في البدء قالوا دعونا نستنزف إيران وسورية في سورية، واليوم يقولون دعونا نصالح سورية في إيران وبالتالي إيران في سورية.

بهذا يكون الخطأ والحسابات الخاطئة تتكرر بشكل واضح، أولاً لأن الحرب على سورية لم تكن حرباً على إيران، إلا في جانب الملف الإستراتيجي حول فلسطين لا أكثر ولا أقل، وبالتالي استنزاف إيران وسورية هو محاولة استنزاف لفلسطين.

ولم يكن من مبرر للحرب على إيران إلا هذا المبرر وباقي الأسباب ليست سوى ذرائع باهتة أنتجتها مختبرات الإدارة الأميركية - الصهيونية وتبناها أتباعهم.

اليوم يبدو أن الغرب والولايات المتحدة باتوا أكثر قناعة أنهم فشلوا في استنزاف إيران في سورية كما فشلوا في استنزاف سورية فقرروا طَي الملف النووي الإيراني واستعادة العلاقات بينهم وبينها.

تطور سياسي مفصلي في الخارطة الجيو-بوليتيكية للعالم الجديد.

تطور يترافق مع انقلاب السحر على الساحر، فالحلف السوري الإيراني لم يتفكك بل زاد وثوقاً وثقة وروسيا لم تتراجع عن مياه المتوسط بل زادت من رقعة نفوذها على شواطئه لتضم شواطئ تركيا واليونان إلى مسابح أسطولها في المياه الدافئة إضافة إلى الاعتراف الضمني بحقوقها في مجالها الحيوي في شرق أوروبا.

وتزامنا مع هذا دخلت أوروبا في حرب غير معلنة مع حلفائها الإستراتيجيين الذين صنعتهم لتقويض سورية واستعداء إيران فصار (الإسلام التكفيري) العدو الأول لأوروبا وضمناً منابعه الأولى والأساسية وحاضناته. وأن يدفن عرب الصحراء رؤوسهم فإن الحقيقة لا تدفن رأساً ولا ذَنباً فلم يعد هؤلاء في خانة الأصدقاء. ومهما كان فساد المسؤولين الأوروبيين فإنهم لن يستطيعوا حماية رؤوسهم من غضب الشارع وعليهم الاعتراف بالحقيقة أمام شعوبهم.

ولا يمكن أن يفسر الغضب الشعبي العارم في أوروبا على أنه غضب على الإسلام كعقيدة تمظهرت قتلاً وذبحاً وتخلفاً حضارياً وانعدامها لأبسط المعايير والقيم الإنسانية بقدر ما هو غضب على التحالف اللامنطقي واللامصلحي مع المدارس التي أنجبته والتي تستخدم أبشع أساليب الكذب والرياء تحت ستار الدين.

وفي الحوار الداخلي في أوروبا يقولون إن ما قبل 11 كانون الثاني لا يشبه ما بعده بشيء لا على الصعيد الداخلي ولا على الصعيد الدولي.

ويذهبون بعيداً في القول إن تركيا الحالمة أن تكون جزءاً من أوروبا يجب أن تستيقظ من هذا الحلم فلا مكان لها في القارة، لكن البعض يعتقد أن تركيا كانت ضحية مشروع غربي - أميركي- صهيوني - عربي والبعض الآخر يعتبر أنها جزء لا يتجزأ من المشروع، لكن في مطلق الأحوال لم تعد تركيا ولا عرب الصحراء في خانة العناصر الفاعلة التي يمكن الاعتماد عليها في المشاريع الغربية.

هذا التحول ليس نتاج الاتفاق حول النووي الإيراني كما أنه ليس نتيجة لتراجع الغرب عن شرقه في أوكرانيا لروسيا - بوتين، بل نتيجة لسبب واحد هو الصمود السوري الذي هو أيضاً وبشكل من الأشكال كان العامل الأساس في جعل الغرب يراجع حساباته الإستراتيجية وسياساته الخاطئة قبل أن تصبح مميتة لا يمكن التراجع عنها.

وإذا كانت النخب السياسية في فرنسا خاصة وأوروبا عامة قد صعقها هول ما حدث فإنها تتساءل عن التوظيف اليهودي لهذا الحدث وما إذا كان الأمر إعادة إنتاج للهيمنة اليهودية على السلطة في أوروبا وعلى الرأي العام الأوروبي؟ الإجابات ما زالت في طورها الأول لكن في حال استمرت السلطات في أوروبا باعتبار أن المستهدف هم اليهود والضحايا فرنسيون فإنها تضع نفسها في مأزق مع شعبها رغم الماكينة الإعلامية التي وضعتها بتصرف إسرائيل. والسؤال ينتج سؤالا آخر من الصعب أن تجيب عليه القيادة الفرنسية جوابا مقنعا وهو هل كانت تعلم عن عمق التحالف والتنسيق بين التكفيريين الذين تحالفت معهم وإسرائيل؟ فإن كان الجواب نعم فتلك مصيبة وإن كان لا فالمصيبة أعظم.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-18
  • 7805
  • من الأرشيف

مأزق أوروبا بحلفائها

  في البدء قالوا دعونا نستنزف إيران وسورية في سورية، واليوم يقولون دعونا نصالح سورية في إيران وبالتالي إيران في سورية. بهذا يكون الخطأ والحسابات الخاطئة تتكرر بشكل واضح، أولاً لأن الحرب على سورية لم تكن حرباً على إيران، إلا في جانب الملف الإستراتيجي حول فلسطين لا أكثر ولا أقل، وبالتالي استنزاف إيران وسورية هو محاولة استنزاف لفلسطين. ولم يكن من مبرر للحرب على إيران إلا هذا المبرر وباقي الأسباب ليست سوى ذرائع باهتة أنتجتها مختبرات الإدارة الأميركية - الصهيونية وتبناها أتباعهم. اليوم يبدو أن الغرب والولايات المتحدة باتوا أكثر قناعة أنهم فشلوا في استنزاف إيران في سورية كما فشلوا في استنزاف سورية فقرروا طَي الملف النووي الإيراني واستعادة العلاقات بينهم وبينها. تطور سياسي مفصلي في الخارطة الجيو-بوليتيكية للعالم الجديد. تطور يترافق مع انقلاب السحر على الساحر، فالحلف السوري الإيراني لم يتفكك بل زاد وثوقاً وثقة وروسيا لم تتراجع عن مياه المتوسط بل زادت من رقعة نفوذها على شواطئه لتضم شواطئ تركيا واليونان إلى مسابح أسطولها في المياه الدافئة إضافة إلى الاعتراف الضمني بحقوقها في مجالها الحيوي في شرق أوروبا. وتزامنا مع هذا دخلت أوروبا في حرب غير معلنة مع حلفائها الإستراتيجيين الذين صنعتهم لتقويض سورية واستعداء إيران فصار (الإسلام التكفيري) العدو الأول لأوروبا وضمناً منابعه الأولى والأساسية وحاضناته. وأن يدفن عرب الصحراء رؤوسهم فإن الحقيقة لا تدفن رأساً ولا ذَنباً فلم يعد هؤلاء في خانة الأصدقاء. ومهما كان فساد المسؤولين الأوروبيين فإنهم لن يستطيعوا حماية رؤوسهم من غضب الشارع وعليهم الاعتراف بالحقيقة أمام شعوبهم. ولا يمكن أن يفسر الغضب الشعبي العارم في أوروبا على أنه غضب على الإسلام كعقيدة تمظهرت قتلاً وذبحاً وتخلفاً حضارياً وانعدامها لأبسط المعايير والقيم الإنسانية بقدر ما هو غضب على التحالف اللامنطقي واللامصلحي مع المدارس التي أنجبته والتي تستخدم أبشع أساليب الكذب والرياء تحت ستار الدين. وفي الحوار الداخلي في أوروبا يقولون إن ما قبل 11 كانون الثاني لا يشبه ما بعده بشيء لا على الصعيد الداخلي ولا على الصعيد الدولي. ويذهبون بعيداً في القول إن تركيا الحالمة أن تكون جزءاً من أوروبا يجب أن تستيقظ من هذا الحلم فلا مكان لها في القارة، لكن البعض يعتقد أن تركيا كانت ضحية مشروع غربي - أميركي- صهيوني - عربي والبعض الآخر يعتبر أنها جزء لا يتجزأ من المشروع، لكن في مطلق الأحوال لم تعد تركيا ولا عرب الصحراء في خانة العناصر الفاعلة التي يمكن الاعتماد عليها في المشاريع الغربية. هذا التحول ليس نتاج الاتفاق حول النووي الإيراني كما أنه ليس نتيجة لتراجع الغرب عن شرقه في أوكرانيا لروسيا - بوتين، بل نتيجة لسبب واحد هو الصمود السوري الذي هو أيضاً وبشكل من الأشكال كان العامل الأساس في جعل الغرب يراجع حساباته الإستراتيجية وسياساته الخاطئة قبل أن تصبح مميتة لا يمكن التراجع عنها. وإذا كانت النخب السياسية في فرنسا خاصة وأوروبا عامة قد صعقها هول ما حدث فإنها تتساءل عن التوظيف اليهودي لهذا الحدث وما إذا كان الأمر إعادة إنتاج للهيمنة اليهودية على السلطة في أوروبا وعلى الرأي العام الأوروبي؟ الإجابات ما زالت في طورها الأول لكن في حال استمرت السلطات في أوروبا باعتبار أن المستهدف هم اليهود والضحايا فرنسيون فإنها تضع نفسها في مأزق مع شعبها رغم الماكينة الإعلامية التي وضعتها بتصرف إسرائيل. والسؤال ينتج سؤالا آخر من الصعب أن تجيب عليه القيادة الفرنسية جوابا مقنعا وهو هل كانت تعلم عن عمق التحالف والتنسيق بين التكفيريين الذين تحالفت معهم وإسرائيل؟ فإن كان الجواب نعم فتلك مصيبة وإن كان لا فالمصيبة أعظم.

المصدر : الوطن / عيسى الأيوبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة