لماذا لم تحظ معركة "رص الصفوف" بتغطية إعلامية واسعة؟ ماهي هذه المعركة وماتفاصيلها؟ وما طبيعة المعلومات الاستخباراتية التي وصلت إلى قادة الجيش السوري الميدانيين في جوبر قبل ساعات من اندلاعها؟ ماذا خسر الجيش السوري فيها, وماهي مكاسب المسلحين بعدها؟

 

 

الثلاثاء ٢١ نيسان ٢٠١٥ وعند دقائق الفجر الأولى كان ثمة جنود في الجيش السوري, متمركزون في خندق يستخدمونه لنصب الكمائن، واقع في قطاع يعرف بقطاع البيوت الأرضية "وهي مبان مؤلفة من طابق واحد أو طابقين"، وإذ بهجوم معاد يحقق عنصر المفاجأة، مقاتلون من فصائل مسلحة ينجحون بفتح نفق يمكنهم من مباغتة القوات السورية، هي معركة سماها المسلحون "رصَّ الصفوف" كانت قد بدأت للتوّ

شن المعركة سبعة فصائل مسلحة متشددة في الغوطة الشرقية, بعد أربعة أيام من التجهيز وجمع المقاتلين، والفصائل هي (فيلق الرحمن، جيش الإسلام، جند العاصمة، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، جند الأصالة والتنمية، لواء القعقاع وجبهة النصرة)، الهدف منها كان محاولة السيطرة على مواقع الجيش في منطقة طيبة داخل حي جوبر، فما الذي حصل؟ 

خسر الجيش السوري بداية "وحدة المياه" التي كان قد سيطر عليها نهاية العام ٢٠١٤ وهي ذات موقع جغرافي هام لربطها حاجز "عارفة" الاستراتيجي بثكنة "كمال مشارقة"التي تعتبر منطلق رمايات الجيش النارية المركزة, التي تستهدف عمق الغوطة الشرقية

الساعات التي تلت العملية كشفت الأهمية الاستراتيجية لمواقع تمركز وحدات الرصد التابعة للجيش السوري, والتي منعت انهيار مقاتلي الطوق الأول داخل الحي, وأوقفت بالتالي تقدم مقاتلي المعارضة نحو السيطرة على منطقة طيبة بالكامل، مادفع مسلحي المناطق الأخرى لإشعال جبهاتهم في بلدة زبدين وطريق (زملكا –المتحلق) لتخفيف الضغط عن المجموعات المستهدفة من سلاحي المدفعية والجو السوريَّيْن

توجهنا نحو جوبر لنطلع على تفاصيل المعركة ونتائجها ، وساحة العباسيين التي تبعد نحو ٧٠٠ متر عن المعارك كانت محطة الانتظار وفق موعد مرتب مسبقاً، حركة السير كانت طبيعية، وثمة ازدحام خانق على محطة الوقود الموجودة في الساحة، يوحي المشهد بألا أحد يكترث لما يحدث على بعد بضع مئات من الأمتار، وأصوات اشتباكات تسمع من بعيد فيما هدير الطيران السوري لا يفارق المسامع، وعلى الموعد جاء الأمر بالتحرك

توقفت بجانبنا سيارة بيضاء لينزل منها شاب عرف عن نفسه, وأشار لنا بالانتقال إلى سيارته ليبدأ المسير. كنا نعتقد بأننا سنتنقل بوساطة عربة مدرعة، إلا أن مضيفنا طمأننا بأن لاشيء يدعو لذلك، دخلنا الحي من محور كراج البولمان, وخلال أقل من خمس دقائق وصلنا المقر العسكري عبر طريق ترابي وعر، هو غرفة متواضعة, رنين أجهزة الاتصال حول القائد الميداني فيها تكاد لا تترك فسحة للحديث، وضمن الوقت المتاح حاولنا اقتناص المعلومات

قال الضابط: "كان لدينا معلومات استخباراتية عن هجوم كبير تـُحضِّر له الفصائل المسلحة باتجاه منطقة طيبة الاستراتيجية, شمال شرق حي جوبر، تـُعتبر المنطقة حلماً للمسلحين, لقربها من الأتوستراد الدولي (دمشق – حمص - اللاذفية) ولما فيها من مرافق حكومية كالشركة الخماسية ومبنى النفوس وكراجات البولمان،أفادت المعلومات باحتمال وقوع هجوم قريب, بعد نجاحنا في تفجير عدة مبان لهم بوساطة أنفاق حفرناها, فأفشلنا عدة محاولات تسلل لهم عبر أنفاقهم, كما فجرنا العديد منها, وكان آخرها تفجير نفق يقطع الجدار الاستنادي لجسر زملكا, الفاصل بين زملكا وجوبر, فقتلنا العشرات من مسلحي أحرار الشام في الفترة الأخيرة، وبعد فشل كل محاولات المسلحين في تفجير مواقع ونقاط التمركز الخاصة بنا شنت الفصائل المسلحة معركة سمتها رص الصفوف".

وأضاف الضابط: "كانوا قد حفروا نفقاً بطول ١٥٠م تحت أرض خالية, هي ساحة تفصل بين المنطقة الممتدة شمال جامع غزوة بدر الذي يسيطر عليه المسلحون, وبين البيوت العربية القديمة شرق الجامع, الخاضعة لسيطرة الجيش على عمق ١٥م، تسلل المسلحون فجراً إلى البيوت العربية, فدخلوا أول بناء وسيطروا عليه, ليستشهد لنا داخله أربعة جنود، ثم سيطروا على بناءين من عدة طوابق, وعدة بيوت أرضية عربية، وسرعان ما استوعبنا الصدمة وبدأنا بهجوم معاكس على طول المحور الممتد من جامع طيبة شمالاً, إلى جسر زملكا جنوباً, وبدأت عملية استرجاع البيوت" . 



وعن العنصر الأكثر فعالية في حسم المعركة قال الضابط الميداني: "كان لقناصينا المتمركزين في نقاط الرصد دور كبير في المعركة, وخصوصاً في رصد قناصي المسلحين, ومنع عملية تسلل مجموعة منهم إلى بناء قريب من جامع طيبة، بالإضافة إلى تفاجؤ مجموعة منهم بقوات الجيش في انتظارهم في أحد الأبنية, فانسحبوا, وألقى البعض سلاحه وهرب، وفي اليوم التالي تمكنا من تفجير نفق للمسلحين في قلب جوبر". 

خلال طريق العودة كنا برفقة جنود كانوا على خط الاشتباك الأول في العملية ، يقول أحدهم وعلى وجهه علامات إرهاق ناتجة عن قلة ساعات النوم: "لقد كانت المواجهات وجهاً لوجه ومن مسافات قريبة جداً، كنت أرى وجوههم، وكنا نسمع أصوات تكبيراتهم". 

"
رص الصفوف" معركة حظيت باهتمام لافت من قناة "الجزيرة" القطرية, فأعدت عنها عدة تقارير تحوي مشاهد خاصة بها, تضمنت لقاءات مع مسلحين وقادة، وكان لافتاً اتصال المحطة بـ "ياسر الدوماني" المعروف بمدير الهيئة السورية للإعلام في دمشق وريفها, فأكد أن هدف العملية كان السيطرة على قطاع طيبة المتاخم لحي القابون.
ويذكر أنه وفي ١٧ نيسان، أي قبل العملية بأيام, أعلن مايعرف بالمكتب الإعلامي لولاية دمشق عن مبايعة مسلحي حي القابون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" الأمر الذي هدد طريق الإمداد الرئيس لمسلحي جوبر الممتد عبر نفق ضخم يصل حي برزة, الذي يشهد مصالحة مع الدولة السورية, بحي القابون، ماقد يقطع شرياناً رئيساً يغذي مسلحي جوبر وعربين وزملكا وزبدين بالمواد الغذائية التي تـُخزن بوفرة في حي برزة, تمهيدا لنقلها لمسلحي الأحياء المذكورة

جيش الإسلام شعر بخطورة ماسبق, فأعلن لواؤه الأول بدء معركة قال إنها "لتطهير" برزة والقابون من "رجس الخوارج" فنجح في برزة, وفشل في القضاء على داعش بالقابون

هي إذاً معركة من بين عشرات المعارك التي تدور في العاصمة دمشق كل يوم، غير أن أجهزة الإعلام تسمح بشهرة بعضها فقط، تلك التي تحقق مكاسب لأحد الطرفين .. دون الآخر!!

 

  • فريق ماسة
  • 2015-04-27
  • 6703
  • من الأرشيف

العرس في القابون والطبــل بجوبر !

لماذا لم تحظ معركة "رص الصفوف" بتغطية إعلامية واسعة؟ ماهي هذه المعركة وماتفاصيلها؟ وما طبيعة المعلومات الاستخباراتية التي وصلت إلى قادة الجيش السوري الميدانيين في جوبر قبل ساعات من اندلاعها؟ ماذا خسر الجيش السوري فيها, وماهي مكاسب المسلحين بعدها؟     الثلاثاء ٢١ نيسان ٢٠١٥ وعند دقائق الفجر الأولى كان ثمة جنود في الجيش السوري, متمركزون في خندق يستخدمونه لنصب الكمائن، واقع في قطاع يعرف بقطاع البيوت الأرضية "وهي مبان مؤلفة من طابق واحد أو طابقين"، وإذ بهجوم معاد يحقق عنصر المفاجأة، مقاتلون من فصائل مسلحة ينجحون بفتح نفق يمكنهم من مباغتة القوات السورية، هي معركة سماها المسلحون "رصَّ الصفوف" كانت قد بدأت للتوّ.  شن المعركة سبعة فصائل مسلحة متشددة في الغوطة الشرقية, بعد أربعة أيام من التجهيز وجمع المقاتلين، والفصائل هي (فيلق الرحمن، جيش الإسلام، جند العاصمة، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، جند الأصالة والتنمية، لواء القعقاع وجبهة النصرة)، الهدف منها كان محاولة السيطرة على مواقع الجيش في منطقة طيبة داخل حي جوبر، فما الذي حصل؟  خسر الجيش السوري بداية "وحدة المياه" التي كان قد سيطر عليها نهاية العام ٢٠١٤ وهي ذات موقع جغرافي هام لربطها حاجز "عارفة" الاستراتيجي بثكنة "كمال مشارقة"التي تعتبر منطلق رمايات الجيش النارية المركزة, التي تستهدف عمق الغوطة الشرقية .  الساعات التي تلت العملية كشفت الأهمية الاستراتيجية لمواقع تمركز وحدات الرصد التابعة للجيش السوري, والتي منعت انهيار مقاتلي الطوق الأول داخل الحي, وأوقفت بالتالي تقدم مقاتلي المعارضة نحو السيطرة على منطقة طيبة بالكامل، مادفع مسلحي المناطق الأخرى لإشعال جبهاتهم في بلدة زبدين وطريق (زملكا –المتحلق) لتخفيف الضغط عن المجموعات المستهدفة من سلاحي المدفعية والجو السوريَّيْن .  توجهنا نحو جوبر لنطلع على تفاصيل المعركة ونتائجها ، وساحة العباسيين التي تبعد نحو ٧٠٠ متر عن المعارك كانت محطة الانتظار وفق موعد مرتب مسبقاً، حركة السير كانت طبيعية، وثمة ازدحام خانق على محطة الوقود الموجودة في الساحة، يوحي المشهد بألا أحد يكترث لما يحدث على بعد بضع مئات من الأمتار، وأصوات اشتباكات تسمع من بعيد فيما هدير الطيران السوري لا يفارق المسامع، وعلى الموعد جاء الأمر بالتحرك .  توقفت بجانبنا سيارة بيضاء لينزل منها شاب عرف عن نفسه, وأشار لنا بالانتقال إلى سيارته ليبدأ المسير. كنا نعتقد بأننا سنتنقل بوساطة عربة مدرعة، إلا أن مضيفنا طمأننا بأن لاشيء يدعو لذلك، دخلنا الحي من محور كراج البولمان, وخلال أقل من خمس دقائق وصلنا المقر العسكري عبر طريق ترابي وعر، هو غرفة متواضعة, رنين أجهزة الاتصال حول القائد الميداني فيها تكاد لا تترك فسحة للحديث، وضمن الوقت المتاح حاولنا اقتناص المعلومات.  قال الضابط: "كان لدينا معلومات استخباراتية عن هجوم كبير تـُحضِّر له الفصائل المسلحة باتجاه منطقة طيبة الاستراتيجية, شمال شرق حي جوبر، تـُعتبر المنطقة حلماً للمسلحين, لقربها من الأتوستراد الدولي (دمشق – حمص - اللاذفية) ولما فيها من مرافق حكومية كالشركة الخماسية ومبنى النفوس وكراجات البولمان،أفادت المعلومات باحتمال وقوع هجوم قريب, بعد نجاحنا في تفجير عدة مبان لهم بوساطة أنفاق حفرناها, فأفشلنا عدة محاولات تسلل لهم عبر أنفاقهم, كما فجرنا العديد منها, وكان آخرها تفجير نفق يقطع الجدار الاستنادي لجسر زملكا, الفاصل بين زملكا وجوبر, فقتلنا العشرات من مسلحي أحرار الشام في الفترة الأخيرة، وبعد فشل كل محاولات المسلحين في تفجير مواقع ونقاط التمركز الخاصة بنا شنت الفصائل المسلحة معركة سمتها رص الصفوف". وأضاف الضابط: "كانوا قد حفروا نفقاً بطول ١٥٠م تحت أرض خالية, هي ساحة تفصل بين المنطقة الممتدة شمال جامع غزوة بدر الذي يسيطر عليه المسلحون, وبين البيوت العربية القديمة شرق الجامع, الخاضعة لسيطرة الجيش على عمق ١٥م، تسلل المسلحون فجراً إلى البيوت العربية, فدخلوا أول بناء وسيطروا عليه, ليستشهد لنا داخله أربعة جنود، ثم سيطروا على بناءين من عدة طوابق, وعدة بيوت أرضية عربية، وسرعان ما استوعبنا الصدمة وبدأنا بهجوم معاكس على طول المحور الممتد من جامع طيبة شمالاً, إلى جسر زملكا جنوباً, وبدأت عملية استرجاع البيوت" .  وعن العنصر الأكثر فعالية في حسم المعركة قال الضابط الميداني: "كان لقناصينا المتمركزين في نقاط الرصد دور كبير في المعركة, وخصوصاً في رصد قناصي المسلحين, ومنع عملية تسلل مجموعة منهم إلى بناء قريب من جامع طيبة، بالإضافة إلى تفاجؤ مجموعة منهم بقوات الجيش في انتظارهم في أحد الأبنية, فانسحبوا, وألقى البعض سلاحه وهرب، وفي اليوم التالي تمكنا من تفجير نفق للمسلحين في قلب جوبر".  خلال طريق العودة كنا برفقة جنود كانوا على خط الاشتباك الأول في العملية ، يقول أحدهم وعلى وجهه علامات إرهاق ناتجة عن قلة ساعات النوم: "لقد كانت المواجهات وجهاً لوجه ومن مسافات قريبة جداً، كنت أرى وجوههم، وكنا نسمع أصوات تكبيراتهم".  "رص الصفوف" معركة حظيت باهتمام لافت من قناة "الجزيرة" القطرية, فأعدت عنها عدة تقارير تحوي مشاهد خاصة بها, تضمنت لقاءات مع مسلحين وقادة، وكان لافتاً اتصال المحطة بـ "ياسر الدوماني" المعروف بمدير الهيئة السورية للإعلام في دمشق وريفها, فأكد أن هدف العملية كان السيطرة على قطاع طيبة المتاخم لحي القابون. ويذكر أنه وفي ١٧ نيسان، أي قبل العملية بأيام, أعلن مايعرف بالمكتب الإعلامي لولاية دمشق عن مبايعة مسلحي حي القابون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" الأمر الذي هدد طريق الإمداد الرئيس لمسلحي جوبر الممتد عبر نفق ضخم يصل حي برزة, الذي يشهد مصالحة مع الدولة السورية, بحي القابون، ماقد يقطع شرياناً رئيساً يغذي مسلحي جوبر وعربين وزملكا وزبدين بالمواد الغذائية التي تـُخزن بوفرة في حي برزة, تمهيدا لنقلها لمسلحي الأحياء المذكورة.  جيش الإسلام شعر بخطورة ماسبق, فأعلن لواؤه الأول بدء معركة قال إنها "لتطهير" برزة والقابون من "رجس الخوارج" فنجح في برزة, وفشل في القضاء على داعش بالقابون.  هي إذاً معركة من بين عشرات المعارك التي تدور في العاصمة دمشق كل يوم، غير أن أجهزة الإعلام تسمح بشهرة بعضها فقط، تلك التي تحقق مكاسب لأحد الطرفين .. دون الآخر!!  

المصدر : علي يوسف / أنباء آسيا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة