يُجمع الكثير من المُحلّلين السياسيين على أن (تركيا أردوغان) تتخبط في سياساتها شرق الأوسطية، فهي لا تستقرّ على رأي ولا تثبت على حال.

 وصَدَقَ من شبّهها (بالطاووس) ذي الألوان الكثيرة والمتلوّنة الذي لا يحميه ريشه من الرياح ولا يستطيع تحليقاً.

فعملية الجيش التركي الأخيرة لإخلاء ضريح «سليمان شاه» جدّ مؤسس الدولة العثمانية من حرّاسه وموظفيه الأربعين، ومن رفات (سليمان شاه) نفسه، تختصر المستنقع الذي تغوص فيه تركيا في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية وزعيمه «أردوغان»، بمعنى أكثر وضوحاً، لا تتعلق هذه العملية بحالة محددة اسمها سورية أو بسياسة تركيا تجاه بلد واحد اسمه سورية، سورية هنا هي رمز واختزال لكل الهزائم التركية في المنطقة العربية من الخليج العربي إلى شمال إفريقيا إلى بلاد الشام بأسرها.

قبل عام، تعرّض ضريح «سليمان شاه» الذي يحمل صفة السيادة التركية بموجب اتفاقية وُقِّعت عام 1921 بين تركيا وفرنسا التي كانت تستعمر سورية آنذاك؛ تعرّض لتهديد واضح من تنظيم داعش الإرهابي الذي وصل إلى محيط الضريح وأنذر حكومة أردوغان بإخلاء الضريح من جنوده وإلا فسيُقتل الجنود، وسيُفجَّر الضريح.

حينها، لا ينسى الرأي العام التركي رسالة رئيس الأركان الجنرال «نجدت أوزيل» إلى الجنود (حرّاس الضريح) قال فيها مخاطباً الجنود «إن الأمة التركية العظيمة وراءكم ولا تنسوا أننا إلى جانبكم»، بينما حذّر (أحمد أوغلو) وزير الخارجية آنذاك من اختبار قوة تركيا. كما نشرت الصحف التركية ما سمته «خطة لحماية الضريح في حال الاعتداء عليه، مُشيرة إلى أن الجيش التركي يستطيع الوصول إلى الضريح خلال ربع ساعة.

وفي هذه الأيام يظهر للملأ كم كانت الحكومة التركية تكذب على شعبها وتتاجر بشخصٍ جعلت منه رمزاً، فيما هو ليس سوى أحد الأجداد الذين لم يكن له أي صفة رسمية ولا أي دور في تأسيس الدولة التركية التي تأسست بعد وفاته بقرن ونصف القرن.

إن ما يثير الدهشة هو التالي:

1- إن تنظيم داعش الإرهابي لم يوفّر خلال سيطرته على الأراضي في سورية والعراق ضريحاً، أو جامعاً، أو مزاراً، أو مقاماً لدى مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية إلا وفجَّره وسوَّاه بالأرض، فيما لم يُمَسّ ضريح «سليمان شاه» بخدشٍ بسيط.

2- عُومل المحتجزون الأتراك في القنصلية التركية في الموصل معاملة نُزلاء فنادق خمس نجوم ثم أُطلق سراحهم من دون أي مقابل، في حين كان المحتجزون الآخرون يعاملون أسوأ معاملة ويتعرّضون للقتل وقطع الرقاب والحرق أحياء وغير ذلك من أساليب وحشية.

3- إن تنظيم داعش الإرهابي حمى ضريح «سليمان شاه» من خطر وصول المقاتلين الأكراد، إلى أن بات الخطر عليه على الأبواب، فنسق مع حليفة (أردوغان) لإخلائه، خاصة بعد أن أشارت تقارير المخابرات التركية إلى أنه بعد تحرير (عين العرب- كوباني)، انفتح الطريق أمام طرد (داعش) من عدد كبير من القرى التي كانت تسيطر عليها، وباتت القوات الكردية الموالية لـ(عبد الله أوجلان) على مقربة من ضريح «سليمان شاه» الواقع على بعد /30/كم من الحدود التركية.

إذاً، هنا لجأت تركيا إلى عملية الإخلاء لسببين اثنين:

أولهما: عدم المجازفة بإبقاء الضريح بجنوده ورفاته خوفاً من حصول صدامات مع الحرس التركي وسقوط قتلى منهم، الأمر الذي سيؤثّر في الانتخابات التركية بعد ثلاثة أشهر.

والثاني: في حال تقدم الأكراد وسيطرتهم على المنطقة سيصبح الضريح تحت سيطرتهم، وهذا مالا يستطيع الأتراك تخيّله ولو للحظة واحدة.

ويؤكد العديد من الخبراء والمحلليين السياسيين أن لهذا الإخلاء أبعاداً ودلائل أهمها: أنه إذا كان الأتراك عاجزين عن حماية ضريح يقع على بعد /30/كم من الحدود من مجرد عصابات داعشية أو مقاتلين أكراد، وهم يملكون أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، فكيف لهم أن يستطيعوا إقامة منطقة عازلة على امتداد الحدود السورية والعراقية كما يحلم بذلك أردوغان؟!

بإيجاز، إن عملية إخلاء الضريح تدل بوضوح على عجز تركي في التأثير، بسبب عزلة تركيا الناجمة عن سياساتها الإقليمية والدولية، وافتقادها لأي حليف حقيقي سوى مجموعة من المنظمات الإرهابية المسلحة تستخدمها تارة في سورية وأخرى في العراق وليبيا وطوراً في مصر. وهي سياسة فاشلة لم يتبقَّ منها سوى ركام الفشل.

  • فريق ماسة
  • 2015-03-09
  • 15154
  • من الأرشيف

عجز تركي فاضح؟

 يُجمع الكثير من المُحلّلين السياسيين على أن (تركيا أردوغان) تتخبط في سياساتها شرق الأوسطية، فهي لا تستقرّ على رأي ولا تثبت على حال.  وصَدَقَ من شبّهها (بالطاووس) ذي الألوان الكثيرة والمتلوّنة الذي لا يحميه ريشه من الرياح ولا يستطيع تحليقاً. فعملية الجيش التركي الأخيرة لإخلاء ضريح «سليمان شاه» جدّ مؤسس الدولة العثمانية من حرّاسه وموظفيه الأربعين، ومن رفات (سليمان شاه) نفسه، تختصر المستنقع الذي تغوص فيه تركيا في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية وزعيمه «أردوغان»، بمعنى أكثر وضوحاً، لا تتعلق هذه العملية بحالة محددة اسمها سورية أو بسياسة تركيا تجاه بلد واحد اسمه سورية، سورية هنا هي رمز واختزال لكل الهزائم التركية في المنطقة العربية من الخليج العربي إلى شمال إفريقيا إلى بلاد الشام بأسرها. قبل عام، تعرّض ضريح «سليمان شاه» الذي يحمل صفة السيادة التركية بموجب اتفاقية وُقِّعت عام 1921 بين تركيا وفرنسا التي كانت تستعمر سورية آنذاك؛ تعرّض لتهديد واضح من تنظيم داعش الإرهابي الذي وصل إلى محيط الضريح وأنذر حكومة أردوغان بإخلاء الضريح من جنوده وإلا فسيُقتل الجنود، وسيُفجَّر الضريح. حينها، لا ينسى الرأي العام التركي رسالة رئيس الأركان الجنرال «نجدت أوزيل» إلى الجنود (حرّاس الضريح) قال فيها مخاطباً الجنود «إن الأمة التركية العظيمة وراءكم ولا تنسوا أننا إلى جانبكم»، بينما حذّر (أحمد أوغلو) وزير الخارجية آنذاك من اختبار قوة تركيا. كما نشرت الصحف التركية ما سمته «خطة لحماية الضريح في حال الاعتداء عليه، مُشيرة إلى أن الجيش التركي يستطيع الوصول إلى الضريح خلال ربع ساعة. وفي هذه الأيام يظهر للملأ كم كانت الحكومة التركية تكذب على شعبها وتتاجر بشخصٍ جعلت منه رمزاً، فيما هو ليس سوى أحد الأجداد الذين لم يكن له أي صفة رسمية ولا أي دور في تأسيس الدولة التركية التي تأسست بعد وفاته بقرن ونصف القرن. إن ما يثير الدهشة هو التالي: 1- إن تنظيم داعش الإرهابي لم يوفّر خلال سيطرته على الأراضي في سورية والعراق ضريحاً، أو جامعاً، أو مزاراً، أو مقاماً لدى مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية إلا وفجَّره وسوَّاه بالأرض، فيما لم يُمَسّ ضريح «سليمان شاه» بخدشٍ بسيط. 2- عُومل المحتجزون الأتراك في القنصلية التركية في الموصل معاملة نُزلاء فنادق خمس نجوم ثم أُطلق سراحهم من دون أي مقابل، في حين كان المحتجزون الآخرون يعاملون أسوأ معاملة ويتعرّضون للقتل وقطع الرقاب والحرق أحياء وغير ذلك من أساليب وحشية. 3- إن تنظيم داعش الإرهابي حمى ضريح «سليمان شاه» من خطر وصول المقاتلين الأكراد، إلى أن بات الخطر عليه على الأبواب، فنسق مع حليفة (أردوغان) لإخلائه، خاصة بعد أن أشارت تقارير المخابرات التركية إلى أنه بعد تحرير (عين العرب- كوباني)، انفتح الطريق أمام طرد (داعش) من عدد كبير من القرى التي كانت تسيطر عليها، وباتت القوات الكردية الموالية لـ(عبد الله أوجلان) على مقربة من ضريح «سليمان شاه» الواقع على بعد /30/كم من الحدود التركية. إذاً، هنا لجأت تركيا إلى عملية الإخلاء لسببين اثنين: أولهما: عدم المجازفة بإبقاء الضريح بجنوده ورفاته خوفاً من حصول صدامات مع الحرس التركي وسقوط قتلى منهم، الأمر الذي سيؤثّر في الانتخابات التركية بعد ثلاثة أشهر. والثاني: في حال تقدم الأكراد وسيطرتهم على المنطقة سيصبح الضريح تحت سيطرتهم، وهذا مالا يستطيع الأتراك تخيّله ولو للحظة واحدة. ويؤكد العديد من الخبراء والمحلليين السياسيين أن لهذا الإخلاء أبعاداً ودلائل أهمها: أنه إذا كان الأتراك عاجزين عن حماية ضريح يقع على بعد /30/كم من الحدود من مجرد عصابات داعشية أو مقاتلين أكراد، وهم يملكون أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، فكيف لهم أن يستطيعوا إقامة منطقة عازلة على امتداد الحدود السورية والعراقية كما يحلم بذلك أردوغان؟! بإيجاز، إن عملية إخلاء الضريح تدل بوضوح على عجز تركي في التأثير، بسبب عزلة تركيا الناجمة عن سياساتها الإقليمية والدولية، وافتقادها لأي حليف حقيقي سوى مجموعة من المنظمات الإرهابية المسلحة تستخدمها تارة في سورية وأخرى في العراق وليبيا وطوراً في مصر. وهي سياسة فاشلة لم يتبقَّ منها سوى ركام الفشل.

المصدر : صياح عزام


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة