أقل ما يمكن ان يقال عما كشفه تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عن اساليب التعذيب   التي استخدمها محققو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" مع المعتقلين من "القاعدة" و"طالبان" بعد هجمات 11 ايلول،انها تجعل الولايات المتحدة تبدو كأنها دولة تنتمي الى العالم الثالث وليست كما تصوّر نفسها دولة القانون والقيم التي تعلي حقوق الانسان شأناً كما لم تفعل دولة اخرى في العالم.

لقد كان جلَ همّ الرئيس الاميركي باراك اوباما بعد نشر التقرير ألا تتقوض "السلطة المعنوية للولايات المتحدة" في انحاء العالم. فأميركا لا تريد ان تكون في موقع المتهم، وهي التي اعتادت توجيه الاتهامات الى الدول الاخرى بانتهاك حقوق الانسان وممارسة التعذيب في السجون والاعتقال مدداً طويلة من دون توجيه اتهام.

واذا كان الكثير من المسؤولين الاميركيين قد استفظعوا ممارسات "السي آي إي" الواردة في التقرير، فماذا يقولون في غزو أفغانستان والعراق باسم محاربة الارهاب وما نجم عن هذين الغزوين من قتل ودمار، من غير ان يختفي الارهاب الذي يطل بتنظيمات جديدة ويوسع رقعة انتشاره بين أفغانستان والمغرب العربي مروراً بالعراق وسوريا؟

وليست ممارسات التعذيب هي الجريمة الاخلاقية الوحيدة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في سياق ردها الانتقامي على ارهاب 11 ايلول، بل انها أذكت الحرب الطائفية (السنية - الشيعية) بعد غزوها العراق ولا يزال الهلال الخصيب يحترق بنارها.

الوارد في تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، هو ذلك الجزء من الرد الانتقامي الذي لا يريد المسؤولون الاميركيون ان يكون جزءاً من صورتهم التي صنعوها لأنفسهم والتي فرضوها على العالم. فهم لا يريدون ان يُقال إن أميركا تمارس التعذيب الوحشي مثلها مثل أي دولة يحكمها نظام استبدادي متخلف. وهم لا يريدون ان يقال ان اميركا فرضت على دول كانت تدور في الكتلة السوفياتية السابقة، ان تقبل بممارسات كانت تؤخذ على الانظمة الشيوعية السابقة في هذه الدول وخصوصاً بولونيا ورومانيا والجمهورية التشيكية التي باتت تابعة كليا للولايات المتحدة تماماً كما كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، حتى ليبدو ان حجم التغيير في هذه الدول اقتصر على استبدال تبعية بتبعية اخرى وإلا كيف تقبل هذه الدول باقامة سجون سرية لـ"السي آي إي" على اراضيها وممارسة التعذيب فيها؟!

في العشرينات من القرن الماضي كتب انطون سعادة عن "سقوط الولايات المتحدة من عالم الانسانية الادبي". انه سقوط لا يبدأ من تعذيب مارسته "السي آي إي" وانما هو شيء متأصل في مجمل السياسة الاميركية منذ قرن وحتى الآن.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-13
  • 9899
  • من الأرشيف

أميركا على حقيقتها

أقل ما يمكن ان يقال عما كشفه تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عن اساليب التعذيب   التي استخدمها محققو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" مع المعتقلين من "القاعدة" و"طالبان" بعد هجمات 11 ايلول،انها تجعل الولايات المتحدة تبدو كأنها دولة تنتمي الى العالم الثالث وليست كما تصوّر نفسها دولة القانون والقيم التي تعلي حقوق الانسان شأناً كما لم تفعل دولة اخرى في العالم. لقد كان جلَ همّ الرئيس الاميركي باراك اوباما بعد نشر التقرير ألا تتقوض "السلطة المعنوية للولايات المتحدة" في انحاء العالم. فأميركا لا تريد ان تكون في موقع المتهم، وهي التي اعتادت توجيه الاتهامات الى الدول الاخرى بانتهاك حقوق الانسان وممارسة التعذيب في السجون والاعتقال مدداً طويلة من دون توجيه اتهام. واذا كان الكثير من المسؤولين الاميركيين قد استفظعوا ممارسات "السي آي إي" الواردة في التقرير، فماذا يقولون في غزو أفغانستان والعراق باسم محاربة الارهاب وما نجم عن هذين الغزوين من قتل ودمار، من غير ان يختفي الارهاب الذي يطل بتنظيمات جديدة ويوسع رقعة انتشاره بين أفغانستان والمغرب العربي مروراً بالعراق وسوريا؟ وليست ممارسات التعذيب هي الجريمة الاخلاقية الوحيدة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في سياق ردها الانتقامي على ارهاب 11 ايلول، بل انها أذكت الحرب الطائفية (السنية - الشيعية) بعد غزوها العراق ولا يزال الهلال الخصيب يحترق بنارها. الوارد في تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، هو ذلك الجزء من الرد الانتقامي الذي لا يريد المسؤولون الاميركيون ان يكون جزءاً من صورتهم التي صنعوها لأنفسهم والتي فرضوها على العالم. فهم لا يريدون ان يُقال إن أميركا تمارس التعذيب الوحشي مثلها مثل أي دولة يحكمها نظام استبدادي متخلف. وهم لا يريدون ان يقال ان اميركا فرضت على دول كانت تدور في الكتلة السوفياتية السابقة، ان تقبل بممارسات كانت تؤخذ على الانظمة الشيوعية السابقة في هذه الدول وخصوصاً بولونيا ورومانيا والجمهورية التشيكية التي باتت تابعة كليا للولايات المتحدة تماماً كما كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، حتى ليبدو ان حجم التغيير في هذه الدول اقتصر على استبدال تبعية بتبعية اخرى وإلا كيف تقبل هذه الدول باقامة سجون سرية لـ"السي آي إي" على اراضيها وممارسة التعذيب فيها؟! في العشرينات من القرن الماضي كتب انطون سعادة عن "سقوط الولايات المتحدة من عالم الانسانية الادبي". انه سقوط لا يبدأ من تعذيب مارسته "السي آي إي" وانما هو شيء متأصل في مجمل السياسة الاميركية منذ قرن وحتى الآن.

المصدر : النهار / سميح صعب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة