هل دخلت المنطقة في مرحلة جديدة على صعيد الصراع مع اسرائيل ؟ و ماذا يعني تغيير قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني ؟ سؤالين نعرض لهما لاهميتهما في وقت يزداد فيه شأن المنطقة خطورة و حساسية.

عانى العالم و المنطقة من مرحلة اختلال التوازن بعد العام 1990 ، و وحدهم من اعتمدوا فكر المقاومة و مارسوها ، ثبتوا في المواجهة و امتنعوا عن الاستسلام للمتغيرات ، و انشأوا فيما بينهم تكتلا واقعيا يقوم على فكرة الممانعة وعدم التنازل عن الحقوق و رفض القبول بالامر الواقع الذي فرض و عبروا عن رفضهم بالسياسة و الميدان عبر انشاء مقاومة تصاعدية ضد اسرائيل ، مقاومة تمكنت بعد قتال مرير من طرد المحتل من معظم الجنوب اللبناني في العام 2000 فكان تحرير اول ارض عربية بالقوة ، و اخراجه من غزة في العام 2005 ، فكانت استعادة اول منطقة من فلسطين المحتلة .

و قد حاولت اسرائيل في العام 2006 ، اجهاض ما انتجته المقاومة في لبنان ، و دفن منجزاتها حتى لا تكون نموذجا يحتذى في الصراع معها ، فكان عدوان 2006 الذي انتهى الى هزيمة اسرائيلية على يد المقاومة التي ينظمها حزب الله و يمارسها بدعم مطلق من سورية و ايران ، اللذين اعتمدا فكر المقاومة و نهجها اسلوبا يركن اليه في مواجهة اسرائيل ، و طورا الامر الى حد تشكيل محور المقاومة الذي ينتظم فيه عضويا الثلاثي ( ايران سورية حزب الله ) و يتقاطع معه و بمسافات متفاوتة فصائل من المقاومة الفلسطينية حسب اعتمادها و ممارستها للمقاومة الفعلية .

و كان العام 2010 عام الظهور العلني لذاك المحور الثلاثي ، ظهور تم الاعلان عنه بشكل ذكي عبر عنه بصورة التقطت في القصر الجمهوري في دمشق جمعت الرئيس السوري و الرئيس الايراني و الامين العام لحزب الله، صورة كانت بمثابة الاعلان عن مولود استراتيجي جديد سيكون له شأنه في احداث المنطقة و مساراتها .

لقد تفاوت التعاطي مع الحدث ذاك ، من الاهتمام الشديد ، الى عدم الاكتراث ، و كانت اسرائيل و اميركا في طليعة من تعامل مع الحدث باعلى درجات الجدية و الخشية من المفاعيل ، و وضعت من قبلهم كما تكشف لاحقا الخطط و الاستراتيجيات لتفكيك المحور او تعطيله و شله ، و لكن اصطدمت كل تلك الخطط بواقع قائم على الارض تمثل بقواعد الاشتباك القائمة بين اسرائيل و كل من سورية و لبنان حيث المقاومة الاسلامية لحزب الله و هي قواعد ارسيت تتابعا منذ العام 1974 في سورية ، و تراكما حتى اكتملت وفقا للقرار 1701 الصادر اثر عدوان اسرائيل على لبنان في العام 2006.

 

و قبل عرض هذا الشأن نرى من الفائدة تحديد ما تعنيه عبارة " قواعد الاشتباك " حتى يكون المشهد المتصل بها واضحا . و في هذا المجال نقول ان الحروب او المواجهات العسكرية التي يتوقف اطلاق النار فيها دونما ان تنهي الصراع او دونما ان يتوصل احد الطرفين الى هزيمة الاخر و اخراجه من الميدان او فرض الاستسلام عليه ، يكون الاطراف المشاركون فيها و المستمرون في الميدان بحاجة الى قواعد تضبط سلوكهم و حركتهم حتى لا يؤدي تصرف اي فريق من الفرقاء الى تجدد اطلاق النار و المواجهة دونما ان يكون قد اراد فعلا العودة الى الحرب و ممارسة الاعمال القتالية المفتوحة .

فقواعد الاشتباك ، هي مجمل القواعد التي تحدد للاطراف النطاق الجغرافي للعمل و الحركة ، و النطاق الزماني لردات الفعل على سلوك الطرف الاخر ، و حجم الوسيلة او الاداة المستخدمة في الميدان المقابل او المعتمدة للرد على سلوك الطرف الاخر ، و اخيرا المرجعية الصالحة للبت بالنزاعات و للخلافات الناشئة عن التطبيق . اي ان لقواعد الاشتباك اركان اربعة : المكان و الزمان و الوسيلة و المرجعية .

و في التطبيق ، كانت القرارات 242 ثم 338 و بعدها اتفاقية فض الاشتباك في الجولان السوري المحتل برعاية الامم المتحدة هي المرجعية في الامر ، فانشأت منطقة عازلة في المنطقة عهد بها الى قوات دولية منتدبة من الامم المتحدة (الاندوف ) و تفرض على الطرفين الامتناع عن اي عمل عسكري عبر هذه المنطقة اولا و في اي اتجاه اخر في العمق ايضا ، و تم التأكيد على الحل السياسي الذي يعيد الجولان المحتل الى الدولة السورية ، طبعا مع التأكيد على حق الاطراف بممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس ضمن الضوابط القانونية المعمول بها في هذا المجال .

اما على الاتجاه اللبناني ، فقد اعتمدت قواعد الاشتباك في صيغتها الاخيرة استنادا الى القرار 1701 ، و فيها وقف الاعمال القتالية على جانبي الحدود بين لبنان و فلسطين المحتلة من اسرائيل ( و يقولون عبر الخط الازرق للاشارة الى مناطق التحفظ اللبنانية الثلاث) ، و كلفت للامم المتحدة عبر قوات اليونيفل بالمراقبة و التطبيق ، و عهد الى الامين العام للامم المتحدة ان يبحث عن مخرج سياسي لحل معضلة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة التي لا يشملها عمل قوات اليونفيل ، دون ان يسقط حق لبنان بالمقاومة لتحرير هذه الارض.

 

احترمت اسرائيل منذ العام 1974 و حتى العام 2013 قواعد الاشتباك المقررة باتفاقية فصل القوات في الجولان السوري ، اما على الاتجاه اللبناني و مستفيدة من مواقف اطراف سياسية لبنانية تضغط على المقاومة و تحاول محاصرتها في اكثر من عنوان و اتجاه ، فقد امتنعت اسرائيل عن احترام القرار 1701 ، و ادمنت على انتهاك السيادة اللبنانية جوا بشكل يومي ، و على الاعتداء برا في كل مرة يروق لها ذلك ، و تصرفت كما لو ان قواعد الاشتباك تقيد طرفا واحدا هو المقاومة فقط.

لكن بعد اقل من عامين على اندلاع الحريق العربي و تمدده الى سورية التي كانت هدفا لعدوان اجنبي مركز عليها ، ظنت اسرائيل ان بامكانها التحلل من قيود اتفاقية 1974 ، و ان بامكانها المجاهرة بالعمل العدواني ضد سورية لاسقاطها ، ثم تنفيذ الخطة الموضوعة بتفكيك محور المقاومة ، فكان العدوان الجوي الاسرائيلي على محيط دمشق في الشهر الاول من العام 2013 ، بمثابة الاعلان عن اسقاط اسرائيل لاتفاقية فض الاشتباك ، هنا كان الرد السوري الاستراتيجي بقرار فتح جبهة الجولان امام المقاومة الشعبية و التحرر من قيود فض الاشتباك . و كان هذا القرار بمثابة البداية لتأسيس مرحلة جديدة في مسار الصراع مع العدو الاسرائيلي.

لم يكن الاعلان السوري عن النية بالبدء بالعمل المقاوم مجرد قول او استعراض ، بل كان قولا للتنفيذ ، فاحتضن القرار من قبل محور المقاومة الذي انخرط بكل مكوناته في العملية التنفيذية كل وفق موقعه و قدراته و ظروفه ، و في اقل من عام كانت المقاومة الشعبية السورية حقيقة قائمة على الارض تستعد للانطلاق في العمل المقاوم . هنا صعدت اسرائيل تدخلها و زادت من مشاركتها في العدوان على سورية ، و انطلقت للعمل باستراتيجية سبق تطبيقها في لبنان ابان الاحتلال و هي "استراتيجية الحزام الامني و الجيش العميل" ، و انطلقت لاقامة المنطقة الامنية في الجولان و اعداد فرع القاعدة في سورية (جبهة النصرة) ليكون جيشها العميل بما يذكر بجيش لحد في لبنان .

بهذا برز الجولان كميدان مواجهة مباشرة بين اسرائيل و محور المقاومة الذي وجد الفرصة قد لاحت للبدء بتحرير الجولان بقوة المقاومة ، ليكون الامر بمثابة استثمار للنصر المتحقق في الداخل عبر منع العدوان من تحقيق اهدافه باسقاط سورية ، اما اسرائيل فقد رأت ان التسليم بهزيمة المشروع الذي يستهدف سورية سيشكل كارثة استراتيجية عليها ، لذلك اعدت خطة انقاذ سريعة تقوم على احداث خرق سريع انطلاقا من الجولان و بدعم جوي ناري منها ، لتميكن عصابات جبهة النصرة من الوصول الى محيط دمشق و قلب الطاولة و اعادة رسم مشهد جديد يحمل اميركا على التراجع عن التسليم بان اسقاط سورية ضرب من الخيال .

 

اما محور المقاومة المتيقظ لخطط العدو و نواياها فقط تابع العمل في الجولان بما يخدم استراتيجية التحرير بالمقاومة و صيانة مكتسبات الصمود الدفاعي ، هنا جاء العدوان الاسرائيلي باغتيال مفرزة من الاستشاريين من قادة المقاومة ، تنفيذا لقرار توخت اسرائيل منه قطع الطريق على محور المقاومة في سعيه و الاجهاز النهائي على قواعد الاشتباك القائمة و التخلص كليا من اعباء معادلة توازن الردع القائمة بينها و بين حزب الله .

رد محور المقاومة على الاغتيال ، بعملية بارعة مدوية في مزارع شبعا ، و اكد المحور تماسكه و اعتماده لقراراته السابقة ، الى ان كان الاعلان الواضح في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله باسم محور المقاومة ، ان كل ما كان قائما من قواعد اشتباك قبل الان قد سقط بعد ان اسقطته اسرائيل التي لم تحترم اي قاعدة او حكم من احكام الاتفاقيات و القرارات الدولية التي تكرسها ، و بات على المقاومة و محورها ان يتحرر هو الاخر من تلك القواعد و ان يرسم هو المشهد الجيوسياسي الجديد في المنطقة فيبني القبب الفولاذية الامنية التي تحمي عناصره و كوادره و تمكنه من السير الآمن في طريق التحرير ، حيث لم يعد مقبولا ان تتصرف اسرائيل طليقة اليدين و يكون محور المقاومة مكبلا بقواعد اشتباك لا يعمل بها سواه . و بهذا بزغ فجر مرحلة جديدة في الصراع مع العدو اختصرت سماتها بالتالي :

الصراع مفتوح في المكان و الزمان لا تقيده حدود سياسية او خطوط اتفاقية ، او احكام من قرارات دولية ، او ضغوط من هنا و هناك ، انه صراع حر في اعتماد وسيلة القتال الملائمة و اختيار الهدف المناسب ، صراع ينخرط فيه محور المقاومة بكليته ، دونما تجزئة يكون فيه الرد على العدوان حق لكل المحور بمجرد العدوان على اي من مكوناته و هنا لم يعد مجديا مثلا السؤال ماذا يفعل حزب الله في سورية او لماذا لم ترد ايران بنفسها على عدوان اسرائيل .

انها مرحلة جديدة جهدت اسرائيل لمنع تشكلها منذ ان العام 1949 تاريخ توقيع اتفاقيات الهدنة مع العرب بشكل ثنائي ، مرحلة اعادت الامور الى نصابها و اكدت ان اسرائيل مشروع اعتداء على الامة و المنطقة، و ان الامة من حقها ان ترد مجتمعة على العدوان دون ان تكون مقيدة بقيد او شرط الا ما تقيد هي به نفسها من قواعد الاخلاق و الانسانية ، فهل تكون المرحلة الجديدة هي المرحلة الاخيرة التي تغير المشهد كليا في المنطقة ؟ نعتقد بذلك .

 

  • فريق ماسة
  • 2015-02-02
  • 12161
  • من الأرشيف

الصراع في المنطقة يدخل مرحلة جديدة

هل دخلت المنطقة في مرحلة جديدة على صعيد الصراع مع اسرائيل ؟ و ماذا يعني تغيير قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني ؟ سؤالين نعرض لهما لاهميتهما في وقت يزداد فيه شأن المنطقة خطورة و حساسية. عانى العالم و المنطقة من مرحلة اختلال التوازن بعد العام 1990 ، و وحدهم من اعتمدوا فكر المقاومة و مارسوها ، ثبتوا في المواجهة و امتنعوا عن الاستسلام للمتغيرات ، و انشأوا فيما بينهم تكتلا واقعيا يقوم على فكرة الممانعة وعدم التنازل عن الحقوق و رفض القبول بالامر الواقع الذي فرض و عبروا عن رفضهم بالسياسة و الميدان عبر انشاء مقاومة تصاعدية ضد اسرائيل ، مقاومة تمكنت بعد قتال مرير من طرد المحتل من معظم الجنوب اللبناني في العام 2000 فكان تحرير اول ارض عربية بالقوة ، و اخراجه من غزة في العام 2005 ، فكانت استعادة اول منطقة من فلسطين المحتلة . و قد حاولت اسرائيل في العام 2006 ، اجهاض ما انتجته المقاومة في لبنان ، و دفن منجزاتها حتى لا تكون نموذجا يحتذى في الصراع معها ، فكان عدوان 2006 الذي انتهى الى هزيمة اسرائيلية على يد المقاومة التي ينظمها حزب الله و يمارسها بدعم مطلق من سورية و ايران ، اللذين اعتمدا فكر المقاومة و نهجها اسلوبا يركن اليه في مواجهة اسرائيل ، و طورا الامر الى حد تشكيل محور المقاومة الذي ينتظم فيه عضويا الثلاثي ( ايران سورية حزب الله ) و يتقاطع معه و بمسافات متفاوتة فصائل من المقاومة الفلسطينية حسب اعتمادها و ممارستها للمقاومة الفعلية . و كان العام 2010 عام الظهور العلني لذاك المحور الثلاثي ، ظهور تم الاعلان عنه بشكل ذكي عبر عنه بصورة التقطت في القصر الجمهوري في دمشق جمعت الرئيس السوري و الرئيس الايراني و الامين العام لحزب الله، صورة كانت بمثابة الاعلان عن مولود استراتيجي جديد سيكون له شأنه في احداث المنطقة و مساراتها . لقد تفاوت التعاطي مع الحدث ذاك ، من الاهتمام الشديد ، الى عدم الاكتراث ، و كانت اسرائيل و اميركا في طليعة من تعامل مع الحدث باعلى درجات الجدية و الخشية من المفاعيل ، و وضعت من قبلهم كما تكشف لاحقا الخطط و الاستراتيجيات لتفكيك المحور او تعطيله و شله ، و لكن اصطدمت كل تلك الخطط بواقع قائم على الارض تمثل بقواعد الاشتباك القائمة بين اسرائيل و كل من سورية و لبنان حيث المقاومة الاسلامية لحزب الله و هي قواعد ارسيت تتابعا منذ العام 1974 في سورية ، و تراكما حتى اكتملت وفقا للقرار 1701 الصادر اثر عدوان اسرائيل على لبنان في العام 2006.   و قبل عرض هذا الشأن نرى من الفائدة تحديد ما تعنيه عبارة " قواعد الاشتباك " حتى يكون المشهد المتصل بها واضحا . و في هذا المجال نقول ان الحروب او المواجهات العسكرية التي يتوقف اطلاق النار فيها دونما ان تنهي الصراع او دونما ان يتوصل احد الطرفين الى هزيمة الاخر و اخراجه من الميدان او فرض الاستسلام عليه ، يكون الاطراف المشاركون فيها و المستمرون في الميدان بحاجة الى قواعد تضبط سلوكهم و حركتهم حتى لا يؤدي تصرف اي فريق من الفرقاء الى تجدد اطلاق النار و المواجهة دونما ان يكون قد اراد فعلا العودة الى الحرب و ممارسة الاعمال القتالية المفتوحة . فقواعد الاشتباك ، هي مجمل القواعد التي تحدد للاطراف النطاق الجغرافي للعمل و الحركة ، و النطاق الزماني لردات الفعل على سلوك الطرف الاخر ، و حجم الوسيلة او الاداة المستخدمة في الميدان المقابل او المعتمدة للرد على سلوك الطرف الاخر ، و اخيرا المرجعية الصالحة للبت بالنزاعات و للخلافات الناشئة عن التطبيق . اي ان لقواعد الاشتباك اركان اربعة : المكان و الزمان و الوسيلة و المرجعية . و في التطبيق ، كانت القرارات 242 ثم 338 و بعدها اتفاقية فض الاشتباك في الجولان السوري المحتل برعاية الامم المتحدة هي المرجعية في الامر ، فانشأت منطقة عازلة في المنطقة عهد بها الى قوات دولية منتدبة من الامم المتحدة (الاندوف ) و تفرض على الطرفين الامتناع عن اي عمل عسكري عبر هذه المنطقة اولا و في اي اتجاه اخر في العمق ايضا ، و تم التأكيد على الحل السياسي الذي يعيد الجولان المحتل الى الدولة السورية ، طبعا مع التأكيد على حق الاطراف بممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس ضمن الضوابط القانونية المعمول بها في هذا المجال . اما على الاتجاه اللبناني ، فقد اعتمدت قواعد الاشتباك في صيغتها الاخيرة استنادا الى القرار 1701 ، و فيها وقف الاعمال القتالية على جانبي الحدود بين لبنان و فلسطين المحتلة من اسرائيل ( و يقولون عبر الخط الازرق للاشارة الى مناطق التحفظ اللبنانية الثلاث) ، و كلفت للامم المتحدة عبر قوات اليونيفل بالمراقبة و التطبيق ، و عهد الى الامين العام للامم المتحدة ان يبحث عن مخرج سياسي لحل معضلة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة التي لا يشملها عمل قوات اليونفيل ، دون ان يسقط حق لبنان بالمقاومة لتحرير هذه الارض.   احترمت اسرائيل منذ العام 1974 و حتى العام 2013 قواعد الاشتباك المقررة باتفاقية فصل القوات في الجولان السوري ، اما على الاتجاه اللبناني و مستفيدة من مواقف اطراف سياسية لبنانية تضغط على المقاومة و تحاول محاصرتها في اكثر من عنوان و اتجاه ، فقد امتنعت اسرائيل عن احترام القرار 1701 ، و ادمنت على انتهاك السيادة اللبنانية جوا بشكل يومي ، و على الاعتداء برا في كل مرة يروق لها ذلك ، و تصرفت كما لو ان قواعد الاشتباك تقيد طرفا واحدا هو المقاومة فقط. لكن بعد اقل من عامين على اندلاع الحريق العربي و تمدده الى سورية التي كانت هدفا لعدوان اجنبي مركز عليها ، ظنت اسرائيل ان بامكانها التحلل من قيود اتفاقية 1974 ، و ان بامكانها المجاهرة بالعمل العدواني ضد سورية لاسقاطها ، ثم تنفيذ الخطة الموضوعة بتفكيك محور المقاومة ، فكان العدوان الجوي الاسرائيلي على محيط دمشق في الشهر الاول من العام 2013 ، بمثابة الاعلان عن اسقاط اسرائيل لاتفاقية فض الاشتباك ، هنا كان الرد السوري الاستراتيجي بقرار فتح جبهة الجولان امام المقاومة الشعبية و التحرر من قيود فض الاشتباك . و كان هذا القرار بمثابة البداية لتأسيس مرحلة جديدة في مسار الصراع مع العدو الاسرائيلي. لم يكن الاعلان السوري عن النية بالبدء بالعمل المقاوم مجرد قول او استعراض ، بل كان قولا للتنفيذ ، فاحتضن القرار من قبل محور المقاومة الذي انخرط بكل مكوناته في العملية التنفيذية كل وفق موقعه و قدراته و ظروفه ، و في اقل من عام كانت المقاومة الشعبية السورية حقيقة قائمة على الارض تستعد للانطلاق في العمل المقاوم . هنا صعدت اسرائيل تدخلها و زادت من مشاركتها في العدوان على سورية ، و انطلقت للعمل باستراتيجية سبق تطبيقها في لبنان ابان الاحتلال و هي "استراتيجية الحزام الامني و الجيش العميل" ، و انطلقت لاقامة المنطقة الامنية في الجولان و اعداد فرع القاعدة في سورية (جبهة النصرة) ليكون جيشها العميل بما يذكر بجيش لحد في لبنان . بهذا برز الجولان كميدان مواجهة مباشرة بين اسرائيل و محور المقاومة الذي وجد الفرصة قد لاحت للبدء بتحرير الجولان بقوة المقاومة ، ليكون الامر بمثابة استثمار للنصر المتحقق في الداخل عبر منع العدوان من تحقيق اهدافه باسقاط سورية ، اما اسرائيل فقد رأت ان التسليم بهزيمة المشروع الذي يستهدف سورية سيشكل كارثة استراتيجية عليها ، لذلك اعدت خطة انقاذ سريعة تقوم على احداث خرق سريع انطلاقا من الجولان و بدعم جوي ناري منها ، لتميكن عصابات جبهة النصرة من الوصول الى محيط دمشق و قلب الطاولة و اعادة رسم مشهد جديد يحمل اميركا على التراجع عن التسليم بان اسقاط سورية ضرب من الخيال .   اما محور المقاومة المتيقظ لخطط العدو و نواياها فقط تابع العمل في الجولان بما يخدم استراتيجية التحرير بالمقاومة و صيانة مكتسبات الصمود الدفاعي ، هنا جاء العدوان الاسرائيلي باغتيال مفرزة من الاستشاريين من قادة المقاومة ، تنفيذا لقرار توخت اسرائيل منه قطع الطريق على محور المقاومة في سعيه و الاجهاز النهائي على قواعد الاشتباك القائمة و التخلص كليا من اعباء معادلة توازن الردع القائمة بينها و بين حزب الله . رد محور المقاومة على الاغتيال ، بعملية بارعة مدوية في مزارع شبعا ، و اكد المحور تماسكه و اعتماده لقراراته السابقة ، الى ان كان الاعلان الواضح في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله باسم محور المقاومة ، ان كل ما كان قائما من قواعد اشتباك قبل الان قد سقط بعد ان اسقطته اسرائيل التي لم تحترم اي قاعدة او حكم من احكام الاتفاقيات و القرارات الدولية التي تكرسها ، و بات على المقاومة و محورها ان يتحرر هو الاخر من تلك القواعد و ان يرسم هو المشهد الجيوسياسي الجديد في المنطقة فيبني القبب الفولاذية الامنية التي تحمي عناصره و كوادره و تمكنه من السير الآمن في طريق التحرير ، حيث لم يعد مقبولا ان تتصرف اسرائيل طليقة اليدين و يكون محور المقاومة مكبلا بقواعد اشتباك لا يعمل بها سواه . و بهذا بزغ فجر مرحلة جديدة في الصراع مع العدو اختصرت سماتها بالتالي : الصراع مفتوح في المكان و الزمان لا تقيده حدود سياسية او خطوط اتفاقية ، او احكام من قرارات دولية ، او ضغوط من هنا و هناك ، انه صراع حر في اعتماد وسيلة القتال الملائمة و اختيار الهدف المناسب ، صراع ينخرط فيه محور المقاومة بكليته ، دونما تجزئة يكون فيه الرد على العدوان حق لكل المحور بمجرد العدوان على اي من مكوناته و هنا لم يعد مجديا مثلا السؤال ماذا يفعل حزب الله في سورية او لماذا لم ترد ايران بنفسها على عدوان اسرائيل . انها مرحلة جديدة جهدت اسرائيل لمنع تشكلها منذ ان العام 1949 تاريخ توقيع اتفاقيات الهدنة مع العرب بشكل ثنائي ، مرحلة اعادت الامور الى نصابها و اكدت ان اسرائيل مشروع اعتداء على الامة و المنطقة، و ان الامة من حقها ان ترد مجتمعة على العدوان دون ان تكون مقيدة بقيد او شرط الا ما تقيد هي به نفسها من قواعد الاخلاق و الانسانية ، فهل تكون المرحلة الجديدة هي المرحلة الاخيرة التي تغير المشهد كليا في المنطقة ؟ نعتقد بذلك .  

المصدر : امين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة