يجتمع مطلع الأسبوع المقبل وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، وسيتم في كواليسه بحسب مصدر دبلوماسي غربي، نقاش الأزمة السورية انطلاقاً من مقاربات مختلفة وجديدة فدوائر الخارجية في الاتحاد الأوروبي أخذت تنظر في شكل متشائم للمعارضة السورية فهي ليست فقط مشتتة وتحتاج لتوحيدها وإعادة هيكلتها، وليست فقط مخترقة من تنظيمات إسلامية تكفيرية يهيمنون على الميدان في الداخل، بل هي أيضاً – وهذا هو الجديد في النظرة الأوروبية للمعارضة – انطلاقاً من تركيبتها وسلوكها، باتت تفرض على الغرب التعاطي معها بحذر شديد نظراً لواقع تشابهها إلى حد التكامل مع المعارضة العراقية التي كانت اعتمدت الولايات المتحدة عليها خلال تحضيرها لغزو العراق. ونقاط الشبه هنا تتعلق بأن المعارضة العراقية كانت في ذاك الحين منفصلة عن الواقع داخل العراق والأمر نفسه تعيشه حالياً المعارضة السورية التي يطيب للغرب تسميتها بأنها معارضة وطنية وديمقراطية وبالإجمال غير إسلامية متشددة. آنذاك تسببت هذه المعارضة العراقية للغرب بكارثة، ويتم اليوم توجيه الاتهام إليها بوصفها المسؤولة عن شيوع التطرف الديني نتيجة أنها لم تكن موجودة إلا من خلال المنابر الإعلامية والارتباطات الممولة بدول خارجية. ثمة خشية الآن في الغرب من استمرار الرهان على المعارضة السورية – من جيش حر وغيره – المتصفة بأنها ديمقراطية، لأن ذلك سيؤدي حتماً في سورية إلى تكرار نتائج ما حصل في العراق، أي كارثة مستقبلية تتمثل باتساع دائرة التطرف الإسلامي أكثر فأكثر في سورية وكل المنطقة. وبنظر الاتحاد الأوروبي ودوائر واسعة في الغرب، فان الحل البديل الذي يتوجب سلوكه، يتمثل بخيار يراهن أكثر على عمليات المصالحة الميدانية التي تجري داخل سورية بين حكومتها والمعارضات المحلية. وهناك رهان واقعي بأن تؤدي مثل هذه الدينامية لو أمكن ترسيخها وتحصينها وتوسيعها وحمايتها بسقف إقليمي ودولي يرضى عنه كل من النظام والمعارضات الميدانية غير المتطرفة أو الأقل تطرفاً، إلى خلق أفق لمسار الحل الذي يطرحه دي ميستورا حالياً وأيضاً من جهة أخرى ميخائيل باغدونوف.

ويرى المصدر عينه أن تركيا قلقة من تغير الموقف الأوروبي والغربي بعامة من الأزمة السورية وبخاصة من أساليب حلها وذلك لجهة الكف عن الاستمرار بالرهان على حشد معارضات في الخارج والدفع بها عبر الحدود إلى داخل سورية. وهذا القلق هو الذي جعل أنقرة وفي محاولة منها لقطع الطريق على تجسيد هذا التحول، تقوم بتوجيه تعليمات لضباط تابعين لها من «الجيش الحر» يسيطرون على بقع جغرافية معينة في حلب وريفها بخاصة كأمثال العميد المنشق زاهر الساكت قائد المجلس العسكري في حلب ، لإعلان رفضهم لمقترحات دي ميستورا، ووصفها بأن ما تتضمنه من هدنات ليست إلا محاولة لإعطاء الجيش العربي السوري فرصة لتحقيق إنجازات عسكرية ضد المعارضة وفق أجندة أولوياته.

وكشف المصدر الدبلوماسي عينه أن دي ميستورا خلال اجتماعاته بقادة عسكريين محليين من المعارضة السورية، لم يقدم لهم تفاصيل خطته، بل دعاهم للالتزام بمبدأ الهدنة المنوي إقامتها في المناطق الساخنة أو بعضها، وذلك بالتزامن مع مصالحات كانت بدأت فعلاً منذ أكثر من عام بين الجيش العربي السوري والمعارضات المحلية المسلحة في مناطق أخرى. ومن حيث المبدأ أصر دي ميستورا على أن السوريين تعبوا من الاقتتال العبثي وصار يجب إبرام هدنات ومصالحات وعدم انتظار التسوية السياسية النهائية التي تحتاج لوقت قد يكون طويلاً.

ولكن المصدر عينه، كشف لـ»البناء» أن دي ميستورا ذهب أبعد من ذلك في اتصالاته الدولية عندما طرح ضرورة التجاوب مع أفكار الحكومة السورية حول كيفية إدارة الوضع في مناطق الهدنة وأيضاً بخصوص ملف النازحين السوريين. ومن الأفكار التي لا يعارضها دي ميستورا هو إعطاء الأمن الداخلي السوري التابع للحكومة السورية مهمة حراسة الأمن في مناطق الهدنة التي تسيطر عليها المعارضات المسلحة.

وبحسب معلومات المصدر عينه، فإن الخطة الدولية الأولية والتي يجري إنضاجها الآن للتحرك نحو الأزمة السورية تتكون من ثلاث خطوات متتالية:

الأولى – التأكيد ضمناً على أن المصالحات الميدانية على الأرض بين الحكومة السورية والجماعات المسلحة في مناطق النزاع هي المدخل الصحيح لبناء مسار سياسي لاحق ينتج تسوية شاملة.

الثانية – توسيع مناطق المصالحة التي تشكلت جغرافيتها حتى الآن بفعل مبادرات قام بها النظام والمعارضات المحلية، بحيث تمتد لتشمل مناطق جديدة لا تزال مستعرة. وهنا تكمن مهمة دي ميستورا الراهنة التي تحظى بغطاء من الاتحاد الأوروبي وبغض طرف أميركي.

الخطوة الثالثة تتمثل بإرسال مراقبين لاحقاً، وذلك بالتوافق مع الحكومة السورية، لاستطلاع واقع المناطق التي جرت فيها مصالحات أو تلك التي ستجرى بها هدنة، لاستكشاف مصداقيتها ونوعية المشاكل التي تواجه قضية جعلها راسخة.

وهناك اقتراحات أولية على هذا الصعيد بخصوص هوية هؤلاء المراقبين، بعضها يقترح أن يكون المراقبون من الجنسية الروسية كون موسكو تقود حالياً عملية مصالحة بين الحكومة السورية وأطراف من المعارضة الوطنية، وبعضها يقترح أن يتم إرسالهم بوصفهم تابعين للجامعة العربية أو أن يكونوا تابعين لـ دي ميستورا؟

  • فريق ماسة
  • 2014-12-13
  • 13637
  • من الأرشيف

أوروبا: حلول ميدانية تسبق التسوية السورية النهائية

 يجتمع مطلع الأسبوع المقبل وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، وسيتم في كواليسه بحسب مصدر دبلوماسي غربي، نقاش الأزمة السورية انطلاقاً من مقاربات مختلفة وجديدة فدوائر الخارجية في الاتحاد الأوروبي أخذت تنظر في شكل متشائم للمعارضة السورية فهي ليست فقط مشتتة وتحتاج لتوحيدها وإعادة هيكلتها، وليست فقط مخترقة من تنظيمات إسلامية تكفيرية يهيمنون على الميدان في الداخل، بل هي أيضاً – وهذا هو الجديد في النظرة الأوروبية للمعارضة – انطلاقاً من تركيبتها وسلوكها، باتت تفرض على الغرب التعاطي معها بحذر شديد نظراً لواقع تشابهها إلى حد التكامل مع المعارضة العراقية التي كانت اعتمدت الولايات المتحدة عليها خلال تحضيرها لغزو العراق. ونقاط الشبه هنا تتعلق بأن المعارضة العراقية كانت في ذاك الحين منفصلة عن الواقع داخل العراق والأمر نفسه تعيشه حالياً المعارضة السورية التي يطيب للغرب تسميتها بأنها معارضة وطنية وديمقراطية وبالإجمال غير إسلامية متشددة. آنذاك تسببت هذه المعارضة العراقية للغرب بكارثة، ويتم اليوم توجيه الاتهام إليها بوصفها المسؤولة عن شيوع التطرف الديني نتيجة أنها لم تكن موجودة إلا من خلال المنابر الإعلامية والارتباطات الممولة بدول خارجية. ثمة خشية الآن في الغرب من استمرار الرهان على المعارضة السورية – من جيش حر وغيره – المتصفة بأنها ديمقراطية، لأن ذلك سيؤدي حتماً في سورية إلى تكرار نتائج ما حصل في العراق، أي كارثة مستقبلية تتمثل باتساع دائرة التطرف الإسلامي أكثر فأكثر في سورية وكل المنطقة. وبنظر الاتحاد الأوروبي ودوائر واسعة في الغرب، فان الحل البديل الذي يتوجب سلوكه، يتمثل بخيار يراهن أكثر على عمليات المصالحة الميدانية التي تجري داخل سورية بين حكومتها والمعارضات المحلية. وهناك رهان واقعي بأن تؤدي مثل هذه الدينامية لو أمكن ترسيخها وتحصينها وتوسيعها وحمايتها بسقف إقليمي ودولي يرضى عنه كل من النظام والمعارضات الميدانية غير المتطرفة أو الأقل تطرفاً، إلى خلق أفق لمسار الحل الذي يطرحه دي ميستورا حالياً وأيضاً من جهة أخرى ميخائيل باغدونوف. ويرى المصدر عينه أن تركيا قلقة من تغير الموقف الأوروبي والغربي بعامة من الأزمة السورية وبخاصة من أساليب حلها وذلك لجهة الكف عن الاستمرار بالرهان على حشد معارضات في الخارج والدفع بها عبر الحدود إلى داخل سورية. وهذا القلق هو الذي جعل أنقرة وفي محاولة منها لقطع الطريق على تجسيد هذا التحول، تقوم بتوجيه تعليمات لضباط تابعين لها من «الجيش الحر» يسيطرون على بقع جغرافية معينة في حلب وريفها بخاصة كأمثال العميد المنشق زاهر الساكت قائد المجلس العسكري في حلب ، لإعلان رفضهم لمقترحات دي ميستورا، ووصفها بأن ما تتضمنه من هدنات ليست إلا محاولة لإعطاء الجيش العربي السوري فرصة لتحقيق إنجازات عسكرية ضد المعارضة وفق أجندة أولوياته. وكشف المصدر الدبلوماسي عينه أن دي ميستورا خلال اجتماعاته بقادة عسكريين محليين من المعارضة السورية، لم يقدم لهم تفاصيل خطته، بل دعاهم للالتزام بمبدأ الهدنة المنوي إقامتها في المناطق الساخنة أو بعضها، وذلك بالتزامن مع مصالحات كانت بدأت فعلاً منذ أكثر من عام بين الجيش العربي السوري والمعارضات المحلية المسلحة في مناطق أخرى. ومن حيث المبدأ أصر دي ميستورا على أن السوريين تعبوا من الاقتتال العبثي وصار يجب إبرام هدنات ومصالحات وعدم انتظار التسوية السياسية النهائية التي تحتاج لوقت قد يكون طويلاً. ولكن المصدر عينه، كشف لـ»البناء» أن دي ميستورا ذهب أبعد من ذلك في اتصالاته الدولية عندما طرح ضرورة التجاوب مع أفكار الحكومة السورية حول كيفية إدارة الوضع في مناطق الهدنة وأيضاً بخصوص ملف النازحين السوريين. ومن الأفكار التي لا يعارضها دي ميستورا هو إعطاء الأمن الداخلي السوري التابع للحكومة السورية مهمة حراسة الأمن في مناطق الهدنة التي تسيطر عليها المعارضات المسلحة. وبحسب معلومات المصدر عينه، فإن الخطة الدولية الأولية والتي يجري إنضاجها الآن للتحرك نحو الأزمة السورية تتكون من ثلاث خطوات متتالية: الأولى – التأكيد ضمناً على أن المصالحات الميدانية على الأرض بين الحكومة السورية والجماعات المسلحة في مناطق النزاع هي المدخل الصحيح لبناء مسار سياسي لاحق ينتج تسوية شاملة. الثانية – توسيع مناطق المصالحة التي تشكلت جغرافيتها حتى الآن بفعل مبادرات قام بها النظام والمعارضات المحلية، بحيث تمتد لتشمل مناطق جديدة لا تزال مستعرة. وهنا تكمن مهمة دي ميستورا الراهنة التي تحظى بغطاء من الاتحاد الأوروبي وبغض طرف أميركي. الخطوة الثالثة تتمثل بإرسال مراقبين لاحقاً، وذلك بالتوافق مع الحكومة السورية، لاستطلاع واقع المناطق التي جرت فيها مصالحات أو تلك التي ستجرى بها هدنة، لاستكشاف مصداقيتها ونوعية المشاكل التي تواجه قضية جعلها راسخة. وهناك اقتراحات أولية على هذا الصعيد بخصوص هوية هؤلاء المراقبين، بعضها يقترح أن يكون المراقبون من الجنسية الروسية كون موسكو تقود حالياً عملية مصالحة بين الحكومة السورية وأطراف من المعارضة الوطنية، وبعضها يقترح أن يتم إرسالهم بوصفهم تابعين للجامعة العربية أو أن يكونوا تابعين لـ دي ميستورا؟

المصدر : البناء / يوسف المصري


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة