دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يشير ازدحام المواقف الرافضة لـ «جبهة النصرة» والمنتقدة لسلوكها وأدائها، سواء من قبل قادة بعض الفصائل أو من بعض السياسيين المعارضين، إلى أن كلمة السر للبدء بقتالها قد وصلت إلى هؤلاء من مرجعياتهم الاستخباراتية، وبالتالي العمل جارٍ على تمهيد الأجواء لوضع القرار موضع التنفيذ.
وتؤكد أجواء العزلة التي تحيط بـ «جبهة النصرة»، وتصاعد الانتقادات الموجهة إليها بانتظام، إلى أنها قد تلاقي مصيراً مشابهاً لمصير عدوّها اللدود تنظيم «داعش»، الذي اجتمعت معظم الفصائل الإسلامية وغير الإسلامية على محاربته أوائل العام الماضي، وكانت «النصرة» آنذاك رأس الحربة في هذه الحرب، من دون أن تحسب حساباً أنها قد تؤكل يوم أكل الثور الأبيض.
وتتزايد المؤشرات إلى أن معظم الدول الداعمة والممولة قد نفضت يدها نهائياً من «جبهة النصرة في الشمال السوري»، أما في الجنوب فإن الأمر يخضع لاعتبارات مختلفة، وخاصة بعد رفض «جبهة النصرة» الانصياع إلى ضغوط هذه الدول، بخصوص فك الارتباط مع تنظيم «القاعدة» العالمي.
لكن مع ذلك، هناك بعض الدول، وعلى رأسها قطر، لا تزال تحافظ على خطوط اتصال قوية مع «جبهة النصرة»، وهو ما ظهر جلياً من خلال أمرين، الأول استمرار قيادتها المفاوضات بشأن العسكريين اللبنانيين المختطفين لديها في القلمون، والثاني أداء قناة «الجزيرة»، الذي يتضمن أكثر من غزل بـ «النصرة» وقادتها.
وكان لافتاً أن هذا الأداء أثار مؤخراً غضب قادة الفصائل والنشطاء، لجهة تضخيم دور «جبهة النصرة» ومحاولة إبرازها على أنها الفصيل الوحيد الذي يقاتل على الأرض، وهو ما دفع بالنشطاء إلى شن حملة كبيرة ضد «الجزيرة» لمطالبتها بتغطية أكثر موضوعية. والجدير بالذكر أن القناة تستضيف على شاشتها عدداً من كبار قادة «جبهة النصرة»، أبرزهم أبو ماريا القحطاني المسؤول الشرعي السابق، وأبو خديجة الأردني قائد الهجوم على بلدتي نبل والزهراء وسواهما، مع أن هؤلاء مصنفون على أنهم إرهابيون بموجب قرارات دولية.
وكان لافتاً أن رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض خالد خوجة وصف «جبهة النصرة» بأنها «تشكل خطراً علينا وعلى مستقبل سوريا، وهي تتوسع الآن في مناطق سيطرتها»، وهو ما يعتبر انقلاباً جذرياً في موقف المعارضة الخارجية من الجبهة، حيث كانت تعتبرها «جزءاً من الحراك الثوري» كما قال رئيس «المجلس الوطني» جورج صبرا في تصريح شهير جاء رداً على تصنيف الولايات المتحدة لـ «جبهة النصرة» كتنظيم إرهابي، بل إن العديد من الهيئات والأحزاب المعارضة، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، طالبت الإدارة الأميركية بإعادة النظر في هذا التصنيف.
وجاءت تصريحات خوجة، في مؤتمر صحافي عقده أمس الأول في مدينة غازي عنتاب التركية، تحدث فيه عن المساعي التي يبذلها «الائتلاف» لتشكيل ما أسماه «جيشاً وطنياً». وكشف عن تواصل قيادة «الائتلاف» مع «قادة الجبهة الشامية وفصائل أخرى ليكونوا نواة هذا الجيش»، وذلك في تأكيد غير مباشر لما رشح خلال الفترة الماضية حول الدور الذي يمكن أن يوكل إلى «الجبهة الشامية»، وأنها قد تكون رأس الحربة في قتال «جبهة النصرة»، وخاصة بعد توقيع «الشامية» على اتفاق مع «وحدات حماية الشعب» الكردية حول إدارة «المناطق المحررة» الشهر الماضي، الأمر الذي اعتبر بمثابة تحدّ لـ «جبهة النصرة» بسبب عداوتها مع المقاتلين الأكراد.
وبالرغم من أن خوجة وضع تشكيل «جيش وطني» في سياق إقامة «مناطق عازلة» بحسب مخطط تركي ـ فرنسي، إلا أن ذلك لا ينفي احتمال الصراع مع «جبهة النصرة» وذلك لسبب بسيط، وهو أن الأخيرة هي المهيمنة الفعلية على معظم الأراضي التي يمكن أن تقام عليها مثل هذه المناطق، على فرض أن المخطط يمكن أن يرى النور.
في هذه الأثناء، كانت «حركة أحرار الشام» ترسم حدوداً واضحة بينها وبين «جبهة النصرة»، في ما يشبه سياسة «النأي بالنفس» عن تصرفات الأخيرة، أو على الأقل التنصل من المسؤولية عنها، مخافة أن يصيب الحركة بعض ردود الأفعال التي يمكن ألا تميز بين الطرفين بسبب تحالفهما العسكري. ومن هذا القبيل أعلنت «أحرار الشام» أنها «اتخذت موقفاً محايداً في الأحداث التي جرت في جنوب دمشق»، في إشارة إلى القتال بين «جبهة النصرة» و «لواء شام الرسول». وأكد البيان، الذي صدر عنها أمس الأول، أنها «كانت حريصة أشد الحرص على دماء المسلمين من كلا الطرفين». ويأتي هذا البيان استمراراً لسياسة «أحرار الشام» التي اتبعتها في مختلف النزاعات المسلحة التي خاضتها «جبهة النصرة» مؤخراً، سواء ضد «جبهة ثوار سوريا» أو «حركة حزم»، وهو ما يؤكد حقيقة أن التحالف بين الطرفين أكثر هشاشة مما يعتقد البعض، وأنه مستمر فقط بسبب الضرورات الميدانية التي يمكن أن تتغير في أي وقت.
وكرسالة إقليمية موجهة إلى «جبهة النصرة» بأن الخناق سيُضيَّق عليها، جرى تسريب خبر اعتقال «صقر الجهاد» وتسليمه إلى السلطات السعودية، لا سيما أن المعطيات تشير إلى أن أكثر من دولة إقليمية معروفة بتقديمها تسهيلات لتحركات مقاتلي «النصرة» شاركت في هذا الاعتقال.
وصقر الجهاد هو السعودي إبراهيم البواردي، أحد أبرز قادة الأفغان العرب، حيث قاتل مع زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن في أفغانستان، ومع القائد خطاب (ثامر سويلم) في الشيشان، وكان من أوائل الأفغان العرب وصولاً إلى الأراضي السورية في العام 2011، حيث شكل سراً كتيبة مسلحة باسم «صقور العز» لعبت دوراً كبيراً في استقبال «المقاتلين الأجانب» وتأمين انتقالهم إلى مختلف المحافظات السورية.
وجاء اعتقال البواردي، الذي بايع «جبهة النصرة» العام الماضي، بعد اضطراره في كانون الثاني الماضي إلى الخروج من الأراضي السورية لتلقي العلاج في أحد المستشفيات التركية، حيث أمضى عدة أسابيع قبل أن يُنقل إلى «دولة آمنة» لم يكشف عن اسمها بذريعة استكمال العلاج، حيث اعتُقل وسُلِّم إلى سلطات بلاده التي زجت به في سجن حائر.
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة