لا خيار أمام أعداء سورية في الغرب وفي المنطقة إلاَّ أن يعترفوا جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد بأنَّ الصمود الأسطوري السوري في وجه الحرب الإرهابيّة والعبثيّة التي أعلنوها عليها قد قلب مخططاتهم وحساباتهم وإرهابهم رأساً على عقب.

  لقد اعتقد هؤلاء الأعداء أنَّ سيادة الدول ودفاع شعوبها عن حقوقها وكرامتها ليست إلاَّ أموراً شكليّة يسخّرونها متى شاؤوا لخدمة مصالحهم وأنَّ هذه المفردات محصورة بدولهم وبشعوبهم «المتحضرة والمتمدنة والمثقفة» والتي تنعم بحقوق الإنسان وأنَّه يمكنهم الانقضاض على هذه المفاهيم في الدول الأخرى أينما شاؤوا وفي الزمان الذي يريدون. وبعد ذلك يهربون بجريمتهم من دون أن يكون أي شعب قادراً على مواجهتهم، أو بالأحرى على إفشال توجهاتهم.

 يعرف شعب سورية، وتعرف الأمم المتحدة، وكثير من دول العالم أن القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة جزء أساسي من القانون الدولي، يمنع العدوان والتآمر على سيادة الدول وتقديم السلاح لمجموعات تقلب الأنظمة السياسيّة في الدول الأخرى، إلاَّ أنَّ الإفلاس الأخلاقي والسياسي من قبل الدول الغربيّة التي تصوّرتْ أنَّها كسبتْ السيطرة على مقدرات العالم منذ انتهاء معركة ما أطلقوا عليه «نهاية الحرب الباردة» أبقت العالم رهينة سياسة القطب الواحد، القطب الأميركي الغربي، وهيمنته على الأوضاع السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة في العالم لخدمة مصالح الغرب ومؤسساته ورفاهية شعوبه. لقد دمّرَ ذلك صدقية المنظمة الدوليّة التي أصبحت ساحة لتمرير التوجهات الغربيّة في مختلف المجالات. إلاَّ أنَّ ذلك لا يعني إطلاقاً غياب المواجهات بين الدول الغربيّة من جهة والدول التي ما زالتْ تسعى إلى تخليص العالم من سياسات الهيمنة وتحرير المنظمات الدوليّة بمختلف أشكالها من تسلّط الغرب عليها. ولا يجهل الكثير من المتابعين الدور الذي قامتْ به سورية ودول أخرى رائدة في الدفاع عن مصالح الدول النامية وسيادتها واستقلالها السياسي والاقتصادي وطرحها الدائم لضرورة اتباع نهج يعتمد على الديمقراطيّة في العلاقات الدوليّة. إلاَّ أنَّ أزمات الغرب المستمرّة في المجالات الماليّة والاقتصاديّة وفشل النظام الرأسمالي العالمي وسياسات اقتصاد السوق المتوحش في إيجاد حل للتحديات التي يواجهها الغرب، أدّى إلى أن يقوم الغرب الاستعماري بتصدير أزماته إلى بلداننا سواءً من خلال التحالف مع أنظمة متخلّفة وتنهب شعوبها كما يحدث في بعض دول الخليج العربي تتناقض مع ما يتحدث عنه الغرب من قيم واستراتيجيات بما في ذلك لعبة حقوق الإنسان أو الحكم الرشيد أو تعهدها بالحفاظ على أنظمة فاسدة ومتخلّفة مقابل حماية الغرب «الديمقراطي» لها وبتزويرها بملايين الأطنان من الأسلحة والذخائر وأحدث الطائرات التي علاها الصدأ بسبب عدم استخدامها، إلاَّ أنَّ استيراد المزيد منها، وكلّه فائض عن الحاجة، أصبح سياسة راسخة لدى هذه الأنظمة لملء جيوب الحكام الذين تحولتْ عائلاتهم إلى سماسرة في أسواق تجارة السلاح، وكذلك لتمويل الحملات الانتخابيّة لبعض قادة أوروبا وأحزابهم حيث وصلت روائح هذا الفساد إلى المحاكم الأوروبيّة وتتناولها الكثير من أجهزة الإعلام التي تحاول إنقاذ سمعتها المهنيّة.

 لقد تصوّر من خطط لهذه الحرب على سورية أنَّ الطريق إلى دمشق سيكون معبّداً بالاستسلام، وأنَّ تلك الحرب لن تستغرق أكثر من عدّة أيام أو أسابيع أو في أقصى الحالات شهراً أو شهرين. إلاَّ أنَّ «حساب الحقل لم يلبِ حساب البيدر» وسقطتْ المؤامرة الإرهابيّة على الصخرة السورية بفضل صمود وتضحيات جيشها العقائدي وتمترس القيادة السوريّة في خندق شعبها الذي رفض الذل والخنوع إضافةً إلى دعم أصدقاء سورية المادي والمعنوي والسياسي وخصوصاً أصدقائها في الاتحاد الروسي والجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة والصين وكوبا والإكوادور وبوليفيا ودولاً أخرى في أفريقيا وآسيا.

 لقد عرى الكثير من قادة الدول والفكر في العالم سياسات الغرب الإرهابيّة ضد سورية وأثر ذلك المدمّر على العالم وعلى الغرب ذاته، فها هو الرئيس فلاديمير بوتين يؤكّد أنَّ الغرب يستخدم التطرّف كسلاح للتغيير الجيوسياسي في البلدان الأخرى. وعندما يستخدم الزعيم الروسي الكبير هذا التعبير الدقيق في تحليل ما يمر به الوضع الدولي من أزمات فإنه فضح دور الغرب المدمّر في عالم اليوم لإعادة لعبة تقاسم النفوذ في كافّة أرجاء العالم. وما الرعب الذي نشعر به مؤخّراً في بيانات وتصريحات المسؤولين الغربيين الذين لم يجدوا أمامهم سوى تقديم توصيف خجول مختلف عمّا كانوا يروجون له سابقاً حول أخطار الإرهاب الذي تعاني منه سورية والعراق. وهكذا لم يصمد تجاهلهم للإرهاب الذي حاولوا التعتيم عليه بمختلف أشكال التضليل أمام حقائق ما يجري على الأرض ولا في إمكانيّة ارتداد الإرهاب الذي أطلقوه بكامل وعيهم ليقتل السوريين والعراقيين خدمةً لأهدافهم الدنيئة في المنطقة.

 ها هو الرئيس فرانسوا هولاند الذي نصّب نفسه عدوّاَ معلناً على سورية، وهــو لا يحظى سوى بتأييد 10 في المئة من الشعب الفرنسي يؤكّد وجود فرنسيين اثنين ضمن إرهابيي «داعش» الذين نفّذوا عملية إعدام جماعي بحق جنود سوريين. كما أعلن رئيس وزرائه مانويل فالس أنَّ ما يُقارب 50 مواطناً فرنسيّاً قُتلوا أثناء مشاركتهم في معارك ضمن صفوف التنظيمات الإرهابيّة في سورية ناهيك عن إعلانات وزير الداخلية الفرنسي الذي قرع ناقوس الخطر وأعلن بكل وضوح عن وصول ما يزيد على ألف من الفرنسيين إلى سورية والعراق للقيام بأعمال إرهابيّة فيهما. أمّا الوزير جون كيري، فإنَّه يُطالب المجتمع الدولي «بعرقلة تدفّق الإرهابيين الذين يجنّدهم تنظيم داعش»، لكنّه يقول أيضاً: «إنَّ غالبيّة الإرهابيين في تنظيم داعش الذين يقومون بعمليات إرهابيّة انتحارية في سورية والعراق أو يتواجدون في الخطوط الأماميّة للقتال هم من الأجانب الذين تمَّ تجنيدهم وتلقّوا أوامر بارتكاب أبشع الجرائم». ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إنَّ المسؤول الأميركي والرئيس الفرنسي ورئيس وزرائه قد اعترفوا للمرّة الأولى وهو اعتراف متأخر جدّاً بحقيقة أنَّ الإرهاب هو ما تواجهه سورية والعراق ودولاً أخرى في المنطقة، إلاَّ أنّهم وغيرهم في أوروبا ما زالوا يخفون نصف الحقيقة وهو عدم جرأتهم على تحديد من يدعم هؤلاء الإرهابيين ويقوم بتسليحهم وإيوائهم وتمويلهم وتدريبهم لقتل السوريين والعراقيين وقطع رؤوس بعض الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين ممن يُقال أنّهم يقومون بتقديم مساعدات إنسانيّة. لقد أكّدنا سابقاً وما زلنا على أنَّه أقرب إلى المستحيل تصدير رواية عدم معرفة أجهزة الأمن الغربيّة بهؤلاء الإرهابيين وبمقصدهم من جهة أو الدور الإرهابي الذي تقوم به حكومات تركيّا والسعوديّة ودول الخليج الأخرى في تمويل هؤلاء الإرهابيين وتسليحهم لقتل السوريين والعراقيين والمصريين والليبيين…

 أمّا في سويسرا، فقد قام المكتب الاتحادي للشرطة السويسرية بتنظيم ورشة عمل غايتها منع الجهاديين من السفر إلى «مناطق النزاعات». وقد ذكرتْ الحكومة السويسريّة في بيان لها بأنَّ عدد الجهاديين السويسريين بقصد الانخراط في قتال غير مشروع وأعمال إرهابيّة قد بلغ حدّاً غير مسبوق. وعلى رغم صدور تقارير من هيئات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الإرهاب تُشير إلى تجاوز عدد الإرهابيين الأجانب في سورية والعراق الخمسة عشر ألفاً، فإنّنا نسأل لماذا استفاقت أوروبا والولايات المتحدة وأدواتهم في المنطقة الآن فقط على الأخطار التي يشكّلها الإرهاب على سورية والعراق والمنطقة والعالم؟

 والجواب الذي لن نتردّد في تقديمه، والذي لم يجرؤ قادة الغرب على قوله لشعوبهم، هو أنّهم لا يجرؤون على الاعتراف بخطئهم الذي اقترفوه ولا بالتضليل الإعلامي الذي مارسوه في مختلف الاتجاهات لتبرير دورهم في كل ما تمَّ من قتل وتدمير في سورية ولاحقاً في العراق وليبيا. هذا من جهة، ولكن من جهة أخرى فإنَّ مخاطر عودة هؤلاء الإرهابيين إلى المدن والدول التي جاؤوا منها أصبح داهماً ولا توجد أيّة فرصة أمام هولاند وكاميرون بشكل خاص لإخفاء ذلك. ونؤكّد أنَّه لن تنطلي على شعوب أوروبا وغيرها أكذوبة وجود معارضة مسلّحة معتدلة وأنَّه من المبرّر دعم هذا النوع من المعارضة، فإنَّ ما يُسمّى بالجيش الحر الذي ما زال أردوغان وهولاند وغيرهم يراهنون على اعتداله مقابل «داعش» و»جبهة النصرة» هو التنظيم المسلّح الذي تعلّم منه الأخيران قطع الرؤوس وأكل الأكباد والقلوب. وفي المحصّلة فإنَّ الحاضنة القادرة على التفريخ في كل اتجاهات التطرّف والتكفير والتشدّد والذي أنتج القاعدة وفروعها بمختلف مسمياتها بما في ذلك «داعش» و»جبهة النصرة» و»الجيش الحر» و»جيش الإسلام» وغيرها كثير هو الفكر الوهابي الذي كان المدرسة التي قام آل سعود بتسليطها على شعبنا في نجد والحجاز وآخرين في المنطقة والعالم…

 إذا أراد الغرب ومن يسير في ركابه حقّاً مكافحة خطر الإرهاب بجد وإخلاص وإبعاد الشبهات عن دعمهم له وتنفيذ قرارات مجلس الأمن 1373 و2170 و2178 التي تدعو إلى مكافحة الإرهاب والتوقّف عن تمويله والدعاية المكشوفة وغير المكشوفة له، فإنَّنا، بكل تواضع، نقول إنَّ الطريق إلى ذلك واضح، ودمشق هي العنوان. وعلى هؤلاء جميعاً أن يصطفوّا على أبواب دمشق كي يتعلّموا منها كيف كافحتْ الإرهاب وكيف صمدتْ في مواجهة الإرهاب وأبعدتْ خطره عن شعوب العالم وكيف حافظتْ على كرامة وسيادة سورية وعلى دورها الحضاري والإنساني سابقاً واليوم وغداً!
  • فريق ماسة
  • 2014-11-21
  • 11882
  • من الأرشيف

هل تريدون مكافحة الإرهاب؟ بكلّ تواضع... تعلّموا في مدرسة دمشق!

لا خيار أمام أعداء سورية في الغرب وفي المنطقة إلاَّ أن يعترفوا جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد بأنَّ الصمود الأسطوري السوري في وجه الحرب الإرهابيّة والعبثيّة التي أعلنوها عليها قد قلب مخططاتهم وحساباتهم وإرهابهم رأساً على عقب.   لقد اعتقد هؤلاء الأعداء أنَّ سيادة الدول ودفاع شعوبها عن حقوقها وكرامتها ليست إلاَّ أموراً شكليّة يسخّرونها متى شاؤوا لخدمة مصالحهم وأنَّ هذه المفردات محصورة بدولهم وبشعوبهم «المتحضرة والمتمدنة والمثقفة» والتي تنعم بحقوق الإنسان وأنَّه يمكنهم الانقضاض على هذه المفاهيم في الدول الأخرى أينما شاؤوا وفي الزمان الذي يريدون. وبعد ذلك يهربون بجريمتهم من دون أن يكون أي شعب قادراً على مواجهتهم، أو بالأحرى على إفشال توجهاتهم.  يعرف شعب سورية، وتعرف الأمم المتحدة، وكثير من دول العالم أن القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة جزء أساسي من القانون الدولي، يمنع العدوان والتآمر على سيادة الدول وتقديم السلاح لمجموعات تقلب الأنظمة السياسيّة في الدول الأخرى، إلاَّ أنَّ الإفلاس الأخلاقي والسياسي من قبل الدول الغربيّة التي تصوّرتْ أنَّها كسبتْ السيطرة على مقدرات العالم منذ انتهاء معركة ما أطلقوا عليه «نهاية الحرب الباردة» أبقت العالم رهينة سياسة القطب الواحد، القطب الأميركي الغربي، وهيمنته على الأوضاع السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة في العالم لخدمة مصالح الغرب ومؤسساته ورفاهية شعوبه. لقد دمّرَ ذلك صدقية المنظمة الدوليّة التي أصبحت ساحة لتمرير التوجهات الغربيّة في مختلف المجالات. إلاَّ أنَّ ذلك لا يعني إطلاقاً غياب المواجهات بين الدول الغربيّة من جهة والدول التي ما زالتْ تسعى إلى تخليص العالم من سياسات الهيمنة وتحرير المنظمات الدوليّة بمختلف أشكالها من تسلّط الغرب عليها. ولا يجهل الكثير من المتابعين الدور الذي قامتْ به سورية ودول أخرى رائدة في الدفاع عن مصالح الدول النامية وسيادتها واستقلالها السياسي والاقتصادي وطرحها الدائم لضرورة اتباع نهج يعتمد على الديمقراطيّة في العلاقات الدوليّة. إلاَّ أنَّ أزمات الغرب المستمرّة في المجالات الماليّة والاقتصاديّة وفشل النظام الرأسمالي العالمي وسياسات اقتصاد السوق المتوحش في إيجاد حل للتحديات التي يواجهها الغرب، أدّى إلى أن يقوم الغرب الاستعماري بتصدير أزماته إلى بلداننا سواءً من خلال التحالف مع أنظمة متخلّفة وتنهب شعوبها كما يحدث في بعض دول الخليج العربي تتناقض مع ما يتحدث عنه الغرب من قيم واستراتيجيات بما في ذلك لعبة حقوق الإنسان أو الحكم الرشيد أو تعهدها بالحفاظ على أنظمة فاسدة ومتخلّفة مقابل حماية الغرب «الديمقراطي» لها وبتزويرها بملايين الأطنان من الأسلحة والذخائر وأحدث الطائرات التي علاها الصدأ بسبب عدم استخدامها، إلاَّ أنَّ استيراد المزيد منها، وكلّه فائض عن الحاجة، أصبح سياسة راسخة لدى هذه الأنظمة لملء جيوب الحكام الذين تحولتْ عائلاتهم إلى سماسرة في أسواق تجارة السلاح، وكذلك لتمويل الحملات الانتخابيّة لبعض قادة أوروبا وأحزابهم حيث وصلت روائح هذا الفساد إلى المحاكم الأوروبيّة وتتناولها الكثير من أجهزة الإعلام التي تحاول إنقاذ سمعتها المهنيّة.  لقد تصوّر من خطط لهذه الحرب على سورية أنَّ الطريق إلى دمشق سيكون معبّداً بالاستسلام، وأنَّ تلك الحرب لن تستغرق أكثر من عدّة أيام أو أسابيع أو في أقصى الحالات شهراً أو شهرين. إلاَّ أنَّ «حساب الحقل لم يلبِ حساب البيدر» وسقطتْ المؤامرة الإرهابيّة على الصخرة السورية بفضل صمود وتضحيات جيشها العقائدي وتمترس القيادة السوريّة في خندق شعبها الذي رفض الذل والخنوع إضافةً إلى دعم أصدقاء سورية المادي والمعنوي والسياسي وخصوصاً أصدقائها في الاتحاد الروسي والجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة والصين وكوبا والإكوادور وبوليفيا ودولاً أخرى في أفريقيا وآسيا.  لقد عرى الكثير من قادة الدول والفكر في العالم سياسات الغرب الإرهابيّة ضد سورية وأثر ذلك المدمّر على العالم وعلى الغرب ذاته، فها هو الرئيس فلاديمير بوتين يؤكّد أنَّ الغرب يستخدم التطرّف كسلاح للتغيير الجيوسياسي في البلدان الأخرى. وعندما يستخدم الزعيم الروسي الكبير هذا التعبير الدقيق في تحليل ما يمر به الوضع الدولي من أزمات فإنه فضح دور الغرب المدمّر في عالم اليوم لإعادة لعبة تقاسم النفوذ في كافّة أرجاء العالم. وما الرعب الذي نشعر به مؤخّراً في بيانات وتصريحات المسؤولين الغربيين الذين لم يجدوا أمامهم سوى تقديم توصيف خجول مختلف عمّا كانوا يروجون له سابقاً حول أخطار الإرهاب الذي تعاني منه سورية والعراق. وهكذا لم يصمد تجاهلهم للإرهاب الذي حاولوا التعتيم عليه بمختلف أشكال التضليل أمام حقائق ما يجري على الأرض ولا في إمكانيّة ارتداد الإرهاب الذي أطلقوه بكامل وعيهم ليقتل السوريين والعراقيين خدمةً لأهدافهم الدنيئة في المنطقة.  ها هو الرئيس فرانسوا هولاند الذي نصّب نفسه عدوّاَ معلناً على سورية، وهــو لا يحظى سوى بتأييد 10 في المئة من الشعب الفرنسي يؤكّد وجود فرنسيين اثنين ضمن إرهابيي «داعش» الذين نفّذوا عملية إعدام جماعي بحق جنود سوريين. كما أعلن رئيس وزرائه مانويل فالس أنَّ ما يُقارب 50 مواطناً فرنسيّاً قُتلوا أثناء مشاركتهم في معارك ضمن صفوف التنظيمات الإرهابيّة في سورية ناهيك عن إعلانات وزير الداخلية الفرنسي الذي قرع ناقوس الخطر وأعلن بكل وضوح عن وصول ما يزيد على ألف من الفرنسيين إلى سورية والعراق للقيام بأعمال إرهابيّة فيهما. أمّا الوزير جون كيري، فإنَّه يُطالب المجتمع الدولي «بعرقلة تدفّق الإرهابيين الذين يجنّدهم تنظيم داعش»، لكنّه يقول أيضاً: «إنَّ غالبيّة الإرهابيين في تنظيم داعش الذين يقومون بعمليات إرهابيّة انتحارية في سورية والعراق أو يتواجدون في الخطوط الأماميّة للقتال هم من الأجانب الذين تمَّ تجنيدهم وتلقّوا أوامر بارتكاب أبشع الجرائم». ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إنَّ المسؤول الأميركي والرئيس الفرنسي ورئيس وزرائه قد اعترفوا للمرّة الأولى وهو اعتراف متأخر جدّاً بحقيقة أنَّ الإرهاب هو ما تواجهه سورية والعراق ودولاً أخرى في المنطقة، إلاَّ أنّهم وغيرهم في أوروبا ما زالوا يخفون نصف الحقيقة وهو عدم جرأتهم على تحديد من يدعم هؤلاء الإرهابيين ويقوم بتسليحهم وإيوائهم وتمويلهم وتدريبهم لقتل السوريين والعراقيين وقطع رؤوس بعض الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين ممن يُقال أنّهم يقومون بتقديم مساعدات إنسانيّة. لقد أكّدنا سابقاً وما زلنا على أنَّه أقرب إلى المستحيل تصدير رواية عدم معرفة أجهزة الأمن الغربيّة بهؤلاء الإرهابيين وبمقصدهم من جهة أو الدور الإرهابي الذي تقوم به حكومات تركيّا والسعوديّة ودول الخليج الأخرى في تمويل هؤلاء الإرهابيين وتسليحهم لقتل السوريين والعراقيين والمصريين والليبيين…  أمّا في سويسرا، فقد قام المكتب الاتحادي للشرطة السويسرية بتنظيم ورشة عمل غايتها منع الجهاديين من السفر إلى «مناطق النزاعات». وقد ذكرتْ الحكومة السويسريّة في بيان لها بأنَّ عدد الجهاديين السويسريين بقصد الانخراط في قتال غير مشروع وأعمال إرهابيّة قد بلغ حدّاً غير مسبوق. وعلى رغم صدور تقارير من هيئات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الإرهاب تُشير إلى تجاوز عدد الإرهابيين الأجانب في سورية والعراق الخمسة عشر ألفاً، فإنّنا نسأل لماذا استفاقت أوروبا والولايات المتحدة وأدواتهم في المنطقة الآن فقط على الأخطار التي يشكّلها الإرهاب على سورية والعراق والمنطقة والعالم؟  والجواب الذي لن نتردّد في تقديمه، والذي لم يجرؤ قادة الغرب على قوله لشعوبهم، هو أنّهم لا يجرؤون على الاعتراف بخطئهم الذي اقترفوه ولا بالتضليل الإعلامي الذي مارسوه في مختلف الاتجاهات لتبرير دورهم في كل ما تمَّ من قتل وتدمير في سورية ولاحقاً في العراق وليبيا. هذا من جهة، ولكن من جهة أخرى فإنَّ مخاطر عودة هؤلاء الإرهابيين إلى المدن والدول التي جاؤوا منها أصبح داهماً ولا توجد أيّة فرصة أمام هولاند وكاميرون بشكل خاص لإخفاء ذلك. ونؤكّد أنَّه لن تنطلي على شعوب أوروبا وغيرها أكذوبة وجود معارضة مسلّحة معتدلة وأنَّه من المبرّر دعم هذا النوع من المعارضة، فإنَّ ما يُسمّى بالجيش الحر الذي ما زال أردوغان وهولاند وغيرهم يراهنون على اعتداله مقابل «داعش» و»جبهة النصرة» هو التنظيم المسلّح الذي تعلّم منه الأخيران قطع الرؤوس وأكل الأكباد والقلوب. وفي المحصّلة فإنَّ الحاضنة القادرة على التفريخ في كل اتجاهات التطرّف والتكفير والتشدّد والذي أنتج القاعدة وفروعها بمختلف مسمياتها بما في ذلك «داعش» و»جبهة النصرة» و»الجيش الحر» و»جيش الإسلام» وغيرها كثير هو الفكر الوهابي الذي كان المدرسة التي قام آل سعود بتسليطها على شعبنا في نجد والحجاز وآخرين في المنطقة والعالم…  إذا أراد الغرب ومن يسير في ركابه حقّاً مكافحة خطر الإرهاب بجد وإخلاص وإبعاد الشبهات عن دعمهم له وتنفيذ قرارات مجلس الأمن 1373 و2170 و2178 التي تدعو إلى مكافحة الإرهاب والتوقّف عن تمويله والدعاية المكشوفة وغير المكشوفة له، فإنَّنا، بكل تواضع، نقول إنَّ الطريق إلى ذلك واضح، ودمشق هي العنوان. وعلى هؤلاء جميعاً أن يصطفوّا على أبواب دمشق كي يتعلّموا منها كيف كافحتْ الإرهاب وكيف صمدتْ في مواجهة الإرهاب وأبعدتْ خطره عن شعوب العالم وكيف حافظتْ على كرامة وسيادة سورية وعلى دورها الحضاري والإنساني سابقاً واليوم وغداً!

المصدر : البناء/ د فيصل المقداد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة