دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خرجت قيادة إسرائيل عن طورها ابتهاجاً بنجاحها في إطاحة رئيس لجنة التحقيق الدولية البروفيسور ويليام شاباس، غير أن معلقين قالوا إن الفرحة سابقة لأوانها.
فقد نشرت منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية، في يوم استقالة شاباس نفسه من رئاسة اللجنة، تقريرها عن حرب غزة الأخيرة الذي تكشف فيه أن «راية سوداء» ترفرف فوق نظام التحذير المعروف باسم «انقر السطح»، حيث أن أكثر من 70 في المئة من الضحايا هم من المدنيين. وفي كل حال، فإن ضغط إسرائيل من أجل إفشال رئيس اللجنة أظهر، أنه خلافا لاستخفافها بالأمر ظاهرياً، تعمل بجد من أجل تجنب أخطارها فعلياً.
وقد أعلن شاباس استقالته من منصبه بعدما قدمت إسرائيل للجنة الدولية لحقوق الإنسان تقريراً أثبتت فيه أن رئيس اللجنة، التي عينتها، سبق له أن عمل مستشارا للسلطة الفلسطينية، وأنه قدم لها استشارة قانونية، وتلقى لقاءها أجرا بقيمة 1330 دولاراً أميركياً. وقد أثار هذا التقرير شبهات تجاه شاباس، ما دعاه إلى تقديم استقالته لحماية اللجنة من الشبهات. لكن هناك من يعتقد أن شاباس عانى في الآونة الأخيرة من حملة تهديدات كبيرة، وأنه صرح مراراً بأنه يتلقى مثل هذه التهديدات.
واعتبر كبار قادة الحكومة اليمينية في إسرائيل استقالة شاباس انتصاراً لهم. وسبق وزير الشؤون الإستراتيجية يوفال شتاينتس الجميع في الثناء على استقالة شاباس، والافتخار شخصياً بذلك. وبعث لوسائل الإعلام بيانا جاء فيه: «قبل بضعة شهور جمعت مندوبي الإعلام الدولي في القدس، ودعوت شاباس للاستقالة بسبب تصريحاته العنيفة ضد دولة إسرائيل».
ولحق به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي طالب أيضا بمنع نشر التقرير الذي تعده لجنة التحقيق، لأن «مجلس حقوق الإنسان جهة معادية لإسرائيل، أثبتت في قراراتها أن لا شيء يجمعها بحقوق الإنسان. فهو المجلس ذاته الذي اتخذ فقط في العام 2014 قرارات ضد إسرائيل أكثر من القرارات ضد إيران وسوريا وكوريا الشمالية مجتمعة».
وأضاف أن «حماس ومنظمات الإرهاب الأخرى وأنظمة الإرهاب حولنا هي التي يجب أن تتعرض للتحقيق، وليس إسرائيل التي عملت في الصيف الأخير وفقا للقانون الدولي، حينما دافعت عن نفسها في وجه مجرمي الحرب من حماس، الذين استخدموا سكان غزة كدروع بشرية من أجل إطلاق النار على مواطني إسرائيل. وستواصل إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب الموجه ضدها من كل الجبهات».
وتباهى أيضا وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان باستقالة شاباس، واعتبرها «إنجازاً آخر للديبلوماسية الإسرائيلية، وللنشاط المخلص لرجال وزارة الخارجية الذي يثبت أنه حتى الأشد نفاقا في الهيئات الدولية لا يمكنهم تجاهل أن تعيين شاباس للتحقيق مع إسرائيل كان أشبه بتعيين قابيل للتحقيق في من قتل هابيل».
ورد شاباس على الفرحة الإسرائيلية وكلام نتنياهو قائلا: «إن نتنياهو دعاني للاستقالة في يوم اختياري للمنصب». وشدد على أنه قرر الاستقالة بسبب التحقيق الداخلي في الأمم المتحدة بشأن اتهامات له بالافتقار للموضوعية، مضيفا: «فالوضع في اللجنة بات غير محتمل، ولم أرغب في أن تصرف الاتهامات الشخصية ضدي من جانب نتنياهو وليبرمان الأنظار عن الموضوع الحقيقي، وهو إحقاق الحق مع الضحايا».
وجاء في رسالة الاستقالة التي بعث بها شاباس إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان يواكيم روكر أنه يريد الاستقالة فوراً من أجل منع الاتهامات الإسرائيلية من حرف الأنظار عن كتابة التقرير واستنتاجاته، المفترض نشرها في آذار المقبل.
وأوضح شاباس، في رسالته، أن الرأي الاستشاري الذي كتبه لمصلحة منظمة التحرير في العام 2012، والذي تلقى مقابله 1300 دولار، لم يكن مختلفاً عن آراء استشارية قدمها إلى منظمات وحكومات أخرى. وكتب: إن «آرائي حول إسرائيل وفلسطين، مثلما حول مواضيع أخرى، معروفة ومعلنة جدا.. ويبدو أن العمل في الدفاع عن حقوق الإنسان جعل مني هدفاً هائلاً لحملات مغرضة».
وفي كل حال، يرى بعض المعلقين الإسرائيليين أن فرحة إسرائيل باستقالة شاباس سابقة لأوانها. فمجلس حقوق الإنسان لن يستجيب لدعوة نتنياهو حفظ التحقيق ونتائجه في الأدراج، وسوف تنشر هذه النتائج، وسيكون لها الصدى ذاته تقريباً الذي كان لنتائج لجنة «غولدستون». والأدهى أن استقالة شاباس ستضفي، في نظر هؤلاء المعلقين، شرعية أكبر على عمل لجنة التحقيق، وستظهرها بمظهر من يطمح إلى إظهار الحقيقة. كما أن استقالته ستحرم إسرائيل من التمتع بثمار استهداف شخصية لها مواقف معلنة من إسرائيل، رغم أنها يهودية. واعتبروا أن تصنيف اللجنة، من الآن فصاعداً، على أنها لجنة معادية سيكون أصعب، وستضطر إسرائيل إلى التركيز على مجلس حقوق الإنسان، لا على اللجنة المتفرعة عنه.
وأعلنت الأمم المتحدة، في بيان، أن ماري ماكغوان ديفيز، العضو في لجنة التحقيق المستقلة بشأن غزة والقاضية السابقة في المحكمة العليا في نيويورك، ستحل محل شاباس.
وليس صدفة أنه في يوم استقالة شاباس نشرت منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان تقريرها عن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. وأكد التقرير أن الغارات الإسرائيلية على بيوت المدنيين كانت «ترفرف فوقها راية سوداء»، باعتبارها عملاً إجرامياً بموجب القانون الدولي. وأوضح أن نظام «انقر السطح»، الذي تذرعت به واعتبرته تحذيرا للسكان من أجل إخلاء البيوت، ليس كافياً.
ومعروف أن نظام «انقر السطح» يعني إطلاق صاروخ بقوة منخفضة على البيت أو قربه، بقصد الإبلاغ عن الهجوم اللاحق الذي يتم بقذيفة ذات قوة تدميرية كبيرة. وحسب الشهادات التي جمعتها «بتسيلم» فإن صواريخ التحذير ألحقت أضراراً بالمنازل المجاورة، وفي بعض الحالات لم يلاحظ أو لم يفهم السكان التحذير.
وحملت المنظمة على القيادتين السياسية والعسكرية اللتين لم توقفا سياسة قصف البيوت، حتى بعد أن علمتا بنتائجها القاسية، والتي يلخصها التقرير بواقع أن أكثر من 70 في المئة من الضحايا كانوا من المدنيين.
المصدر :
الماسة السورية/ حلمي موسى
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة