لطالما سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى حضور نافذ في الشرق الأوسط، في عدة ملفات، وعادة ما تكون الملفات عبارة عن دول تعرف واشنطن جيداً أهمية حضورها ونفوذها فيها، ويمكن أن توفره لها من أجل الحفاظ على مصالحها، وفي طليعتها النفط وأمن «إسرائيل».

نجحت الولايات المتحدة في إثبات إمساكها بتفاصيل أكثر من ملف، ما مكّنها من التدخل في الصغيرة والكبيرة في كبرى دول الشرق الأوسط، وأبرزها بعض دول الخليج ومصر والأردن، فكانت تلك الدول تؤمّن لها مصالحها، في مقابل تثبيت دعائم وركائز أنظمة الحكم فيها.

هذا التدخل الذي يشبه النفوذ المطلق، لا تستخدمه الولايات المتحدة منفردة بل تقتسمه مع حلفائها في لعبة مصالح مشتركة، فيتمّ على أساسه اقتسام حصص أو ثروات أو تنصيب رؤساء، كله تحت إطار تكثيف التعاون بين واشنطن وحلفائها من أجل تشكيل تكتل دولي قوي في وجه أي متغيّر يمسّ بالمصالح الكبرى.

لطالما جيّرت الولايات المتحدة نفوذها ومكتسباتها لصالح «إسرائيل» في شكل مطلق، وخصوصاً في كلّ ما يُسمّى مكاسب لوجستية أو استراتيجية تندرج في سياق التبادل الاستخباري من أجل حماية أمن «إسرائيل».

تبقى الدول المجاورة لفلسطين المحتلة التي أقام على أرضها العدو كيانه الغاصب، البقعة الجغرافية الأهمّ بالنسبة إلى الأميركيين، وبالنسبة إلى «إسرائيل» فإنّ ضمان أمنها لا يبدأ سوى بعد الاطمئنان إلى أنّ كلّ هذا الجوار يخضع لرقابتها واستخباراتها وتدخلها عبر حلفائها في ما يجري من متغيّرات في عملية تبادل السلطة فيه فتطمئنّ، وإلا فإنها لا تتوانى عن اختلاق الفرص والسعي إلى إدخال العين «الإسرائيلية» إليه.

سورية هي الدولة الوحيدة التي بقيت خارج هذا الإطار، فهي لم تقع تحت المظلة الأميركية، وإنْ كانت هناك محطات سياسية أساسية وأحداث نتجت عن مفاوضات ولقاءات بين سورية وأميركا تتعلق بكبرى قضايا الشرق الأوسط منذ عقود، إلا أنّ الولايات المتحدة لم تكن مرتاحة يوماً أو مطمئنة إلى أنّ نظام الحكم في سورية في قبضتها، وبالتالي فإنّ منسوب القلق «الإسرائيلي» من سورية يرتفع تدريجياً.

أيقنت واشنطن وتل أبيب أخيراً أنّ دمشق خارجة تماماً عن الصف الأميركي، وخصوصاً منذ صعود حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبداية العلاقة السورية بإيران، التي كانت، على ما يبدو، علاقة تنمو على نار هادئة حتى أنتجت بعد سنوات حلفاً متيناً عميقاً ناصر القضية الفلسطينية والمقاومة في لبنان إبان الاحتلال «الإسرائيلي» بكلّ ما للكلمة من معنى، وهذا كله عبر ضخ هذا الحلف كافة أنواع الدعم لحركات المقاومة، عبر سورية، في خطة استراتيجية مدروسة أسّست لما يجري الآن.

إنّ فشل أميركا ومعها الغرب و»إسرائيل» في إسقاط الدولة السورية، أو كما يقولون نظام الرئيس بشار الأسد، هو «نقطة سوداء» في عمر السياسات الغربية وخصوصاً واشنطن التي تعني إزاحة الأسد بالنسبة إليها نجاحاً مبهراً وسطوة حتمية على ملفات المنطقة، وخصوصاً الملف الفلسطيني، فما يهمّ واشنطن هو أن تضع «إسرائيل» يدها على منافذ حدودها من الجهات كافة، اللبنانية والسورية والأردنية والمصرية، فترتاح أميركا وتدير ظهرها عن هذه المنطقة عسكرياً ولوجستياً باعتبار أنها وفرت لـ»إسرائيل» ما يحمي أمنها إلى ما لا نهاية.

ومع أنّ إزاحة الأسد باتت مستحيلة بالنسبة إلى الأميركيين بعد استنفاذ الفرص، ومع يقين واشنطن أنها أنهكت الدولة السورية في مكامن عدة، إلا أنها لم تعتبر حتى الساعة أنّ هذا الإنهاك غير قابل للإصلاح، وعليه فإنّ الاستسلام الأميركي تجاه بقاء الأسد لن يكون بالطريقة التي يرسم لها الروس والإيرانيون، على أقلّ تقدير، وبالتالي فإنّ إضعاف الحكم سياسياً مع بقاء الأسد هو الحلّ البديل للتدخل في سورية والتحكم بمقدّراتها ومصيرها. وكانت أميركا أخذت على عاتقها تسويق الحلّ السياسي اللبناني بعد الطائف أي بعد 15 عشر عاماً من حرب أهلية دامية أنتجت اتفاقاً يقسّم الحكم بين الطوائف، لم يثبت يوماً أنه الحلّ الجذري لمشاكل لبنان، ولم يثبت يوماً أنه قادرعلى توحيد ورصّ صفوف شعبه في مواجهة الأزمات الكبرى، إلا أنّ الولايات المتحدة تسوّق للحلّ اللبناني اليوم عن طريق الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا في شكل لافت، فترسل عبره إشارات مفادها أنّ الحلّ اللبناني «مدهش».

سورية التي شاركت في صنع هذا الحلّ، تعرف جيداً نقاط ضعفه وبالتالي لا يمكن للولايات المتحدة أن تعرض على المصمّم زيّاً كان من بين الذين فصّلوا خيوطه.

لا يمكن لواشنطن بسذاجة الاعتماد على رمزية الأخضر الإبراهيمي كمبعوث أممي يمكن من خلاله تسويق الغير مقبول ليصبح مقبولاً عند السوريين الذين يُعتبرون بالنسبة إلى كافة الفرقاء في لبنان «أساتذة في الحالة اللبنانية».

لا يمكن لسورية القبول بحلّ تعرف نقاط ضعفه ويستحيل أن تقع في هذا الفخ.

تسويق «الحلّ المدهش»… ضعيف.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-02-07
  • 13698
  • من الأرشيف

واشنطن تسوّق «حلاً مدهشاً» لأزمة سورية؟

لطالما سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى حضور نافذ في الشرق الأوسط، في عدة ملفات، وعادة ما تكون الملفات عبارة عن دول تعرف واشنطن جيداً أهمية حضورها ونفوذها فيها، ويمكن أن توفره لها من أجل الحفاظ على مصالحها، وفي طليعتها النفط وأمن «إسرائيل». نجحت الولايات المتحدة في إثبات إمساكها بتفاصيل أكثر من ملف، ما مكّنها من التدخل في الصغيرة والكبيرة في كبرى دول الشرق الأوسط، وأبرزها بعض دول الخليج ومصر والأردن، فكانت تلك الدول تؤمّن لها مصالحها، في مقابل تثبيت دعائم وركائز أنظمة الحكم فيها. هذا التدخل الذي يشبه النفوذ المطلق، لا تستخدمه الولايات المتحدة منفردة بل تقتسمه مع حلفائها في لعبة مصالح مشتركة، فيتمّ على أساسه اقتسام حصص أو ثروات أو تنصيب رؤساء، كله تحت إطار تكثيف التعاون بين واشنطن وحلفائها من أجل تشكيل تكتل دولي قوي في وجه أي متغيّر يمسّ بالمصالح الكبرى. لطالما جيّرت الولايات المتحدة نفوذها ومكتسباتها لصالح «إسرائيل» في شكل مطلق، وخصوصاً في كلّ ما يُسمّى مكاسب لوجستية أو استراتيجية تندرج في سياق التبادل الاستخباري من أجل حماية أمن «إسرائيل». تبقى الدول المجاورة لفلسطين المحتلة التي أقام على أرضها العدو كيانه الغاصب، البقعة الجغرافية الأهمّ بالنسبة إلى الأميركيين، وبالنسبة إلى «إسرائيل» فإنّ ضمان أمنها لا يبدأ سوى بعد الاطمئنان إلى أنّ كلّ هذا الجوار يخضع لرقابتها واستخباراتها وتدخلها عبر حلفائها في ما يجري من متغيّرات في عملية تبادل السلطة فيه فتطمئنّ، وإلا فإنها لا تتوانى عن اختلاق الفرص والسعي إلى إدخال العين «الإسرائيلية» إليه. سورية هي الدولة الوحيدة التي بقيت خارج هذا الإطار، فهي لم تقع تحت المظلة الأميركية، وإنْ كانت هناك محطات سياسية أساسية وأحداث نتجت عن مفاوضات ولقاءات بين سورية وأميركا تتعلق بكبرى قضايا الشرق الأوسط منذ عقود، إلا أنّ الولايات المتحدة لم تكن مرتاحة يوماً أو مطمئنة إلى أنّ نظام الحكم في سورية في قبضتها، وبالتالي فإنّ منسوب القلق «الإسرائيلي» من سورية يرتفع تدريجياً. أيقنت واشنطن وتل أبيب أخيراً أنّ دمشق خارجة تماماً عن الصف الأميركي، وخصوصاً منذ صعود حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبداية العلاقة السورية بإيران، التي كانت، على ما يبدو، علاقة تنمو على نار هادئة حتى أنتجت بعد سنوات حلفاً متيناً عميقاً ناصر القضية الفلسطينية والمقاومة في لبنان إبان الاحتلال «الإسرائيلي» بكلّ ما للكلمة من معنى، وهذا كله عبر ضخ هذا الحلف كافة أنواع الدعم لحركات المقاومة، عبر سورية، في خطة استراتيجية مدروسة أسّست لما يجري الآن. إنّ فشل أميركا ومعها الغرب و»إسرائيل» في إسقاط الدولة السورية، أو كما يقولون نظام الرئيس بشار الأسد، هو «نقطة سوداء» في عمر السياسات الغربية وخصوصاً واشنطن التي تعني إزاحة الأسد بالنسبة إليها نجاحاً مبهراً وسطوة حتمية على ملفات المنطقة، وخصوصاً الملف الفلسطيني، فما يهمّ واشنطن هو أن تضع «إسرائيل» يدها على منافذ حدودها من الجهات كافة، اللبنانية والسورية والأردنية والمصرية، فترتاح أميركا وتدير ظهرها عن هذه المنطقة عسكرياً ولوجستياً باعتبار أنها وفرت لـ»إسرائيل» ما يحمي أمنها إلى ما لا نهاية. ومع أنّ إزاحة الأسد باتت مستحيلة بالنسبة إلى الأميركيين بعد استنفاذ الفرص، ومع يقين واشنطن أنها أنهكت الدولة السورية في مكامن عدة، إلا أنها لم تعتبر حتى الساعة أنّ هذا الإنهاك غير قابل للإصلاح، وعليه فإنّ الاستسلام الأميركي تجاه بقاء الأسد لن يكون بالطريقة التي يرسم لها الروس والإيرانيون، على أقلّ تقدير، وبالتالي فإنّ إضعاف الحكم سياسياً مع بقاء الأسد هو الحلّ البديل للتدخل في سورية والتحكم بمقدّراتها ومصيرها. وكانت أميركا أخذت على عاتقها تسويق الحلّ السياسي اللبناني بعد الطائف أي بعد 15 عشر عاماً من حرب أهلية دامية أنتجت اتفاقاً يقسّم الحكم بين الطوائف، لم يثبت يوماً أنه الحلّ الجذري لمشاكل لبنان، ولم يثبت يوماً أنه قادرعلى توحيد ورصّ صفوف شعبه في مواجهة الأزمات الكبرى، إلا أنّ الولايات المتحدة تسوّق للحلّ اللبناني اليوم عن طريق الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا في شكل لافت، فترسل عبره إشارات مفادها أنّ الحلّ اللبناني «مدهش». سورية التي شاركت في صنع هذا الحلّ، تعرف جيداً نقاط ضعفه وبالتالي لا يمكن للولايات المتحدة أن تعرض على المصمّم زيّاً كان من بين الذين فصّلوا خيوطه. لا يمكن لواشنطن بسذاجة الاعتماد على رمزية الأخضر الإبراهيمي كمبعوث أممي يمكن من خلاله تسويق الغير مقبول ليصبح مقبولاً عند السوريين الذين يُعتبرون بالنسبة إلى كافة الفرقاء في لبنان «أساتذة في الحالة اللبنانية». لا يمكن لسورية القبول بحلّ تعرف نقاط ضعفه ويستحيل أن تقع في هذا الفخ. تسويق «الحلّ المدهش»… ضعيف.  

المصدر : روزانا رمّال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة