" إن نجاح أي طرف على مائدة المفاوضات يعتمد على قدرة هذا الطرف على المبالغة في وصف طلباته.. إن السذج فقط هم الذين يبدأون بعرض طلباتهم الحقيقية ”   -هنري كسنجر-

خلال إحدى الحلقات المخصصة للأزمة السورية على محطة الميادين قال هيثم المناع أحد أقطاب المعارضة السورية إن "هناك فارقا في المنسوب بين المعلن وبين ما يجري تحت الطاولة ". جاء ذلك في وصفه لمواقف اللاعبين من الدول في هذه الأزمة. ولا شك أن الرجل ينطلق من معطيات بحكم علاقاته من الغرب إلى الشرق، كما ويتقاطع قوله مع تحليلات سياسية من مكان آخر . كان المعلن هو تنحي الرئيس الأسد. أما غير المعلن فهو الضغط على إيران عبر شبكة مصالحها الاستراتيجية، وفي الطليعة حليفها السوري، لتسجيل نقاط لصالح واشنطن في معمعان "الملف النووي الايراني ".

الأمريكيون أصبحوا على قناعة بان إسقاط النظام السوري بات غير وارد نهائياً ضمن قواعد اللعبة الحالية على الأقل، وهذه الأخيرة ليس من الوارد كسرها لأن البدائل عن النظام لا تشي بالخير بمقاييس المصالح الأمريكية والغربية عموماً، وما حدث في باريس مؤخراً مثال صارخ، والخلاصة ان اللعب بالنار من غير ضوابط سيؤذي كثيراً المصالح الأمريكية في المنطقة وبالتحديد الحليف التركي والأردن وبالتواتر "إسرائيل" ربيبتها، ومصادر الطاقة حيث السعودية ودول الخليج الأخرى، مذكرين هنا أن (داعش) قد جعلتها هدفها التالي صراحةً من غير مواربة، فيما الأردن هدف محتم تحول دونه الجغرافيا حالياً!.

 

الأتراك ما زالوا يعيشون أجواء سنة 2011 اي إسقاط الأسد. وعلى هذه الموجة بقوا مصممين. لم تبارحهم أحلامهم في ان يكونوا يوما رقما مقرراً في (سوريا الغد)! وقد رأوا أن المدخل إلى ذلك يبدأ من إقامة منطقة تحت (حمايتهم) شمال سوريا. انتظروا داعش كي تدخل (عين عرب) فيكونوا هم المخلصين، وعليه حشدوا دباباتهم وجنودهم بالآلاف وانتظروا المجزرة لكي يباشروا تدخلهم كحمائم سلام!! لكن الأمريكيين حذروهم من الوقوع في هذه الورطة الغبية لأن هذا سيفرض تحت تأثير المصلحة والأمر الواقع قيام تحالفات جديدة على الضفة الأخرى من ساحة الصراع، وعندها سيكون على تركيا خوض حرب استنزاف يتمناها لها الحليفان السوري والإيراني، فهذا السيناريو لو قدر ان يحصل لكان قلب الطاولة راساً على عقب، طارحا قواعد جديدة للعبة.

لعبة عض الاصابع مع طهران

ومن ناحية أخرى ولكي يقطع الأمريكيون الطريق على تركيا رسمت قاذفاتهم بقصف مسلحي داعش في محيط عين عرب خريطة الطريق أمام الأتراك. نائب الرئيس الأمريكي قرأ الدرس على أردوغان وأفهمه أن يكف عن دعم داعش بدون قيود وضوابط ، فيما المطلوب هو برمجة هذا الدعم ليس أكثر وفي حدود إبقاء داعش في منزلة بين منزلتين لا هي بالظافرة ولا هي بالمهزومة ولكي تبقى على ما هو مخطط لها مجرد عامل لاستثارة الفوضى والاستنزاف، وهذان هما عنصرا الضغط على إيران من خلال سوريا أبرز حلفائها في المنطقة. وبالتالي الابتزاز في لعبة عض الأصابع مع ايران كما اسلفنا، وعليه وعلى خلفية ما يحصل في (عين عرب  أُفهم اردوغان أن حرية حركته تنحصر في حدود التكتيك الميداني خدمةً للهدف الحيوي وهو في هذه المرحلة بالتحديد ينحصر في عدم تمكين اي طرف من أطراف الصراع في سوريا من تحقيق نصر ناجز على الساحة.. وعلى هذا استوت اللعبة من الجانب الأمريكي على شكل من توزيع الأدوار على النحو التالي: تعطي امريكا باليد اليمنى جرعات من القوة لداعش عبر تركيا، وتسلبها باليد اليسرى اي فائض في القوة عبر الضربات الجوية (لقوات التحالف).

وبالفعل فإن جرعات القوة على مستوى التسليح مدروسة ومقنونة، إذ لم تمتلك داعش من الأسلحة مبتغاها، ولا مثيلتها النصرة، وكذلك الحال من قبل مع ما سمّي "الجيش الحر"!!..لكن أما كان يفترض هذا رجاحةً في ميزان القوى لصالح الجيش السوري لو أن هذا الأخير يمتلك نسبياً تفوقا ساحقا يمكنه من حسم المعركة او على الأقل تحقيق انجازات بوتيرة أعلى تفوق التي حصّلها في الأشهر الأخيرة؟ فلماذا لا يكون هذا التفوق كاسحاً؟!!. وماذا وراء الأكمة؟!!..

السؤال القلق هذا ينطلق من معطيات حسية، يكفي أن نستعرض صفقة الأسلحة المنوي تقديمها لمصر –وبتمويل سعودي!- وما تحتويه من أنواع متقدمة من طائرات قاذفة ومروحيات وصواريخ ارض جو، وكذلك الحال فيما ينوي تقديمه للجزائر، يكفي هذا مقارنة بما لدى سوريا من أسلحة وتقنيات عسكرية قديمة بعضها يعود لسبعينات القرن الماضي حتى يكون القلق مبررا والسؤال في محله. ترى هل وراء هذا الأحجام الروسي حرص على عدم إقلاق "إسرائيل"!! ..

استطراداً وفي ذات السياق فإن القلق الصهيوني لا ينسحب على الجزائر كونها بعيدة عن كيانه، ولا على مصر المستقيلة من الصراع العربي الاسرائيلي منذ أمد بعيد،إن لم نقل (الشريك الاستراتيجي) لاسرائيل بالنظر لحصار مصر لقطاع غزة!.. كان المأمول أن لا يستمر هذا (الحرص!!) الروسي على سقفه المنخفض بعد ان تجاوزت امريكا الخطوط الحمراء في اوكرانيا بتحويلها إلى راس حربة أطلسية في وجه روسيا!! وأن يأتي الرد من موسكو على هذا بكسر قواعد اللعبة، وإمداد سوريا بالأسلحة المتطورة، على سبيل المثال تقنيات المسح الجوي عن قرب لكشف مواقع الأنفاق وغيرها من طائرات مروحية وقاذفة تغني عن استعمال (البراميل المتفجرة)!!! كل هذا وسواه مثار استهجان وشكوى العديد من خبراء عرب من أهل الاختصاص لا سيما وأن سوريا حليف تاريخي لروسيا، ومصالحها عملياً في سوريا متوقفة على مصير النظام في سوريا  فيما هي تعرف أن البدائل عنه محسوبة على الغرب بالتمام. ومنها القوى التي انفتحت الدبلوماسية الروسية عليها!! وهنا تستوقفنا المفارقة إذ كيف يمكن لهذه الدبلوماسية أن تكون مسموعة او مهابة الجانب وهي لا تملك ورقة قوية على الجبهة السورية فيما أمريكا تتجاسر عليها رافعةً من وتيرة الضغط عليها مستعملة عدة أوراق، اوكرانيا ولعبة تخفيض أسعار النفط!!. إنها لمفارقة فعلاً، وروسيا تدرك تماماً أن نظام الرئيس الأسد هو بالنسبة لها خيار صفري لا بديل عنه.

بناء على ما تقدم يبدو الحل السوري معلقاً بانتظار ان تكسر روسيا قواعد اللعبة وبانتظار نتائج معركة العراق حيث ايران حريصة قبل الذهاب للتباحث مع الأمريكين في أذار القادم أن يكون في جعبتها نصر واضح على داعش التي تقبع في وسط العراق وعلى مسافة غير بعيدة من حدودها الغربية. جدول الأولويات الايراني مفهوم ومبرر فيما الضبابية تحيط بالأجندة الروسية.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-01-16
  • 8836
  • من الأرشيف

عن الحل المعلق...متى تكسر موسكو قواعد اللعبة في سوريا؟ بقلم لؤي حسين

  " إن نجاح أي طرف على مائدة المفاوضات يعتمد على قدرة هذا الطرف على المبالغة في وصف طلباته.. إن السذج فقط هم الذين يبدأون بعرض طلباتهم الحقيقية ”   -هنري كسنجر- خلال إحدى الحلقات المخصصة للأزمة السورية على محطة الميادين قال هيثم المناع أحد أقطاب المعارضة السورية إن "هناك فارقا في المنسوب بين المعلن وبين ما يجري تحت الطاولة ". جاء ذلك في وصفه لمواقف اللاعبين من الدول في هذه الأزمة. ولا شك أن الرجل ينطلق من معطيات بحكم علاقاته من الغرب إلى الشرق، كما ويتقاطع قوله مع تحليلات سياسية من مكان آخر . كان المعلن هو تنحي الرئيس الأسد. أما غير المعلن فهو الضغط على إيران عبر شبكة مصالحها الاستراتيجية، وفي الطليعة حليفها السوري، لتسجيل نقاط لصالح واشنطن في معمعان "الملف النووي الايراني ". الأمريكيون أصبحوا على قناعة بان إسقاط النظام السوري بات غير وارد نهائياً ضمن قواعد اللعبة الحالية على الأقل، وهذه الأخيرة ليس من الوارد كسرها لأن البدائل عن النظام لا تشي بالخير بمقاييس المصالح الأمريكية والغربية عموماً، وما حدث في باريس مؤخراً مثال صارخ، والخلاصة ان اللعب بالنار من غير ضوابط سيؤذي كثيراً المصالح الأمريكية في المنطقة وبالتحديد الحليف التركي والأردن وبالتواتر "إسرائيل" ربيبتها، ومصادر الطاقة حيث السعودية ودول الخليج الأخرى، مذكرين هنا أن (داعش) قد جعلتها هدفها التالي صراحةً من غير مواربة، فيما الأردن هدف محتم تحول دونه الجغرافيا حالياً!.   الأتراك ما زالوا يعيشون أجواء سنة 2011 اي إسقاط الأسد. وعلى هذه الموجة بقوا مصممين. لم تبارحهم أحلامهم في ان يكونوا يوما رقما مقرراً في (سوريا الغد)! وقد رأوا أن المدخل إلى ذلك يبدأ من إقامة منطقة تحت (حمايتهم) شمال سوريا. انتظروا داعش كي تدخل (عين عرب) فيكونوا هم المخلصين، وعليه حشدوا دباباتهم وجنودهم بالآلاف وانتظروا المجزرة لكي يباشروا تدخلهم كحمائم سلام!! لكن الأمريكيين حذروهم من الوقوع في هذه الورطة الغبية لأن هذا سيفرض تحت تأثير المصلحة والأمر الواقع قيام تحالفات جديدة على الضفة الأخرى من ساحة الصراع، وعندها سيكون على تركيا خوض حرب استنزاف يتمناها لها الحليفان السوري والإيراني، فهذا السيناريو لو قدر ان يحصل لكان قلب الطاولة راساً على عقب، طارحا قواعد جديدة للعبة. لعبة عض الاصابع مع طهران ومن ناحية أخرى ولكي يقطع الأمريكيون الطريق على تركيا رسمت قاذفاتهم بقصف مسلحي داعش في محيط عين عرب خريطة الطريق أمام الأتراك. نائب الرئيس الأمريكي قرأ الدرس على أردوغان وأفهمه أن يكف عن دعم داعش بدون قيود وضوابط ، فيما المطلوب هو برمجة هذا الدعم ليس أكثر وفي حدود إبقاء داعش في منزلة بين منزلتين لا هي بالظافرة ولا هي بالمهزومة ولكي تبقى على ما هو مخطط لها مجرد عامل لاستثارة الفوضى والاستنزاف، وهذان هما عنصرا الضغط على إيران من خلال سوريا أبرز حلفائها في المنطقة. وبالتالي الابتزاز في لعبة عض الأصابع مع ايران كما اسلفنا، وعليه وعلى خلفية ما يحصل في (عين عرب  أُفهم اردوغان أن حرية حركته تنحصر في حدود التكتيك الميداني خدمةً للهدف الحيوي وهو في هذه المرحلة بالتحديد ينحصر في عدم تمكين اي طرف من أطراف الصراع في سوريا من تحقيق نصر ناجز على الساحة.. وعلى هذا استوت اللعبة من الجانب الأمريكي على شكل من توزيع الأدوار على النحو التالي: تعطي امريكا باليد اليمنى جرعات من القوة لداعش عبر تركيا، وتسلبها باليد اليسرى اي فائض في القوة عبر الضربات الجوية (لقوات التحالف). وبالفعل فإن جرعات القوة على مستوى التسليح مدروسة ومقنونة، إذ لم تمتلك داعش من الأسلحة مبتغاها، ولا مثيلتها النصرة، وكذلك الحال من قبل مع ما سمّي "الجيش الحر"!!..لكن أما كان يفترض هذا رجاحةً في ميزان القوى لصالح الجيش السوري لو أن هذا الأخير يمتلك نسبياً تفوقا ساحقا يمكنه من حسم المعركة او على الأقل تحقيق انجازات بوتيرة أعلى تفوق التي حصّلها في الأشهر الأخيرة؟ فلماذا لا يكون هذا التفوق كاسحاً؟!!. وماذا وراء الأكمة؟!!.. السؤال القلق هذا ينطلق من معطيات حسية، يكفي أن نستعرض صفقة الأسلحة المنوي تقديمها لمصر –وبتمويل سعودي!- وما تحتويه من أنواع متقدمة من طائرات قاذفة ومروحيات وصواريخ ارض جو، وكذلك الحال فيما ينوي تقديمه للجزائر، يكفي هذا مقارنة بما لدى سوريا من أسلحة وتقنيات عسكرية قديمة بعضها يعود لسبعينات القرن الماضي حتى يكون القلق مبررا والسؤال في محله. ترى هل وراء هذا الأحجام الروسي حرص على عدم إقلاق "إسرائيل"!! .. استطراداً وفي ذات السياق فإن القلق الصهيوني لا ينسحب على الجزائر كونها بعيدة عن كيانه، ولا على مصر المستقيلة من الصراع العربي الاسرائيلي منذ أمد بعيد،إن لم نقل (الشريك الاستراتيجي) لاسرائيل بالنظر لحصار مصر لقطاع غزة!.. كان المأمول أن لا يستمر هذا (الحرص!!) الروسي على سقفه المنخفض بعد ان تجاوزت امريكا الخطوط الحمراء في اوكرانيا بتحويلها إلى راس حربة أطلسية في وجه روسيا!! وأن يأتي الرد من موسكو على هذا بكسر قواعد اللعبة، وإمداد سوريا بالأسلحة المتطورة، على سبيل المثال تقنيات المسح الجوي عن قرب لكشف مواقع الأنفاق وغيرها من طائرات مروحية وقاذفة تغني عن استعمال (البراميل المتفجرة)!!! كل هذا وسواه مثار استهجان وشكوى العديد من خبراء عرب من أهل الاختصاص لا سيما وأن سوريا حليف تاريخي لروسيا، ومصالحها عملياً في سوريا متوقفة على مصير النظام في سوريا  فيما هي تعرف أن البدائل عنه محسوبة على الغرب بالتمام. ومنها القوى التي انفتحت الدبلوماسية الروسية عليها!! وهنا تستوقفنا المفارقة إذ كيف يمكن لهذه الدبلوماسية أن تكون مسموعة او مهابة الجانب وهي لا تملك ورقة قوية على الجبهة السورية فيما أمريكا تتجاسر عليها رافعةً من وتيرة الضغط عليها مستعملة عدة أوراق، اوكرانيا ولعبة تخفيض أسعار النفط!!. إنها لمفارقة فعلاً، وروسيا تدرك تماماً أن نظام الرئيس الأسد هو بالنسبة لها خيار صفري لا بديل عنه. بناء على ما تقدم يبدو الحل السوري معلقاً بانتظار ان تكسر روسيا قواعد اللعبة وبانتظار نتائج معركة العراق حيث ايران حريصة قبل الذهاب للتباحث مع الأمريكين في أذار القادم أن يكون في جعبتها نصر واضح على داعش التي تقبع في وسط العراق وعلى مسافة غير بعيدة من حدودها الغربية. جدول الأولويات الايراني مفهوم ومبرر فيما الضبابية تحيط بالأجندة الروسية.  

المصدر : لؤي حسين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة