أثارت جريمة حرق تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً، الرأي العام العربي والعالمي،

لبشاعة الجريمة التي تضاف إلى سجل التنظيم، الذي تصدر لائحة المجموعات الإرهابية بعد مئات الجرائم المماثلة التي ارتكبها في العراق وسوريا، لكن ما لا يعرفه العالم، أو يعرفه ويتجاهله، أن «داعش» ليس سباقاً في جرائمه، فسوريا التي تعيش وقائع حرب دامية منذ حوالى أربع سنوات شهدت آلاف الجرائم المماثلة، والأكثر وطأة.

«الإحراق حيا» جريمة بشعة، صدّرها التنظيم للعالم عبر تسجيل هوليوودي متقن الإخراج، يحمل في طياته رسائل واضحة للعالم أجمع، مفادها أن التنظيم عازم «على متابعة مشروعه في المنطقة متحدياً كل العالم وقواته وأسلحته».

ولعل تصنيف أميركا والدول الغربية لـ «داعش» على أنه «إرهابي» ساهم بتسليط الضوء على التنظيم، خصوصا أن قوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة، تشن غارات متتالية على مواقعه، إضافة إلى ان عدم محاباة التنظيم للقوى الغربية وتنفيذ سلسلة إعدامات بحق صحافيين غربيين وآسيويين وتصوير عمليات الإعدام وتوزيعها، ساهمت بكل هذا الزخم الإعلامي ضده. لكن سجل من سبقه من جماعات مسلحة على الأرض السورية لا يختلف كثيراً عنه.

ففي مدينة الباب بريف حلب مثلاً، وفي آب العام 2012، وبعد سيطرة فصائل مسلحة تتبع لـ «الجيش الحر»، شهدت المدينة التي تحولت في ما بعد إلى معقل لتنظيم «داعش» جريمة لم يلتفت لها العالم حينها، حيث جمع عناصر «الجيش الحر» مجموعة من الموظفين في الدولة، وعدد من العناصر والضباط فوق مبنى البلدية (أعلى مباني المدينة)، وقاموا برميهم على مرأى من جميع سكان المدينة، وسط تهليل وترحيب من قبل الداعمين للمسلحين حينها، حيث لم تصنف هذه الجريمة في سجلات الجرائم العالمية.

وفي مدينة دير الزور في آب العام 2011، تناقلت وسائل الإعلام، على نطاق ضيّق، تسجيلاً مصوراً يظهر قيام مجموعة من المسلحين بتقطيع جثة عنصر أمن. التسجيل مر على عجالة، ولم يتوقف أحد عنده.

«أبو صقار»، المسلح الذي ظهر في ريف حمص وهو يقوم بتشريح جثة جندي سوري ويلوك كبده، تناقلته وسائل الإعلام أيضاً على عجالة لتطوى صفحته، من دون أية ردة فعل.

وفي حلب أيضاً، تم توثيق عشرات حالات الإعدامات وعمليات تنكيل وسحل، منها على سبيل المثال ما قام به مسلحو «لواء التوحيد»، وهو فصيل تعتبره القوى الغربية معتدلاً ويتبع إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، بحق رئيس قسم شرطة الصالحين العميد علي نصر، حيث تم سحله والتمثيل بجثته على مرأى سكان الحي. (https://www.youtube.com/watch?v=V8NLDfHLyeI)

أما عن الإحراق حيا، فقد شهدت سوريا عشرات الحالات المماثلة لمسلحين يقومون بإحراق عناصر من الجيش السوري، أو مواطنين متهمين بالوقوف إلى جانب الحكومة وتأييدهم لها، منها على سبيل المثال ما قامت به «كتيبة الأبابيل»، غير «الجهادية» في الغوطة الشرقية في تشرين الأول العام 2012 (رابط الفيديو https://www.youtube.com/watch?v=1Zg3QOBJTCk).

وسجل الجرائم، التي شهدتها سوريا منذ بداية الحرب وحتى الآن، مليء، من حلب إلى حمص إلى اللاذقية وصولاً إلى الشرق الذي يضم مئات المقابر الجماعية. وعاش المواطن السوري الجرائم بعيداً عن كاميرات الإعلام، الذي استنفر لجريمة «شارلي إيبدو»، وهلل لتفجير مبنى «الإخبارية» السورية وخطف المذيع السوري محمد سعيد وغيره من الصحافيين.

المواطن السوري الذي يراقب العالم اليوم حزين على الكساسبة، قد يسأل نفسه «ماذا عن آلاف الجرائم التي مرت على سوريا، ولماذا لم يحزن أحد كحزنه على الطيار الأردني؟»، ليس من باب الشماتة بحق الضابط الأردني الذي خرج لتنفيذ مهمة أوكل بها، فالسوري يعرف تماماً ذلك، ولكن من باب التذكير أن ما تعرض له الكساسبة، يتعرض له السوري كل يوم، وسط تجاهل العالم، أو حتى تصفيقه، في كثير من الحالات.

فماذا سيفعل العالم مثلاً إذا قام مسلحو «داعش» بأكل كبد جندي من قوات التحالف؟ أسئلة كثيرة يجد المواطن السوري نفسه مجبراً على تكرارها أمام الرأي العام العالمي، في العام الرابع على حرب اختارت منزله وأرضه ساحة لها.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-02-07
  • 11267
  • من الأرشيف

«الحرق حياً» في سورية.. ليس من ابتكار «داعش»!

أثارت جريمة حرق تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً، الرأي العام العربي والعالمي، لبشاعة الجريمة التي تضاف إلى سجل التنظيم، الذي تصدر لائحة المجموعات الإرهابية بعد مئات الجرائم المماثلة التي ارتكبها في العراق وسوريا، لكن ما لا يعرفه العالم، أو يعرفه ويتجاهله، أن «داعش» ليس سباقاً في جرائمه، فسوريا التي تعيش وقائع حرب دامية منذ حوالى أربع سنوات شهدت آلاف الجرائم المماثلة، والأكثر وطأة. «الإحراق حيا» جريمة بشعة، صدّرها التنظيم للعالم عبر تسجيل هوليوودي متقن الإخراج، يحمل في طياته رسائل واضحة للعالم أجمع، مفادها أن التنظيم عازم «على متابعة مشروعه في المنطقة متحدياً كل العالم وقواته وأسلحته». ولعل تصنيف أميركا والدول الغربية لـ «داعش» على أنه «إرهابي» ساهم بتسليط الضوء على التنظيم، خصوصا أن قوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة، تشن غارات متتالية على مواقعه، إضافة إلى ان عدم محاباة التنظيم للقوى الغربية وتنفيذ سلسلة إعدامات بحق صحافيين غربيين وآسيويين وتصوير عمليات الإعدام وتوزيعها، ساهمت بكل هذا الزخم الإعلامي ضده. لكن سجل من سبقه من جماعات مسلحة على الأرض السورية لا يختلف كثيراً عنه. ففي مدينة الباب بريف حلب مثلاً، وفي آب العام 2012، وبعد سيطرة فصائل مسلحة تتبع لـ «الجيش الحر»، شهدت المدينة التي تحولت في ما بعد إلى معقل لتنظيم «داعش» جريمة لم يلتفت لها العالم حينها، حيث جمع عناصر «الجيش الحر» مجموعة من الموظفين في الدولة، وعدد من العناصر والضباط فوق مبنى البلدية (أعلى مباني المدينة)، وقاموا برميهم على مرأى من جميع سكان المدينة، وسط تهليل وترحيب من قبل الداعمين للمسلحين حينها، حيث لم تصنف هذه الجريمة في سجلات الجرائم العالمية. وفي مدينة دير الزور في آب العام 2011، تناقلت وسائل الإعلام، على نطاق ضيّق، تسجيلاً مصوراً يظهر قيام مجموعة من المسلحين بتقطيع جثة عنصر أمن. التسجيل مر على عجالة، ولم يتوقف أحد عنده. «أبو صقار»، المسلح الذي ظهر في ريف حمص وهو يقوم بتشريح جثة جندي سوري ويلوك كبده، تناقلته وسائل الإعلام أيضاً على عجالة لتطوى صفحته، من دون أية ردة فعل. وفي حلب أيضاً، تم توثيق عشرات حالات الإعدامات وعمليات تنكيل وسحل، منها على سبيل المثال ما قام به مسلحو «لواء التوحيد»، وهو فصيل تعتبره القوى الغربية معتدلاً ويتبع إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، بحق رئيس قسم شرطة الصالحين العميد علي نصر، حيث تم سحله والتمثيل بجثته على مرأى سكان الحي. (https://www.youtube.com/watch?v=V8NLDfHLyeI) أما عن الإحراق حيا، فقد شهدت سوريا عشرات الحالات المماثلة لمسلحين يقومون بإحراق عناصر من الجيش السوري، أو مواطنين متهمين بالوقوف إلى جانب الحكومة وتأييدهم لها، منها على سبيل المثال ما قامت به «كتيبة الأبابيل»، غير «الجهادية» في الغوطة الشرقية في تشرين الأول العام 2012 (رابط الفيديو https://www.youtube.com/watch?v=1Zg3QOBJTCk). وسجل الجرائم، التي شهدتها سوريا منذ بداية الحرب وحتى الآن، مليء، من حلب إلى حمص إلى اللاذقية وصولاً إلى الشرق الذي يضم مئات المقابر الجماعية. وعاش المواطن السوري الجرائم بعيداً عن كاميرات الإعلام، الذي استنفر لجريمة «شارلي إيبدو»، وهلل لتفجير مبنى «الإخبارية» السورية وخطف المذيع السوري محمد سعيد وغيره من الصحافيين. المواطن السوري الذي يراقب العالم اليوم حزين على الكساسبة، قد يسأل نفسه «ماذا عن آلاف الجرائم التي مرت على سوريا، ولماذا لم يحزن أحد كحزنه على الطيار الأردني؟»، ليس من باب الشماتة بحق الضابط الأردني الذي خرج لتنفيذ مهمة أوكل بها، فالسوري يعرف تماماً ذلك، ولكن من باب التذكير أن ما تعرض له الكساسبة، يتعرض له السوري كل يوم، وسط تجاهل العالم، أو حتى تصفيقه، في كثير من الحالات. فماذا سيفعل العالم مثلاً إذا قام مسلحو «داعش» بأكل كبد جندي من قوات التحالف؟ أسئلة كثيرة يجد المواطن السوري نفسه مجبراً على تكرارها أمام الرأي العام العالمي، في العام الرابع على حرب اختارت منزله وأرضه ساحة لها.  

المصدر : السفير / علاء حلبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة