ليس الذهب وحده من يحاول اللصوص سرقته ويعمل النصابون على تزويره وخلطه بالنحاس والمعدن الخسيس .. وليس الماس وحده من يتعرض دوما لانتحال شخصيته من قبل الزجاج الهش ..

 

 وليس كلام الأنبياء فقط من يسرق من قبل الدواعش والحاخامات ويخلط بكلام التلمود والاسرائيليات حتى صار النبي العربي حاخاما والقرآن أسفارا يهودية .. بل ان أسواق الكلام مليئة بالغش والبضائع المزورة وأقمشة النثر المنسوجة من خيط النفط بدل الحرير .. والسلع المقلدة عن الأصل .. ومن يذهب للتسوق من دكاكين الكلام العربي هذه الأيام لن يملأ حقائب العقل بكلام الذهب الصافي ولابقطع الماس البراق .. بل بنحاس وحديد وأسلاك شائكة وشظايا زجاج .. ومن يملأ مخازن الروح وبيوت المونة من أسواق الغش هذه ومن كلام النحاس لن تموت روحه الا مسمومة ..

 

أقول هذا الكلام لأننا سمعنا بمقتل ضابط اسرائيلي اسمه "جوني" بين المسلحين الاسلاميين والثورجيين السوريين الذين ابادت جموعهم غارة سورية محكمة التصويب .. فلم يكن مقتل الضابط الاسرائيلي بين المسلحين السوريين في القنيطرة مفاجأة لأحد .. ولم تتوقف عند الخبر النظرات .. ولم تقطب الحواجب مستهجنة .. ولم تتسع الأحداق .. ولم يكن هذا الخبر الخطير سببا في استفاقة النائمين الحالمين بالحرية مذعورين كما يفيق نائم من كابوس أو كمن يفتح عينيه ويرى ان قرون الشيطان تشاطره الوسادة .. وأراهن أن احدا من المحيط الى الخليج لم يرفع حاجبيه دهشة ولم يضرب كفا بكف ولم يشهق من الذهول والصدمة .. بل ان الخبر مر على الناس كما يمر خبر فني سمج وحفل ساهر تافه وضيع لشقيق فيصل القاسم الذي يغني مثل أخيه .. من اتجاهه المعاكس ..

 

ولو وضعنا خبر مصرع الضابط الاسرائيلي جوني بين (اخوانه المسلمين) في ميزان الدهشة والانبهار في العقل العربي الذي لم يكن مغشوشا (عقل من موديل الخمسينات والستينات) لقامت مظاهرة في كل مدينة عربية ومزقت فيها الرايات الاخوانية وصور ملك الاردن وملوك النفط والغاز .. ولكن خبر مصرع الضابط جوني كان بلاشك في ميزان العقل بوزن خبر سفر سعدو الحريري للاستجمام في مقاهي وبارات باريس أو التزلج في سويسرا بانتظار أن تثأر له المحكمة الدولية الباحثة عن دم أبيه .. أو كان بوزن خبر ظهور مزاج جديد لوليد بك جنبلاط وتذبذباته وجولاته ومناوراته وتغييره الأقنعة والطرابيش والولاءات والتحالفات .. لأن تغيير تصريحات وليد بيك وطرابيشه وحلفائه لم يعد يسمى براغماتية سياسية بل يدخل في علم النجوم والابراج .. ويجب أن توضع تصريحاته في صفحة الأبراج اليومية وتقرأ علينا تموجاتها السيدة نجلاء قباني أو ماغي فرح !! ..

 

وهناك تشابه كبير بين ثقل خبر مصرع جوني بين اخوانه وخبر استئناف محمود عباس جولة مفاوضات سلام فراغية مريخية مع مسؤولين اسرائيليين لن تعيد له ورقة زيتون واحدة من فلسطين .. حيث لايبالي عربي واحد بمفاوضاته ولاينتظر من تلك المفاوضات قشة واحدة فلسطينية .. وطبعا يشبه تأثير الخبر علينا تأثير خبر يقول أن أردوغان سيحارب داعش ويمنع تغذيتها بالمقاتلين فلا يبالي ذو عقل بتمثيليات أردوغان وهرائه .. ويمر علينا خبر مقتل جوني أيضا مثل خبر شراء شيخ أو أمير خليجي لناد رياضي أوروبي أو لبغلة جديدة أو يخت من يخوت مونت كارلو وكأنه لايعنينا .. وفي أحسن الأحوال يشبه الارتكاس العربي لخبر موت جوني بين اخوانه المسلمين انفجار ثمانية سيارات مفخخة في بغداد ومقتل مئتي عراقي دفعة واحدة دون أن تبلل فضائية عربية هذا الخبر ببعض التعازي ودون أن يبدو الحزن على محيا المذيعات اللواتي لاتغضب حواجبهن المرسومة كالسيوف العربية الا من قصص البراميل المتفجرة في دوما كما تقول سير الأكاذيب ..

 

فلم يشكل مقتل ضابط اسرائيلي يقود مقاتلين عربا من أتباع محمد ليقتل بهم عربا من أتباع محمد أي حرج أو استهجان لأمة محمد بكاملها .. ولم تبادر "الثورة السورية المستقلة" ضد الاحتلال الايراني بالتبرؤ من الاحتلال الاسرائيلي لها وقيادة الاسرائيليين لها رغم أن هذا الموت المشترك بين الاسرائيلي ومقاتل مسلم - يقال أنه يدفع عن دينه ورسالته - يشبه في الضمير أن يموت المسيح وهو يقاتل مع صيارفة المعبد أو يسقط وهو يدافع عن سمعة وشرف يهوذا الاسخريوطي ..

 

ليس مقتل جوني وعصابته من الاسلاميين هو الذي يثير السؤال بل برود المسلمين والعرب تجاه هذا الموت وهم يقاتلون الجيش السوري .. وهذا البرود هو حصيلة جهد التفكيك والفصل النفسي للانسان العربي عن الواقع وتحويل وسائل الاتصال الاجتماعي الى وسائل الانفصال والانفصام الاجتماعي .. وقد تم نقل الوعي الى واقع آخر أفاق فيه ليجد نفسه فجأة الى جانب جوني .. يحارب معه .. ويأكل معه .. ويدخن الشيشة معه .. ويتماهي معه .. ويقتل اخوته معه و.. يموت معه ..

 

وهذه الجريمه بحق الوعي العربي والمشرقي كانت نتيجة اصرار المعارضة السورية على أن تبيع استقلالها ووطنها وقضيتها في اسواق العالم كما تباع السبايا .. وصارت القضية للمعارضة وللاسلاميين هي مقولة (التحالف مع الشيطان من أجل النصر) .. وهذه ذريعة لايقبل بها الشيطان نفسه الذي لايقبل بمثل هذا التبرير لنفسه كأن يقول مثلا (سأتحالف مع الملائكة لأهزم الله) .. لأن الشيطان تبين أن لديه قيما ومبادئ يحترمها أكثر مما لدى هؤلاء من مبادئ ..فيتحالف لذلك مع الانسان وشياطينه ..

 

هذا الخبر مفصل من مفاصل التحولات في الوعي الذي أدخلته الجزيرة والعربية ورحلات اللبواني الى هرتسليا ومرحلة الاخوان المسلمين في مصر وفي تركيا .. ففي تركيا صار من الممكن أن تكون مسلما وخليفة للمسلمين وتبقى في الناتو تأكل معه وتشرب معه وتقتل معه وتنام معه دون أن ينقص ايمانك واسلامك .. وفي عهد مرسي في مصر يمكن ان تكون رئيسا مسلما ويصبح الصهيوني صديقك العظيم ويتحول أحمدي نجاد المسلم الى عدو الله المبين الذي يهينه الأزهر رغم انه ضيفه !!.. وفي عهد الثوار الليبيين يصير الصهيوني برنار ليفي صديق الشعب الليبي حتى وان كان مرشحا للرئاسة في اسرائيل .. وفي عهد (أبو محمد الجولاني) وزهران علوش تقصف دمشق بدل تل ابيب ومستوطناتها وكأن دمشق تشبه تل ابيب وكأن "دوما" صارت غزة (كاتيوشا وهاون) .. ولكم ان تتخيلوا أن هناك اسرائيليين سيموتون أيضا وهم يقودون كتائب أبي بكر البغدادي وسرايا الجولاني .. وسيقتل أحدهم في دوما حتما مع زهران علوش عندما سيتم قصفه قريبا والتخلص منه والحاقه بزميله حجي مارع .. فلن يطول انتظار حجي مارع في الجحيم لأن زهران علوش في طريقه اليه ومعه ضباط عرب واسرائيليون ..

 

وأما في عهد ابن ملك السيفيليس فقد صار الهلال الشيعي يخيف ابن النبي فيأخذنا معه الى بلعوم نجمة داوود لتبتلعنا .. وفي عهد الجزيرة والعربية يصبح أفيخاي ادرعي أقرب من العميد سليم حربا .. وفي زمن رياض الشفقة يصير حزب الله أشد عداوة من حزب شاس .. فقط لأن الأول دخل القصير .. فيما لايريد الثاني سوى المسجد الأقصى وقطعة صغيرة من الفرات الى النيل بما عليها من مساجد .. وبمن فيها من سنة ومن شيعة ..

 

تخيلوا أن المعارضة السورية ملأت حيطان الذاكرة باتهامات وتلفيقات ونشرت بضائعها المغشوشة بشعارات عمالة النظام السوري لاسرائيل وتنسيق ايران وحزب الله مع اسرائيل ضد أهل السنة .. بل انها لاتزال تثرثر بتلك الأسطورة عن علاقة داعش بالمخابرات السورية لكنها لم تقدر أن تجد ضابطا سوريا واحدا يموت بين الدواعش كما يموت جوني بين مقاتلي جبهة النصرة والجيش الحر .. ولم تقدر أن تجد مقاتلا اسرائيليا في صفوف حزب الله .. وعجزت أن تقدم وثيقة واحدة عن علاقة النظام السوري بأي تنسيق مع اسرائيل رغم انها حفرت ونقبت في اسرار النظام ووثائق كل مخابرات الدنيا منذ خمسين عاما .. ولم تجد الا ماوجده المتطرفون اليهود تحت المسجد الأقصى من آثار يهودية .. وهو الصفر المطلق ..والهواء .. والخواء ..

 

مخازن الروح تسممت بالربيع بعد أن اعتادت أن تتسوق من أسواق الكلام الرخيص في قطر واستانبول .. وألفت أن تشتري سبائك اللغة المغشوشة من السعودية .. وتملأ جرار العسل بالقطران في بيروت المستأبل .. وتملأ قناديلها بزيت مخلوط مع بول بعير أو بول أمير ..

 

انها أسواق البضائع المغشوشة التي تملأ منها الروح مؤونتها وزيت قناديلها .. وتتعامل مع أخلاط النحاس والقصدير بدل الذهب المصهور الصافي .. وتتزين بعقود الزجاج بدل عقود الماس .. فصار الاسرائيلي يموت بين المقاتلين المسلمين كأنه منهم .. وكأنهم منه ..

 

كيف نفصل اليوم الذهب الخالص عن النحاس في سبائك الكلام في اسواق الثرثرة العربية المغشوشة ليعود الكلام نقيا مثل سبائك الذهب الصافي؟؟ .. كي تمتلئ قناديل العقل بالزيت المبارك والمقدس ليضيء نور القناديل "كمشكاة فيها مصباح .. المصباح في زجاجة .. الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولاغربية .. يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار .. نور على نور" ..؟؟ نور الله .. نور الوعي ..

حيرني السؤال كثيرا .. فكيف نعيد للوعي حضوره ونعيد اليه قدرته على تحسس الخيانة والعمالة والجريمة والموت الخطأ المشين في المكان الخطأ .. فيصبح مقتل الاسرائيلي بجانب أي مقاتل مشرقي عارا وفضيحة لذاك المقاتل وأهله وذريته ..

 

قديما حار أرخميدس قبلي في معرفة نسبة الذهب المخلوط بمعادن النحاس ووجد الحل عندما كان يستحم وتنبه الى أن كتلة الماء المزاح تساوي كتلة الجسم الذي أزاحه فهرول في الشارع عاريا يعلن أنه "وجدها" (أوريكا .. اوريكا) .. ولكن اذا كان الذهب المغشوش قد شغل بال ارخميدس فان الذهب لايشغل بالي .. ولن يشغل بالي كلام الزجاج الهش الذي يقلد صوت تصادم حبات الياقوت والماس وبريق عيونه .. هذا الزجاج الذي يتهشم كلما سحقه حذاء العسكري السوري .. بل مايشغل بالي هو ذهب الكلام الخالص المفقود .. و"غبار الذهب الخالص" المخلوط بالاسرائيليات الرخيصة .. ومايشغل بالي هو أين ذهبت أسواق الذهب؟؟ ومن سرقها؟؟ وكيف نستعيدها؟ ومايشغل بالي هي تلك الأرواح التي طحنتها قصص الربيع واحالتها الى غبار .. وذلك النور المطحون الذي صار ظلاما كهباب الفحم .. فقد آن لنا أن نعيد للعقل ذهبه النقي ونوره ليميز بين الذهب والخشب .. وبين غبار الذهب وغبار الخشب .. ليضيء اسم الله من جديد في الشرق .. كمشكاة فيها مصباح .. ونرفع نور الوعي ونحن نقول في وجه هؤلاء الخونة:

 

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ .. الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ.. الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ .. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .. نُّورٌ عَلَى نُورٍ .. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

 

  • فريق ماسة
  • 2015-03-15
  • 14418
  • من الأرشيف

حيرة أرخميدس في سوق الذهب .. المشكاة والثورات

ليس الذهب وحده من يحاول اللصوص سرقته ويعمل النصابون على تزويره وخلطه بالنحاس والمعدن الخسيس .. وليس الماس وحده من يتعرض دوما لانتحال شخصيته من قبل الزجاج الهش ..    وليس كلام الأنبياء فقط من يسرق من قبل الدواعش والحاخامات ويخلط بكلام التلمود والاسرائيليات حتى صار النبي العربي حاخاما والقرآن أسفارا يهودية .. بل ان أسواق الكلام مليئة بالغش والبضائع المزورة وأقمشة النثر المنسوجة من خيط النفط بدل الحرير .. والسلع المقلدة عن الأصل .. ومن يذهب للتسوق من دكاكين الكلام العربي هذه الأيام لن يملأ حقائب العقل بكلام الذهب الصافي ولابقطع الماس البراق .. بل بنحاس وحديد وأسلاك شائكة وشظايا زجاج .. ومن يملأ مخازن الروح وبيوت المونة من أسواق الغش هذه ومن كلام النحاس لن تموت روحه الا مسمومة ..   أقول هذا الكلام لأننا سمعنا بمقتل ضابط اسرائيلي اسمه "جوني" بين المسلحين الاسلاميين والثورجيين السوريين الذين ابادت جموعهم غارة سورية محكمة التصويب .. فلم يكن مقتل الضابط الاسرائيلي بين المسلحين السوريين في القنيطرة مفاجأة لأحد .. ولم تتوقف عند الخبر النظرات .. ولم تقطب الحواجب مستهجنة .. ولم تتسع الأحداق .. ولم يكن هذا الخبر الخطير سببا في استفاقة النائمين الحالمين بالحرية مذعورين كما يفيق نائم من كابوس أو كمن يفتح عينيه ويرى ان قرون الشيطان تشاطره الوسادة .. وأراهن أن احدا من المحيط الى الخليج لم يرفع حاجبيه دهشة ولم يضرب كفا بكف ولم يشهق من الذهول والصدمة .. بل ان الخبر مر على الناس كما يمر خبر فني سمج وحفل ساهر تافه وضيع لشقيق فيصل القاسم الذي يغني مثل أخيه .. من اتجاهه المعاكس ..   ولو وضعنا خبر مصرع الضابط الاسرائيلي جوني بين (اخوانه المسلمين) في ميزان الدهشة والانبهار في العقل العربي الذي لم يكن مغشوشا (عقل من موديل الخمسينات والستينات) لقامت مظاهرة في كل مدينة عربية ومزقت فيها الرايات الاخوانية وصور ملك الاردن وملوك النفط والغاز .. ولكن خبر مصرع الضابط جوني كان بلاشك في ميزان العقل بوزن خبر سفر سعدو الحريري للاستجمام في مقاهي وبارات باريس أو التزلج في سويسرا بانتظار أن تثأر له المحكمة الدولية الباحثة عن دم أبيه .. أو كان بوزن خبر ظهور مزاج جديد لوليد بك جنبلاط وتذبذباته وجولاته ومناوراته وتغييره الأقنعة والطرابيش والولاءات والتحالفات .. لأن تغيير تصريحات وليد بيك وطرابيشه وحلفائه لم يعد يسمى براغماتية سياسية بل يدخل في علم النجوم والابراج .. ويجب أن توضع تصريحاته في صفحة الأبراج اليومية وتقرأ علينا تموجاتها السيدة نجلاء قباني أو ماغي فرح !! ..   وهناك تشابه كبير بين ثقل خبر مصرع جوني بين اخوانه وخبر استئناف محمود عباس جولة مفاوضات سلام فراغية مريخية مع مسؤولين اسرائيليين لن تعيد له ورقة زيتون واحدة من فلسطين .. حيث لايبالي عربي واحد بمفاوضاته ولاينتظر من تلك المفاوضات قشة واحدة فلسطينية .. وطبعا يشبه تأثير الخبر علينا تأثير خبر يقول أن أردوغان سيحارب داعش ويمنع تغذيتها بالمقاتلين فلا يبالي ذو عقل بتمثيليات أردوغان وهرائه .. ويمر علينا خبر مقتل جوني أيضا مثل خبر شراء شيخ أو أمير خليجي لناد رياضي أوروبي أو لبغلة جديدة أو يخت من يخوت مونت كارلو وكأنه لايعنينا .. وفي أحسن الأحوال يشبه الارتكاس العربي لخبر موت جوني بين اخوانه المسلمين انفجار ثمانية سيارات مفخخة في بغداد ومقتل مئتي عراقي دفعة واحدة دون أن تبلل فضائية عربية هذا الخبر ببعض التعازي ودون أن يبدو الحزن على محيا المذيعات اللواتي لاتغضب حواجبهن المرسومة كالسيوف العربية الا من قصص البراميل المتفجرة في دوما كما تقول سير الأكاذيب ..   فلم يشكل مقتل ضابط اسرائيلي يقود مقاتلين عربا من أتباع محمد ليقتل بهم عربا من أتباع محمد أي حرج أو استهجان لأمة محمد بكاملها .. ولم تبادر "الثورة السورية المستقلة" ضد الاحتلال الايراني بالتبرؤ من الاحتلال الاسرائيلي لها وقيادة الاسرائيليين لها رغم أن هذا الموت المشترك بين الاسرائيلي ومقاتل مسلم - يقال أنه يدفع عن دينه ورسالته - يشبه في الضمير أن يموت المسيح وهو يقاتل مع صيارفة المعبد أو يسقط وهو يدافع عن سمعة وشرف يهوذا الاسخريوطي ..   ليس مقتل جوني وعصابته من الاسلاميين هو الذي يثير السؤال بل برود المسلمين والعرب تجاه هذا الموت وهم يقاتلون الجيش السوري .. وهذا البرود هو حصيلة جهد التفكيك والفصل النفسي للانسان العربي عن الواقع وتحويل وسائل الاتصال الاجتماعي الى وسائل الانفصال والانفصام الاجتماعي .. وقد تم نقل الوعي الى واقع آخر أفاق فيه ليجد نفسه فجأة الى جانب جوني .. يحارب معه .. ويأكل معه .. ويدخن الشيشة معه .. ويتماهي معه .. ويقتل اخوته معه و.. يموت معه ..   وهذه الجريمه بحق الوعي العربي والمشرقي كانت نتيجة اصرار المعارضة السورية على أن تبيع استقلالها ووطنها وقضيتها في اسواق العالم كما تباع السبايا .. وصارت القضية للمعارضة وللاسلاميين هي مقولة (التحالف مع الشيطان من أجل النصر) .. وهذه ذريعة لايقبل بها الشيطان نفسه الذي لايقبل بمثل هذا التبرير لنفسه كأن يقول مثلا (سأتحالف مع الملائكة لأهزم الله) .. لأن الشيطان تبين أن لديه قيما ومبادئ يحترمها أكثر مما لدى هؤلاء من مبادئ ..فيتحالف لذلك مع الانسان وشياطينه ..   هذا الخبر مفصل من مفاصل التحولات في الوعي الذي أدخلته الجزيرة والعربية ورحلات اللبواني الى هرتسليا ومرحلة الاخوان المسلمين في مصر وفي تركيا .. ففي تركيا صار من الممكن أن تكون مسلما وخليفة للمسلمين وتبقى في الناتو تأكل معه وتشرب معه وتقتل معه وتنام معه دون أن ينقص ايمانك واسلامك .. وفي عهد مرسي في مصر يمكن ان تكون رئيسا مسلما ويصبح الصهيوني صديقك العظيم ويتحول أحمدي نجاد المسلم الى عدو الله المبين الذي يهينه الأزهر رغم انه ضيفه !!.. وفي عهد الثوار الليبيين يصير الصهيوني برنار ليفي صديق الشعب الليبي حتى وان كان مرشحا للرئاسة في اسرائيل .. وفي عهد (أبو محمد الجولاني) وزهران علوش تقصف دمشق بدل تل ابيب ومستوطناتها وكأن دمشق تشبه تل ابيب وكأن "دوما" صارت غزة (كاتيوشا وهاون) .. ولكم ان تتخيلوا أن هناك اسرائيليين سيموتون أيضا وهم يقودون كتائب أبي بكر البغدادي وسرايا الجولاني .. وسيقتل أحدهم في دوما حتما مع زهران علوش عندما سيتم قصفه قريبا والتخلص منه والحاقه بزميله حجي مارع .. فلن يطول انتظار حجي مارع في الجحيم لأن زهران علوش في طريقه اليه ومعه ضباط عرب واسرائيليون ..   وأما في عهد ابن ملك السيفيليس فقد صار الهلال الشيعي يخيف ابن النبي فيأخذنا معه الى بلعوم نجمة داوود لتبتلعنا .. وفي عهد الجزيرة والعربية يصبح أفيخاي ادرعي أقرب من العميد سليم حربا .. وفي زمن رياض الشفقة يصير حزب الله أشد عداوة من حزب شاس .. فقط لأن الأول دخل القصير .. فيما لايريد الثاني سوى المسجد الأقصى وقطعة صغيرة من الفرات الى النيل بما عليها من مساجد .. وبمن فيها من سنة ومن شيعة ..   تخيلوا أن المعارضة السورية ملأت حيطان الذاكرة باتهامات وتلفيقات ونشرت بضائعها المغشوشة بشعارات عمالة النظام السوري لاسرائيل وتنسيق ايران وحزب الله مع اسرائيل ضد أهل السنة .. بل انها لاتزال تثرثر بتلك الأسطورة عن علاقة داعش بالمخابرات السورية لكنها لم تقدر أن تجد ضابطا سوريا واحدا يموت بين الدواعش كما يموت جوني بين مقاتلي جبهة النصرة والجيش الحر .. ولم تقدر أن تجد مقاتلا اسرائيليا في صفوف حزب الله .. وعجزت أن تقدم وثيقة واحدة عن علاقة النظام السوري بأي تنسيق مع اسرائيل رغم انها حفرت ونقبت في اسرار النظام ووثائق كل مخابرات الدنيا منذ خمسين عاما .. ولم تجد الا ماوجده المتطرفون اليهود تحت المسجد الأقصى من آثار يهودية .. وهو الصفر المطلق ..والهواء .. والخواء ..   مخازن الروح تسممت بالربيع بعد أن اعتادت أن تتسوق من أسواق الكلام الرخيص في قطر واستانبول .. وألفت أن تشتري سبائك اللغة المغشوشة من السعودية .. وتملأ جرار العسل بالقطران في بيروت المستأبل .. وتملأ قناديلها بزيت مخلوط مع بول بعير أو بول أمير ..   انها أسواق البضائع المغشوشة التي تملأ منها الروح مؤونتها وزيت قناديلها .. وتتعامل مع أخلاط النحاس والقصدير بدل الذهب المصهور الصافي .. وتتزين بعقود الزجاج بدل عقود الماس .. فصار الاسرائيلي يموت بين المقاتلين المسلمين كأنه منهم .. وكأنهم منه ..   كيف نفصل اليوم الذهب الخالص عن النحاس في سبائك الكلام في اسواق الثرثرة العربية المغشوشة ليعود الكلام نقيا مثل سبائك الذهب الصافي؟؟ .. كي تمتلئ قناديل العقل بالزيت المبارك والمقدس ليضيء نور القناديل "كمشكاة فيها مصباح .. المصباح في زجاجة .. الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولاغربية .. يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار .. نور على نور" ..؟؟ نور الله .. نور الوعي .. حيرني السؤال كثيرا .. فكيف نعيد للوعي حضوره ونعيد اليه قدرته على تحسس الخيانة والعمالة والجريمة والموت الخطأ المشين في المكان الخطأ .. فيصبح مقتل الاسرائيلي بجانب أي مقاتل مشرقي عارا وفضيحة لذاك المقاتل وأهله وذريته ..   قديما حار أرخميدس قبلي في معرفة نسبة الذهب المخلوط بمعادن النحاس ووجد الحل عندما كان يستحم وتنبه الى أن كتلة الماء المزاح تساوي كتلة الجسم الذي أزاحه فهرول في الشارع عاريا يعلن أنه "وجدها" (أوريكا .. اوريكا) .. ولكن اذا كان الذهب المغشوش قد شغل بال ارخميدس فان الذهب لايشغل بالي .. ولن يشغل بالي كلام الزجاج الهش الذي يقلد صوت تصادم حبات الياقوت والماس وبريق عيونه .. هذا الزجاج الذي يتهشم كلما سحقه حذاء العسكري السوري .. بل مايشغل بالي هو ذهب الكلام الخالص المفقود .. و"غبار الذهب الخالص" المخلوط بالاسرائيليات الرخيصة .. ومايشغل بالي هو أين ذهبت أسواق الذهب؟؟ ومن سرقها؟؟ وكيف نستعيدها؟ ومايشغل بالي هي تلك الأرواح التي طحنتها قصص الربيع واحالتها الى غبار .. وذلك النور المطحون الذي صار ظلاما كهباب الفحم .. فقد آن لنا أن نعيد للعقل ذهبه النقي ونوره ليميز بين الذهب والخشب .. وبين غبار الذهب وغبار الخشب .. ليضيء اسم الله من جديد في الشرق .. كمشكاة فيها مصباح .. ونرفع نور الوعي ونحن نقول في وجه هؤلاء الخونة:   اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ .. الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ.. الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ .. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .. نُّورٌ عَلَى نُورٍ .. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  

المصدر : نارام سرجون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة