في اليمن يقاس نبض المنطقة، ومن اليمن يقاس ميزان القوى على مساحتها، ومجلس الأمن كان قبلة الأنظار بعد طول انتظار، فقد وضع السعوديون كلّ بيضهم في سلة المداولات التي أجراها مجلس الأمن يوم أمس، وهم يربطون وقفهم للحرب ومواصلتها في آن، بكون الثوار اليمنيين سيواجهون ساعة الحقيقة المرة، ويجلبون بقوة «المطوع» الدولي إلى «بيت الطاعة» السعودي، وسيكونون في مأزق ما لم يعلنوا الاستجابة لقرار مجلس الأمن الذي صدر وفقاً للفصل السابع تحت الرقم 2216 وطالبهم بالاعتراف بشرعية منصور هادي وتسليم المدن للجيش الذي يأتمر بأوامره، وإلا، سيقرّر المجلس تفويض السعودية وتحالفها رسمياً بما يشبه الانتداب الذي حصل عليه الأميركيون في العراق بعد احتلاله، لإعادة تكوين السلطة فيه، وستصير اليد السعودية طليقة أكثر بعد هدنة مجموعة أيام حافظت خلالها على الحصار الشديد بحراً وجواً على اليمن، وأكملت حضور غاراتها للحفاظ على ما تيسّر من قدرات الموالين لها، خصوصاً الذين يقاتلون في عدن وفي مقدّمهم تنظيم «القاعدة».

 وبعد الصراخ السعودي لأسبوع متواصل تحت شعار «انتظروا جلسة مجلس الأمن» عقدت الجلسة الموعودة، وكانت كلّ المداولات فيها تشير إلى خسارة سعودية مدوية، فالكارثة الإنسانية داهمة في اليمن، والعاصفة السعودية كارثة سياسية وإنسانية، والحوار بلا شروط يبدو الطريق الوحيد لمجتمع دولي يدرك محدودية خياراته وقدراته، ويعلم أنّ القوى الإقليمية واليمنية المناوئة للتدخل السعودي منفتحة على حلول واقعية وتتقدم بكلّ إيجابية نحو أي مبادرات جدية تراعي حقائق الوضع في اليمن، ولا تنطلق من فرضية طواها الزمن وهي أن اليمن مستعمرة سعودية.

 تجاهل المجلس كل الحديث عن العقوبات، ووضع قبالته السعي للحل السياسي كأولوية، وكلف مبعوثاً جديداً هو الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بإدارة مساعي الحل السياسي طالباً من الجميع تسهيل مهمته.

 ما جرى حول اليمن جاء على إيقاع تصعيد مرتفع الوتيرة بين السعودية وإيران، سعى الأميركيون للدخول على خطه تمهيداً لتحويله شحنة تفاوضية بينهما، يرونها مدخلاً للاستقرار في المنطقة، فقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن اليمن يجب أن يقرر مصيره أبناؤه لا القوى الخارجية، وأن بحثاً حول اليمن سيتم بينه وبين وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، بصورة بدا معها الكلام الأميركي أقرب للموقف الإيراني المندد بمشاريع الوصاية السعودية على اليمن بقوة العدوان، بينما تنحسر حدود الدعم الأميركي للسعودية بمعادلة، «نقف مع المملكة بوجه كل ما يعرض أمنها للخطر».

 مناخ يمني جديد، ينعكس ضعفاً وهزيمة ديبلوماسية سعودية، يترافق مع تصعيد في جبهات القتال السورية بدفع تركي سعودي، يتخطى كل المرات السابقة، بالزج بكل القدرات المتاحة لهما لفرض أمر واقع في شمال سورية، يعوض الخسارة في اليمن، وبالمقابل محاولات تحرش «إسرائيلية» بالمقاومة، من دون المساس بخطوطها الحمراء بعد، أملاً بخلق الإيحاء بأن معنويات المقاومة قد أصيبت، فيجري الانزلاق نحو جولة عرض قوة، تريدها «إسرائيل»، فيما المقاومة تلتزم الغموض حول ما إذا كانت ثمة غارات استهدفت سلاحاً أو مواقع تخصها، وما إذا كانت تعتبر استهداف مجموعة المقاومة السورية على حدود الجولان انتهاكاً «إسرائيلياً» لقواعد الاشتباك التي وضعتها المقاومة أم لا؟

 المقاومة وفقاً لمتابعي أداءها، مهما كان تقييمها لما يجري، سواء وجدته يستحق الرد أم لا، فهي كما تقول تجربتها بعد غارات جنطا وقبلها غارات جمرايا، تتحكم بالتوقيت وفقاً لأولوياتها ولا يمكن أن تعمل على توقيت الساعة «الإسرائيلية» بداعي الاستفزاز، والانفعال، والانجرار إلى ردود الأفعال، وفي رصيدها ما يكفي لتقول، إنها أثبتت أكثر من مرة أن ميزان ردعها هو الحاكم لمعادلات الصراع، وتجربة عملية مزارع شبعا ما زالت حاضرة.

 لبنان الذي يستقوي بمقاومته، وينقسم حولها، يترنح تحت تأثير انقسامات تتخطى قضية المقاومة هذه المرة لتطاول كل شيء، فالتشريع متوقف ومصادر رئيس مجلس النواب تنقل عتبه على التيار الوطني الحر، الذي كان قد وعد بالمشاركة بأعمال التشريع، وتراجع، بينما التيار يرد بالقول إن تبرير ضياع أموال الخزينة في ما يعرف بـ «مليارات السنيورة» ثمن متفق عليه للجلسات التشريعية، وتخطي تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش ثمن مقابل لتسيير الأعمال الحكومية، والتيار لن يسهل هاتين الصفقتين، تمهيداً لصفقة ثالثة تطاول الرئاسة على حسابه.

  • فريق ماسة
  • 2015-04-27
  • 8699
  • من الأرشيف

السعودية تُهزم ديبلوماسياً في مجلس الأمن باستبدال العقوبات بأولوية الحلّ السياسي

في اليمن يقاس نبض المنطقة، ومن اليمن يقاس ميزان القوى على مساحتها، ومجلس الأمن كان قبلة الأنظار بعد طول انتظار، فقد وضع السعوديون كلّ بيضهم في سلة المداولات التي أجراها مجلس الأمن يوم أمس، وهم يربطون وقفهم للحرب ومواصلتها في آن، بكون الثوار اليمنيين سيواجهون ساعة الحقيقة المرة، ويجلبون بقوة «المطوع» الدولي إلى «بيت الطاعة» السعودي، وسيكونون في مأزق ما لم يعلنوا الاستجابة لقرار مجلس الأمن الذي صدر وفقاً للفصل السابع تحت الرقم 2216 وطالبهم بالاعتراف بشرعية منصور هادي وتسليم المدن للجيش الذي يأتمر بأوامره، وإلا، سيقرّر المجلس تفويض السعودية وتحالفها رسمياً بما يشبه الانتداب الذي حصل عليه الأميركيون في العراق بعد احتلاله، لإعادة تكوين السلطة فيه، وستصير اليد السعودية طليقة أكثر بعد هدنة مجموعة أيام حافظت خلالها على الحصار الشديد بحراً وجواً على اليمن، وأكملت حضور غاراتها للحفاظ على ما تيسّر من قدرات الموالين لها، خصوصاً الذين يقاتلون في عدن وفي مقدّمهم تنظيم «القاعدة».  وبعد الصراخ السعودي لأسبوع متواصل تحت شعار «انتظروا جلسة مجلس الأمن» عقدت الجلسة الموعودة، وكانت كلّ المداولات فيها تشير إلى خسارة سعودية مدوية، فالكارثة الإنسانية داهمة في اليمن، والعاصفة السعودية كارثة سياسية وإنسانية، والحوار بلا شروط يبدو الطريق الوحيد لمجتمع دولي يدرك محدودية خياراته وقدراته، ويعلم أنّ القوى الإقليمية واليمنية المناوئة للتدخل السعودي منفتحة على حلول واقعية وتتقدم بكلّ إيجابية نحو أي مبادرات جدية تراعي حقائق الوضع في اليمن، ولا تنطلق من فرضية طواها الزمن وهي أن اليمن مستعمرة سعودية.  تجاهل المجلس كل الحديث عن العقوبات، ووضع قبالته السعي للحل السياسي كأولوية، وكلف مبعوثاً جديداً هو الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بإدارة مساعي الحل السياسي طالباً من الجميع تسهيل مهمته.  ما جرى حول اليمن جاء على إيقاع تصعيد مرتفع الوتيرة بين السعودية وإيران، سعى الأميركيون للدخول على خطه تمهيداً لتحويله شحنة تفاوضية بينهما، يرونها مدخلاً للاستقرار في المنطقة، فقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن اليمن يجب أن يقرر مصيره أبناؤه لا القوى الخارجية، وأن بحثاً حول اليمن سيتم بينه وبين وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، بصورة بدا معها الكلام الأميركي أقرب للموقف الإيراني المندد بمشاريع الوصاية السعودية على اليمن بقوة العدوان، بينما تنحسر حدود الدعم الأميركي للسعودية بمعادلة، «نقف مع المملكة بوجه كل ما يعرض أمنها للخطر».  مناخ يمني جديد، ينعكس ضعفاً وهزيمة ديبلوماسية سعودية، يترافق مع تصعيد في جبهات القتال السورية بدفع تركي سعودي، يتخطى كل المرات السابقة، بالزج بكل القدرات المتاحة لهما لفرض أمر واقع في شمال سورية، يعوض الخسارة في اليمن، وبالمقابل محاولات تحرش «إسرائيلية» بالمقاومة، من دون المساس بخطوطها الحمراء بعد، أملاً بخلق الإيحاء بأن معنويات المقاومة قد أصيبت، فيجري الانزلاق نحو جولة عرض قوة، تريدها «إسرائيل»، فيما المقاومة تلتزم الغموض حول ما إذا كانت ثمة غارات استهدفت سلاحاً أو مواقع تخصها، وما إذا كانت تعتبر استهداف مجموعة المقاومة السورية على حدود الجولان انتهاكاً «إسرائيلياً» لقواعد الاشتباك التي وضعتها المقاومة أم لا؟  المقاومة وفقاً لمتابعي أداءها، مهما كان تقييمها لما يجري، سواء وجدته يستحق الرد أم لا، فهي كما تقول تجربتها بعد غارات جنطا وقبلها غارات جمرايا، تتحكم بالتوقيت وفقاً لأولوياتها ولا يمكن أن تعمل على توقيت الساعة «الإسرائيلية» بداعي الاستفزاز، والانفعال، والانجرار إلى ردود الأفعال، وفي رصيدها ما يكفي لتقول، إنها أثبتت أكثر من مرة أن ميزان ردعها هو الحاكم لمعادلات الصراع، وتجربة عملية مزارع شبعا ما زالت حاضرة.  لبنان الذي يستقوي بمقاومته، وينقسم حولها، يترنح تحت تأثير انقسامات تتخطى قضية المقاومة هذه المرة لتطاول كل شيء، فالتشريع متوقف ومصادر رئيس مجلس النواب تنقل عتبه على التيار الوطني الحر، الذي كان قد وعد بالمشاركة بأعمال التشريع، وتراجع، بينما التيار يرد بالقول إن تبرير ضياع أموال الخزينة في ما يعرف بـ «مليارات السنيورة» ثمن متفق عليه للجلسات التشريعية، وتخطي تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش ثمن مقابل لتسيير الأعمال الحكومية، والتيار لن يسهل هاتين الصفقتين، تمهيداً لصفقة ثالثة تطاول الرئاسة على حسابه.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة