ليس هو الاجتماع الأول للمعارضة السورية في القاهرة اليوم وغداً، لكنه قد يشكل منعطفاً لحزمة رهانات للضيوف السوريين ولمضيفهم المصري، سواء في إحداث اختراق يخرج المعارضة السورية «الائتلافية» من الخلوة المستمرة منذ حوالى أربعة أعوام مع وصيّها التركي إلى مظلة عربية - مصرية، أو في فض معادلة التمثيل الحصري لسوريا، شعباً ومعارضة، على ما زعمه «أصدقاء سوريا»، وتشكيل هيئة بديلة عنه، بالتراضي.

ذلك أن الثلاثين مدعواً من أطياف المعارضة إلى يومي مجلس العلاقات الخارجية المصرية، يباشرون محاولة لإعادة ترتيب بيت المعارضة السورية، مع تغليب معادلة المعارضة الداخلية عموماً على معارضة الخارج، ومنح الأصوات خارج «الائتلاف» خصوصاً، المزيد من الحق في المشاركة بإدارة القرار المعارض.

ويأتي المجتمعون إلى القاهرة بصفتهم الشخصية، على غرار اجتماع موسكو نهاية كانون الثاني الحالي، وليس بصفتهم الحزبية، لتتفادى مصر اعترافها بالكيانات المعارضة في هذه المرحلة على الأقل. ويحضر اللقاء وجوه مختلفة من «الائتلاف» مثل أحمد الجربا، وهادي البحرة، وصلاح درويش، وقاسم الخطيب، بالإضافة إلى منى غانم وأنس جودة من «تيار بناء الدولة»، وهيثم مناع، وحسن عبد العظيم، وأحمد العسراوي، وصفوان عكاش عن «هيئة التنسيق الوطنية» وجهاد مقدسي ووليد البني وشخصيات أخرى مستقلة.

وتعرّض اللقاء قبل انعقاده، إلى تعديلات في مقاييس الحضور، التي كانت تمتد إلى 75 في نسخته الأولية، لترسو على 30. كما تغيّر من تشاوري إلى تحضيري، يلحق به اجتماع تصديقي على ما سيُوصي به، قد ينعقد في شهر أو شهرين مقبلين. كما تعرّض لإقصاء جماعة «الإخوان المسلمين» و «إعلان دمشق» من حضوره، بل وقصر الدعوات الموجهة على أسماء مرنة، واستبعاد وجوه يشتبه المصريون في ولائها المطلق للخصم التركي، عملت على تخريب كل محاولات توحيد المعارضة.

ويلخص مسؤول سوري معارض من القاهرة جدول الأعمال بنقطتين أساسيتين: صياغة ورقة عمل ورؤية مشتركة للمعارضة السورية، وتشكيل لجنة سياسية تمثل الأطياف الكاملة المشاركة في الاجتماع.

ولم تشهد المرحلة التي سبقت القاهرة تحضيرات عميقة للتوصل إلى رؤية مشتركة، بل إنها شهدت ازدحاماً في تقديم الأوراق ينمّ عن وجود خلافات جوهرية. إذ لم يتوقف «الائتلاف»، أولاً عن زعم أبوّته للاجتماع، كما كرّر رئيسه خالد خوجة إصراراً على التعلق بحصرية في التمثيل، لم تعُد مقبولة. كما تولّى تقديم ورقتين، الأولى من ست نقاط، ضاعفهما في ورقته الثانية، إنما كلتا الورقتين تدوران حول استعادة ورقته الأساسية المقدمة إلى مؤتمر «جنيف 2» في التاسع من شباط العام الماضي.

ويبدو أن «الائتلاف»، في ورقته، بعيد عن عام من الأحداث السورية «الثورية»، فهو لا يزال بعيداً عن حقيقة أن التهديد الحالي لسوريا وللدولة هو الإرهاب وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش». كما لا يزال بعيداً عن إدراك التحولات الدولية تجاه الدولة السورية، ودور الجيش السوري، والموقف من رئاسة بشار الأسد. ويدعو «الائتلاف» إلى تسلم فوري للسلطة، وعدالة انتقالية في الدقائق التي تلي تسلمه حقائب الحكم الانتقالي، وهيكلة للجيش في ذروة المواجهة مع «داعش» وغيره.

ويختلف «التنسيقيون» و «تيار بناء الدولة» مع «الائتلافيين» جوهرياً. فهؤلاء يدعون إلى مقاربة مرنة لهيئة الحكم الانتقالي، تضع أولاً التهديد الإرهابي للدولة ككيان، ولسوريا. وتدعو «هيئة التنسيق»، في أوراق مختلفة، إلى «خريطة طريق» للحل السياسي، موسعة أو ملخصة، أو في ورقة مبادئ، إلى مقاربة مرنة، تؤجل البحث بالرئاسة وغيرها، وإلى حل المسائل الأقل إشكالية، من الحريات إلى سن دستور جديد، فقوانين للأحزاب أو الإعلام أو الانتخابات.

والحال أن طموح المعارضين من غير «الائتلاف»، هو مواصلة تهميشه. كما أن اقتراح لجنة سياسية وانتخابها في اجتماع القاهرة، أو التوافق على أسمائها، يعدّ محور اللقاء، لأنه سيكرس مرجعية جديدة، تقاسم «الائتلاف» شرعيته الدولية، التي لا تزال ورقته الأخيرة، وتأتي به إلى عمل جماعي، وتخفف من تبعية المعارضة السورية لقطر وتركيا و «أصدقاء سوريا». والأرجح أن تباشر المعارضة السورية استخدامه على نطاق واسع، للدخول في عملية تفاوضية في جنيف، أو موسكو، أو أي طاولة للتفاوض. ويمثل هذا الرهان لبّ عملية القاهرة، ونقطة تقاطع بين المعارضة الداخلية ومصر.

ويلخص عنوان القاهرة معضلة المعارضة السورية برمتها منذ حوالى أربعة أعوام، من افتقادها إلى رؤية مشتركة، إلى تعدد مرجعياتها، داخلياً وخارجياً، فضلاً عن أنه لا توجد أي ضمانات أن يحترم «الائتلافيون»، أي اتفاق يجري التوصل إليه مع المعارضة الداخلية بكل أطيافها، وأن يكون وجودهم في القاهرة مجرد اغتنام فرصة لإخراجهم من عزلتهم، وإنقاذهم من انقساماتهم المتواصلة. وليس بعيداً انقلابهم الأول في «المجلس الوطني» على اتفاق على استراتيجية توصلوا إليها في القاهرة في كانون الأول العام 2011، تضمن تراجعاً جوهرياً آنذاك عن المطالبة بالتدخل الخارجي، وقيد العسكرة بشروط واقعية، لكنه لم يعمر أكثر من يوم واحد. كما أن اتفاق أحمد الجربا مع هيثم مناع وحسن عبد العظيم، في كانون الثاني من العام الماضي، لتقاسم وفد المعارضة في جنيف، نقضه «الائتلافيون»، استجابة لضغوط فرنسية وقطرية، لإبعاد معارضة الداخل عن أي مؤتمر دولي.

أما بالنسبة إلى المصريين، الذين يستضيفون اللقاء بمبادرة من «هيئة التنسيق» التي لم تتوقف عن طلبه منذ ثمانية أشهر، فيجدون فرصتهم المناسبة، لتكريس خروجهم النهائي من استراتيجية «أصدقاء سوريا»، التي لم يذهبوا بعيداً فيها، باستثناء مرحلة الرئيس محمد مرسي، ومباشرة مقاربة الملف السوري على ضوء المصالح المصرية والسورية في مواجهة الخطر التركي على وحدة الأراضي السورية، وانتزاع ورقة المعارضة السورية من أنقرة، في سياق الصراع المفتوح معها.

ومن السابق لأوانه معرفة إلى أين يمكن أن تتطور مبادرة مصرية متواضعة في الوقت الحالي، إلا أن المصريين قد يتحوّلون إلى لاعب مقبول من جميع الأطراف في سوريا إذا ما تقدموا في سياسة الانفتاح على الحكومة السورية، ووسعوا هامشهم السياسي إزاء السعودية التي تدعم اقتصاداً مصرياً بمليارات الدولارات. ويتوقف ذلك على الذهاب ابعد من رفض منح مقعد سوريا إلى «الائتلاف» في الجامعة العربية، وكبح جماح أمينها العام نبيل العربي. كما يتوقف على إعادة تفعيل العلاقات الديبلوماسية مع دمشق، ورفعها إلى مستوى السفراء. كما سيكون عليهم أن يطوّروا سياسياً ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل يومين، من وصف الجماعات المقاتلة في سوريا بالميليشيات الإرهابية، وان لا حل تفاوضياً من دون الأسد.

ورغم أن اجتماعاً واحداً لا يكفي للقول بتحقيق المصريين مكاسب أم لا، خصوصاً أنه يجري بدعوة من مجلس العلاقات الخارجية وليس وزارة الخارجية، إلا أن الجهد الديبلوماسي المصري استطاع نقل مقر مفاوضات مهمة للمرة الأولى، من الأيدي القطرية والتركية إلى القاهرة. وهي المرة الأولى التي تجري فيها اجتماعات مهمة وأساسية في عاصمة محورية، لا يحضرها ويُشرف عليها البريطاني جون ويلكس، ولا الأميركي دانيال روبنشتاين، ولا الفرنسي فرانك جيليه، ولا مديرة مكتب وزير الخارجية القطري، أو مساعد وزير الخارجية التركي.

ومن دون اضمحلال «الائتلاف» السوري وحاجته إلى جرعة من المصداقية من «التنسيق» وأطياف المعارضة الأخرى، لم يكن لاجتماع القاهرة أن يرى النور، كما لم يكن له أن ينعقد لولا تقاطع سعودي - مصري في مسألة عزل «الإخوان» والأتراك، الذين يهيمنون على مؤسسات المعارضة الخارجية، من «المجلس الوطني» المحتضر إلى «الائتلاف» الممزق. إذ تبدو مشاركة أحمد الجربا وهادي البحرة، رجلا السعودية ورئيسا «الائتلاف» السابقان، ترجمة طبيعية لإفساح الرياض المجال لحليفها المصري في إعادة ترتيب أوراق المعارضة السورية، وتعويضاً عن غياب قيادة «الائتلاف» عن القاهرة بسبب رفضها توجيه دعوات لشخصيات «اخوانية» أو من «إعلان دمشق»، وهي فرصة تستفيد منها المعارضة الداخلية السورية في محاولتها لإعادة التمركز الجارية في قلب المشهد السياسي.

ويتوقف على جاذبية القاهرة عرضها السياسي، وتسهيلاتها الإدارية ودعمها المادي أيضاً، مصير محاولتها التي يمكن تلخيصها باسترداد المعارضة السورية من اسطمبول ونقلها إليها. لكن لا يمكن لـ «الائتلاف» الاستغناء بسرعة عما تقدمه اسطمبول إليه من تسهيلات كبيرة.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-21
  • 6278
  • من الأرشيف

القاهرة: استرداد المعارضة السورية من أنقرة؟

ليس هو الاجتماع الأول للمعارضة السورية في القاهرة اليوم وغداً، لكنه قد يشكل منعطفاً لحزمة رهانات للضيوف السوريين ولمضيفهم المصري، سواء في إحداث اختراق يخرج المعارضة السورية «الائتلافية» من الخلوة المستمرة منذ حوالى أربعة أعوام مع وصيّها التركي إلى مظلة عربية - مصرية، أو في فض معادلة التمثيل الحصري لسوريا، شعباً ومعارضة، على ما زعمه «أصدقاء سوريا»، وتشكيل هيئة بديلة عنه، بالتراضي. ذلك أن الثلاثين مدعواً من أطياف المعارضة إلى يومي مجلس العلاقات الخارجية المصرية، يباشرون محاولة لإعادة ترتيب بيت المعارضة السورية، مع تغليب معادلة المعارضة الداخلية عموماً على معارضة الخارج، ومنح الأصوات خارج «الائتلاف» خصوصاً، المزيد من الحق في المشاركة بإدارة القرار المعارض. ويأتي المجتمعون إلى القاهرة بصفتهم الشخصية، على غرار اجتماع موسكو نهاية كانون الثاني الحالي، وليس بصفتهم الحزبية، لتتفادى مصر اعترافها بالكيانات المعارضة في هذه المرحلة على الأقل. ويحضر اللقاء وجوه مختلفة من «الائتلاف» مثل أحمد الجربا، وهادي البحرة، وصلاح درويش، وقاسم الخطيب، بالإضافة إلى منى غانم وأنس جودة من «تيار بناء الدولة»، وهيثم مناع، وحسن عبد العظيم، وأحمد العسراوي، وصفوان عكاش عن «هيئة التنسيق الوطنية» وجهاد مقدسي ووليد البني وشخصيات أخرى مستقلة. وتعرّض اللقاء قبل انعقاده، إلى تعديلات في مقاييس الحضور، التي كانت تمتد إلى 75 في نسخته الأولية، لترسو على 30. كما تغيّر من تشاوري إلى تحضيري، يلحق به اجتماع تصديقي على ما سيُوصي به، قد ينعقد في شهر أو شهرين مقبلين. كما تعرّض لإقصاء جماعة «الإخوان المسلمين» و «إعلان دمشق» من حضوره، بل وقصر الدعوات الموجهة على أسماء مرنة، واستبعاد وجوه يشتبه المصريون في ولائها المطلق للخصم التركي، عملت على تخريب كل محاولات توحيد المعارضة. ويلخص مسؤول سوري معارض من القاهرة جدول الأعمال بنقطتين أساسيتين: صياغة ورقة عمل ورؤية مشتركة للمعارضة السورية، وتشكيل لجنة سياسية تمثل الأطياف الكاملة المشاركة في الاجتماع. ولم تشهد المرحلة التي سبقت القاهرة تحضيرات عميقة للتوصل إلى رؤية مشتركة، بل إنها شهدت ازدحاماً في تقديم الأوراق ينمّ عن وجود خلافات جوهرية. إذ لم يتوقف «الائتلاف»، أولاً عن زعم أبوّته للاجتماع، كما كرّر رئيسه خالد خوجة إصراراً على التعلق بحصرية في التمثيل، لم تعُد مقبولة. كما تولّى تقديم ورقتين، الأولى من ست نقاط، ضاعفهما في ورقته الثانية، إنما كلتا الورقتين تدوران حول استعادة ورقته الأساسية المقدمة إلى مؤتمر «جنيف 2» في التاسع من شباط العام الماضي. ويبدو أن «الائتلاف»، في ورقته، بعيد عن عام من الأحداث السورية «الثورية»، فهو لا يزال بعيداً عن حقيقة أن التهديد الحالي لسوريا وللدولة هو الإرهاب وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش». كما لا يزال بعيداً عن إدراك التحولات الدولية تجاه الدولة السورية، ودور الجيش السوري، والموقف من رئاسة بشار الأسد. ويدعو «الائتلاف» إلى تسلم فوري للسلطة، وعدالة انتقالية في الدقائق التي تلي تسلمه حقائب الحكم الانتقالي، وهيكلة للجيش في ذروة المواجهة مع «داعش» وغيره. ويختلف «التنسيقيون» و «تيار بناء الدولة» مع «الائتلافيين» جوهرياً. فهؤلاء يدعون إلى مقاربة مرنة لهيئة الحكم الانتقالي، تضع أولاً التهديد الإرهابي للدولة ككيان، ولسوريا. وتدعو «هيئة التنسيق»، في أوراق مختلفة، إلى «خريطة طريق» للحل السياسي، موسعة أو ملخصة، أو في ورقة مبادئ، إلى مقاربة مرنة، تؤجل البحث بالرئاسة وغيرها، وإلى حل المسائل الأقل إشكالية، من الحريات إلى سن دستور جديد، فقوانين للأحزاب أو الإعلام أو الانتخابات. والحال أن طموح المعارضين من غير «الائتلاف»، هو مواصلة تهميشه. كما أن اقتراح لجنة سياسية وانتخابها في اجتماع القاهرة، أو التوافق على أسمائها، يعدّ محور اللقاء، لأنه سيكرس مرجعية جديدة، تقاسم «الائتلاف» شرعيته الدولية، التي لا تزال ورقته الأخيرة، وتأتي به إلى عمل جماعي، وتخفف من تبعية المعارضة السورية لقطر وتركيا و «أصدقاء سوريا». والأرجح أن تباشر المعارضة السورية استخدامه على نطاق واسع، للدخول في عملية تفاوضية في جنيف، أو موسكو، أو أي طاولة للتفاوض. ويمثل هذا الرهان لبّ عملية القاهرة، ونقطة تقاطع بين المعارضة الداخلية ومصر. ويلخص عنوان القاهرة معضلة المعارضة السورية برمتها منذ حوالى أربعة أعوام، من افتقادها إلى رؤية مشتركة، إلى تعدد مرجعياتها، داخلياً وخارجياً، فضلاً عن أنه لا توجد أي ضمانات أن يحترم «الائتلافيون»، أي اتفاق يجري التوصل إليه مع المعارضة الداخلية بكل أطيافها، وأن يكون وجودهم في القاهرة مجرد اغتنام فرصة لإخراجهم من عزلتهم، وإنقاذهم من انقساماتهم المتواصلة. وليس بعيداً انقلابهم الأول في «المجلس الوطني» على اتفاق على استراتيجية توصلوا إليها في القاهرة في كانون الأول العام 2011، تضمن تراجعاً جوهرياً آنذاك عن المطالبة بالتدخل الخارجي، وقيد العسكرة بشروط واقعية، لكنه لم يعمر أكثر من يوم واحد. كما أن اتفاق أحمد الجربا مع هيثم مناع وحسن عبد العظيم، في كانون الثاني من العام الماضي، لتقاسم وفد المعارضة في جنيف، نقضه «الائتلافيون»، استجابة لضغوط فرنسية وقطرية، لإبعاد معارضة الداخل عن أي مؤتمر دولي. أما بالنسبة إلى المصريين، الذين يستضيفون اللقاء بمبادرة من «هيئة التنسيق» التي لم تتوقف عن طلبه منذ ثمانية أشهر، فيجدون فرصتهم المناسبة، لتكريس خروجهم النهائي من استراتيجية «أصدقاء سوريا»، التي لم يذهبوا بعيداً فيها، باستثناء مرحلة الرئيس محمد مرسي، ومباشرة مقاربة الملف السوري على ضوء المصالح المصرية والسورية في مواجهة الخطر التركي على وحدة الأراضي السورية، وانتزاع ورقة المعارضة السورية من أنقرة، في سياق الصراع المفتوح معها. ومن السابق لأوانه معرفة إلى أين يمكن أن تتطور مبادرة مصرية متواضعة في الوقت الحالي، إلا أن المصريين قد يتحوّلون إلى لاعب مقبول من جميع الأطراف في سوريا إذا ما تقدموا في سياسة الانفتاح على الحكومة السورية، ووسعوا هامشهم السياسي إزاء السعودية التي تدعم اقتصاداً مصرياً بمليارات الدولارات. ويتوقف ذلك على الذهاب ابعد من رفض منح مقعد سوريا إلى «الائتلاف» في الجامعة العربية، وكبح جماح أمينها العام نبيل العربي. كما يتوقف على إعادة تفعيل العلاقات الديبلوماسية مع دمشق، ورفعها إلى مستوى السفراء. كما سيكون عليهم أن يطوّروا سياسياً ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل يومين، من وصف الجماعات المقاتلة في سوريا بالميليشيات الإرهابية، وان لا حل تفاوضياً من دون الأسد. ورغم أن اجتماعاً واحداً لا يكفي للقول بتحقيق المصريين مكاسب أم لا، خصوصاً أنه يجري بدعوة من مجلس العلاقات الخارجية وليس وزارة الخارجية، إلا أن الجهد الديبلوماسي المصري استطاع نقل مقر مفاوضات مهمة للمرة الأولى، من الأيدي القطرية والتركية إلى القاهرة. وهي المرة الأولى التي تجري فيها اجتماعات مهمة وأساسية في عاصمة محورية، لا يحضرها ويُشرف عليها البريطاني جون ويلكس، ولا الأميركي دانيال روبنشتاين، ولا الفرنسي فرانك جيليه، ولا مديرة مكتب وزير الخارجية القطري، أو مساعد وزير الخارجية التركي. ومن دون اضمحلال «الائتلاف» السوري وحاجته إلى جرعة من المصداقية من «التنسيق» وأطياف المعارضة الأخرى، لم يكن لاجتماع القاهرة أن يرى النور، كما لم يكن له أن ينعقد لولا تقاطع سعودي - مصري في مسألة عزل «الإخوان» والأتراك، الذين يهيمنون على مؤسسات المعارضة الخارجية، من «المجلس الوطني» المحتضر إلى «الائتلاف» الممزق. إذ تبدو مشاركة أحمد الجربا وهادي البحرة، رجلا السعودية ورئيسا «الائتلاف» السابقان، ترجمة طبيعية لإفساح الرياض المجال لحليفها المصري في إعادة ترتيب أوراق المعارضة السورية، وتعويضاً عن غياب قيادة «الائتلاف» عن القاهرة بسبب رفضها توجيه دعوات لشخصيات «اخوانية» أو من «إعلان دمشق»، وهي فرصة تستفيد منها المعارضة الداخلية السورية في محاولتها لإعادة التمركز الجارية في قلب المشهد السياسي. ويتوقف على جاذبية القاهرة عرضها السياسي، وتسهيلاتها الإدارية ودعمها المادي أيضاً، مصير محاولتها التي يمكن تلخيصها باسترداد المعارضة السورية من اسطمبول ونقلها إليها. لكن لا يمكن لـ «الائتلاف» الاستغناء بسرعة عما تقدمه اسطمبول إليه من تسهيلات كبيرة.

المصدر : محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة