كان يمكن لزيارة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان إلى طهران الثلاثاء الماضي أن تتأجل بسهولة، لو أنها كانت تتعلق بالعلاقات بين أي بلدين آخرين.

  لكن عندما نتكلم عن العلاقات بين إيران وتركيا بالتحديد، فقد بات من نافل القول إنها الأكثر ثباتاً في ما يتعلق بشقها الثنائي.

 ومهما بلغت الخلافات السياسية بينهما سقفاً مرتفعاً فإنها لم تحل يوما دون استمرار التواصل المباشر، وعلى أعلى المستويات. ويرفد هذه «الثابتة» عوامل كثيرة تبدأ من التاريخ، الذي يعود إلى العام 1639، عندما رسمت اتفاقية قصر شيرين أقدم حدود مستمرة حتى الآن بين بلدين من المنطقة وربما في العالم. والمظلة التاريخية هذه «ترصد» بوصلة العلاقة فلا يجرؤ أحد على خرقها.

والجغرافيا قدر في حياة البلدين من أجل عدم المغامرة في الدخول في «مراهقات» ترتكبها اليوم بعض الدول، أو القوى الإقليمية، التي يفترض أن تكون أكثر ثباتاً وتأنياً في حركتها الخارجية من غيرها. تركيا بوابة إيران البرية حصرياً إلى أوروبا، وإيران بوابة تركيا حصرياً إلى آسيا الوسطى وكل آسيا.

أما المصالح الاقتصادية، لا سيما في أزمنة الاضطراب الإقليمي، وما أكثرها وأطولها، تدفع إيران وتركيا إلى فصلها عن الخلافات السياسية. وهي قاعدة باتت أنقرة تطبقها مع روسيا مثلا، من دون أن تطبقها على العلاقة مع دول أخرى مثل مصر، ناهيك عن سوريا والعراق.

ولا يخفى أن «توازن الرعب» بين البلدين: سكانياً وقدرات عسكرية وموقعاً جغرافياً استراتيجياً واختلافاً مذهبياً، يحول دون أي جنون من جانب أنقرة أو طهران، وهي قاعدة لا تتعلق بهوية النظام الحاكم في كل من البلدين، بل إنها مورست على امتداد عقود، وأكثر من ثلاثة قرون.

لذلك لم تتأجل زيارة أردوغان إلى طهران، رغم أنها استبقت بكلام ثقيل جدا غير معهود منه تجاه إيران عندما اتهمها بالسعي للهيمنة على المنطقة مطالبا إياها بالانسحاب من اليمن مع الجماعات الإرهابية الأخرى (يقصد الحوثيين)، واضعا إيران في سياق الجملة نفسها، بمعنى أنها هي أيضا إرهابية. كما انه دعاها إلى الانسحاب من سوريا والعراق إذا كانت فعلا مسلمة!.

كما أن رد فعل المسؤولين الإيرانيين لم يكن مجاملاً هذه المرة، لا سيما من جانب وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي كان منهمكاً بمحادثات لوزان، لكن خطورة الاتهامات التي ساقها ساكن «القصر الأبيض» في أعلى تلة في أنقرة، جعلته يصف كلامه بأنه «غير مسؤول، نتيجة للأخطاء الإستراتيجية في السياسة الخارجية التركية الناتج من أوهام ومطامع». وتكرر التنديد الإيراني بمواقف أردوغان بصورة يومية، وانضمت الصحافة الإيرانية إلى الحملة، حيث رسمت إحداها رسما كاريكاتوريا عن «الدون كيشوت العثماني» الجديد.

من هذه الأجواء غير المريحة كان البديل عن إلغاء الزيارة هو أن تحصل مختصرة جداً، ولبضع ساعات، بعدما كانت مقررة ليومين. ولذلك، فإن نتائج الزيارة، «غير التاريخية» بكل المقاييس، كانت متواضعة جداً. ورغم توقيع اتفاقيات اقتصادية خجولة، فإنه لم يحدث مثلاً أي خرق في مجال أسعار الغاز الطبيعي الذي تبيع إيران 95 في المئة منه، وفقا لأردوغان نفسه، الى تركيا، لكن بأسعار تزيد بأكثر من مئة دولار للألف متر مكعب، عن السعر الذي تستورد به تركيا الغاز من أذربيجان.

زيارة «بدل عن ضائع». أما التوقف عند تصريحات أردوغان «الإيجابية» حول ضرورة إيجاد حل سياسي في اليمن أو سوريا، أو ان يتم حل المشكلات على أساس إسلامي لا مذهبي سني ولا شيعي، فهي من العناوين التي تميز أردوغان المزدوج المعايير. فأردوغان متعدد الوجوه أحيانا، لكنه رمز للتطرف والتشدد في السلوكيات على الأرض. وكم من مرة كان الإيرانيون، على الأٌقل بعض إعلامهم، يعكس مناخات ارتياح وتفاؤل في كل مرة كان يزور فيها طهران.

لكنه قبل كل زيارة، أو ما إن تدخل طائرته في الأجواء التركية بعد العودة من كل زيارة، حتى يعود إلى عادته القديمة. مرة باحتلال كسب في سوريا، ومرة باحتلال إدلب، ومرة باتهام الشيعة بالافتراء والنفاق، ومرة بالقول ان تحرير الموصل من قبل الحشد الشعبي الشيعي خط أحمر. حتى عندما يقول إن «داعش» ليسوا مسلمين، وإنه اتخذ مواقف منهم، فهو إنما يعلن غير ما يتصرف على الأرض. فكيف يمكن له ان يقول إنه ضد «داعش»، وهو أحد اكبر رعاة هذا التنظيم الإرهابي، عبر سلوكه الميداني داخل تركيا وفي سوريا والعراق، فضلا عن عشرات مضابط الاتهام من القضاء التركي، ومن المسؤولين الأميركيين أنفسهم، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأخيرا وليس آخرا تصريحات وزير الخارجية التونسي الهادي البكوش باتهام أنقرة بدعم الإرهابيين، وجلبهم من كل العالم وإرسالهم عبر أراضيها إلى سوريا!

ليس من تغيير جدي في مواقف تركيا، ومن يذهب إلى إيران لا يطلق تصريحات غير منطقية، لا في الشكل ولا في المضمون والرسالة تقرأ من عنوانها.

هذه التناقضات والازدواجية والمراوغة والتضليل في مواقف الرئيس التركي تعكس شيئاً واحداً، وهي أن السياسة الخارجية التي اتبعها في المنطقة قد أفلست منذ وقت طويل، منذ أكثر من سنتين، وهي في مرحلة ضياع وارتباك. وباتت تركيا عمليا خارج المعادلة الفعلية، إلا ما يمكن أن تمثله من دور عسكري وأمني وتفتيتي من خلال اتكائها على الجماعات المتطرفة في المنطقة، مثل «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات المتشددة وذات العصبيات المذهبية والعرقية في سوريا والعراق، بعدما فقدت ركائز نفوذها في مصر وتونس وليبيا، وأخلت كل الساحة العربية مرغمة لغيرها.

وحتى الدور الوسيط الذي كانت أنقرة تمارسه سابقا، قبل «الربيع العربي» وبنجاح، لا يعني مجرد نقل رسائل كما حصل مع الأمير محمد نايف قبل ذهاب أردوغان إلى طهران، فالوسيط ليس مجرد ساعي بريد، بل إنه يتطلب أن تكون علاقاته جيدة مع الأطراف المتقابلة والمتنازعة. وفي هذه الحال يمكن لأردوغان أن يكون مجرد ساعي بريد لا وسيط، وهذه إهانة له وليست امتيازاً.

وهو حتى لو أراد أن يكون وسيطاً فعلياً، فلا يمتلك مواصفات الوسيط بأن تكون علاقاته جيدة مع الجميع. فعلاقاته مع السعودية مثلا رغم التحسن الشكلي الذي طرأ مؤخراً لا تزال باردة بسبب موقفه من مصر، كما الحساسية المذهبية المزمنة بين «الإسلام العثماني» والوهابية، إضافة إلى أن مشروع الهيمنة العثماني الجديد، الذي جاء به أردوغان، كان يقتضي لو نجح، جعل السعودية دولة تابعة لتركيا كما كانت في الفترة العثمانية. كذلك فإن الخلاف السياسي مع إيران كبير جداً، بحيث لا يمكن لطهران أن تثق بشخص مثل أردوغان، وإن كانوا يعطون الرجل من طرف اللسان حلاوة. وإذا كان من وسيط بين إيران والسعودية، فلعله يكون «سلطان مسقط» لا «سلطان الأناضول».

إن إعادة النظر بالسياسة الخارجية التركية تحتاج إلى جهد كبير جداً من جانب أنقرة. وتركيا تحتاج إلى ما تفعله نوادي كرة القدم عندما تسوء نتائج الفريق، فتلجأ إلى تغيير المدرب لا إلى تغيير اللاعبين. وأردوغان اليوم لا يلعب حتى على أرض الملعب، بل يلعب في الهوامش، أي على مقاعد الاحتياط، بعدما أخلى مراكز نفوذه من كل العواصم العربية. وحتى ضريح سليمان شاه، على بعد 30 كيلومتراً فقط من الحدود مع تركيا، والذي يمكن حمايته بـ «بندقية أم حبّة»، لم يعد قادرا على حمايته.

إن أي تغيير لا يبدو في الأفق ما دام أردوغان هو قائد سفينة تركيا، ويتصرف كما لو انه لا يزال رئيسا للحكومة و «حزب العدالة والتنمية»، فيما رئيس الحكومة والحزب احمد داود اوغلو، في كل هذه المعمعة التي حصلت مؤخراً، «غائب عن السمع»، أولاً لأنه لا يجرؤ على التمرد على إرادة أردوغان، وثانياً لأنه منغمس حتى أذنيه بالانتخابات النيابية بعد شهرين، وهذا سبب إضافي لعدم توقع أي تغيير دراماتيكي في السياسة الخارجية التركية.

  • فريق ماسة
  • 2015-04-10
  • 6181
  • من الأرشيف

سياسة تركيا الخارجية: هل من أفق للتغيير؟...محمد نور الدين

كان يمكن لزيارة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان إلى طهران الثلاثاء الماضي أن تتأجل بسهولة، لو أنها كانت تتعلق بالعلاقات بين أي بلدين آخرين.   لكن عندما نتكلم عن العلاقات بين إيران وتركيا بالتحديد، فقد بات من نافل القول إنها الأكثر ثباتاً في ما يتعلق بشقها الثنائي.  ومهما بلغت الخلافات السياسية بينهما سقفاً مرتفعاً فإنها لم تحل يوما دون استمرار التواصل المباشر، وعلى أعلى المستويات. ويرفد هذه «الثابتة» عوامل كثيرة تبدأ من التاريخ، الذي يعود إلى العام 1639، عندما رسمت اتفاقية قصر شيرين أقدم حدود مستمرة حتى الآن بين بلدين من المنطقة وربما في العالم. والمظلة التاريخية هذه «ترصد» بوصلة العلاقة فلا يجرؤ أحد على خرقها. والجغرافيا قدر في حياة البلدين من أجل عدم المغامرة في الدخول في «مراهقات» ترتكبها اليوم بعض الدول، أو القوى الإقليمية، التي يفترض أن تكون أكثر ثباتاً وتأنياً في حركتها الخارجية من غيرها. تركيا بوابة إيران البرية حصرياً إلى أوروبا، وإيران بوابة تركيا حصرياً إلى آسيا الوسطى وكل آسيا. أما المصالح الاقتصادية، لا سيما في أزمنة الاضطراب الإقليمي، وما أكثرها وأطولها، تدفع إيران وتركيا إلى فصلها عن الخلافات السياسية. وهي قاعدة باتت أنقرة تطبقها مع روسيا مثلا، من دون أن تطبقها على العلاقة مع دول أخرى مثل مصر، ناهيك عن سوريا والعراق. ولا يخفى أن «توازن الرعب» بين البلدين: سكانياً وقدرات عسكرية وموقعاً جغرافياً استراتيجياً واختلافاً مذهبياً، يحول دون أي جنون من جانب أنقرة أو طهران، وهي قاعدة لا تتعلق بهوية النظام الحاكم في كل من البلدين، بل إنها مورست على امتداد عقود، وأكثر من ثلاثة قرون. لذلك لم تتأجل زيارة أردوغان إلى طهران، رغم أنها استبقت بكلام ثقيل جدا غير معهود منه تجاه إيران عندما اتهمها بالسعي للهيمنة على المنطقة مطالبا إياها بالانسحاب من اليمن مع الجماعات الإرهابية الأخرى (يقصد الحوثيين)، واضعا إيران في سياق الجملة نفسها، بمعنى أنها هي أيضا إرهابية. كما انه دعاها إلى الانسحاب من سوريا والعراق إذا كانت فعلا مسلمة!. كما أن رد فعل المسؤولين الإيرانيين لم يكن مجاملاً هذه المرة، لا سيما من جانب وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي كان منهمكاً بمحادثات لوزان، لكن خطورة الاتهامات التي ساقها ساكن «القصر الأبيض» في أعلى تلة في أنقرة، جعلته يصف كلامه بأنه «غير مسؤول، نتيجة للأخطاء الإستراتيجية في السياسة الخارجية التركية الناتج من أوهام ومطامع». وتكرر التنديد الإيراني بمواقف أردوغان بصورة يومية، وانضمت الصحافة الإيرانية إلى الحملة، حيث رسمت إحداها رسما كاريكاتوريا عن «الدون كيشوت العثماني» الجديد. من هذه الأجواء غير المريحة كان البديل عن إلغاء الزيارة هو أن تحصل مختصرة جداً، ولبضع ساعات، بعدما كانت مقررة ليومين. ولذلك، فإن نتائج الزيارة، «غير التاريخية» بكل المقاييس، كانت متواضعة جداً. ورغم توقيع اتفاقيات اقتصادية خجولة، فإنه لم يحدث مثلاً أي خرق في مجال أسعار الغاز الطبيعي الذي تبيع إيران 95 في المئة منه، وفقا لأردوغان نفسه، الى تركيا، لكن بأسعار تزيد بأكثر من مئة دولار للألف متر مكعب، عن السعر الذي تستورد به تركيا الغاز من أذربيجان. زيارة «بدل عن ضائع». أما التوقف عند تصريحات أردوغان «الإيجابية» حول ضرورة إيجاد حل سياسي في اليمن أو سوريا، أو ان يتم حل المشكلات على أساس إسلامي لا مذهبي سني ولا شيعي، فهي من العناوين التي تميز أردوغان المزدوج المعايير. فأردوغان متعدد الوجوه أحيانا، لكنه رمز للتطرف والتشدد في السلوكيات على الأرض. وكم من مرة كان الإيرانيون، على الأٌقل بعض إعلامهم، يعكس مناخات ارتياح وتفاؤل في كل مرة كان يزور فيها طهران. لكنه قبل كل زيارة، أو ما إن تدخل طائرته في الأجواء التركية بعد العودة من كل زيارة، حتى يعود إلى عادته القديمة. مرة باحتلال كسب في سوريا، ومرة باحتلال إدلب، ومرة باتهام الشيعة بالافتراء والنفاق، ومرة بالقول ان تحرير الموصل من قبل الحشد الشعبي الشيعي خط أحمر. حتى عندما يقول إن «داعش» ليسوا مسلمين، وإنه اتخذ مواقف منهم، فهو إنما يعلن غير ما يتصرف على الأرض. فكيف يمكن له ان يقول إنه ضد «داعش»، وهو أحد اكبر رعاة هذا التنظيم الإرهابي، عبر سلوكه الميداني داخل تركيا وفي سوريا والعراق، فضلا عن عشرات مضابط الاتهام من القضاء التركي، ومن المسؤولين الأميركيين أنفسهم، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأخيرا وليس آخرا تصريحات وزير الخارجية التونسي الهادي البكوش باتهام أنقرة بدعم الإرهابيين، وجلبهم من كل العالم وإرسالهم عبر أراضيها إلى سوريا! ليس من تغيير جدي في مواقف تركيا، ومن يذهب إلى إيران لا يطلق تصريحات غير منطقية، لا في الشكل ولا في المضمون والرسالة تقرأ من عنوانها. هذه التناقضات والازدواجية والمراوغة والتضليل في مواقف الرئيس التركي تعكس شيئاً واحداً، وهي أن السياسة الخارجية التي اتبعها في المنطقة قد أفلست منذ وقت طويل، منذ أكثر من سنتين، وهي في مرحلة ضياع وارتباك. وباتت تركيا عمليا خارج المعادلة الفعلية، إلا ما يمكن أن تمثله من دور عسكري وأمني وتفتيتي من خلال اتكائها على الجماعات المتطرفة في المنطقة، مثل «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات المتشددة وذات العصبيات المذهبية والعرقية في سوريا والعراق، بعدما فقدت ركائز نفوذها في مصر وتونس وليبيا، وأخلت كل الساحة العربية مرغمة لغيرها. وحتى الدور الوسيط الذي كانت أنقرة تمارسه سابقا، قبل «الربيع العربي» وبنجاح، لا يعني مجرد نقل رسائل كما حصل مع الأمير محمد نايف قبل ذهاب أردوغان إلى طهران، فالوسيط ليس مجرد ساعي بريد، بل إنه يتطلب أن تكون علاقاته جيدة مع الأطراف المتقابلة والمتنازعة. وفي هذه الحال يمكن لأردوغان أن يكون مجرد ساعي بريد لا وسيط، وهذه إهانة له وليست امتيازاً. وهو حتى لو أراد أن يكون وسيطاً فعلياً، فلا يمتلك مواصفات الوسيط بأن تكون علاقاته جيدة مع الجميع. فعلاقاته مع السعودية مثلا رغم التحسن الشكلي الذي طرأ مؤخراً لا تزال باردة بسبب موقفه من مصر، كما الحساسية المذهبية المزمنة بين «الإسلام العثماني» والوهابية، إضافة إلى أن مشروع الهيمنة العثماني الجديد، الذي جاء به أردوغان، كان يقتضي لو نجح، جعل السعودية دولة تابعة لتركيا كما كانت في الفترة العثمانية. كذلك فإن الخلاف السياسي مع إيران كبير جداً، بحيث لا يمكن لطهران أن تثق بشخص مثل أردوغان، وإن كانوا يعطون الرجل من طرف اللسان حلاوة. وإذا كان من وسيط بين إيران والسعودية، فلعله يكون «سلطان مسقط» لا «سلطان الأناضول». إن إعادة النظر بالسياسة الخارجية التركية تحتاج إلى جهد كبير جداً من جانب أنقرة. وتركيا تحتاج إلى ما تفعله نوادي كرة القدم عندما تسوء نتائج الفريق، فتلجأ إلى تغيير المدرب لا إلى تغيير اللاعبين. وأردوغان اليوم لا يلعب حتى على أرض الملعب، بل يلعب في الهوامش، أي على مقاعد الاحتياط، بعدما أخلى مراكز نفوذه من كل العواصم العربية. وحتى ضريح سليمان شاه، على بعد 30 كيلومتراً فقط من الحدود مع تركيا، والذي يمكن حمايته بـ «بندقية أم حبّة»، لم يعد قادرا على حمايته. إن أي تغيير لا يبدو في الأفق ما دام أردوغان هو قائد سفينة تركيا، ويتصرف كما لو انه لا يزال رئيسا للحكومة و «حزب العدالة والتنمية»، فيما رئيس الحكومة والحزب احمد داود اوغلو، في كل هذه المعمعة التي حصلت مؤخراً، «غائب عن السمع»، أولاً لأنه لا يجرؤ على التمرد على إرادة أردوغان، وثانياً لأنه منغمس حتى أذنيه بالانتخابات النيابية بعد شهرين، وهذا سبب إضافي لعدم توقع أي تغيير دراماتيكي في السياسة الخارجية التركية.

المصدر : السفير/ محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة