"على كل حال، سيزور الرئيس بشار الأسد باريس قريباً"، هكذا أنهى أحد المقرّبين من الملف اللبناني في فرنسا تحليله لما تستعدّ باريس لفعله لحلحلة الموضوع المتوتر في لبنان. وكان خبر التوافق الفرنسي السوري على "زيارة عمل" يقوم بها الرئيس الأسد لباريس قد تسرّب منذ ثلاثة أيام، من دون تأكيدها من مصادر موثوقة. إلا أن مرض الملك السعودي عبد الله، وبروز صورة النفق الذي ينتظر الوضع الداخلي اللبناني، دفعا إلى تحرك فرنسي سوف تظهر بوادره في مطلع الأسبوع المقبل. ويؤكد المصدر المقرب من الملف اللبناني أن باريس ترى تسارعاً في الأحداث على خطين متوازيين لا يلتقيان؛ الأول هو تزايد التسريبات بشأن القرار الظني، وخصوصاً أن الأفرقاء في لبنان يبنون على هذه التسريبات "مواقف لا تقود إلى مخرج، بل تزيد الأمور تعقيداً". أما الخط الثاني فهو الذي تحركه الملفات الإقليمية المتشابكة، التي لها "ديناميكية خاصة" لا تأخذ بالضرورة في الحسبان الملف اللبناني فقط، بل تتعامل به على أنه أحد العوامل وليس عاملاً أساسياً. ويكرر المصدر ما لم يكفّ عن ترداده أكثر من دبلوماسي فرنسي: "يعتقد اللبنانيون أن العالم يدور حول مشاكلهم"، إلا أنه لا ينفي "القلق المتزايد" لدى قاطن الإليزيه والمسؤولين من التطورات الأخيرة.

ورغم الترحيب الفرنسي بـ "أي محاولة لسحب فتيل الانفجار"، يشير المصدر إلى أن باريس لم يكن "لديها أمل كبير" بما يمكن أن يؤدي إليه مسار "التفاوض بين دمشق والرياض" لأسباب متعددة، أولها ضعف حلقة القرار السعودي بسبب الضباب القائم في أعلى هرم السلطة السياسية وضرورة أخذ أي اتفاق مقبل في الحساب لـ"توجهات الحقبة المقبلة". والثاني ناتج من الحذر الذي يغلّف المفاوضات نتيجة التطورات على الساحة العراقية، التي تنمّ عن "عدم الثقة المتبادلة". السبب الثالث هو الترقب الذي يحيق بالملف الإيراني بسبب إشارات إلى "تصلب أوروبي مقابل ضبابية أميركية". أما المعطى الرابع فهو غياب ردود فعل القاهرة على مسار التجاذب بين دمشق والرياض.

تتابع المصادر أنه في ظل هذه الغيوم المتلبدة في الأفق الإقليمي للبنان، لا بد من تحرك يخرج البلد من طيات الجمود في المنطقة لتجنيبه العودة إلى مطبات العنف، وهو ما يقود إلى "مرحلة ضبط إيقاع الدبلوماسية الفرنسية بعودة إلى مربع انطلاق التقارب الفرنسي ـــ السوري"، الذي أوصل إلى نتائج إيجابية لا تريد فرنسا إضاعتها اليوم.

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حسب هذه المصادر، "مصمم" على عدم ترك مسألة المحكمة "تبدّد منجزات التوافق في الدوحة"، التي يراها نجاحاً لسياسة "اندفاع عكس التيار"، التي اتّبعها رغم النصائح الأميركية المعاكسة. لذلك، شدد أمام زواره من الصف الأول اللبناني على ضرورة "النظر إلى وجهة مختلفة" في كل مرة جاء حديث "ما يمكن أن يسببه القرار الظني من انعكاسات على الوضع الداخلي اللبناني"، وكان يتطرق إلى الموضوع من ناحية عدم قبول الخوض في مسألة المحكمة بتكراره: "لا نتدخل، لا نستطيع التدخل ولا نريد التدخل". إلا أن هذا لا يعني أن باريس لا تعي خطورة الوضع.

هنا، تعود المصادر إلى تعداد التعقيدات اللبنانية التي تواجهها في هذا الملف وهي ثلاثة، أولها تفسير جماعة ١٤ آذار رفض فرنسا التدخل بأنه تأييد لها، وبالمقابل عدّ مؤيدي حزب الله هذا الرفض تأييداً لتسييس المحكمة. كذلك هناك تراكم التسريبات من كل حدب وصوب، حتى من جهات دبلوماسية فرنسية، في إشارة إلى ما نسب إلى المندوب الفرنسي في مجلس الأمن جيرار أرو في نهاية الصيف الماضي. ولا تغفل فرنسا التعقيد الثالث، وهو الدور الذي تؤديه إسرائيل "بصبّ الزيت على النار" من حين لآخر، ما يطرح شكوكاً حول إمكان تدخلها في أي لحظة بما يقلب الوضع رأساً على عقب ويرميه في أحضان فوضى مشتتة.

من هنا توصّل أصحاب القرار في الإليزيه إلى اقتناع بضرورة "الذهاب مرة أخرى إلى الفرن"، في إشارة إلى ضرورة الانغماس في الملف علناً، بعدما ثبت أن ما يُسمّى "سيل سان كلو بالتجزئة"، أي استقبال الزعماء اللبنانيين واحداً تلو الآخر، لم يعد يكفي لرد الأذى المرتقب، وبالتالي رأوا تفعيل دور «محور باريس ـــــ دمشق» على خط الأزمة اللبنانية عبر دعوة الرئيس بشار الأسد إلى زيارة عمل قد تكون متلازمة من حيث التوقيت (conconmittante) مع زيارة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، أو تعقبها بـ"فترة وجيزة جداً"، إلا إذا تطلب الأمر "قمة مصغرة" في حال انضمام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني إلى سياق تكرار المجهود الذي "نجح في السابق".

 

  • فريق ماسة
  • 2010-11-25
  • 10954
  • من الأرشيف

صحيفة الأخبار : الرئيس الأسد إلـى فرنسا قريباً لتفعيل محـور دمشق ــ باريس

"على كل حال، سيزور الرئيس بشار الأسد باريس قريباً"، هكذا أنهى أحد المقرّبين من الملف اللبناني في فرنسا تحليله لما تستعدّ باريس لفعله لحلحلة الموضوع المتوتر في لبنان. وكان خبر التوافق الفرنسي السوري على "زيارة عمل" يقوم بها الرئيس الأسد لباريس قد تسرّب منذ ثلاثة أيام، من دون تأكيدها من مصادر موثوقة. إلا أن مرض الملك السعودي عبد الله، وبروز صورة النفق الذي ينتظر الوضع الداخلي اللبناني، دفعا إلى تحرك فرنسي سوف تظهر بوادره في مطلع الأسبوع المقبل. ويؤكد المصدر المقرب من الملف اللبناني أن باريس ترى تسارعاً في الأحداث على خطين متوازيين لا يلتقيان؛ الأول هو تزايد التسريبات بشأن القرار الظني، وخصوصاً أن الأفرقاء في لبنان يبنون على هذه التسريبات "مواقف لا تقود إلى مخرج، بل تزيد الأمور تعقيداً". أما الخط الثاني فهو الذي تحركه الملفات الإقليمية المتشابكة، التي لها "ديناميكية خاصة" لا تأخذ بالضرورة في الحسبان الملف اللبناني فقط، بل تتعامل به على أنه أحد العوامل وليس عاملاً أساسياً. ويكرر المصدر ما لم يكفّ عن ترداده أكثر من دبلوماسي فرنسي: "يعتقد اللبنانيون أن العالم يدور حول مشاكلهم"، إلا أنه لا ينفي "القلق المتزايد" لدى قاطن الإليزيه والمسؤولين من التطورات الأخيرة. ورغم الترحيب الفرنسي بـ "أي محاولة لسحب فتيل الانفجار"، يشير المصدر إلى أن باريس لم يكن "لديها أمل كبير" بما يمكن أن يؤدي إليه مسار "التفاوض بين دمشق والرياض" لأسباب متعددة، أولها ضعف حلقة القرار السعودي بسبب الضباب القائم في أعلى هرم السلطة السياسية وضرورة أخذ أي اتفاق مقبل في الحساب لـ"توجهات الحقبة المقبلة". والثاني ناتج من الحذر الذي يغلّف المفاوضات نتيجة التطورات على الساحة العراقية، التي تنمّ عن "عدم الثقة المتبادلة". السبب الثالث هو الترقب الذي يحيق بالملف الإيراني بسبب إشارات إلى "تصلب أوروبي مقابل ضبابية أميركية". أما المعطى الرابع فهو غياب ردود فعل القاهرة على مسار التجاذب بين دمشق والرياض. تتابع المصادر أنه في ظل هذه الغيوم المتلبدة في الأفق الإقليمي للبنان، لا بد من تحرك يخرج البلد من طيات الجمود في المنطقة لتجنيبه العودة إلى مطبات العنف، وهو ما يقود إلى "مرحلة ضبط إيقاع الدبلوماسية الفرنسية بعودة إلى مربع انطلاق التقارب الفرنسي ـــ السوري"، الذي أوصل إلى نتائج إيجابية لا تريد فرنسا إضاعتها اليوم. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حسب هذه المصادر، "مصمم" على عدم ترك مسألة المحكمة "تبدّد منجزات التوافق في الدوحة"، التي يراها نجاحاً لسياسة "اندفاع عكس التيار"، التي اتّبعها رغم النصائح الأميركية المعاكسة. لذلك، شدد أمام زواره من الصف الأول اللبناني على ضرورة "النظر إلى وجهة مختلفة" في كل مرة جاء حديث "ما يمكن أن يسببه القرار الظني من انعكاسات على الوضع الداخلي اللبناني"، وكان يتطرق إلى الموضوع من ناحية عدم قبول الخوض في مسألة المحكمة بتكراره: "لا نتدخل، لا نستطيع التدخل ولا نريد التدخل". إلا أن هذا لا يعني أن باريس لا تعي خطورة الوضع. هنا، تعود المصادر إلى تعداد التعقيدات اللبنانية التي تواجهها في هذا الملف وهي ثلاثة، أولها تفسير جماعة ١٤ آذار رفض فرنسا التدخل بأنه تأييد لها، وبالمقابل عدّ مؤيدي حزب الله هذا الرفض تأييداً لتسييس المحكمة. كذلك هناك تراكم التسريبات من كل حدب وصوب، حتى من جهات دبلوماسية فرنسية، في إشارة إلى ما نسب إلى المندوب الفرنسي في مجلس الأمن جيرار أرو في نهاية الصيف الماضي. ولا تغفل فرنسا التعقيد الثالث، وهو الدور الذي تؤديه إسرائيل "بصبّ الزيت على النار" من حين لآخر، ما يطرح شكوكاً حول إمكان تدخلها في أي لحظة بما يقلب الوضع رأساً على عقب ويرميه في أحضان فوضى مشتتة. من هنا توصّل أصحاب القرار في الإليزيه إلى اقتناع بضرورة "الذهاب مرة أخرى إلى الفرن"، في إشارة إلى ضرورة الانغماس في الملف علناً، بعدما ثبت أن ما يُسمّى "سيل سان كلو بالتجزئة"، أي استقبال الزعماء اللبنانيين واحداً تلو الآخر، لم يعد يكفي لرد الأذى المرتقب، وبالتالي رأوا تفعيل دور «محور باريس ـــــ دمشق» على خط الأزمة اللبنانية عبر دعوة الرئيس بشار الأسد إلى زيارة عمل قد تكون متلازمة من حيث التوقيت (conconmittante) مع زيارة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، أو تعقبها بـ"فترة وجيزة جداً"، إلا إذا تطلب الأمر "قمة مصغرة" في حال انضمام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني إلى سياق تكرار المجهود الذي "نجح في السابق".  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة