دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الباجي قايد السبسي... الاسم الأكثر تداولاً على صفحات الصحف العربية ...رئيس تونس الجديد الذي من المنتظر أن يؤدي اليمين الدستوري أمام المجلس التأسيسي قريباً يقدم نفسه كإمتداد للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، بل إنه ظهر في مقاطع دعائية مصورة للإنتخابات كشبيه لـ"الزعيم بورقيبة" الذي يُنظر له كزعيم محرر للبلاد من الإستعمار، لذلك فإن فوزه يشكل إنتكاسة لرموز ثورة الربيع العربي، ورسالة إخفاق لتجربة تحالف حكومة الترويكا التي قادها حزب النهضة الإسلامي.
منذ قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية خرجت السياسة الخارجية لتونس عن أهم تقاليدها بإلتزام الحياد تجاه علاقاتها مع محيطها العربي، حيث تحول ملف إعادة العلاقات مع الدولة السورية إلى بند ثابت في برامج أغلب المترشحين للرئاسة، لكن الآن وفي غمرة هزيمة الإسلام السياسي في تونس وفوز السبسي فإن الأولوية التي وضعها هي عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسورية بإعتبارها مطلباً شعبياً، ولأن عودة العلاقات الدبلوماسية بين سورية وتونس تخدم مصالح الشعبين اللذين يرفضان حكم "الإخوان المسلمين" المتحالفين مع الحركات الإرهابية التكفيرية، وتخدم أيضاً الأمن والإستقرار لسورية وتونس، ولاسيما أن أكبر كتلة بشرية من الإرهابيين الذين جاؤوا يقاتلون في سورية هي من التونسيين.
في سياق متصل إن عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وتونس تشير إلى أن المراهنة على التدخل الخارجي لإسقاط النظام السوري باءت بالفشل، فتونس تدرك جيداً أن موافقتها على القطيعة مع سورية كانت متسرعة وغير مجدية، وهي تحاول الآن بشكل أو بآخر أن تستعيد مواقعها، غير أن إستمرار دول عربية أخرى في قطيعة دمشق، ينذر لها بإرتدادت تهددها، نتيجة عدم قدرتها على التكيف مع المتغيرات والتطورات الراهنة، ومن أهم هذه الإرتدادات هي نشوء “تنظيم داعش” وتمدده في البلدان العربية بل والمنطقة بأكملها، وربما شرذمة هذه البلدان وتفتيتها، وبالتالي الوصول الى الفوضى الخلاقة، فضلاً عن إنتشار الآفات الإجتماعية والثقافية، فتدمير سورية وإنهيارها، ستمدد نيرانها الى باقي دول المنطقة وخاصة المجاورة التي أصبح أهلها في مركب واحد، ولا يبدو التعويل على إنقاذ بلد من دون آخر ممكناً، فإستمرار بعض الدول بالمراهنة على إسقاط سورية، تبدو مراهنة على إغراق المركب، لكن إعادة النظر بالسياسة التي أدت إلى القطيعة مع سورية، قد تفتح باب التراجع خطوة إلى الوراء، من أجل التقدم خطوتين نحو حفظ سورية وإستقرارها، وحماية أخوانها العرب.
وبمفهوم الزمن والتاريخ والثقافة والحضارة لن يكون التوتر في العلاقات بين البلدين سوى إستثناء وغيمة صيف في سماء العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، لذا لا بد من عودة العلاقات بين الشعب الواحد في سورية وتونس، خاصة أمام تعالي الأصوات المنادية بضرورة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية ومعالجة هذا الملف الذي تسببت فيه الحكومة السابقة برئاسة حركة النهضة الإسلامية، كون إن كلا البلدين لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية، إذ يجب أن تبقى سورية وتونس على وئام ووفاق إنطلاقاً من إستيعاب دروس التاريخ وعبره.
وعلى ضوء ذلك يمكن أن أضع سيناريوهين لاتجاه العلاقات السورية التونسية بناء على مدى تأثرها بمتغيرات البيئة العربية والإقليمية والدولية هما:
السيناريو الأول: إستمرار الفتور في العلاقات السورية التونسية، إذ أن هذا السيناريو مرتبط باستمرار حالة الخلل في التوازن على كافة المستويات الإقليمية والدولية، ويستند على العمل على غرس مظاهر التشتت والفرقة في الواقع العربي وغياب مظاهر التعاون والتنسيق بين الدول العربية.
السيناريو الثاني: إعادة تمتين وبناء العلاقات السورية التونسية واتجاهها نحو التنسيق والتعاون، وهذا السيناريو مرتبط بخصوصية العلاقات السورية التونسية وتميزها انطلاقاً من استمرارية العمل والتنسيق لمواجهة التحديات داخل البلدين على كافة المستويات، ويستند هذا السيناريو إلى إقامة علاقات واسعة من التعاون والتنسيق متعددة الجوانب، وفي إطار ذلك أرى أن السيناريو الثاني هو أكثر الاحتمالات حدوثاً وذلك لتوفر كافة الأسس التاريخية والموضوعية لتحقيقه.
إن ما سبق يؤكد حاجة البلدين الى آليات تساعد على تحديد الأسس أو الأرضية المشتركة التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات السورية التونسية في ضوء المعطيات الراهنة للوصل الى أقرب نقطة ممكنة للحد من القيود والضغوط الاقليمية والدولية اللذان تتعرضان لهما في ظل هذه التحديات، وبذلك تكون العلاقات السورية التونسية قد وضعت على السكة الصحيحة وإن الإستمرار في تطويرها مسؤولية الجانبين معا وهي تخدم الشعبين والبلدين وتسهم في استقرار المنطقة وتقوية الموقف العربي في وجه التحديات المختلفة، وهناك فرصة جيِّدة وجديّة لترجمة النتائج والتفاهمات والتصوّر المشترك بينهما التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات السورية التونسية في ضوء المعطيات الراهنة.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من دمشق والدول العربية، وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات متينة وإيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وعلى البلدان العربية التي تعيش في حالة من الحيرة والتردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول الى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب ان يلجأ محور أعداء دمشق الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها، وبإختصار شديد إن تطور العلاقات السورية التونسية هو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات في المنطقة.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة