رضيعة، مناظرات حول من ينتظرنا في القبر (ودائما بتكشيرة تقشعر لها الابدان)، وهكذا دواليك، فيما العالم الذي ليس عالمنا، منهمك في تثوير التكنولوجيا، وقد حط على سطح المريخ، وفي ابحاث العقاقير، وحتى في استنساخ اجناس بشرية من طراز اينشتاين وابن رشد والخوارزمي وافلاطون...

ذات يوم كنت في حضرة جهاز استخبارات دولة عربية، وكنت اخضع للتعذيب بسبب مقالة هي عبارة عن سيناريو لاغتيال رئيس تلك الدولة. اثناء التعذيب سألني شقيق الرئيس، وكان مسؤولا في الاستخبارات، فظاً وامياً وغبياً، ما اذا كنت اعرف كمية انتاج بلاده من النفط في عام 1973 (وكانت حفلة التعذيب بعد ذلك بست سنوات). اجبت ، فقال لي «اذاً، انت عميل لوكالة الاستخبارات المركزية».

انا عميل للـ «سي.آي.اي» لانني، كصحافي، رديت بدقة على ذلك السؤال، وعبثاً حاولت اقناعه بأن الكثيرين مثلي يعرفون مسار النفط في العالم العربي. اصر على موقفه وعلى تعذيبي على انني من جماعة آلان دالاس او ريتشارد هيلمز، وصولا الى ديفيد بترايوس الذي يبدو ان لعنة الجنرالات في اميركا ابعدته عن البيت الابيض مثلما ابعدت قبله جورج مارشال او دوغلاس ماك آرثر، وصولا الى كولن باول ونورمان شوارزكوف...

التكنولوجيا عندنا للاقبية لا للكواكب. لتحطيم الكائنات البشرية لا لاعلاء شأنها، فهل تسنى لكم ان تقرأوا ما يكتبه معلقون عرب بارزون حول فقراء اليمن، وكيف ان الحوثيين استخدموهم كوقود في لعبة الصراع في المنطقة الى ان ازدادوا فقرا وازدادوا شقاء...

لا ندري ماذا كان ينوي الحوثيون فعله، والى اين يريدون ان يصلوا، وقد وضعوا يدهم بيد ذلك الافاك الذي كرس صنعاء مستودعا للقبائل، ولكن هل هؤلاء هم الذين جعلوا اليمنيين يظهرون بتلك الاسمال التي تلطخ وجداننا القومي من المحيط الى الخليج؟..

لن نرثي الثروات العربية التي سبق ورثاها محمد حسنين هيكل، معتبرا انها لو وضعت في مكانها الصحيح، لا في خدمة القناصل ولا في خدمة الغانيات، لكنا في الصفوف الامامية من القرن لا في قاع القرن...

لن نعتب على الذين حولونا الى عبيد في سوق الامم وفي لعبة الامم. مجرد افواه، غالبا افواه مقفلة وادمغة مقفلة، دون ان يكون مسموحا لنا الاقتراب من التكنولوجيا حتى لا نخرج من الغيبوبة، غيبوبة الغيب، ونتحول الى مجتمعات تعرف كيف تلقي التحية على الحياة...

ولكن، لاصحاب التعليقات ولاصحاب العيون العرجاء، نسأل هل الحوثيون هم المسؤولون عن ذلك الشقاء الخرافي وفي ظل او على تخوم الثروات الخرافية حيث اليخوت المرصعة بالذهب، وحيث القصور التي لكأنها هبطت للتو من الخيال...

الخبراء الاقتصاديون يقدرون عائدات العرب من النفط مع فوائدها على امتداد العقود السبعة المنصرمة بـ60 تريليون دولار. لو انفق ثلث هذا المبلغ على التنمية، التنمية البشرية بالدرجة الاولى، هل كان هناك مائة مليون امي في العالم العربي، وهل كان ظهر بينـنا خليفة يقـطع الرؤوس ويرجم بالحجارة ويفتي بجهاد النكاح؟

اليمن الذي ندمره ليس حوثيا، ولا يمكن ان يكون ايرانيا لاننا نعرف تماما مدى العنفوان هناك، حتى ولو كان عنفوان الحفاة. انه اليمن العربي، بل لعله آخر ما تبقى من عروبة العرب باعتبار انه ظل على اصالته وظل على شظفه...

الذي اذهلنا ان هناك اغنيات وضعت للتغزل بطائراتنا وهي تقتل اهلنا، كما لو انها الطائرات التي تدمر للمرة الثالثة هيكل سليمان ولا تدمر المنازل التي نسأل ما اذا كانت تليق بالبشر...

لا مشكلة الـ«بي.بي.سي» قالت لنا (واسمعتنا) ان فتحية احمد غنت لروسيا عندما انتصرت على النازية، وان كارم محمود غنى لونستون تشرشل، وان محمد عبد المطلب غنى لدوايت ايزنهاور...

هولاكو (العربي) يستحق اغنية و...وردة!

  • فريق ماسة
  • 2015-05-01
  • 5318
  • من الأرشيف

أغنيات لطائرات العرب ....

كان الديبلوماسي والاقتصادي الاميركي الشهير جون كنيث غالبريث يقول «لو استخدمنا الاموال التي انفقناها في الحروب من اجل بناء العالم، لكان باستطاعتنا ان ندعو الله الى تمضية الويك اند على الارض. لا ريب انه كان سيسأل كيف تمكنا من ان نصنع فردوسا هو صورة طبق الاصل عن الفردوس الذي وعدنا به».  اما نحن فلا نزال نسأل عن السبب الذي جعل حجر قايين يتدحرج عبر الازمنة ليستقر في ديار العرب. هل لانه لحق بالانبياء، وفي ادبيات اساقفة الغيب عندنا ان الله بعث الينا بـ123 الف نبي (لماذا هذا الرقم بالذات؟). غريب ان كل هؤلاء لم يغسلوا فينا لوثة البداوة.. شاشات اشبه ما تكون بتورا بورا: مناظرات حول الحجاب، مناظرات حول عقد القران على رضيعة، مناظرات حول من ينتظرنا في القبر (ودائما بتكشيرة تقشعر لها الابدان)، وهكذا دواليك، فيما العالم الذي ليس عالمنا، منهمك في تثوير التكنولوجيا، وقد حط على سطح المريخ، وفي ابحاث العقاقير، وحتى في استنساخ اجناس بشرية من طراز اينشتاين وابن رشد والخوارزمي وافلاطون... ذات يوم كنت في حضرة جهاز استخبارات دولة عربية، وكنت اخضع للتعذيب بسبب مقالة هي عبارة عن سيناريو لاغتيال رئيس تلك الدولة. اثناء التعذيب سألني شقيق الرئيس، وكان مسؤولا في الاستخبارات، فظاً وامياً وغبياً، ما اذا كنت اعرف كمية انتاج بلاده من النفط في عام 1973 (وكانت حفلة التعذيب بعد ذلك بست سنوات). اجبت ، فقال لي «اذاً، انت عميل لوكالة الاستخبارات المركزية». انا عميل للـ «سي.آي.اي» لانني، كصحافي، رديت بدقة على ذلك السؤال، وعبثاً حاولت اقناعه بأن الكثيرين مثلي يعرفون مسار النفط في العالم العربي. اصر على موقفه وعلى تعذيبي على انني من جماعة آلان دالاس او ريتشارد هيلمز، وصولا الى ديفيد بترايوس الذي يبدو ان لعنة الجنرالات في اميركا ابعدته عن البيت الابيض مثلما ابعدت قبله جورج مارشال او دوغلاس ماك آرثر، وصولا الى كولن باول ونورمان شوارزكوف... التكنولوجيا عندنا للاقبية لا للكواكب. لتحطيم الكائنات البشرية لا لاعلاء شأنها، فهل تسنى لكم ان تقرأوا ما يكتبه معلقون عرب بارزون حول فقراء اليمن، وكيف ان الحوثيين استخدموهم كوقود في لعبة الصراع في المنطقة الى ان ازدادوا فقرا وازدادوا شقاء... لا ندري ماذا كان ينوي الحوثيون فعله، والى اين يريدون ان يصلوا، وقد وضعوا يدهم بيد ذلك الافاك الذي كرس صنعاء مستودعا للقبائل، ولكن هل هؤلاء هم الذين جعلوا اليمنيين يظهرون بتلك الاسمال التي تلطخ وجداننا القومي من المحيط الى الخليج؟.. لن نرثي الثروات العربية التي سبق ورثاها محمد حسنين هيكل، معتبرا انها لو وضعت في مكانها الصحيح، لا في خدمة القناصل ولا في خدمة الغانيات، لكنا في الصفوف الامامية من القرن لا في قاع القرن... لن نعتب على الذين حولونا الى عبيد في سوق الامم وفي لعبة الامم. مجرد افواه، غالبا افواه مقفلة وادمغة مقفلة، دون ان يكون مسموحا لنا الاقتراب من التكنولوجيا حتى لا نخرج من الغيبوبة، غيبوبة الغيب، ونتحول الى مجتمعات تعرف كيف تلقي التحية على الحياة... ولكن، لاصحاب التعليقات ولاصحاب العيون العرجاء، نسأل هل الحوثيون هم المسؤولون عن ذلك الشقاء الخرافي وفي ظل او على تخوم الثروات الخرافية حيث اليخوت المرصعة بالذهب، وحيث القصور التي لكأنها هبطت للتو من الخيال... الخبراء الاقتصاديون يقدرون عائدات العرب من النفط مع فوائدها على امتداد العقود السبعة المنصرمة بـ60 تريليون دولار. لو انفق ثلث هذا المبلغ على التنمية، التنمية البشرية بالدرجة الاولى، هل كان هناك مائة مليون امي في العالم العربي، وهل كان ظهر بينـنا خليفة يقـطع الرؤوس ويرجم بالحجارة ويفتي بجهاد النكاح؟ اليمن الذي ندمره ليس حوثيا، ولا يمكن ان يكون ايرانيا لاننا نعرف تماما مدى العنفوان هناك، حتى ولو كان عنفوان الحفاة. انه اليمن العربي، بل لعله آخر ما تبقى من عروبة العرب باعتبار انه ظل على اصالته وظل على شظفه... الذي اذهلنا ان هناك اغنيات وضعت للتغزل بطائراتنا وهي تقتل اهلنا، كما لو انها الطائرات التي تدمر للمرة الثالثة هيكل سليمان ولا تدمر المنازل التي نسأل ما اذا كانت تليق بالبشر... لا مشكلة الـ«بي.بي.سي» قالت لنا (واسمعتنا) ان فتحية احمد غنت لروسيا عندما انتصرت على النازية، وان كارم محمود غنى لونستون تشرشل، وان محمد عبد المطلب غنى لدوايت ايزنهاور... هولاكو (العربي) يستحق اغنية و...وردة!

المصدر : الديار/ نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة