مباشرة، وبعد أي جريمة يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي تنطلق المعلقات من مسؤولي المنطقة، أو العالم لتوصيف الجريمة بأنها (بربرية)- (همجية) (وحشية)،

 

 ويطلق هؤلاء كلاماً من أن (الفكر الذي يغذي داعش هو مفلس) على رأي أوباما، أو أنه (لا يمت لديننا الحنيف بأي صلة) وفقاً لرأي ملك الأردن عبد اللـه الثاني، على الرغم من أن داعش، وأخواتها لم تتوقف منذ أربع سنوات عن تقديم الدليل تلو الآخر بأنها لا تمت إلى أي دين، ولا إلى أي انتماء إنساني، وبأن الإرهاب أصبح متعدد الجنسيات، وعابراً للدول، والقارات، كل ذلك صحيح، ودقيق في المنطق- والتحليل، ولكن الجميع يقارب مسألة جرائم هذه التنظيمات من دون دخول في العمق، وأصل المسألة، التي تتلخص بالسؤال الآتي:

 

- من أين يأخذ هؤلاء القتلة فتاواهم ومسوغاتهم وأسانيدهم؟

الكل يتحدث عن الإسلام، والكل يدعي الإسلام، والكل ينسب له، ويستخرج الأحاديث، والأدلة على ما يفعل، وكأن هذا الإسلام منجم يُخرج منه المجرمون ما يريدون، ويخرج منه الخيّرون ما يريدون، إذاً ماذا علينا أن نفعل؟ وأي تحد نواجهه؟ وعن أي إسلام نتحدث؟ هل هو إسلام رجب طيب أردوغان الذي يسوغ الفساد- والسرقة- والإجرام- والكذب- والنفاق- والتعصب والتطرف، وتمويل القتل والإجرام والإرهاب أم إسلام آل سعود- الذين يشكلون المنبع الإيديولوجي لكل التنظيمات التكفيرية من القاعدة إلى داعش، ويستخدمون هذا الإسلام من أجل الاستمرار في الحكم، والهيمنة، والتبعية، وهم يريدون الدين من أجل تبرير موبقاتهم، وممارساتهم، وعمالتهم، وخِستهم، وتآمرهم على الإسلام، والمسلمين وإنفاقهم مليارات الدولارات على تمويل التكفير والقتل حول العالم من الموت حرقاً- إلى التقطيع- وحز الأعناق، واغتصاب النساء، ومع ذلك فالبعض يعتبرهم مرجعية إسلامية، والسبب فقط توافر المال والدنانير، واحتجازهم الأماكن المقدسة رهينة في خدمة السياسة؟

- أي إسلام هو الذي نتحدث عنه: هل هو إسلام آل ثاني، أم آل خليفة، أم الأزهر، أم بلاد الشام، أم إسلام ينتج في مراكز الأبحاث الأميركية ليقدم لنا نسخة جديدة للإسلام تنسجم مع أهداف واشنطن، وتل أبيب، وحلفائهم في المنطقة للوصول إلى تفتيتنا، وتمزيقنا وباسم الإسلام نفسه؟

إذاً: أين تكمن المشكلة؟ وما مخارج الحل من هذا التعصب، والتطرف، والتكفير، والقتل المباح على الشاشات، وأمام أعين العالم؟

- سؤال لخصه الرئيس الأسد في لقائه العلماء، ورجال الدين، وأئمة خطباء المساجد، والداعيات في سورية بتاريخ 23 نيسان 2014 بالقول: إننا كمسلمين، وبعد 14 قرناً من نزول الرسالة علينا، في أسوأ أحوالنا، بمعنى أننا نسير عكس المنطق التاريخي، والسياق الطبيعي وبعكس الهدف من نزول الرسالة علينا، التي أتت لكي تحسن أوضاع البشرية بشكل عام، وبالمقابل فإن الخصوم أو الأعداء، أو لنقل الغرب بشكل عام (الذي يصفونه عادة بالملحد، أو غير مرتبط بالدين) لديهم أوضاع أفضل، ويفرضون ما يريدون، ويقررون ما الذي يريدونه.

- إذا انطلقنا من هذا السؤال المهم، فإن الإجابة عنه تبدو مهمة للغاية، لا بل أساسية لكي ندرك جميعاً لماذا وصلنا إلى عصر (الموت حرقاً على الشاشات) أو عصر (الرمي في الأفران)، أو أكل الأكباد، وسأحاول في هذه العجالة أن أقدم بعض الإجابات السريعة:

1- نزول الرسالة السماوية هدفه أخلاقي إنساني، وصلاح للبشرية وكل ما لا يتفق مع روح الإسلام، والقيم الإنسانية، والأخلاق هو ممارسات بشرية، لا يجوز أن تستحضر لتطبق على البشر في القرن الحادي والعشرين، فهدف الإسلام والرسائل السماوية الأخرى هو نشر المحبة، والتواصل، والأخوة، وقيم الإنسانية بين البشر، وليس قيم القتل- والإجرام- وسفك دماء الأبرياء، أو انتهاك أعراض الناس، وسرقة أرزاقهم باسم الدين وهذا له توصيف واحد فقط، إنه (الجريمة).

2- انتشار ثقافة النفاق، وازدواجية الشخصية، إذ يمارس كثير منا في حياته اليومية الشعائر الدينية كشكل من دون مضمون، حتى تحول الدين إلى مجرد واجهة لتسويغ الموبقات، والغش، والكذب، والخداع، فأفرغ الدين من محتواه، وإلا فبماذا يسوغ مثلاً كثرة أعداد الجوامع مع قلة الأخلاق العامة؟ وبماذا نسوغ كثرة رجال الدين، والدعاة مع انتشار الفساد، ومسوغاته، أي إن القضية أخلاقية بامتياز، فعندما لا يكون الرادع عن فعل الموبقات رادعاً ذاتياً نابعاً من إيمان حقيقي، فإنه لا قيمة للتدين، فالدين معاملة، وليس شكلاً من دون مضمون.

- إن شعبنا، وشعوب البلدان العربية بحاجة إلى ثورة حقيقية داخل المؤسسة الدينية التي عليها أن توحد جهودها مع مؤسسات الثقافة والتربية، والإعلام، والبحث العلمي، من أجل إنتاج ثقافة إنسانية تليق بنا فيتكامل فيها الدين مع الفلسفة، والشعر والفن الراقي، والعلوم التطبيقية بهدف تنشئة جيل يتخلص من مفرزات عصر الانحطاط الذي نعيش فيه.

- إن مواجهة الحقيقة المرة التي نعيشها تطرح علينا سؤالاً أساسياً ومهماً: هل يمكن إحداث هذه الثورة الفكرية، والثقافية من دون نسف ومحاربة لعوامل النخر الموجودة في الأمة، والمتمثلة في الضعف، والاستكانة والتبعية التي تمثلها أنظمة (الآل)، ومليارات الإفساد بيديها، ذلك أنه لا يمكن لمستكين أن ينتج ثقافة، وفكراً، كما أنه لا يمكن لـعبد مأمور أن ينظّر علينا بالانفتاح، والحرية، ومحاربة الإرهاب. إن ثقافة المقاومة هي أساس حضاري يبنى عليها، ثقافة تؤمن بحرية الأوطان، وسيادتها، وكرامة شعوبها، وتؤمن بأنه لا يمكننا أن ننتج فكراً وثقافة جديدة، ما لم نتخلص من التبعية والنفاق، والخضوع، ونواجه مصيرنا بأنفسنا بالتعاون مع قوى الأحرار والتقدم في العالم، وهي كثيرة.

- الموت حرقاً- نموذج طبق، ماذا بعد؟ هل ننتظر خازوق أجداد أردوغان لنصحو؟

  • فريق ماسة
  • 2015-02-04
  • 10435
  • من الأرشيف

الموت حرقاً ماذا بعد؟

مباشرة، وبعد أي جريمة يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي تنطلق المعلقات من مسؤولي المنطقة، أو العالم لتوصيف الجريمة بأنها (بربرية)- (همجية) (وحشية)،    ويطلق هؤلاء كلاماً من أن (الفكر الذي يغذي داعش هو مفلس) على رأي أوباما، أو أنه (لا يمت لديننا الحنيف بأي صلة) وفقاً لرأي ملك الأردن عبد اللـه الثاني، على الرغم من أن داعش، وأخواتها لم تتوقف منذ أربع سنوات عن تقديم الدليل تلو الآخر بأنها لا تمت إلى أي دين، ولا إلى أي انتماء إنساني، وبأن الإرهاب أصبح متعدد الجنسيات، وعابراً للدول، والقارات، كل ذلك صحيح، ودقيق في المنطق- والتحليل، ولكن الجميع يقارب مسألة جرائم هذه التنظيمات من دون دخول في العمق، وأصل المسألة، التي تتلخص بالسؤال الآتي:   - من أين يأخذ هؤلاء القتلة فتاواهم ومسوغاتهم وأسانيدهم؟ الكل يتحدث عن الإسلام، والكل يدعي الإسلام، والكل ينسب له، ويستخرج الأحاديث، والأدلة على ما يفعل، وكأن هذا الإسلام منجم يُخرج منه المجرمون ما يريدون، ويخرج منه الخيّرون ما يريدون، إذاً ماذا علينا أن نفعل؟ وأي تحد نواجهه؟ وعن أي إسلام نتحدث؟ هل هو إسلام رجب طيب أردوغان الذي يسوغ الفساد- والسرقة- والإجرام- والكذب- والنفاق- والتعصب والتطرف، وتمويل القتل والإجرام والإرهاب أم إسلام آل سعود- الذين يشكلون المنبع الإيديولوجي لكل التنظيمات التكفيرية من القاعدة إلى داعش، ويستخدمون هذا الإسلام من أجل الاستمرار في الحكم، والهيمنة، والتبعية، وهم يريدون الدين من أجل تبرير موبقاتهم، وممارساتهم، وعمالتهم، وخِستهم، وتآمرهم على الإسلام، والمسلمين وإنفاقهم مليارات الدولارات على تمويل التكفير والقتل حول العالم من الموت حرقاً- إلى التقطيع- وحز الأعناق، واغتصاب النساء، ومع ذلك فالبعض يعتبرهم مرجعية إسلامية، والسبب فقط توافر المال والدنانير، واحتجازهم الأماكن المقدسة رهينة في خدمة السياسة؟ - أي إسلام هو الذي نتحدث عنه: هل هو إسلام آل ثاني، أم آل خليفة، أم الأزهر، أم بلاد الشام، أم إسلام ينتج في مراكز الأبحاث الأميركية ليقدم لنا نسخة جديدة للإسلام تنسجم مع أهداف واشنطن، وتل أبيب، وحلفائهم في المنطقة للوصول إلى تفتيتنا، وتمزيقنا وباسم الإسلام نفسه؟ إذاً: أين تكمن المشكلة؟ وما مخارج الحل من هذا التعصب، والتطرف، والتكفير، والقتل المباح على الشاشات، وأمام أعين العالم؟ - سؤال لخصه الرئيس الأسد في لقائه العلماء، ورجال الدين، وأئمة خطباء المساجد، والداعيات في سورية بتاريخ 23 نيسان 2014 بالقول: إننا كمسلمين، وبعد 14 قرناً من نزول الرسالة علينا، في أسوأ أحوالنا، بمعنى أننا نسير عكس المنطق التاريخي، والسياق الطبيعي وبعكس الهدف من نزول الرسالة علينا، التي أتت لكي تحسن أوضاع البشرية بشكل عام، وبالمقابل فإن الخصوم أو الأعداء، أو لنقل الغرب بشكل عام (الذي يصفونه عادة بالملحد، أو غير مرتبط بالدين) لديهم أوضاع أفضل، ويفرضون ما يريدون، ويقررون ما الذي يريدونه. - إذا انطلقنا من هذا السؤال المهم، فإن الإجابة عنه تبدو مهمة للغاية، لا بل أساسية لكي ندرك جميعاً لماذا وصلنا إلى عصر (الموت حرقاً على الشاشات) أو عصر (الرمي في الأفران)، أو أكل الأكباد، وسأحاول في هذه العجالة أن أقدم بعض الإجابات السريعة: 1- نزول الرسالة السماوية هدفه أخلاقي إنساني، وصلاح للبشرية وكل ما لا يتفق مع روح الإسلام، والقيم الإنسانية، والأخلاق هو ممارسات بشرية، لا يجوز أن تستحضر لتطبق على البشر في القرن الحادي والعشرين، فهدف الإسلام والرسائل السماوية الأخرى هو نشر المحبة، والتواصل، والأخوة، وقيم الإنسانية بين البشر، وليس قيم القتل- والإجرام- وسفك دماء الأبرياء، أو انتهاك أعراض الناس، وسرقة أرزاقهم باسم الدين وهذا له توصيف واحد فقط، إنه (الجريمة). 2- انتشار ثقافة النفاق، وازدواجية الشخصية، إذ يمارس كثير منا في حياته اليومية الشعائر الدينية كشكل من دون مضمون، حتى تحول الدين إلى مجرد واجهة لتسويغ الموبقات، والغش، والكذب، والخداع، فأفرغ الدين من محتواه، وإلا فبماذا يسوغ مثلاً كثرة أعداد الجوامع مع قلة الأخلاق العامة؟ وبماذا نسوغ كثرة رجال الدين، والدعاة مع انتشار الفساد، ومسوغاته، أي إن القضية أخلاقية بامتياز، فعندما لا يكون الرادع عن فعل الموبقات رادعاً ذاتياً نابعاً من إيمان حقيقي، فإنه لا قيمة للتدين، فالدين معاملة، وليس شكلاً من دون مضمون. - إن شعبنا، وشعوب البلدان العربية بحاجة إلى ثورة حقيقية داخل المؤسسة الدينية التي عليها أن توحد جهودها مع مؤسسات الثقافة والتربية، والإعلام، والبحث العلمي، من أجل إنتاج ثقافة إنسانية تليق بنا فيتكامل فيها الدين مع الفلسفة، والشعر والفن الراقي، والعلوم التطبيقية بهدف تنشئة جيل يتخلص من مفرزات عصر الانحطاط الذي نعيش فيه. - إن مواجهة الحقيقة المرة التي نعيشها تطرح علينا سؤالاً أساسياً ومهماً: هل يمكن إحداث هذه الثورة الفكرية، والثقافية من دون نسف ومحاربة لعوامل النخر الموجودة في الأمة، والمتمثلة في الضعف، والاستكانة والتبعية التي تمثلها أنظمة (الآل)، ومليارات الإفساد بيديها، ذلك أنه لا يمكن لمستكين أن ينتج ثقافة، وفكراً، كما أنه لا يمكن لـعبد مأمور أن ينظّر علينا بالانفتاح، والحرية، ومحاربة الإرهاب. إن ثقافة المقاومة هي أساس حضاري يبنى عليها، ثقافة تؤمن بحرية الأوطان، وسيادتها، وكرامة شعوبها، وتؤمن بأنه لا يمكننا أن ننتج فكراً وثقافة جديدة، ما لم نتخلص من التبعية والنفاق، والخضوع، ونواجه مصيرنا بأنفسنا بالتعاون مع قوى الأحرار والتقدم في العالم، وهي كثيرة. - الموت حرقاً- نموذج طبق، ماذا بعد؟ هل ننتظر خازوق أجداد أردوغان لنصحو؟

المصدر : الوطن / د. بسام أبو عبد الله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة