يرجع الكثيرون الحديث عن أي دور إسرائيلي، في العالم العربي، إلى "نظرية المؤامرة" التي يرفضونها، لكن الأحداث التاريخية تثبت بأن هذه الدولة، المفترض أنها "عدوة"، كانت حاضرة على الدوام لإستغلال التطورات، بالشكل الذي يخدم مصالحها بأي شكل من الأشكال، بدءا من القضاء على حركات المقاومة التي تعتبر الخطر الأول على وجودها في المنطقة.

منذ بداية ما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي"، كانت مراكز صنع القرار الإسرائيلي تراقب التطورات الحاصلة على صعيد بعض الدول العربية، لا سيما في كل من سوريا ومصر، بشكل دقيق، وتحلل ما يجري لدعم هذا التوجه أو ذاك، الأمر الذي دفعها إلى التدخل مباشرة في المشهد السوري، عبر شن الغارات الجوية التي إستهدفت مراكز عسكرية سورية ودعم بعض المجموعات المسلحة الناشطة على حدودها في منطقة الجولان على مدى أشهر طويلة.

في المرحلة الراهنة، بات الحديث عن محاربة الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة، لا سيما تلك التابعة لتنظيم "القاعدة" أو المشتقة منه كتنظيم "الدولة الإسلامية"، هو الطاغي على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن أجل ذلك تم تشكيل تحالف دولي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، يضم عشرات الدول العربية والغربية، لكن المفارقة هي ما أعلن عنه وزير الخارجية الأميركية جون كيري قبل أيام عن تبلغه باستعداد دول عربية للتعاون مع إسرائيل في محاربة "الإرهاب"، والذي استتبع بما نقلته وكالة "رويترز" العالمية، عن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير، حول السعي الإسرائيلي الى التعاون مع الجيش اللبناني في محاربة المتشددين، ولو عبر وسطاء.

في هذا السياق، يمكن الإنطلاق من كلام كيري لفهم حقيقة ما يطرح، حتى ولو كان الموضوع لا يزال في طور البحث النظري، حيث كشف كيري، في كلمة له أمام منتدى سابان التابع لمعهد "بروكينغز" في واشنطن، أن هناك دولاً عربية مستعدة لصنع السلام مع إسرائيل بهدف التحالف معها ضد حركة "حماس" وتنظيم "داعش"، معتبراً أن العنف الحالي في الشرق الأوسط أظهر وجود فرصة لتشكيل تحالف إقليمي جديد يضم إسرائيل ودولا عربية، ومؤكداً أن الولايات المتحدة ستكون "مقصرة ومهملة" إذا لم تستغل ذلك.

كلام رئيس الدبلوماسية الأميركية، يعني أن الهدف الأساس من هذا الطرح هو تحقيق المصالح الإسرائيلية، من خلال توسيع نطاق مفهوم الإرهاب ليشمل منظمات مقاومة، والحديث اليوم يقتصر على حركة "حماس" لكن غداً قد يمتد ليشمل غيرها من الحركات، ويأتي على رأسها كلٌ من "حزب الله" وحركة "الجهاد الإسلامي"، لتتحول إسرائيل في نظر الشعوب العربية التي تعاني من خطر التنظيمات الإرهابية إلى "المنقذ"، الأمر الذي من غير المستبعد أن توافق عليه بعض الدول الإقليمية التي تعتبر أصلاً أن بعض حركات المقاومة هذه "إرهابية".

من هذا المنطلق، الذي قد لا يبدو بعيداً في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما نجح المحور الغربي في تحقيق بعض أهدافه، سيكون الجانب الإسرائيلي هو المستفيد الأول، عبر تشكيل حلف دولي يعلن الحرب على أعدائه، ويساعده في التخلص من الأخطار التي تهدد وجوده، لكن في المقلب الآخر سيؤدي ذلك إلى غرق العديد من الدول العربية في حروب أهلية طويلة، تحديدا لبنان وسوريا، حيث يشهد هذان البلدان إنقساما كبيرا حول عمل فصائل المقاومة، نظراً إلى الإنقسام المذهبي الذي اتسمت به الأحداث في السنوات الأخيرة، حيث بات سلاح "حزب الله" موضع خلاف بين اللبنانيين بعد أن كان يحظى بشبه إجماع علني في السابق.

ما تغفل عنه بعض الدول العربية والغربية، لا سيما الولايات المتحدة، في هذه المرحلة، هو أن مثل هذا الطرح يصب مباشرة في خانة الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم "القاعدة"، التي من الممكن أن تستغله في خطابها لكسب المزيد من الإحتضان الشعبي لها، خصوصاً أن في طروحاتها الأساسية تشير إلى الدعم الأميركي لإسرائيل، وتعتبر القضية الفلسطينية على رأس الاسباب التي ادت الى بروز نجمها، ناهيك عن أن القسم الأكبر من الشعوب العربية لن يستطيع هضم فكرة التحالف مع العدو التاريخي لها، حتى ولو كان ذلك لمواجهة الإرهاب.

في المحصلة، ما يعتبر مستحيلاً اليوم، من وجهة نظر البعض، قد يصبح أمراً واقعاً غداً، لا سيما إذا ما قدمت له المبررات المنطقية اللازمة، ولا يجب إهمال أن هناك تنظيماً، كان الحديث في العراق، قبل بعض السنوات، يتمحور حول القضاء عليه، يشكل اليوم "دولة" قائمة تتمتع بكافة مقومات البقاء، حتى لو لم يعترف بها أحد حتى الآن، فالحكومة الأفغانية أيام حكم حركة "طالبان" لم تعترف بها إلا ثلاثة دول فقط.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-11
  • 13685
  • من الأرشيف

احذروا الدور الإسرائيلي في محاربة "الإرهاب"!

يرجع الكثيرون الحديث عن أي دور إسرائيلي، في العالم العربي، إلى "نظرية المؤامرة" التي يرفضونها، لكن الأحداث التاريخية تثبت بأن هذه الدولة، المفترض أنها "عدوة"، كانت حاضرة على الدوام لإستغلال التطورات، بالشكل الذي يخدم مصالحها بأي شكل من الأشكال، بدءا من القضاء على حركات المقاومة التي تعتبر الخطر الأول على وجودها في المنطقة. منذ بداية ما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي"، كانت مراكز صنع القرار الإسرائيلي تراقب التطورات الحاصلة على صعيد بعض الدول العربية، لا سيما في كل من سوريا ومصر، بشكل دقيق، وتحلل ما يجري لدعم هذا التوجه أو ذاك، الأمر الذي دفعها إلى التدخل مباشرة في المشهد السوري، عبر شن الغارات الجوية التي إستهدفت مراكز عسكرية سورية ودعم بعض المجموعات المسلحة الناشطة على حدودها في منطقة الجولان على مدى أشهر طويلة. في المرحلة الراهنة، بات الحديث عن محاربة الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة، لا سيما تلك التابعة لتنظيم "القاعدة" أو المشتقة منه كتنظيم "الدولة الإسلامية"، هو الطاغي على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن أجل ذلك تم تشكيل تحالف دولي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، يضم عشرات الدول العربية والغربية، لكن المفارقة هي ما أعلن عنه وزير الخارجية الأميركية جون كيري قبل أيام عن تبلغه باستعداد دول عربية للتعاون مع إسرائيل في محاربة "الإرهاب"، والذي استتبع بما نقلته وكالة "رويترز" العالمية، عن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير، حول السعي الإسرائيلي الى التعاون مع الجيش اللبناني في محاربة المتشددين، ولو عبر وسطاء. في هذا السياق، يمكن الإنطلاق من كلام كيري لفهم حقيقة ما يطرح، حتى ولو كان الموضوع لا يزال في طور البحث النظري، حيث كشف كيري، في كلمة له أمام منتدى سابان التابع لمعهد "بروكينغز" في واشنطن، أن هناك دولاً عربية مستعدة لصنع السلام مع إسرائيل بهدف التحالف معها ضد حركة "حماس" وتنظيم "داعش"، معتبراً أن العنف الحالي في الشرق الأوسط أظهر وجود فرصة لتشكيل تحالف إقليمي جديد يضم إسرائيل ودولا عربية، ومؤكداً أن الولايات المتحدة ستكون "مقصرة ومهملة" إذا لم تستغل ذلك. كلام رئيس الدبلوماسية الأميركية، يعني أن الهدف الأساس من هذا الطرح هو تحقيق المصالح الإسرائيلية، من خلال توسيع نطاق مفهوم الإرهاب ليشمل منظمات مقاومة، والحديث اليوم يقتصر على حركة "حماس" لكن غداً قد يمتد ليشمل غيرها من الحركات، ويأتي على رأسها كلٌ من "حزب الله" وحركة "الجهاد الإسلامي"، لتتحول إسرائيل في نظر الشعوب العربية التي تعاني من خطر التنظيمات الإرهابية إلى "المنقذ"، الأمر الذي من غير المستبعد أن توافق عليه بعض الدول الإقليمية التي تعتبر أصلاً أن بعض حركات المقاومة هذه "إرهابية". من هذا المنطلق، الذي قد لا يبدو بعيداً في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما نجح المحور الغربي في تحقيق بعض أهدافه، سيكون الجانب الإسرائيلي هو المستفيد الأول، عبر تشكيل حلف دولي يعلن الحرب على أعدائه، ويساعده في التخلص من الأخطار التي تهدد وجوده، لكن في المقلب الآخر سيؤدي ذلك إلى غرق العديد من الدول العربية في حروب أهلية طويلة، تحديدا لبنان وسوريا، حيث يشهد هذان البلدان إنقساما كبيرا حول عمل فصائل المقاومة، نظراً إلى الإنقسام المذهبي الذي اتسمت به الأحداث في السنوات الأخيرة، حيث بات سلاح "حزب الله" موضع خلاف بين اللبنانيين بعد أن كان يحظى بشبه إجماع علني في السابق. ما تغفل عنه بعض الدول العربية والغربية، لا سيما الولايات المتحدة، في هذه المرحلة، هو أن مثل هذا الطرح يصب مباشرة في خانة الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم "القاعدة"، التي من الممكن أن تستغله في خطابها لكسب المزيد من الإحتضان الشعبي لها، خصوصاً أن في طروحاتها الأساسية تشير إلى الدعم الأميركي لإسرائيل، وتعتبر القضية الفلسطينية على رأس الاسباب التي ادت الى بروز نجمها، ناهيك عن أن القسم الأكبر من الشعوب العربية لن يستطيع هضم فكرة التحالف مع العدو التاريخي لها، حتى ولو كان ذلك لمواجهة الإرهاب. في المحصلة، ما يعتبر مستحيلاً اليوم، من وجهة نظر البعض، قد يصبح أمراً واقعاً غداً، لا سيما إذا ما قدمت له المبررات المنطقية اللازمة، ولا يجب إهمال أن هناك تنظيماً، كان الحديث في العراق، قبل بعض السنوات، يتمحور حول القضاء عليه، يشكل اليوم "دولة" قائمة تتمتع بكافة مقومات البقاء، حتى لو لم يعترف بها أحد حتى الآن، فالحكومة الأفغانية أيام حكم حركة "طالبان" لم تعترف بها إلا ثلاثة دول فقط.

المصدر : ماهر الخطيب - خاص النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة