تتناسل الأسئلة من قبل الخبراء والمحللين في الغرب والشرق حول أسباب هذه الفوضى العارمة التي تعصف بالمنطقة، وحول الهدف الحقيقي الذي تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقه في ظل كل هذا الانفلات الأمني وعدم الاستقرار، وتنامي التهديدات الإرهابية المنفلتة من كل عقال..

 

هذا في الوقت الذي يسعى أوباما لإبرام اتفاق نووي مع إيران من دون التخلي عن مشروع استهدافها من مدخل الإرهاب بعد تحجيم نفوذها في المنطقة، لصالح نفوذ “إسرائيل” مدعومة بالصهيونية العربية في كل من السعودية وتركيا ومصر والأٍردن ومشيخات الخليج، في ما أصبح يعرف بحلف “سنـي – صهيوني” لموازنة حلف إيران المقاوم والممانع.

 

وهناك اليوم شبه إجماع بين الخبراء العسكريين مفاده، أن ما تسميه أمريكا بالضربات الجوية الإستراتيجية ضد “داعش” لا معنى له ولا يمكن أن يؤدي إلى نتائج تذكر من دون قوة برية تغير موازين القوى على الأرض، كما وأن هناك شبه إجماع أيضا بين المراقبين الموضوعيين مؤداه، عدم وجود إرادة دولية حقيقية لمحاربة الإرهاب واجتثاثه، برغم قتله لمئات الآلاف من الضحايا الأبرياء، وتشريد الملايين من السكان الآمنين، وتخريب القيم الدينية السماوية، وتدمير المشترك الحضاري الإنساني، ومحاولة العودة بالمجتمعات العربية لعصر ما قبل الحضارة زمن الجاهلية الأولى.

 

وحده الرئيس الأمريكي يشعر بالاطمئنان في ظل الفوضى العارمة التي تعصف بالمنطقة، ويوصي منتقديه الذين لا يدركون أبعاد رؤيته بـ”الصبر الإستراتيجي”، والذي يعني حرفيا أن “النظام يولد من الفوضى”.. لكن النظام الذي يأمله أوباما يفضل أن يورث نتائجه الكارثية لخلفه الذي قد يكون جمهوريا، مثل ما تم توريثه نتائج الحروب الكارثية في أفغانستان والعراق، وهو ما أدركته السعودية وأصبحت تقول، أنه لا يجب انتظار سقوط الأسد بل رحيل أوباما..

 

وبهذا المعنى، فإن أفضل السيناريوهات التي يمكن توقعها للمنطقة في ظل نظرية أوباما للفوضى الشاملة، هو مزيد من عدم الاستقرار وامتداد الكوارث لتشمل كافة دول المنطقة العربية، لتحويلها إلى كيانات طائفية ومذهبية هجينة وتابعة، لا قدرة لها على العيش إلا في ظل الحماية والرعاية الصهيوأمريكية، بمن فيها السعودية التي تدفع من مقدرات شعبها ثمن الخراب، في سباق مع الزمن لتحويل المنطقة إلى مصحة للمجانين، والمفارقة أن السعودية تصر على تدمير الدول العربية وتمزيق شعوبها وتفتيت جغرافيتها باسم “التضامن العربي”، فيا للسخرية..

 

وحتى لا تتحول الحرب التي تقودها أمريكا ضد الحضارة العربية والإسلامية إلى صراع حضارات فتنقلب المجتمعات ضدها كما حدث في حرب الخليج الثانية ضد العراق سنة 2003، اختارت هذه المرة وبدهاء، أن تحولها إلى صراع داخل نفس الحضارة الإسلامية، لكن الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبه ‘أوباما’، هو حين قدم نفسه من حيث يدري أو لا يدري كمدافع عن الإسلام الصحيح ومحارب للإرهاب الذي يشوهه، فأنشأ حلفا أطلسيا – سنيا، ليختزل الإسلام في السنة بغية إشعال حرب سنية – شيعية، لكن ما حصل، أن الحرب تحولت إلى حرب “سنـية – سنـة” حين اعتبروا “داعش” التي لا دين لها، سنية العقيدة، وذهبت “السعودية” ومشيخات الزيت الدائرة في فلكها حد وصف احتلال “داعش” للموصل مثلا، “ثورة المظلوميــن السنــة”، فأتت النتائج بعكس الرغبة الصهيوأمريكية والأوهام السعودية.

 

وها هو “داعش” بعد تمرده على أسياده في العراق وسورية، يهدد الأردن والكويت والسعودية ومصر واليمن وليبيا وتونس والجزائر والمغرب بالاجتياح والذبح، ليتحول الصراع إلى حرب بين “الوهابية التكفيرية” و”سنــة” بقية المذاهب الكلاسيكية المعروفة، بهدف إلغائها وإعادة المجتمعات إلى حضيرة مدرسة “ابن تيميــة” الرجعية الظلامية التي استمد منها محمد بن عبد الوهاب (له من الله ما يستحقه) دينه الجديد.

 

ولعله بسبب حساسية موضوع الفتنة السنية – الشيعية التي كانت تخشاها إيران وتتجنب السقوط في فخها، وجدت الإدارة الأمريكية وأدواتها مساحة واسعة لتفخيخ مكونات محور المقاومة في كل من لبنان وسورية فالعراق واليمن مؤخرا، الأمر الذي جعل الإرهاب يطل برأسه من على مشارف الأراضي الإيرانية، وخصوصا من منصة العراق بعد سقوط الموصل ومناطق واسعة من المحافظات السنيـة، حيث الحاضنة الشعبية الطبيعية لـ”داعش” المشكلة بنسبة معتبرة من عناصر حزب البعث المنحل ومريدي الطريقة النقشبندية وعديد الصحوات التي شكلتها أمريكا قديما لمواجهة المكون الشيعي العراقي..

 

وفي هذا السياق، أعلنت طهران قبل أيام عن اعتقال خلية إرهابية تبين من التحقيقات الأولية أنها ممولة من قبل النظام الصهيوني في البحرين، وهناك حديث نقله ديبلوماسيون زاروا الرياض مؤخرا، وفق ما أوردته جريدة السفير الثلاثاء، أن أقطاب النظام في السعودية يفكرون جديا في اختراق الداخل الإيراني بالإرهاب، وذلك بواسطة المال الحرام واللعب على ما يعتقدون أنها تناقضات قائمة بين القوميات الثمانية التي تشكل النسيج المجتمعي الإيراني، غير أن اليقظة الأمنية الإيرانية تجعل من تنفيذ المشروع السعودي لهز الاستقرار في إيران أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا.

 

ومن العوامل التي ساعدت على نمو الوحش “داعش” وبلوغه الحجم الذي وصل إليه بسرعة قياسية، إعلان دولة “الخلافة” وتطبيق “الشريعة الوهابية” بالإضافة إلى المال والإعلام الخليجي، والسلاح الغربي، فتحول تنظيم “داعش” بقدرة قادر إلى قطب جاذب للمغامرين السدج من كل أصقاع الأرض، غير أنه حاد عن الهدف الذي أنشئ من أجله، بعد أن تعذر عليه إسقاط بغداد والمراقد المقدسة في النجف وكربلاء لإشعال حرب سنية شيعية في المنطقة، بسبب سرعة تجاوب إيران مع هذا الخطر الداهم ودعمها للعراق والأكراد في مواجهة تمدد السريع، هذا في الوقت الذي تقاعست واشنطن عن تقديم المساعدة للحكومة العراقية وفق الإتفاق الأمني الموقع بين البلدين، لنية في نفس يعقوب..

 

ومرد ذلك كما أصبح واضحا للجميع، أن من خلق هذا التنظيم من رحم “القاعدة” واستثمر فيه، ليس له مصلحة في محاربته قبل أن يحقق من خلاله كل أهدافه التخريبية المعروفة، حتى لو تطلب الأمر أكثر من عقد من الزمن، وها هي تقديرات الخبراء اليوم تتحدث عن مدة لا تقل عن 14 سنة قادمة، وفق ما يتوهمون، وها هو الجنرال ‘ويسلي كلارك’ القائد الأعلى الأسبق لحلف شمال الأطلسي، يكشف لمحطة CNN الأسبوع الماضي، أن “الدولة الإسلامية” (داعش)، “أنشأها أصدقاؤنا وحلفاؤنا للتغلب على حزب الله”، بسبب عجز “إسرائيل” عن القيام بالمهمة سنة 2006.

 

لا نشك في أن ما قاله الجنرال ‘كلارك’ يعتبر صحيحا بالنسبة لحزب الله، الأمر الذي يؤكد أن الهدف الإستراتيجي الكبير من وراء كل هذه الفوضى الهدامة هو حماية أمن واستقرار “إسرائيل”، كما أكد سماحة السيد في أكثر من خطاب ومناسبة، وهو ما دفع بإدارة أوباما لتعميم هذا الخيار، وفق ما تبين من مسار الأحداث وتطوراتها الدراماتيكية، ليشمل كل مكونات محور المقاومة، من سورية إلى العراق إلى اليمن، هذا علما أن سورية تكتسي من الناحية الإستراتيجية أهمية أكثر خطورة من حزب الله، لأنها قلب الأمة العربية، والحلقة المركزية لمحور المقاومة والممانعة، والعمق الإستراتيجي لحزب الله وإيران، والمنفذ الوحيد المتبقي لروسيا الاتحادية نحو المياه الدافئة، وهو ما يفسر طبيعة الحرب الكونية الدائرة في وعلى سورية منذ أربع سنوات ولا تزال..

 

وبالتالي، من غير المستبعد وفق ما توشي به تطورات الأحداث وتسارعها، أن يكون حزب الله مستهدفا في الأسابيع القليلة المقبلة من قبل الإرهاب وفق ما هو متوقع، في ظل عجز “إسرائيل” عن القيام بأية مغامرة عسكرية في لبنان، قد تنعكس عليها دمارا في العمران، وخسائر فادحة في الأرواح، وكوارث سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وهزيمة نفسية ومعنوية مذلة تفوق في تداعياتها حرب 2006 بكثير، خصوصا بعد أن غير حزب الله قواعد اللعبة ومعادلات الاشتباك، الأمر الذي اضطر الكيان الصهيوني المجرم للعودة إلى إستراتيجية القرون الوسطى، لحماية نفسه ببناء سور عازل على طول الحدود اللبنانية، وتوسل عودة قوات حفظ السلام إلى الجولان المحتل بعد سقوط الجدار الوهمي العازل الذي أقامه خلال سنوات من زبالة عناصر “النصرة” وأخواتها، وكذلك فعلت السعودية على الحدود اليمنية والعراقية أيضا واستقدمت جحافل من جيوش مصر والأردن لحماية حدودها، وهذا هو منطق الجبناء الذين لا يملكون خيارا غير الاستنجاد بمظلة الغير.

 

وفي ما له علاقة بسورية، هناك ضبابية في الرؤية، ليس لدى الإدارة الأمريكية فحسب، بل ولدى حلفائها الأوروبيين وأدواتها العرب، ففي ما تتحدث تقارير أمريكية صادرة عن شبكة المسائل الجيوسياسية التي تعتبر الناطق الإعلامي باسم لوبي الصناعات الحربية الأمريكية، بضرورة أن تغير أمريكا سياستها تجاه سورية لأن سقوط الرئيس الأسد سيكون له ارتدادات كارثية على المنطقة برمتها، خصوصا على “إسرائيل”، وتنصح بالتحالف مع الأسد، يصر اللوبي الصهيوني مناصري “إسرائيل” والسعودية من الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي، وعلى رأسهم ‘جون ماكين’ على ضرورة الاستمرار في مشروع تدمير سورية من قبل “داعش” وأخواتها حتى إسقاط النظام وتقسيم البلد.

 

لكن مثل هذا الخيار الذي يقترحه لوبي الصناعات العسكرية، يفترض التحالف مع سورية وإيران أيضا لمحاربة الإرهاب في المنطقة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني، لكن بالمقابل، ثمل هذا الخيار يثير قلق “إسرائيل” والسعودية وتركيا والأردن ومشيخات الخليج، الذين ربطوا مصيرهم بسقوط النظام في سورية، وهم مستعدون لإفشال أي توجه معاكس لهذا الخيار، خصوصا بعد أن أصبح الحبل الحبل الإيراني يطوق إسرائيل من الشمال والغرب ومن الداخل، ويحاصر السعودية من الجنوب والشمال بعد سقوط هيمنتها في اليمن.

 

وتوشي التطورات الأخيرة في المنطقة، أن أوباما غير مستعد لتغيير سياسة إدارته 180 درجة في الشأن السوري، لكنه لا يريد أن يتورط عسكرا في عملية إسقاط النظام في دمشق نظرا لمخاطر ذلك على المنطقة برمتها، خصوصا بعد المناورات الإيرانية التي كانت رسالة واضحة موجهة للإدارة الأمريكية في هذا الاتجاه بعد تزايد الحديث عن قرب انطلاق حرب برية في العراق وسورية انطلاقا من منصة الكويت، وتزامنها مع تصريح وزير خارجية روسيا ‘سيرغي لافروف’ الذي حذر من أي مغامرة عسكرية تستهدف سورية.

 

ومنبع القلق الإيراني والروسي يعود لزيارة وزير الدفاع الأمريكي الجديد ‘أشتون كارتر’ الأخيرة إلى الكويت، واجتماعه بقيادات عسكرية أطلسية وعربية ولقائه بالجنود الأمريكيين، وإعلانه عن قرار “الحلف” الدولي بالقضاء على “داعش” وهزيمتها، وفق ما قال، من دون استبعاد إرسال قوات أمريكية برية جديدة للمنطقة وفق التفويض الذي ناله أوباما من الكونجرس مؤخرا..

 

وعلى إثر هذا الإعلان، بدأت طبول الحرب تقرع بقوة في المنطقة، وتحدثت معلومات عن أن تحرير الموصل سيتم بقيادة الولايات المتحدة في شهر تموز/ يونيو المقبل، وأنه تم حتى الآن إعداد النواة الأولى لجيش بري مكون من 30 ألف جندي أطلسي وعربي، ويتوقع أن تشارك في الحملة قوات أردنية مؤلفة من 400 دبابة وضعت على الحدود مع العراق في انتظار ساعة الصفر، مدعومة بغطاء جوي وصاروخي كثيف، تشارك فيه حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول التي وصلت إلى الخليج مؤخرا، بمعية حاملة الطائرات الأمريكية المتمركزة هناك منذ مدة.

 

هذا برغم معارضة الحكومة العراقية لأي تدخل بري أجنبي على أراضيها، وإصرارها على تحرير الموصل بجيشها المدعوم من الحشد الشعبي ومستشارين من الحرس الثوري وحزب الله، مع اقتصار دور البشمركة على حماية حدود كردستان الجنوبية مع الموصل، وإعلانها عن انطلاق الحملة في غضون أسابيع (أبريل/نيسان المقبل)، غير أن أمريكا تمارس ضغوطا شديدة على السيد العبادي لثنيه عن ذلك، وقد قامت بتسريب معلومات عن الحملة للإعلام لإفشالها، وكثفت من طلعاتها لتزويد “داعش” بالسلاح والمؤن بشكل يومي، أسفر عن إسقاط القوات العراقية الأسبوع الماضي لطائرتين بريطانيتين كانتا تلقيان السلاح خلسة لمجاميع الإرهابيين، وتقدمت بغداد بشكوى رسمية لمجلس الأمن في هذا الصدد أمام صمت الحكومة البريطانية المخجل.

 

وهو الأمر الذي استدعى انتقال الجنرال قاسم سليماني على عجل من الجنوب السوري إلى العراق، حيث تم الإعلان وبشكل مفاجئ عن انطلاق الحملة العسكرية لتحرير تكريت وتطهير محافظة صلاح الدين بالكامل في ظرف أسبوع، وقد حققت الحملة حتى الآن نتائج لم تكن تتصورها الإدارة الأمريكية التي لم تشارك فيها بالطلعات الجوية، بحيث تولى الطيران العراقي مهمة تغطية الجيش والحشد الشعبي والصحوات السنية على الأرض.. وتفيد معلومات رسمية أن المعركة التالية ستكون تحرير الموصل ومختلف مناطق محافظة نينوى التي تعتبر المعقل الرئيس لدولة “داعش” الوهمية في العراق، كما وتؤكد معلومات ميدانية عراقية أن قيادات “داعش” هربوا أسرهم للرقة السورية، حيث يعتزمون التجمع في جال سقطت الموصل، ما يجعل من مهمة القائد السوري الأسطورة ‘النمر’ الذي يقاتل في الشمال مهمة مضاعفة، لأن لتوجه “داعش” من العراق إلى الشمال السوري هدف يخدم المشروع الأمريكي الجديد في سورية..

 

وتفيد معلومات نشرها موقع ‘عربي برس’ هذا الأسبوع، أن القيادة السعودية سألت خلال اجتماع سري منسق التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب عن عدد الحشد الشعبي المشارك في القتال ضد ”داعش” في العراق، فأحاب المسؤول الأمريكي: 700 ألف مقاتل، الأمر الذي أثار الرعب لدى حكام الرياض، بعد أن أدركوا أن لا قبل لهم بهذا الجيش الشعب الذي لا نظير له في العالم، هذا علما أن لإيران جيش من المتطوعين الباسيج يقدر عديده وفق تصريح رسمي لقائده قبل أسابيع بـ 22 مليون مقاتل مدرب ومسلح ورهن إشارة الإمام، ولا نتحدث عن الحرس الثوري..

 

ومؤخرا، بدأت تظهر خلفيات الإصرار الأمريكي على قيادة حملة تحرير الموصل بدل القوات العراقية، ويبدو أن الهدف الأساس من الحملة الجديدة وفق ما بدأ يتكشف، هو وضع اليد على العراق لإقامة قواعد عسكرية وإنشاء إقليم سني في إطار مشروع التقسيم المخطط للبلاد، بالإضافة لتحقيق نصر استراتيجي سريع وحاسم في العراق الذي تعتبره أمريكا اليوم أولوية قصوى قبل المرور لإسقاط النظام في سورية، وذلك لأسباب ثلاث:

 

الأول، أن يستغل أوباما هذا النصر الإستراتيجي الكبير كورقة سياسية لدعم حزبه في الحملة الانتخابية الرئاسية المقبلة، بعد خسارة الديموقراطيين للكونجرس بمجلسيه، حيث يسيطر الحزب الجمهوري الصهيوني على ثلثي المقاعد، ويهيمن على القرار السياسي الداخلي.

 

الثاني، استباق الحملة العراقية لتحرير الموصل من قبل الجيش العراقي والحشد الشعبي بمشاركة الحلفاء، خصوصا بعد أن أعلن العراق أن الجيش أصبح جاهزا للمعركة، وتخوف أمريكا والسعودية والكويت والأردن، من أن تضطر “داعش” تحت جحيم النيران وتكتيكات حرب العصابات التي يتقنها محور المقاومة، من التوجه نحو الجنوب، ما يهدد الأردن والكويت والسعودية بأخطار داهمة، وهو ما أشار إليه الخبير الروسي ‘نعومكن’ مؤخرا بالقول، إن “داعش” يبدي اهتماما جديا بالساحة الأردنية كأولوية، وأنه في حال قررت أنقرة خنقه من متنفس الشمال، فإن له ما يناهز 3000 عنصر منضوي في خلايا نائمة في تركيا، يمكنها ساعة الحقيقة تفجير بلاد الأناضول وقلب الطاولة على ارد وغان داعمها الرئيس.

 

ومن هنا يفهم قول رئيس المخابرات الأمريكية ‘جيمس كلابر’ قبل يومين، بأن محاربة “داعش” ليست من أولوية الحكومة التركية. كما أن قرار نقل رفات جد العثمانيين سليمان شاه مؤخرا من موقعه لمكان يبعد 180 متر فقط من الحدود التركية، فسر على أنه محاولة استباقية لقرار أردوغان بالتورط عميقا في مشروع إسقاط النظام السوري من مدخل تعويم جبهة النصرة، مع فتح المجال لمن يرغب من عناصر “داعش” في الانخراط بمنظومة “المعارضة السورية المعتدلة” الجديدة، خصوصا بعد ورود معلومات عن أن بعض المجموعات أصبحت خارج سيطرة ‘أبو بكر البغدادي’، وهو ما يهدد “داعش” بالتفكك بعد الانهيارات الكبيرة التي برزت مؤخرا في صفوفها، وبعد تصفية العديد من قياداتها الميدانية، وهروب عديد العناصر وعودتها لبلدانها، وتشجيع تركيا وقطر لعناصر أخرى بالتوجه إلى اليمن.

 

الثالث، محاولة الضغط على “داعش” لإجبارها على الخروج من الموصل والتمركز في الشرق والشمال السوري لمواجهة الجيش العربي السوري هناك، بعد أن لم يعد لها من دور تقوم به في العراق، أي أننا سنشهد في المرحلة المقبلة إعادة انتشار وتوزيع وإعادة تعويم لـ”داعش”، ومحاربة من يرفضون من عناصرها التأقلم مع الخطة الجديدة، حيث سيكون لتركيا دورا كبيرا تلعبه في الشمال السوري، في إطار الحلف الجديد مع السعودية ومشيخات الخليج والأردن و”إسرائيل” من الباطن، وتسعى الرياض لإقناع القاهرة بالانضمام لهذا الحلف “الصهيو – عربي” الجديد في مواجهة إيران ومحور المقاومة، مقابل استمرار الدعم المالي والسياسي لنظام السيسي، غير أن مصر تعارض مثل هذا التوجه وفق ما يتبين من مواقف ‘السيسي’ حتى الآن على الأقل.

 

ووفق السيناريو الجديد، من الواضح أن إستراتيجية أوباما الجديدة إن صح لنا تسميتها كذلك، تقتضي تدخل أمريكا وحلفائها وأدواتها بشكل استباقي بريا وجويا لتحرير الموصل، بهدف الضغط على “داعش” وإعادة توجيهها نحو الحدود الشرقية بدل الجنوبية، أي سورية، وليس للقضاء عليها، وذلك لإفشال هدف الجيش العربي السوري وحلفائه بإسقاط حمص والتوجه بعد ذلك إلى دير الزور والحسكة والرقة وكل مناطق الشمال لضبط الحدود مع تركيا، بعد النجاحات الكبيرة التي حققها بمعية حلفائه في الجبهة الجنوبية في مثلث ريف دمشق الجنوبي – القنيطرة – درعا..وهو الحراك الذي اتخذ بقرار إستراتيجي في طهران، قضى بسرعة الحسم مع الإرهاب في الجنوب والشمال، ما يؤكد أن محور المقاومة في صورة ما تخطط له أمريكا بالنسبة لسورية.

 

قد لا ننتظر طويلا لمعرفة تفاصيل ما حضرت له “السعودية” في اجتماع الرياض مع السيسي ومع أردوغان هذا الأسبوع، حيث تم بحث كافة أوجه التآمر وفق الخطة الأمريكية الجديدة، والأثمان التي ستدفعها الرياض لأنقرة مقابل دورها المرتقب في العراق وفي سورية تحت بند “تدريب المعارضة المعتدلة”، بل وفي اليمن أيضا وفق ما رشح من تسريبات إعلامية.

 

والمثير في الأمر، هو تصريح منسق التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي قال الثلاثاء في تصريح موحي: “أمريكا ستدافع عن المعارضة السورية التي ستدربها وتسلحها”.. وهنا بيت القصيد، ما يوشي بأن الصدام مع الجيش العربي السوري الذي لا يسعه إلا محاربة المسلحين لأي جهة انتموا باعتبار أن كل من يحمل السلاح ضد الدولة إرهابي، صدام آت لا محالة، وهو ما يكشف حقيقة الدور التركي المرتقب في المرحلة المقبلة التي ستكون مرحلة تعويم الإرهابيين تحت مسمى “المعارضة المعتدلة المسلحة”، لتكتمل المؤامرة..

 

ووفق ما يتبين من هذه المعطيات، أن هناك خطة للتحالف الدولي تقضي باستهداف الجيش العربي السوري، وذلك من مدخل مساعدة مجاميع الإرهابيين تحت مسمى “المعارضة المعتدلة” من احتلال مساحات واسعة على الأرض في الشمال والشرق السوري، ما يعني حتما، الرهان على سحب ورقة محاربة الإرهاب التي يقول بها صادقا النظام السوري، وتحويلها إلى ورقة استهداف “الثوار” المعارضين للنظام، لإعادة شيطنته وتبرير قصفه..

 

هذه هي اللعبة باختصار.. وعلى ضوء ما سلف، نعتقد أن المنطقة ذاهبة لمزيد من التصعيد، وقد نرى مفاجآت جديدة من قبل محور المقاومة تخلط الأوراق برمتها، وخصوصا في اليمن، وتدفع الإدارة الأمريكية لمراجعة توقعاتها إن هي أرادت الحفاظ على الحد الأدنى من مصالحها في المنطقة.

 

وكلمة السر كما قلنا منذ بداية الأحداث في المنطقة، وكررنا ذلك في أكثر من مقالة، ولا نزال نذكر بها هي: “إسرائيل”.. وذلك من منطلق الحكمة الطبية القديمة القائلة: “وداوني بالتي كانت هي الداء”، وهو ما يدركه محور المقاومة حق الإدراك، لكنها الورقة الحاسمة التي كان يحتفظ بها لوقتها وظروفها، واليوم يبدو أنه آن أوانها، بدليل أن سماحة السيد رفع رسميا في خطابه ما قبل الأخير، ولأول مرة، شعار “الطريــق إلــى القــــدس”.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-03-06
  • 14136
  • من الأرشيف

السعوديــة تنتظـر سقـوط أوبامـا قبـل الأســد‎

تتناسل الأسئلة من قبل الخبراء والمحللين في الغرب والشرق حول أسباب هذه الفوضى العارمة التي تعصف بالمنطقة، وحول الهدف الحقيقي الذي تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقه في ظل كل هذا الانفلات الأمني وعدم الاستقرار، وتنامي التهديدات الإرهابية المنفلتة من كل عقال..   هذا في الوقت الذي يسعى أوباما لإبرام اتفاق نووي مع إيران من دون التخلي عن مشروع استهدافها من مدخل الإرهاب بعد تحجيم نفوذها في المنطقة، لصالح نفوذ “إسرائيل” مدعومة بالصهيونية العربية في كل من السعودية وتركيا ومصر والأٍردن ومشيخات الخليج، في ما أصبح يعرف بحلف “سنـي – صهيوني” لموازنة حلف إيران المقاوم والممانع.   وهناك اليوم شبه إجماع بين الخبراء العسكريين مفاده، أن ما تسميه أمريكا بالضربات الجوية الإستراتيجية ضد “داعش” لا معنى له ولا يمكن أن يؤدي إلى نتائج تذكر من دون قوة برية تغير موازين القوى على الأرض، كما وأن هناك شبه إجماع أيضا بين المراقبين الموضوعيين مؤداه، عدم وجود إرادة دولية حقيقية لمحاربة الإرهاب واجتثاثه، برغم قتله لمئات الآلاف من الضحايا الأبرياء، وتشريد الملايين من السكان الآمنين، وتخريب القيم الدينية السماوية، وتدمير المشترك الحضاري الإنساني، ومحاولة العودة بالمجتمعات العربية لعصر ما قبل الحضارة زمن الجاهلية الأولى.   وحده الرئيس الأمريكي يشعر بالاطمئنان في ظل الفوضى العارمة التي تعصف بالمنطقة، ويوصي منتقديه الذين لا يدركون أبعاد رؤيته بـ”الصبر الإستراتيجي”، والذي يعني حرفيا أن “النظام يولد من الفوضى”.. لكن النظام الذي يأمله أوباما يفضل أن يورث نتائجه الكارثية لخلفه الذي قد يكون جمهوريا، مثل ما تم توريثه نتائج الحروب الكارثية في أفغانستان والعراق، وهو ما أدركته السعودية وأصبحت تقول، أنه لا يجب انتظار سقوط الأسد بل رحيل أوباما..   وبهذا المعنى، فإن أفضل السيناريوهات التي يمكن توقعها للمنطقة في ظل نظرية أوباما للفوضى الشاملة، هو مزيد من عدم الاستقرار وامتداد الكوارث لتشمل كافة دول المنطقة العربية، لتحويلها إلى كيانات طائفية ومذهبية هجينة وتابعة، لا قدرة لها على العيش إلا في ظل الحماية والرعاية الصهيوأمريكية، بمن فيها السعودية التي تدفع من مقدرات شعبها ثمن الخراب، في سباق مع الزمن لتحويل المنطقة إلى مصحة للمجانين، والمفارقة أن السعودية تصر على تدمير الدول العربية وتمزيق شعوبها وتفتيت جغرافيتها باسم “التضامن العربي”، فيا للسخرية..   وحتى لا تتحول الحرب التي تقودها أمريكا ضد الحضارة العربية والإسلامية إلى صراع حضارات فتنقلب المجتمعات ضدها كما حدث في حرب الخليج الثانية ضد العراق سنة 2003، اختارت هذه المرة وبدهاء، أن تحولها إلى صراع داخل نفس الحضارة الإسلامية، لكن الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبه ‘أوباما’، هو حين قدم نفسه من حيث يدري أو لا يدري كمدافع عن الإسلام الصحيح ومحارب للإرهاب الذي يشوهه، فأنشأ حلفا أطلسيا – سنيا، ليختزل الإسلام في السنة بغية إشعال حرب سنية – شيعية، لكن ما حصل، أن الحرب تحولت إلى حرب “سنـية – سنـة” حين اعتبروا “داعش” التي لا دين لها، سنية العقيدة، وذهبت “السعودية” ومشيخات الزيت الدائرة في فلكها حد وصف احتلال “داعش” للموصل مثلا، “ثورة المظلوميــن السنــة”، فأتت النتائج بعكس الرغبة الصهيوأمريكية والأوهام السعودية.   وها هو “داعش” بعد تمرده على أسياده في العراق وسورية، يهدد الأردن والكويت والسعودية ومصر واليمن وليبيا وتونس والجزائر والمغرب بالاجتياح والذبح، ليتحول الصراع إلى حرب بين “الوهابية التكفيرية” و”سنــة” بقية المذاهب الكلاسيكية المعروفة، بهدف إلغائها وإعادة المجتمعات إلى حضيرة مدرسة “ابن تيميــة” الرجعية الظلامية التي استمد منها محمد بن عبد الوهاب (له من الله ما يستحقه) دينه الجديد.   ولعله بسبب حساسية موضوع الفتنة السنية – الشيعية التي كانت تخشاها إيران وتتجنب السقوط في فخها، وجدت الإدارة الأمريكية وأدواتها مساحة واسعة لتفخيخ مكونات محور المقاومة في كل من لبنان وسورية فالعراق واليمن مؤخرا، الأمر الذي جعل الإرهاب يطل برأسه من على مشارف الأراضي الإيرانية، وخصوصا من منصة العراق بعد سقوط الموصل ومناطق واسعة من المحافظات السنيـة، حيث الحاضنة الشعبية الطبيعية لـ”داعش” المشكلة بنسبة معتبرة من عناصر حزب البعث المنحل ومريدي الطريقة النقشبندية وعديد الصحوات التي شكلتها أمريكا قديما لمواجهة المكون الشيعي العراقي..   وفي هذا السياق، أعلنت طهران قبل أيام عن اعتقال خلية إرهابية تبين من التحقيقات الأولية أنها ممولة من قبل النظام الصهيوني في البحرين، وهناك حديث نقله ديبلوماسيون زاروا الرياض مؤخرا، وفق ما أوردته جريدة السفير الثلاثاء، أن أقطاب النظام في السعودية يفكرون جديا في اختراق الداخل الإيراني بالإرهاب، وذلك بواسطة المال الحرام واللعب على ما يعتقدون أنها تناقضات قائمة بين القوميات الثمانية التي تشكل النسيج المجتمعي الإيراني، غير أن اليقظة الأمنية الإيرانية تجعل من تنفيذ المشروع السعودي لهز الاستقرار في إيران أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا.   ومن العوامل التي ساعدت على نمو الوحش “داعش” وبلوغه الحجم الذي وصل إليه بسرعة قياسية، إعلان دولة “الخلافة” وتطبيق “الشريعة الوهابية” بالإضافة إلى المال والإعلام الخليجي، والسلاح الغربي، فتحول تنظيم “داعش” بقدرة قادر إلى قطب جاذب للمغامرين السدج من كل أصقاع الأرض، غير أنه حاد عن الهدف الذي أنشئ من أجله، بعد أن تعذر عليه إسقاط بغداد والمراقد المقدسة في النجف وكربلاء لإشعال حرب سنية شيعية في المنطقة، بسبب سرعة تجاوب إيران مع هذا الخطر الداهم ودعمها للعراق والأكراد في مواجهة تمدد السريع، هذا في الوقت الذي تقاعست واشنطن عن تقديم المساعدة للحكومة العراقية وفق الإتفاق الأمني الموقع بين البلدين، لنية في نفس يعقوب..   ومرد ذلك كما أصبح واضحا للجميع، أن من خلق هذا التنظيم من رحم “القاعدة” واستثمر فيه، ليس له مصلحة في محاربته قبل أن يحقق من خلاله كل أهدافه التخريبية المعروفة، حتى لو تطلب الأمر أكثر من عقد من الزمن، وها هي تقديرات الخبراء اليوم تتحدث عن مدة لا تقل عن 14 سنة قادمة، وفق ما يتوهمون، وها هو الجنرال ‘ويسلي كلارك’ القائد الأعلى الأسبق لحلف شمال الأطلسي، يكشف لمحطة CNN الأسبوع الماضي، أن “الدولة الإسلامية” (داعش)، “أنشأها أصدقاؤنا وحلفاؤنا للتغلب على حزب الله”، بسبب عجز “إسرائيل” عن القيام بالمهمة سنة 2006.   لا نشك في أن ما قاله الجنرال ‘كلارك’ يعتبر صحيحا بالنسبة لحزب الله، الأمر الذي يؤكد أن الهدف الإستراتيجي الكبير من وراء كل هذه الفوضى الهدامة هو حماية أمن واستقرار “إسرائيل”، كما أكد سماحة السيد في أكثر من خطاب ومناسبة، وهو ما دفع بإدارة أوباما لتعميم هذا الخيار، وفق ما تبين من مسار الأحداث وتطوراتها الدراماتيكية، ليشمل كل مكونات محور المقاومة، من سورية إلى العراق إلى اليمن، هذا علما أن سورية تكتسي من الناحية الإستراتيجية أهمية أكثر خطورة من حزب الله، لأنها قلب الأمة العربية، والحلقة المركزية لمحور المقاومة والممانعة، والعمق الإستراتيجي لحزب الله وإيران، والمنفذ الوحيد المتبقي لروسيا الاتحادية نحو المياه الدافئة، وهو ما يفسر طبيعة الحرب الكونية الدائرة في وعلى سورية منذ أربع سنوات ولا تزال..   وبالتالي، من غير المستبعد وفق ما توشي به تطورات الأحداث وتسارعها، أن يكون حزب الله مستهدفا في الأسابيع القليلة المقبلة من قبل الإرهاب وفق ما هو متوقع، في ظل عجز “إسرائيل” عن القيام بأية مغامرة عسكرية في لبنان، قد تنعكس عليها دمارا في العمران، وخسائر فادحة في الأرواح، وكوارث سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وهزيمة نفسية ومعنوية مذلة تفوق في تداعياتها حرب 2006 بكثير، خصوصا بعد أن غير حزب الله قواعد اللعبة ومعادلات الاشتباك، الأمر الذي اضطر الكيان الصهيوني المجرم للعودة إلى إستراتيجية القرون الوسطى، لحماية نفسه ببناء سور عازل على طول الحدود اللبنانية، وتوسل عودة قوات حفظ السلام إلى الجولان المحتل بعد سقوط الجدار الوهمي العازل الذي أقامه خلال سنوات من زبالة عناصر “النصرة” وأخواتها، وكذلك فعلت السعودية على الحدود اليمنية والعراقية أيضا واستقدمت جحافل من جيوش مصر والأردن لحماية حدودها، وهذا هو منطق الجبناء الذين لا يملكون خيارا غير الاستنجاد بمظلة الغير.   وفي ما له علاقة بسورية، هناك ضبابية في الرؤية، ليس لدى الإدارة الأمريكية فحسب، بل ولدى حلفائها الأوروبيين وأدواتها العرب، ففي ما تتحدث تقارير أمريكية صادرة عن شبكة المسائل الجيوسياسية التي تعتبر الناطق الإعلامي باسم لوبي الصناعات الحربية الأمريكية، بضرورة أن تغير أمريكا سياستها تجاه سورية لأن سقوط الرئيس الأسد سيكون له ارتدادات كارثية على المنطقة برمتها، خصوصا على “إسرائيل”، وتنصح بالتحالف مع الأسد، يصر اللوبي الصهيوني مناصري “إسرائيل” والسعودية من الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي، وعلى رأسهم ‘جون ماكين’ على ضرورة الاستمرار في مشروع تدمير سورية من قبل “داعش” وأخواتها حتى إسقاط النظام وتقسيم البلد.   لكن مثل هذا الخيار الذي يقترحه لوبي الصناعات العسكرية، يفترض التحالف مع سورية وإيران أيضا لمحاربة الإرهاب في المنطقة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني، لكن بالمقابل، ثمل هذا الخيار يثير قلق “إسرائيل” والسعودية وتركيا والأردن ومشيخات الخليج، الذين ربطوا مصيرهم بسقوط النظام في سورية، وهم مستعدون لإفشال أي توجه معاكس لهذا الخيار، خصوصا بعد أن أصبح الحبل الحبل الإيراني يطوق إسرائيل من الشمال والغرب ومن الداخل، ويحاصر السعودية من الجنوب والشمال بعد سقوط هيمنتها في اليمن.   وتوشي التطورات الأخيرة في المنطقة، أن أوباما غير مستعد لتغيير سياسة إدارته 180 درجة في الشأن السوري، لكنه لا يريد أن يتورط عسكرا في عملية إسقاط النظام في دمشق نظرا لمخاطر ذلك على المنطقة برمتها، خصوصا بعد المناورات الإيرانية التي كانت رسالة واضحة موجهة للإدارة الأمريكية في هذا الاتجاه بعد تزايد الحديث عن قرب انطلاق حرب برية في العراق وسورية انطلاقا من منصة الكويت، وتزامنها مع تصريح وزير خارجية روسيا ‘سيرغي لافروف’ الذي حذر من أي مغامرة عسكرية تستهدف سورية.   ومنبع القلق الإيراني والروسي يعود لزيارة وزير الدفاع الأمريكي الجديد ‘أشتون كارتر’ الأخيرة إلى الكويت، واجتماعه بقيادات عسكرية أطلسية وعربية ولقائه بالجنود الأمريكيين، وإعلانه عن قرار “الحلف” الدولي بالقضاء على “داعش” وهزيمتها، وفق ما قال، من دون استبعاد إرسال قوات أمريكية برية جديدة للمنطقة وفق التفويض الذي ناله أوباما من الكونجرس مؤخرا..   وعلى إثر هذا الإعلان، بدأت طبول الحرب تقرع بقوة في المنطقة، وتحدثت معلومات عن أن تحرير الموصل سيتم بقيادة الولايات المتحدة في شهر تموز/ يونيو المقبل، وأنه تم حتى الآن إعداد النواة الأولى لجيش بري مكون من 30 ألف جندي أطلسي وعربي، ويتوقع أن تشارك في الحملة قوات أردنية مؤلفة من 400 دبابة وضعت على الحدود مع العراق في انتظار ساعة الصفر، مدعومة بغطاء جوي وصاروخي كثيف، تشارك فيه حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول التي وصلت إلى الخليج مؤخرا، بمعية حاملة الطائرات الأمريكية المتمركزة هناك منذ مدة.   هذا برغم معارضة الحكومة العراقية لأي تدخل بري أجنبي على أراضيها، وإصرارها على تحرير الموصل بجيشها المدعوم من الحشد الشعبي ومستشارين من الحرس الثوري وحزب الله، مع اقتصار دور البشمركة على حماية حدود كردستان الجنوبية مع الموصل، وإعلانها عن انطلاق الحملة في غضون أسابيع (أبريل/نيسان المقبل)، غير أن أمريكا تمارس ضغوطا شديدة على السيد العبادي لثنيه عن ذلك، وقد قامت بتسريب معلومات عن الحملة للإعلام لإفشالها، وكثفت من طلعاتها لتزويد “داعش” بالسلاح والمؤن بشكل يومي، أسفر عن إسقاط القوات العراقية الأسبوع الماضي لطائرتين بريطانيتين كانتا تلقيان السلاح خلسة لمجاميع الإرهابيين، وتقدمت بغداد بشكوى رسمية لمجلس الأمن في هذا الصدد أمام صمت الحكومة البريطانية المخجل.   وهو الأمر الذي استدعى انتقال الجنرال قاسم سليماني على عجل من الجنوب السوري إلى العراق، حيث تم الإعلان وبشكل مفاجئ عن انطلاق الحملة العسكرية لتحرير تكريت وتطهير محافظة صلاح الدين بالكامل في ظرف أسبوع، وقد حققت الحملة حتى الآن نتائج لم تكن تتصورها الإدارة الأمريكية التي لم تشارك فيها بالطلعات الجوية، بحيث تولى الطيران العراقي مهمة تغطية الجيش والحشد الشعبي والصحوات السنية على الأرض.. وتفيد معلومات رسمية أن المعركة التالية ستكون تحرير الموصل ومختلف مناطق محافظة نينوى التي تعتبر المعقل الرئيس لدولة “داعش” الوهمية في العراق، كما وتؤكد معلومات ميدانية عراقية أن قيادات “داعش” هربوا أسرهم للرقة السورية، حيث يعتزمون التجمع في جال سقطت الموصل، ما يجعل من مهمة القائد السوري الأسطورة ‘النمر’ الذي يقاتل في الشمال مهمة مضاعفة، لأن لتوجه “داعش” من العراق إلى الشمال السوري هدف يخدم المشروع الأمريكي الجديد في سورية..   وتفيد معلومات نشرها موقع ‘عربي برس’ هذا الأسبوع، أن القيادة السعودية سألت خلال اجتماع سري منسق التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب عن عدد الحشد الشعبي المشارك في القتال ضد ”داعش” في العراق، فأحاب المسؤول الأمريكي: 700 ألف مقاتل، الأمر الذي أثار الرعب لدى حكام الرياض، بعد أن أدركوا أن لا قبل لهم بهذا الجيش الشعب الذي لا نظير له في العالم، هذا علما أن لإيران جيش من المتطوعين الباسيج يقدر عديده وفق تصريح رسمي لقائده قبل أسابيع بـ 22 مليون مقاتل مدرب ومسلح ورهن إشارة الإمام، ولا نتحدث عن الحرس الثوري..   ومؤخرا، بدأت تظهر خلفيات الإصرار الأمريكي على قيادة حملة تحرير الموصل بدل القوات العراقية، ويبدو أن الهدف الأساس من الحملة الجديدة وفق ما بدأ يتكشف، هو وضع اليد على العراق لإقامة قواعد عسكرية وإنشاء إقليم سني في إطار مشروع التقسيم المخطط للبلاد، بالإضافة لتحقيق نصر استراتيجي سريع وحاسم في العراق الذي تعتبره أمريكا اليوم أولوية قصوى قبل المرور لإسقاط النظام في سورية، وذلك لأسباب ثلاث:   الأول، أن يستغل أوباما هذا النصر الإستراتيجي الكبير كورقة سياسية لدعم حزبه في الحملة الانتخابية الرئاسية المقبلة، بعد خسارة الديموقراطيين للكونجرس بمجلسيه، حيث يسيطر الحزب الجمهوري الصهيوني على ثلثي المقاعد، ويهيمن على القرار السياسي الداخلي.   الثاني، استباق الحملة العراقية لتحرير الموصل من قبل الجيش العراقي والحشد الشعبي بمشاركة الحلفاء، خصوصا بعد أن أعلن العراق أن الجيش أصبح جاهزا للمعركة، وتخوف أمريكا والسعودية والكويت والأردن، من أن تضطر “داعش” تحت جحيم النيران وتكتيكات حرب العصابات التي يتقنها محور المقاومة، من التوجه نحو الجنوب، ما يهدد الأردن والكويت والسعودية بأخطار داهمة، وهو ما أشار إليه الخبير الروسي ‘نعومكن’ مؤخرا بالقول، إن “داعش” يبدي اهتماما جديا بالساحة الأردنية كأولوية، وأنه في حال قررت أنقرة خنقه من متنفس الشمال، فإن له ما يناهز 3000 عنصر منضوي في خلايا نائمة في تركيا، يمكنها ساعة الحقيقة تفجير بلاد الأناضول وقلب الطاولة على ارد وغان داعمها الرئيس.   ومن هنا يفهم قول رئيس المخابرات الأمريكية ‘جيمس كلابر’ قبل يومين، بأن محاربة “داعش” ليست من أولوية الحكومة التركية. كما أن قرار نقل رفات جد العثمانيين سليمان شاه مؤخرا من موقعه لمكان يبعد 180 متر فقط من الحدود التركية، فسر على أنه محاولة استباقية لقرار أردوغان بالتورط عميقا في مشروع إسقاط النظام السوري من مدخل تعويم جبهة النصرة، مع فتح المجال لمن يرغب من عناصر “داعش” في الانخراط بمنظومة “المعارضة السورية المعتدلة” الجديدة، خصوصا بعد ورود معلومات عن أن بعض المجموعات أصبحت خارج سيطرة ‘أبو بكر البغدادي’، وهو ما يهدد “داعش” بالتفكك بعد الانهيارات الكبيرة التي برزت مؤخرا في صفوفها، وبعد تصفية العديد من قياداتها الميدانية، وهروب عديد العناصر وعودتها لبلدانها، وتشجيع تركيا وقطر لعناصر أخرى بالتوجه إلى اليمن.   الثالث، محاولة الضغط على “داعش” لإجبارها على الخروج من الموصل والتمركز في الشرق والشمال السوري لمواجهة الجيش العربي السوري هناك، بعد أن لم يعد لها من دور تقوم به في العراق، أي أننا سنشهد في المرحلة المقبلة إعادة انتشار وتوزيع وإعادة تعويم لـ”داعش”، ومحاربة من يرفضون من عناصرها التأقلم مع الخطة الجديدة، حيث سيكون لتركيا دورا كبيرا تلعبه في الشمال السوري، في إطار الحلف الجديد مع السعودية ومشيخات الخليج والأردن و”إسرائيل” من الباطن، وتسعى الرياض لإقناع القاهرة بالانضمام لهذا الحلف “الصهيو – عربي” الجديد في مواجهة إيران ومحور المقاومة، مقابل استمرار الدعم المالي والسياسي لنظام السيسي، غير أن مصر تعارض مثل هذا التوجه وفق ما يتبين من مواقف ‘السيسي’ حتى الآن على الأقل.   ووفق السيناريو الجديد، من الواضح أن إستراتيجية أوباما الجديدة إن صح لنا تسميتها كذلك، تقتضي تدخل أمريكا وحلفائها وأدواتها بشكل استباقي بريا وجويا لتحرير الموصل، بهدف الضغط على “داعش” وإعادة توجيهها نحو الحدود الشرقية بدل الجنوبية، أي سورية، وليس للقضاء عليها، وذلك لإفشال هدف الجيش العربي السوري وحلفائه بإسقاط حمص والتوجه بعد ذلك إلى دير الزور والحسكة والرقة وكل مناطق الشمال لضبط الحدود مع تركيا، بعد النجاحات الكبيرة التي حققها بمعية حلفائه في الجبهة الجنوبية في مثلث ريف دمشق الجنوبي – القنيطرة – درعا..وهو الحراك الذي اتخذ بقرار إستراتيجي في طهران، قضى بسرعة الحسم مع الإرهاب في الجنوب والشمال، ما يؤكد أن محور المقاومة في صورة ما تخطط له أمريكا بالنسبة لسورية.   قد لا ننتظر طويلا لمعرفة تفاصيل ما حضرت له “السعودية” في اجتماع الرياض مع السيسي ومع أردوغان هذا الأسبوع، حيث تم بحث كافة أوجه التآمر وفق الخطة الأمريكية الجديدة، والأثمان التي ستدفعها الرياض لأنقرة مقابل دورها المرتقب في العراق وفي سورية تحت بند “تدريب المعارضة المعتدلة”، بل وفي اليمن أيضا وفق ما رشح من تسريبات إعلامية.   والمثير في الأمر، هو تصريح منسق التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي قال الثلاثاء في تصريح موحي: “أمريكا ستدافع عن المعارضة السورية التي ستدربها وتسلحها”.. وهنا بيت القصيد، ما يوشي بأن الصدام مع الجيش العربي السوري الذي لا يسعه إلا محاربة المسلحين لأي جهة انتموا باعتبار أن كل من يحمل السلاح ضد الدولة إرهابي، صدام آت لا محالة، وهو ما يكشف حقيقة الدور التركي المرتقب في المرحلة المقبلة التي ستكون مرحلة تعويم الإرهابيين تحت مسمى “المعارضة المعتدلة المسلحة”، لتكتمل المؤامرة..   ووفق ما يتبين من هذه المعطيات، أن هناك خطة للتحالف الدولي تقضي باستهداف الجيش العربي السوري، وذلك من مدخل مساعدة مجاميع الإرهابيين تحت مسمى “المعارضة المعتدلة” من احتلال مساحات واسعة على الأرض في الشمال والشرق السوري، ما يعني حتما، الرهان على سحب ورقة محاربة الإرهاب التي يقول بها صادقا النظام السوري، وتحويلها إلى ورقة استهداف “الثوار” المعارضين للنظام، لإعادة شيطنته وتبرير قصفه..   هذه هي اللعبة باختصار.. وعلى ضوء ما سلف، نعتقد أن المنطقة ذاهبة لمزيد من التصعيد، وقد نرى مفاجآت جديدة من قبل محور المقاومة تخلط الأوراق برمتها، وخصوصا في اليمن، وتدفع الإدارة الأمريكية لمراجعة توقعاتها إن هي أرادت الحفاظ على الحد الأدنى من مصالحها في المنطقة.   وكلمة السر كما قلنا منذ بداية الأحداث في المنطقة، وكررنا ذلك في أكثر من مقالة، ولا نزال نذكر بها هي: “إسرائيل”.. وذلك من منطلق الحكمة الطبية القديمة القائلة: “وداوني بالتي كانت هي الداء”، وهو ما يدركه محور المقاومة حق الإدراك، لكنها الورقة الحاسمة التي كان يحتفظ بها لوقتها وظروفها، واليوم يبدو أنه آن أوانها، بدليل أن سماحة السيد رفع رسميا في خطابه ما قبل الأخير، ولأول مرة، شعار “الطريــق إلــى القــــدس”.  

المصدر : أحمد الشرقاوي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة