الحرب الأهلية في سوريا، مثل أي حرب، تواصل خلق مسائل ونقاشات سياسية جديدة إلى جانب مأساتها الإنسانية. وفي هذا الإطار فإن النقاشات حول مستقبل (الرئيس السوري بشار) الأسد تؤثر على العلاقات التركية ــ الأميركية.

في البداية، فإن الربيع العربي الذي كان يحمل قابلية لإطاحة الأسد من السلطة، بدأ، مع تغير خصائصه، ينتج أسباب بقاء الأسد فيها. على الرغم من أن الربيع العربي طرح على بساط المنطقة على المدى الطويل فكرة الديموقراطية، فإنه خلق إحباطا على المدى القصير، باستثناء تونس. قضايا الانتفاضات والحروب الداخلية والإرهاب حملت أولوية تقديم قضايا الاستقرار والأمن بالنسبة للسياسيين وللناس. واليوم لم يعد أحد يتحدث عن الديموقراطية.

من أهم العلامات التي أظهرت تغييرا في خاصيات الربيع العربي كان الاعتداء على السفارة الأميركية في ليبيا، وصعود «داعش». ردة فعل الولايات المتحدة وحلفائها كانت إحلال الأمن بدلا من الديموقراطية. وكان وصول الجنرال (عبد الفتاح) السيسي إلى السلطة في مصر أولى إشارات هذا التغيير.

وإذا نظرنا في هذا الإطار إلى نظرة الولايات المتحدة إلى مسألة الأسد، يمكن أن نفهم بصورة سهلة لماذا لم تعد أولوية عندها.

الولايات المتحدة ترى منذ الآن أن فراغ القوة الذي يمكن ان يسببه إسقاط الأسد يمكن أن ينتج عنه مشكلات أمنية أكثر خطورة. لا شك أن امن إسرائيل يأتي في الدرجة الأولى. إسرائيل لا تريد أن ترى تنظيمات متطرفة على حدودها. فالأسد عدو ضعيف يغير أولوياته وتعرفه جيدا. بينما لا تعرف من سيكون جيرانها الجدد. لكنها تقطع بأنهم سيكونون أكثر طمعا، وهذا الوضع يخيفها.

مشكلة أمنية أخرى وهي الخشية، بعد الأسد، من عدم القدرة على منع ارتكاب المجازر والتهجير بحق الأقليات المسيحية والعلوية. ومثل هذا الجهد يتطلب قوة عسكرية من عشرات الآلاف من الجنود.

من ناحية أخرى فإن «داعش»، كتهديد، هي اكبر بكثير من الأسد. بتعبير آخر فإذ يكون «داعش» مشكلة عالمية، فإن الأسد يُرى على انه مشكلة على مستوى أقل، إقليمي. كما أن الهوية الإيديولوجية للمعارضين في سوريا، وعددهم وقوتهم العسكرية، وتنوع مصادر تمويلهم لا يشكلون ضمانة لمستقبل سوريا.

أسباب أخرى لتردد الولايات المتحدة في موضوع الأسد، منها البعد الدولي منه. فهي لا تريد للمحادثات النووية مع إيران أن تسقط في ظل المسألة السورية، ويمكن أن نقدم مثالا على ذلك في ما خص روسيا التي تعيش أياما متوترة في مسألة أوكرانيا.

وتؤثر سمات الحرب على قرارات الولايات المتحدة. لقد أظهرت التجربتان العراقية والأفغانية انه يتطلب لإنشاء نظام جديد في سوريا تجهيز أعداد عسكرية كبيرة جدا. لذا لا يريد (الرئيس باراك) أوباما أن يدخل حربا برية، ولا أن يكون مؤسسا لنظام بصورة مباشرة.

أما بالنسبة لـ»داعش» فإن أكثر ما يتمناه لتكتيكاته العسكرية أن يرى جنودا أميركيين على الأرض. والولايات المتحدة تعرف أن قطع رؤوس الجنود سيحد من تفوقها التكنولوجي، وأسر جنودها سيستغل في الدعاية ضدها.

على الرغم من كل ذلك فإن كون الحرب ملأى بالغموض، فهي مفتوحة دائما على المفاجآت. وهذا يسري أيضا على الأسد.

نهاد اوزجان (خبير في الشؤون الأمنية في صحيفة «ميللييت»)

  • فريق ماسة
  • 2014-11-22
  • 9259
  • من الأرشيف

الأسباب التي أبقت الأسد في النظام

الحرب الأهلية في سوريا، مثل أي حرب، تواصل خلق مسائل ونقاشات سياسية جديدة إلى جانب مأساتها الإنسانية. وفي هذا الإطار فإن النقاشات حول مستقبل (الرئيس السوري بشار) الأسد تؤثر على العلاقات التركية ــ الأميركية. في البداية، فإن الربيع العربي الذي كان يحمل قابلية لإطاحة الأسد من السلطة، بدأ، مع تغير خصائصه، ينتج أسباب بقاء الأسد فيها. على الرغم من أن الربيع العربي طرح على بساط المنطقة على المدى الطويل فكرة الديموقراطية، فإنه خلق إحباطا على المدى القصير، باستثناء تونس. قضايا الانتفاضات والحروب الداخلية والإرهاب حملت أولوية تقديم قضايا الاستقرار والأمن بالنسبة للسياسيين وللناس. واليوم لم يعد أحد يتحدث عن الديموقراطية. من أهم العلامات التي أظهرت تغييرا في خاصيات الربيع العربي كان الاعتداء على السفارة الأميركية في ليبيا، وصعود «داعش». ردة فعل الولايات المتحدة وحلفائها كانت إحلال الأمن بدلا من الديموقراطية. وكان وصول الجنرال (عبد الفتاح) السيسي إلى السلطة في مصر أولى إشارات هذا التغيير. وإذا نظرنا في هذا الإطار إلى نظرة الولايات المتحدة إلى مسألة الأسد، يمكن أن نفهم بصورة سهلة لماذا لم تعد أولوية عندها. الولايات المتحدة ترى منذ الآن أن فراغ القوة الذي يمكن ان يسببه إسقاط الأسد يمكن أن ينتج عنه مشكلات أمنية أكثر خطورة. لا شك أن امن إسرائيل يأتي في الدرجة الأولى. إسرائيل لا تريد أن ترى تنظيمات متطرفة على حدودها. فالأسد عدو ضعيف يغير أولوياته وتعرفه جيدا. بينما لا تعرف من سيكون جيرانها الجدد. لكنها تقطع بأنهم سيكونون أكثر طمعا، وهذا الوضع يخيفها. مشكلة أمنية أخرى وهي الخشية، بعد الأسد، من عدم القدرة على منع ارتكاب المجازر والتهجير بحق الأقليات المسيحية والعلوية. ومثل هذا الجهد يتطلب قوة عسكرية من عشرات الآلاف من الجنود. من ناحية أخرى فإن «داعش»، كتهديد، هي اكبر بكثير من الأسد. بتعبير آخر فإذ يكون «داعش» مشكلة عالمية، فإن الأسد يُرى على انه مشكلة على مستوى أقل، إقليمي. كما أن الهوية الإيديولوجية للمعارضين في سوريا، وعددهم وقوتهم العسكرية، وتنوع مصادر تمويلهم لا يشكلون ضمانة لمستقبل سوريا. أسباب أخرى لتردد الولايات المتحدة في موضوع الأسد، منها البعد الدولي منه. فهي لا تريد للمحادثات النووية مع إيران أن تسقط في ظل المسألة السورية، ويمكن أن نقدم مثالا على ذلك في ما خص روسيا التي تعيش أياما متوترة في مسألة أوكرانيا. وتؤثر سمات الحرب على قرارات الولايات المتحدة. لقد أظهرت التجربتان العراقية والأفغانية انه يتطلب لإنشاء نظام جديد في سوريا تجهيز أعداد عسكرية كبيرة جدا. لذا لا يريد (الرئيس باراك) أوباما أن يدخل حربا برية، ولا أن يكون مؤسسا لنظام بصورة مباشرة. أما بالنسبة لـ»داعش» فإن أكثر ما يتمناه لتكتيكاته العسكرية أن يرى جنودا أميركيين على الأرض. والولايات المتحدة تعرف أن قطع رؤوس الجنود سيحد من تفوقها التكنولوجي، وأسر جنودها سيستغل في الدعاية ضدها. على الرغم من كل ذلك فإن كون الحرب ملأى بالغموض، فهي مفتوحة دائما على المفاجآت. وهذا يسري أيضا على الأسد. نهاد اوزجان (خبير في الشؤون الأمنية في صحيفة «ميللييت»)

المصدر : السفير /نهاد اوزجان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة