التصريحات التصعيدية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري حول اليمن، وتحميل مسؤولية التصعيد لإيران، أدخلت الفرحة إلى القلوب المحزونة في السعودية وتركيا و»إسرائيل»، 

 وذهب الكثيرون يغلّبون الرغبات على الوقائع، ويعتبرون التصريح علامة على فشل الاجتماع الذي ضمّ كيري إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ووصل بعضهم إلى التنبّؤ بمسار تنازلي لانهيار المفاوضات الأميركية – الإيرانية، والمعادلة هي أنّ إيران بالغت في تقدير مدى الحكمة الأميركية والصبر الأميركي على مشاغباتها، واستغلالها للغة الحوار، حتى فهمتها ضعفاً وراحت «تعربد» في المنطقة، حتى نفد صبر واشنطن، كما كتب أحد الإعلاميين النفطيين، وجاء وقت التغيير، متوقعاً ان تسمع إيران وترى ما يختلف عما سمعت ورأت خلال الأشهر التي مضت.

- في محاولة فهم حقيقة ما يجري، لا بدّ من طرح المعادلة البسيطة التالية، مهما كان حجم الدلال الأميركي للسعودية ودول الخليج، فمكانة «إسرائيل» تبقى بتسليم الجميع هي الأولى، ومهما كان الأذى اللاحق بالسعودية مما يجري في اليمن، فهو لا يلحق بالأمن السعودي مباشرة، ولا يعادل من الزاويتين ما يلحق من أذى بـ«إسرائيل»، خصوصاً عندما يكون أذى لأمنها المباشر كما هو حال عملية المقاومة في مزارع شبعا، والرسالة التي تضمّنتها على مستوى تغيير قواعد الاشتباك، وهو تغيير يبدو محققاً ومثبتاً لدى أيّ مراقبة لما يجري في جنوب سورية، وفي المقابل مهما كان حجم علاقة التيار الحوثي اليمني بإيران فهي علاقة لا ترقى إلى مستوى علاقة إيران بحزب الله، ومهما كان التأويل لدور هذه العلاقة الإيرانية بالحوثيين في صياغة مواقفهم، وما يسمّيه كيري بتقويض السلطة في اليمن، فإنّ العلاقة الإيرانية التي شجعت المقاومة على عملية مزارع شبعا ووظيفتها الردعية، أو المزلزلة كما وصفها القادة الإيرانيون، علنية ومثبتة، وبالقياس الطبيعي، عندما تقرّر واشنطن أنّ إيران تستثمر المفاوضات للإخلال بالتوازنات الحاكمة للشرق الأوسط، فإنّ أول ما يحضرها هو ميزان الردع «الإسرائيلي» المصاب والمهشم بقوة المقاومة المدعومة علناً لهذا الغرض بالتحديد من قبل إيران، والأكيد أنّ وضع المفاوضات مع إيران على بساط البحث، والتفكير بجعلها في كفة موازية لتوازنات المنطقة، يجعل الأمن «الإسرائيلي» متفوّقاً على الأمن الخليجي، ومكانة حزب الله متقدمة على مكانة التيار الحوثي، ومردود الربط بأمن «إسرائيل» مربح أميركياً أكثر بكثير من الربط باليمن، فما الذي جرى عندما وقعت غارة القنيطرة وبعدها عملية مزارع شبعا، الذي جرى ببساطة أنّ طهران على مختلف مستوياتها القيادية قالت، إنّ «إسرائيل» خرقت خطوطاً حمراً ولا بدّ من أن تدفع الثمن، وأنّ المقاومة ستذيقها مرّ أفعالها، وأنّ رداً مزلزلاً في الطريق، وعندما وقعت عملية مزارع شبعا سارعت واشنطن إلى القول إنّ العملية موجعة لكنها لا تستدعي حرباً، ويكفي أن نتخيّل تبادل المواقف والمواقع، فنتخيّل أن يقول الإيرانيون بعد غارة القنيطرة أنها عملية موجعة ولكنها لا تستحق حرباً، وان يقول الأميركيون بعد عملية مزارع شبعا، لقد تمّ تخطي خطوط حمر ولا بدّ من ان يدفع حزب الله الثمن؟

 

- السؤال الثاني، هو ماذا سيترتب على كلام كيري عن المسؤولية الإيرانية عما يجري في اليمن، الدعوة إلى تجريد حملة عسكرية لتأديب إيران، أو حملة عقوبات، أو الدعوة إلى تشكيل حلف عسكري لإعادة فرض سلطة منصور هادي بالقوة، والكلّ يعلم أنّ الذهاب إلى مجلس الأمن عندما يتصل الأمر بإيران سوف يصطدم بفيتو روسي وصيني لاتصاله بالتوازانات الحاكمة في العالم وليس في المنطقة فقط، وهو فيتو جرى إثبات حضوره في الملف السوري، مراراً، فكيف بالحال مع إيران، أما التحرك من خارج مجلس الأمن، فالسؤال هو أنه إذا كانت هذه العزيمة وتلك القدرة متوافرتين، في واشنطن، أليس الأفضل والأسهل والأهمّ والأشدّ حيوية، وقدرة على الحشد وتوسيع الحلفاء، لاستخدام هذه العزيمة وتلك القدرة في حالة سورية حيث تركيا جاهزة، أو في حالة حزب الله حيث «إسرائيل» تتمنى؟

 

- الواضح لكلّ ذي بصر وبصيرة، أنّ كلام كيري ليس مجرّد لفت نظر، وهذا كان ممكناً أن يحصل على هامش لقائه بظريف، لكنه يبدو ثمرة لهذا اللقاء وبداية تحضير لمعادلة، قوامها لا بدّ من التفاوض مع إيران لضمان استقرار اليمن، بعدما كثرت النصائح الأميركية، للسعودية للإسراع في التفاوض مع إيران حول ملفات المنطقة، وهو اليوم يقول ضمناً، طالما أنتم تقفلون قنوات الحوار مع إيران فلا تنتظروا الحلول من السماء، وسنسمع كيري يقول قريباً، الأزمة اليمنية خطر على الأمن القومي الأميركي بسبب انتشار «القاعدة» ولا بدّ من مؤتمر إقليمي دولي لحلّ الأزمة اليمنية، ونرى سلطنة عمان تبدي الاستعداد لاستضافة هذا المؤتمر، الذي تقول واشنطن إنه يجب أن يضمن مشاركة كلّ من السعودية وإيران، والأطراف اليمنية المتنازعة.

 

- أغبياء أم بسطاء أم مستعجلون… أم هي رغباتهم تسبق عقولهم… لا فرق، لأنّ كيري سيكون فرحاً أن تتوهّم تركيا والسعودية وخصوصاً «إسرائيل» أنّ الأمور تسير عكس ما هي فعلياً بين واشنطن وطهران، فتنقضي الأيام التي يريدها كيري، وربما ظريف أيضاً، حتى يتمّ التلاقي في منتصف طريق إقليمي يعلن بدء مسار التفاوض، أليست زيارة نتنياهو إلى واشنطن بعد أيام قليلة موضوعاً يستحق؟

 

  • فريق ماسة
  • 2015-02-24
  • 7031
  • من الأرشيف

هل يقلب كيري الطاولة على إيران من اليمن؟

التصريحات التصعيدية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري حول اليمن، وتحميل مسؤولية التصعيد لإيران، أدخلت الفرحة إلى القلوب المحزونة في السعودية وتركيا و»إسرائيل»،   وذهب الكثيرون يغلّبون الرغبات على الوقائع، ويعتبرون التصريح علامة على فشل الاجتماع الذي ضمّ كيري إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ووصل بعضهم إلى التنبّؤ بمسار تنازلي لانهيار المفاوضات الأميركية – الإيرانية، والمعادلة هي أنّ إيران بالغت في تقدير مدى الحكمة الأميركية والصبر الأميركي على مشاغباتها، واستغلالها للغة الحوار، حتى فهمتها ضعفاً وراحت «تعربد» في المنطقة، حتى نفد صبر واشنطن، كما كتب أحد الإعلاميين النفطيين، وجاء وقت التغيير، متوقعاً ان تسمع إيران وترى ما يختلف عما سمعت ورأت خلال الأشهر التي مضت. - في محاولة فهم حقيقة ما يجري، لا بدّ من طرح المعادلة البسيطة التالية، مهما كان حجم الدلال الأميركي للسعودية ودول الخليج، فمكانة «إسرائيل» تبقى بتسليم الجميع هي الأولى، ومهما كان الأذى اللاحق بالسعودية مما يجري في اليمن، فهو لا يلحق بالأمن السعودي مباشرة، ولا يعادل من الزاويتين ما يلحق من أذى بـ«إسرائيل»، خصوصاً عندما يكون أذى لأمنها المباشر كما هو حال عملية المقاومة في مزارع شبعا، والرسالة التي تضمّنتها على مستوى تغيير قواعد الاشتباك، وهو تغيير يبدو محققاً ومثبتاً لدى أيّ مراقبة لما يجري في جنوب سورية، وفي المقابل مهما كان حجم علاقة التيار الحوثي اليمني بإيران فهي علاقة لا ترقى إلى مستوى علاقة إيران بحزب الله، ومهما كان التأويل لدور هذه العلاقة الإيرانية بالحوثيين في صياغة مواقفهم، وما يسمّيه كيري بتقويض السلطة في اليمن، فإنّ العلاقة الإيرانية التي شجعت المقاومة على عملية مزارع شبعا ووظيفتها الردعية، أو المزلزلة كما وصفها القادة الإيرانيون، علنية ومثبتة، وبالقياس الطبيعي، عندما تقرّر واشنطن أنّ إيران تستثمر المفاوضات للإخلال بالتوازنات الحاكمة للشرق الأوسط، فإنّ أول ما يحضرها هو ميزان الردع «الإسرائيلي» المصاب والمهشم بقوة المقاومة المدعومة علناً لهذا الغرض بالتحديد من قبل إيران، والأكيد أنّ وضع المفاوضات مع إيران على بساط البحث، والتفكير بجعلها في كفة موازية لتوازنات المنطقة، يجعل الأمن «الإسرائيلي» متفوّقاً على الأمن الخليجي، ومكانة حزب الله متقدمة على مكانة التيار الحوثي، ومردود الربط بأمن «إسرائيل» مربح أميركياً أكثر بكثير من الربط باليمن، فما الذي جرى عندما وقعت غارة القنيطرة وبعدها عملية مزارع شبعا، الذي جرى ببساطة أنّ طهران على مختلف مستوياتها القيادية قالت، إنّ «إسرائيل» خرقت خطوطاً حمراً ولا بدّ من أن تدفع الثمن، وأنّ المقاومة ستذيقها مرّ أفعالها، وأنّ رداً مزلزلاً في الطريق، وعندما وقعت عملية مزارع شبعا سارعت واشنطن إلى القول إنّ العملية موجعة لكنها لا تستدعي حرباً، ويكفي أن نتخيّل تبادل المواقف والمواقع، فنتخيّل أن يقول الإيرانيون بعد غارة القنيطرة أنها عملية موجعة ولكنها لا تستحق حرباً، وان يقول الأميركيون بعد عملية مزارع شبعا، لقد تمّ تخطي خطوط حمر ولا بدّ من ان يدفع حزب الله الثمن؟   - السؤال الثاني، هو ماذا سيترتب على كلام كيري عن المسؤولية الإيرانية عما يجري في اليمن، الدعوة إلى تجريد حملة عسكرية لتأديب إيران، أو حملة عقوبات، أو الدعوة إلى تشكيل حلف عسكري لإعادة فرض سلطة منصور هادي بالقوة، والكلّ يعلم أنّ الذهاب إلى مجلس الأمن عندما يتصل الأمر بإيران سوف يصطدم بفيتو روسي وصيني لاتصاله بالتوازانات الحاكمة في العالم وليس في المنطقة فقط، وهو فيتو جرى إثبات حضوره في الملف السوري، مراراً، فكيف بالحال مع إيران، أما التحرك من خارج مجلس الأمن، فالسؤال هو أنه إذا كانت هذه العزيمة وتلك القدرة متوافرتين، في واشنطن، أليس الأفضل والأسهل والأهمّ والأشدّ حيوية، وقدرة على الحشد وتوسيع الحلفاء، لاستخدام هذه العزيمة وتلك القدرة في حالة سورية حيث تركيا جاهزة، أو في حالة حزب الله حيث «إسرائيل» تتمنى؟   - الواضح لكلّ ذي بصر وبصيرة، أنّ كلام كيري ليس مجرّد لفت نظر، وهذا كان ممكناً أن يحصل على هامش لقائه بظريف، لكنه يبدو ثمرة لهذا اللقاء وبداية تحضير لمعادلة، قوامها لا بدّ من التفاوض مع إيران لضمان استقرار اليمن، بعدما كثرت النصائح الأميركية، للسعودية للإسراع في التفاوض مع إيران حول ملفات المنطقة، وهو اليوم يقول ضمناً، طالما أنتم تقفلون قنوات الحوار مع إيران فلا تنتظروا الحلول من السماء، وسنسمع كيري يقول قريباً، الأزمة اليمنية خطر على الأمن القومي الأميركي بسبب انتشار «القاعدة» ولا بدّ من مؤتمر إقليمي دولي لحلّ الأزمة اليمنية، ونرى سلطنة عمان تبدي الاستعداد لاستضافة هذا المؤتمر، الذي تقول واشنطن إنه يجب أن يضمن مشاركة كلّ من السعودية وإيران، والأطراف اليمنية المتنازعة.   - أغبياء أم بسطاء أم مستعجلون… أم هي رغباتهم تسبق عقولهم… لا فرق، لأنّ كيري سيكون فرحاً أن تتوهّم تركيا والسعودية وخصوصاً «إسرائيل» أنّ الأمور تسير عكس ما هي فعلياً بين واشنطن وطهران، فتنقضي الأيام التي يريدها كيري، وربما ظريف أيضاً، حتى يتمّ التلاقي في منتصف طريق إقليمي يعلن بدء مسار التفاوض، أليست زيارة نتنياهو إلى واشنطن بعد أيام قليلة موضوعاً يستحق؟  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة