أهداف كبيرة وطموح خيالي ومستحيل؟ لو قيل لأي من القراء قبل خمس سنوات إن رجلاً اسمه ابراهيم البدري في العراق وقف بين رفاق له وقال: " سأقف في مسجد الجامع في الموصل, وسألقي خطبتي الأولى كـ خليفة, وأطلب البيعة, وقوّاتي حينها ستكون قد تحكّمت بثلث سورية وثلث العراق" فهل كنتم ستجدون أهدافه مستحيلة وخيالية؟ فهل ثمّة فئة تملك إيمانا بتكفيرها أقوى فكريا وعزيمة وقدرة شخصية من قادتنا الفكريين والمقاومين على امتداد العالم العربي والإسلامي؟

في ظل الفوضى التي انتشرت في دول الربيع العربي الذي يخجل به كل عربي بعدما آل إليه من تدمير لمجتمعاتنا لصالح فئات تكفيرية, فإن الحل لأوضاعنا لا يمكن أن يكون عبر السلطات, بل عبر الشعب المساعد في بنائها من جديد على أسس من التسامح والعدل والمساواة, ونبذ العنف وقبول الآخر, وحل المشكلات بالحوار. ولاستعادة الاستقرار والأمن وللانطلاق مجدداً نحو مستقبل أفضل, لا يمكن إلا قيام قوى شعبية بمساندة القوى الرسمية في حربها على الإرهاب, وإلّا فإن الإرهاب أقدر بوسائله على الانتصار.

مما لا بدّ منه للقضاءعلى الإرهاب, ولوقف المدّ التكفيري, وجود خطة وقائد يشرف على تنفيذها, وجيش يحارب لأجل تحقيق أهداف الخطة. جيش من المتطوعين يضمّ مفكرين ومصلحين إسلاميين سُنة قبل أي فئة أخرى من المسلمين، ودعاة وفاعلي خير وناشطين أهليين في التنمية البشرية, واقتصاديين لايخططون فقط بل ينفذون مشاريع صغيرة تمثل نموذجا لعشرات آلاف الأفكار المماثلة القابلة للتنفيذ, كوسيلة لاستغناء المجتمعات الإسلامية عن الدولة في مرحلة بناء دول صالحة لخدمة مواطنيها، والأهمّ أن يضم ذلك الجيش قوات متطوعة من المقاتلين ضد الإرهاب وضد الصهاينة ، مقاتلين عمودهم الفقري من السُنة, وشعارهم الإسلام هو الحل لمحاربة الإرهاب، الإسلام الذي يبني الأوطان لأنه دين المشاركة والمحبة وقبول الآخر الذي عاش والمسلمين قرونا, ولم يختفِ الآخر ولا اختفى الإسلام.

الإرهاب يتحرّك على بينة من أمره، لذا وصل إلى مرحلة سبق فيها واقعه, الحاجة إلى التفكير في جهتنا بما يجب أن نخطط له.

وما قاله كل فلاسفة الحرب عبر التاريخ عن أسباب الانتصار التي تكفل لطرف تحقيق ما يريد هو:

- دراسة أرض المعركة

- دراسة الظروف المحيطة

- معرفة النفس ومعرفة العدو, والتركيز على نقاط القوة والضعف عندنا وعند العدو.

- التخطيط لكل خطوة واستغلال الإمكانيات المتوفرة.

- سحب ما نستطيع من قوة من يد العدو قبل المعركة وخلالها.

ولأن أهمّ أسباب نجاح الإرهابيين في تجنيد مناصرين جدد لتيارهم التكفيري هو استغلال الإسلام, وتزييف تفسيرات الآيات القرآنية, والاتكال على نقاط ضعف في التراث الإسلامي تناقض الإسلام وتضرب أساسيات الرسالة المحمدية (العدل والرحمة والمحبة والتكافل) سنداً إلى مزاعم ألصقت بسيرة النبي محمد, وصارت بالتقادم جزءاً من رسالته.

ويتابع فلاسفة فن الحرب فيقولون:

" أما أهم نقاط قوة أي طرف محارب (ولو فكريا) فهو إيجاد " طريقة لتعريف المقاتل على جنود العدو, وتمييز زملائه وحلفائه عن خصومه وأعدائه في الميدان"

ميدان المعركة مع الإرهابيين فكري قبل كل شيء، فماذا أعددنا في هذا الإطار لتمييز أنفسنا كمسلمين عن إرهابيين يقدمون أنفسهم للرأي العام بوصفهم " المسلمين".

لهذا يمكن اعتبار الأفكار التالية محاولة لتقديم خطة عمل قابلة للتنفيذ وهي:

الأولى: الفكر

مشكلتنا مع الإرهاب ليست في الفكر الوهابي فقط، فالوهابيون استفادوا أيّما استفادة من فكر مقابل يمثل الوجه الآخر للتكفير. فكر مبني على الأحقاد الدفينة في عمق التاريخ, وعلى روايات تجعل من الإنسان مجرما بالسليقة, كون الأعمال الإجرامية التي يمارسها داعش أو غيره من التنظيمات ليست اختراعا استنبطه مجرمون إرهابيون من ذوات أنفسهم التي ابتدعت أساليب التقطيع والذبح من أفلام جنكيز خان السينمائية، إنما تستلهم تلك التنظيمات التكفيرية ما في التاريخ والكتب الدينية التراثية عند كل الطوائف، و من تفسيرات لآيات قرآنية, ومن روايات لأحاديث تبرر القتل والذبح والعنف بالأمر المقدس والدين والسيرة النبوية.

بالطبع سيولد من رحم الكتب التراثية الدينية أسلوب إجرامي مثل هذا الذي نراه, ما دام التفسير المزيف والمأفون للإسلام موجوداً, ولم يجرؤ أي إصلاحي فاعل أو زعيم ديني له قدرة على تبديله وتغييره على أن يتعرض له, كونه مزيفا وكاذبا ولا يمثل الإسلام، وإنما يخشى الجميع ردّة فعل الرعاع والمتعصبين.

الفكر هو أصل الإجرام، فتفسير الآيات بظاهرها, وجعل المقصد الإلهي الآني المرتبط بمعركة خاضها المسلمون قبل ألف وأربعمئة عام هو افتراء على القرآن يقبل به كل المسلمين ما داموا لا يبدلونه ولا ينتقدونه ولا يرفضونه, وما داموا لا يطالبون بتحقيق الكتب التراثية وتنقيتها من الأحاديث والسيرة والتفسير القرآني الذي يخالف جوهر النبوة " رحمة للعالمين" وما دامت تخالف جوهر الإسلام " وإن تعفوا اقرب للتقوى"

لا يمكن قبول استنكار كبار العلماء والزعماء والحركيين لأفعال داعش وهم مثلها يؤمنون أن رسول الله قتل قبيلة بأمها وأبيها, وبشيبها وشبابها, وبكل مشعر من أطفالها, فقط لأن كبارها خانوا عهودهم!! القصة كلها موضوعة وغير صحيحة ولا يمكن قبولها لا استنادا على العقل ولا سندا الى القرآن، فكيف نستنكر أفعال داعش وهم ينفذون ما نقول نحن إن رسول الله نفذه ببني قريظة؟

احذفوا القصص المدسوسة والإسرائيليات, وبيّنوا دور رجال وفقهاء "السفاح العباسي" و"الجزار الأموي" في اختلاق قصص وروايات وتفسيرات بدواة وحبر المؤرخين والقضاة التابعين لسلطة كانت بحاجة لتبرير جرائم ملوكها أمام المؤمنين, فادّعوا أن ذلك يماثل ما فعله الرسول (ص) ويناسب ما قصده القرآن.

الثانية: القائد الفكري الذي يكسب عقول وقلوب المسلمين إلى أفكار الإصلاح الديني

- هناك بحر تكفيري, ولكن مقابله هناك بحر أكبر من المسلمين الحائرين في دينهم، أهو داعشي, أم دين رحمة وفكر وعقل وتقدم ومساواة وحب وتكافل وموعظة بالحكمة والتصرف الحسن واللبق والمؤدب؟

ملايين المسلمين لا بل مئات ملايين المسلمين ليس لديهم قائد حاليا, وأفضل مراحل التاريخ لتبديل خيارات الناس, ولرفعهم من بئر التعصب الى قمة المعرفة وبُعد النظر والتنوير, تتوافق مع أحداث تاريخية تجعل المتعصب يتساءل" أنحن على حق أم على باطل"

مئات ملايين المسلمين في باطن عقولهم يستنكرون الإسلام الداعشي والوهابي, ويبحثون عن أمرين:

- هل من فضيلة في الانتماء الى إسلام مثل هذا؟

- هل من إسلام نجهله أفضل من هذا؟

الجميع يخشى عاطفيا من مراجعة أفكاره حين تهتز عقائده في نفسه، كونه يخشى أن يقتنع بأنها ليست الحق الذي ظن أنه يتبعه، ولكن شجاعة القائد (المؤهل فكريا وموضوعيا) في طرح البديل الإسلامي الإصلاحي الشامل والجامع هو الردّ التاريخي على تحدٍّ تاريخي رفعه جهد قرنين من التكفير والتوهيب, والترويج لأفكار ابن تيمية وابن القيّم الجوزي وابن عبد الوهاب، وهم بالمناسبة لا يأتون بشيء من عندياتهم, بل من كتب التراث الديني لا أكثر.

المسلمون عطاشى لقائد، له فكر وله موقف يتخذه بعدما يبدأ المراجعة التاريخية لكتبنا وتراثنا وتفسيرنا القرآني ولكتب السيرة ولكتب الحديث، زعيم وقائد يدلّ الجماهير على الحق وعلى الباطل فيما لدينا من تراث ديني.

الناس سيتبعون أي قائد فكري فاعل يقود الاصلاح الديني ويقول للجميع: "أنا سني (أو أنا شيعي) ولكني أقول لكل المذاهب كلنا مسلمون وهذا هو الفرق بين إسلامنا وبين إسلام الوهابية والداعشية المولودة من رحمها"

الإسلام في خطر كما قال سماحة السيد حسن نصر الله, لكن السعودية ليست هي المنقذ لنا وللإسلام، بل يمكن لسماحته أن يكون المنقذ لو كان سُنيّاً، لأن العامة والبسطاء من المسلمين هم الاغلبية, وهم لن يتجاوبوا في المرحلة الأولى إلا مع من يماثلهم مذهبيا، لذا يمكن لسماحته أن يشارك في الإنقاذ عبر تفنيد العقلاني والصحيح من التراث الشيعي, ويعمل مع من يعملون على تقديم التشيّع المحمّدي, وإنكار التشيّع الصفوي الذي تحدث عنه مفكرون مسلمون ثوريون حسينيون. وأيضا يمكن لسماحته أن يشارك في الإنقاذ عبر دعم شخصية قيادية بكل ما يملك (شخصيا من تأثير) وبكل ما تملكه المقاومة من وسائل إعلامية ومعنوية ومادية, كي يخرج إلى الناس من رحم مآسينا قائد شعبي يدعو إلى الإصلاح الشامل دينيا ومجتمعيا، قائد يمثل الناس ولا يمثل عليهم (لا يهم إن كان رجلا أو مجموعة رجال أو طريقة تفكير تقود الناس وتدعوهم إليها) فدون الدعم الإعلامي والإمكانيات لا يمكن أن يتحقق للقائد المفترض ما يمكنه من التحوّل إلى قائد شعبي عربيا وإسلاميا.

هناك إمكانيات كبيرة, فكرية وشخصية, في العالم الإسلامي ولكنها مطمورة ولن تساعدها على الظهور ظروفها وإمكانياتها الخاصة, ولن يساعدها الإرهاب, ولا المحور الإقليمي الذي يسانده أو يستفيد منه، فقط محور المقاومة ومعه المحور الدولي " المستهدف من الإرهاب" هو الأمل للحصول على ظروف وإمكانيات تقدم القائد للناس على مستوى يكفي لانتشار أفكاره.

الهدف كبير, لذا قد يستحق الأمر خلق حركة مقاومة فكرية للتكفير تحل مكان الأزهر والسعودية والزيتونة والنجف وقم (إلى أن تعود تلك المواقع الإشعاعية في تاريخنا إلى الإشعاع فكريا في واقعنا)، ولتبني لنفسها سمعة بقوة موقفها, وبشجاعة نقضها لأفكار مقدسة, مع أنها لا تماشي لا العقل ولا القرآن.

حركة موازية للمذاهب كافة ، ولكن تخرج عن مسلّمات تلك المذاهب الغير مقبولة عقلا وقرآنا ، وتحمل الهوية السنية - الشيعية أولا, والإسلامية الجامعة ثانيا, والإنسانية الشاملة ثالثا.

قائد يخلق حركة عندها إمكانيات فعلية إعلاميا وبحثيا, ولديها قوة دفع تجعل أعضاءها في وضع يمكنهم من الوصول إلى مليار ونصف المليار مسلم بكل لغاتهم, ولا يحصل ذلك بقناة تقدم برنامجا أسبوعيا عن الإسلام يخبط خبط عشواء, ولا بقناة سنية لا تتكلم عن السنة وأصولها.

في العالم تجارب سبقتنا، والتجربة الدعائية التبشيرية الإنجيلية من أنجح التجارب التي بدلت بالإعلام المترافق مع التبشير الشخصي المباشر أفكار ومعتقدات ملايين البشر منذ قرن وربع فقط (ستمئة مليون مسيحي في العالم يعتبرون أنفسهم إنجيليين, لا بروتستانت ولا كاثوليك ولا أرثوذكس, وجذورهم العائلية الدينية تأتي من تلك المذاهب)

فإذا كان دعاة الفضائيات الإنجيلية قد تمكنوا من تحويل ٦٠٠ مليون مسيحي إلى مذاهب أخرى فلِمَ لا نستطيع نحن المسلمين استعادة مليار ونصف المليار مسلم إلى الإسلام المحمدي الصحيح؟

القائد الفكري قد يكون شخصاً واحداً, لكن في حالة المسلمين المتعددي الأعراق, القائد قد يكون من الأفضل لأهدافه أن يكون في صيغة " المجلس الأعلى الدولي للمفكرين والفقهاء المسلمين"

مجلس يشبه البرلمان الفقهي والبحثي، ينقّب ويدرس ويشطب, ويخرج على الناس بكتب تراث بنسخ جديدة نقية صافية إسلامية حقا.

ما أتحدث عنه هو" قائد" يجمع بحر المترددين والرافضين لإسلام يبرر في سيرة رسوله وفي تفاسير آياته ما يحصل على أيدي الإرهابيين.

بعد تنقية الفكر الإسلامي من التبريرات الدينية للإجرام, والتقطيع من أمام ومن خلف, وبعد تبرئة سيرة رسول الله مما جرى دسه وافتراؤه عليه ، عندها يصبح تجفيف بحر التكفير الذي يرفد التنظيمات الإرهابية بالعديد والإمكانيات أمراً ممكنا, كونه جرى الفصل بين معتنقي الفكر التكفيري ومعتنقي الفكر الإسلامي الذي جرى تحديده بالتفصيل في فروقاته عن منطلقات الإرهابيين الفكرية. 

الثالثة: الإعلام والعمل الدعوي وأسلحة الحرب النفسية (فضائيات ونيوميديا وتطوع عالمي)

الإرهابيون يستفيدون من قدرات إعلامية لدول, ومن سعي مؤسسات حاكمة لبسط نفوذها بالأدوات الدينية الدعوية الوهابية, وخاصة القنوات الفضائية منها. وليس في الأفق ولا في المنطق ما يشير إلى أن السعوديين أو القطريين أو الأميركيين أو الإسرائيليين سيتوقفون عن كونهم ما هم عليه.

لهذا فالاتكال على استجابة سعودية لمساعي محاربة التكفير غير مأمونة العواقب, لأن الأمر لا يمثل بالنسبة لهم حربا على الإرهاب بل حربا على الذات.

لهذا لا بدّ للجماعة الفكرية الفقهية "القائد" من وسائل إعلام تتفوّق على الإعلام الوهابي والتكفيري وتجاربه, لا بل وتسبقه في الوصول إلى عقول وأنفس المسلمين والعرب, بطرح إسلامي نقي ومقنع ومرضٍ دينياً.ولا بدّ من مساجد ومصليات وخطباء وجمعيات ناشطة وشخصيات عامة معروفة ومشهورة مجندة لخدمة المشروع.

الرابعة: السيطرة على شارع البسطاء بالعمل الخيري.

لو عرفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها ستضطر إلى دفع أربعين مليار لدعم الجمهورية العربية السورية في حربها على الإرهاب, أما كانت لتدفع ربعها على الأعمال الخيرية إن كان العمل الخيري يمنع الرعاع من اللحاق بداعش أو بالنصرة وبالتكفيريين عامة؟

الرواسب التاريخية الفكرية, والأفكار المغلوطة عن حقيقة الإسلام شكّلت المضمون لحملات التحريض الطائفي التي أدّت إلى تغذية التيار التكفيري وإلى انتشاره. ثم جرى استغلال الحروب والضحايا, وغسلت وبيّضت عقول المتلقين, وصار القاتل ضحية والضحية مجرما.

لكن نسبة كبيرة من الناس تميل إلى الإسلاميين التكفيريين بسبب الأعمال الخيرية التي يستغلها أولئك لتمكين رجالهم من اختراق الأحياء الشعبية والسيطرة عليها.

العمل الخيري عنوان استرجاع ملايين من الناس في كل بلد إلى أحضان العقل والمنطق . إنه عملية ترفد مهمة إنقاذ المسلمين من السقوط في هاوية التكفير.

الخامسة: المشروع والهدف

- تملك الحركة التكفيرية فكرا ، وتمتلك الهدف، وتمتلك الخطة الواضحة والدراسات المرافقة التي تهدف إلى فهم طبيعة البلدان التي تتحرك بداخلها، كما تهدف إلى بناء خارطة طريق عملية للوصول إلى الهدف. لا عنفهم عبثي, ولا دولتهم تمنٍّ نظري, بل هم يمتلكون كيانات تفكر وأخرى تنفذ وثالثة تراقب وتحسن وتدير وتنصح وتستفيد من هبّة عالمية تأثرت بهم, حملت إليهم منذ العام ٢٠٠١ نخبة الحركة الإسلامية الجهادية في ٥٤ بلدا إسلاميا, يضاف إليها بعض من نخبة أعلى مراتب المتعلمين المسلمين في الغرب.

- لهزيمتهم يجب أن يمتلك الطرف المحارب لهم في ساحة الرأي العام المسلم مشروعا إسلاميا شرعيا (من الناحية الدينية) يستبدل طرح الخلافة بهدف مبرر له فقهيا, يثبت أن مفهوم الخلافة في الإسلام ليس واجبا قرآنيا ولا مبدأ لا يمكن التخلي عنه, خاصة وأن تجربة الخلفاء الراشدين كانت فريدة بسبب شخصيات من تولوا الحكم من الصحابة, ولكن مئات الخلفاء الامويين والعباسيين والعثمانيين شكّلوا عارا على اسم الإسلام والخلافة والدين.

- طرح بديل إسلامي لشكل الحكم, ولشكل القوانين التي تتعلق بالحدود والعقوبات وحقوق المرأة والانتخابات, ودور الشعب في محاسبة السلطة, وفي منع تحويل الفئة الحاكمة إلى فئة مقدسة لا يمكن استبدالها ولا محاسبتها كونها معينة من الله.

- طرح نموذج نظري لا يغني عن النموذج العملي, ولكن إلى أن يقوم النموذج على أرض الواقع قد ينقذنا طرح البديل شعبيا من حماسة الشباب لقتلنا في سبيل وهم الخلافة.

فتسونامي المشاعر الجياشة عند شباب السنة المتأثرين بالإرهاب الوهابي لا بدّ وأن يحل مكانه قناة لتصريف حماسهم في نشاط سلمي أو نضالي, لكن واضح المعالم ومكتمل الأهداف, ويجعل من العنفوان (السني) في خدمة المسلمين والإنسانية لا في خدمة التكفير وغلاة الوهابية.

وفي ظل عدم قيام أي مشروع جدي لإشراك السنة كافة في العالم الإسلامي في وحدات المقاومة اللبنانية والفلسطينية, فلا بدّ من إشراكهم في تنظيم عالمي لمحاربة الإرهاب في العراق وسورية دفاعا عن السنة أنفسهم من جرائم المتطرفين الذين يحوّلون السنة إلى تكفيريين.

ماليزيا نموذج لمجتمع غزاه التكفير مبكرا في السبعينيات, وحكم عددا من الولايات فكيف انتصر الاعتدال عليهم؟

بالنشر والفكر والدعوة والحوار مع الأنصار والبيئة الحاضنة، فجرت استمالة المواطنين الموالين للتيار التكفيري في ماليزيا عبر مشروع التنمية, فصارت الحماسة الدينية للجهاد حماسة للجهاد اقتصاديا وزراعيا, لتطوير الأراضي والمحاصيل, وجهادا حماسيا لتطوير التعليم والمؤسسات والطب والصناعة والبلاد بما فيها . هكذا حلت الأفكار البناءة المرتبطة بالإسلام أيضا محل الأفكار التكفيرية.

الخطوة السادسة: إيقاع هزائم شديدة ومهينة عسكريا وأمنيا بالتكفيريين

ما جعل أغلب اليهود في أوروبا يهربون إلى فلسطين المحتلة ليس قيام دولة إسرائيل, بل انتصاراتها السهلة التي أعطت للخائفين اليهود مقرّا تحميه قوة جبارة غلبت للتو مجموعة من الدول التي تحاصرها, وتفوقت على بريطانيا معها. هذه الدعاية التي قدمت هزيمة العرب في عام ١٩٤٨ بصفة إلهية – ربانية أعطت لليهودي أرضا آمنة يحتمي فيها.

هكذا حصل مع التنظيمات الإرهابية التي تقدمت بشكل لا يمكن تصديقه أبدا، فصار كل مسلم ساذج أو غير مطلع, يعتقد بأن داعش أو النصرة هم أحفاد لجيش المسلمين الذي حطم امبراطوريتين ببضعة آلاف من المقاتلين القبليين.

لذا يجب تحقيق هزائم بالإرهابيين تجعلهم محل سخرية من يظن أنهم يقاتلون بنصر الله وينتصرون بقتال الملائكة معهم.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-11-01
  • 11901
  • من الأرشيف

أسرار القضاء على داعش والتكفيريين

أهداف كبيرة وطموح خيالي ومستحيل؟ لو قيل لأي من القراء قبل خمس سنوات إن رجلاً اسمه ابراهيم البدري في العراق وقف بين رفاق له وقال: " سأقف في مسجد الجامع في الموصل, وسألقي خطبتي الأولى كـ خليفة, وأطلب البيعة, وقوّاتي حينها ستكون قد تحكّمت بثلث سورية وثلث العراق" فهل كنتم ستجدون أهدافه مستحيلة وخيالية؟ فهل ثمّة فئة تملك إيمانا بتكفيرها أقوى فكريا وعزيمة وقدرة شخصية من قادتنا الفكريين والمقاومين على امتداد العالم العربي والإسلامي؟ في ظل الفوضى التي انتشرت في دول الربيع العربي الذي يخجل به كل عربي بعدما آل إليه من تدمير لمجتمعاتنا لصالح فئات تكفيرية, فإن الحل لأوضاعنا لا يمكن أن يكون عبر السلطات, بل عبر الشعب المساعد في بنائها من جديد على أسس من التسامح والعدل والمساواة, ونبذ العنف وقبول الآخر, وحل المشكلات بالحوار. ولاستعادة الاستقرار والأمن وللانطلاق مجدداً نحو مستقبل أفضل, لا يمكن إلا قيام قوى شعبية بمساندة القوى الرسمية في حربها على الإرهاب, وإلّا فإن الإرهاب أقدر بوسائله على الانتصار. مما لا بدّ منه للقضاءعلى الإرهاب, ولوقف المدّ التكفيري, وجود خطة وقائد يشرف على تنفيذها, وجيش يحارب لأجل تحقيق أهداف الخطة. جيش من المتطوعين يضمّ مفكرين ومصلحين إسلاميين سُنة قبل أي فئة أخرى من المسلمين، ودعاة وفاعلي خير وناشطين أهليين في التنمية البشرية, واقتصاديين لايخططون فقط بل ينفذون مشاريع صغيرة تمثل نموذجا لعشرات آلاف الأفكار المماثلة القابلة للتنفيذ, كوسيلة لاستغناء المجتمعات الإسلامية عن الدولة في مرحلة بناء دول صالحة لخدمة مواطنيها، والأهمّ أن يضم ذلك الجيش قوات متطوعة من المقاتلين ضد الإرهاب وضد الصهاينة ، مقاتلين عمودهم الفقري من السُنة, وشعارهم الإسلام هو الحل لمحاربة الإرهاب، الإسلام الذي يبني الأوطان لأنه دين المشاركة والمحبة وقبول الآخر الذي عاش والمسلمين قرونا, ولم يختفِ الآخر ولا اختفى الإسلام. الإرهاب يتحرّك على بينة من أمره، لذا وصل إلى مرحلة سبق فيها واقعه, الحاجة إلى التفكير في جهتنا بما يجب أن نخطط له. وما قاله كل فلاسفة الحرب عبر التاريخ عن أسباب الانتصار التي تكفل لطرف تحقيق ما يريد هو: - دراسة أرض المعركة - دراسة الظروف المحيطة - معرفة النفس ومعرفة العدو, والتركيز على نقاط القوة والضعف عندنا وعند العدو. - التخطيط لكل خطوة واستغلال الإمكانيات المتوفرة. - سحب ما نستطيع من قوة من يد العدو قبل المعركة وخلالها. ولأن أهمّ أسباب نجاح الإرهابيين في تجنيد مناصرين جدد لتيارهم التكفيري هو استغلال الإسلام, وتزييف تفسيرات الآيات القرآنية, والاتكال على نقاط ضعف في التراث الإسلامي تناقض الإسلام وتضرب أساسيات الرسالة المحمدية (العدل والرحمة والمحبة والتكافل) سنداً إلى مزاعم ألصقت بسيرة النبي محمد, وصارت بالتقادم جزءاً من رسالته. ويتابع فلاسفة فن الحرب فيقولون: " أما أهم نقاط قوة أي طرف محارب (ولو فكريا) فهو إيجاد " طريقة لتعريف المقاتل على جنود العدو, وتمييز زملائه وحلفائه عن خصومه وأعدائه في الميدان" ميدان المعركة مع الإرهابيين فكري قبل كل شيء، فماذا أعددنا في هذا الإطار لتمييز أنفسنا كمسلمين عن إرهابيين يقدمون أنفسهم للرأي العام بوصفهم " المسلمين". لهذا يمكن اعتبار الأفكار التالية محاولة لتقديم خطة عمل قابلة للتنفيذ وهي: الأولى: الفكر مشكلتنا مع الإرهاب ليست في الفكر الوهابي فقط، فالوهابيون استفادوا أيّما استفادة من فكر مقابل يمثل الوجه الآخر للتكفير. فكر مبني على الأحقاد الدفينة في عمق التاريخ, وعلى روايات تجعل من الإنسان مجرما بالسليقة, كون الأعمال الإجرامية التي يمارسها داعش أو غيره من التنظيمات ليست اختراعا استنبطه مجرمون إرهابيون من ذوات أنفسهم التي ابتدعت أساليب التقطيع والذبح من أفلام جنكيز خان السينمائية، إنما تستلهم تلك التنظيمات التكفيرية ما في التاريخ والكتب الدينية التراثية عند كل الطوائف، و من تفسيرات لآيات قرآنية, ومن روايات لأحاديث تبرر القتل والذبح والعنف بالأمر المقدس والدين والسيرة النبوية. بالطبع سيولد من رحم الكتب التراثية الدينية أسلوب إجرامي مثل هذا الذي نراه, ما دام التفسير المزيف والمأفون للإسلام موجوداً, ولم يجرؤ أي إصلاحي فاعل أو زعيم ديني له قدرة على تبديله وتغييره على أن يتعرض له, كونه مزيفا وكاذبا ولا يمثل الإسلام، وإنما يخشى الجميع ردّة فعل الرعاع والمتعصبين. الفكر هو أصل الإجرام، فتفسير الآيات بظاهرها, وجعل المقصد الإلهي الآني المرتبط بمعركة خاضها المسلمون قبل ألف وأربعمئة عام هو افتراء على القرآن يقبل به كل المسلمين ما داموا لا يبدلونه ولا ينتقدونه ولا يرفضونه, وما داموا لا يطالبون بتحقيق الكتب التراثية وتنقيتها من الأحاديث والسيرة والتفسير القرآني الذي يخالف جوهر النبوة " رحمة للعالمين" وما دامت تخالف جوهر الإسلام " وإن تعفوا اقرب للتقوى" لا يمكن قبول استنكار كبار العلماء والزعماء والحركيين لأفعال داعش وهم مثلها يؤمنون أن رسول الله قتل قبيلة بأمها وأبيها, وبشيبها وشبابها, وبكل مشعر من أطفالها, فقط لأن كبارها خانوا عهودهم!! القصة كلها موضوعة وغير صحيحة ولا يمكن قبولها لا استنادا على العقل ولا سندا الى القرآن، فكيف نستنكر أفعال داعش وهم ينفذون ما نقول نحن إن رسول الله نفذه ببني قريظة؟ احذفوا القصص المدسوسة والإسرائيليات, وبيّنوا دور رجال وفقهاء "السفاح العباسي" و"الجزار الأموي" في اختلاق قصص وروايات وتفسيرات بدواة وحبر المؤرخين والقضاة التابعين لسلطة كانت بحاجة لتبرير جرائم ملوكها أمام المؤمنين, فادّعوا أن ذلك يماثل ما فعله الرسول (ص) ويناسب ما قصده القرآن. الثانية: القائد الفكري الذي يكسب عقول وقلوب المسلمين إلى أفكار الإصلاح الديني - هناك بحر تكفيري, ولكن مقابله هناك بحر أكبر من المسلمين الحائرين في دينهم، أهو داعشي, أم دين رحمة وفكر وعقل وتقدم ومساواة وحب وتكافل وموعظة بالحكمة والتصرف الحسن واللبق والمؤدب؟ ملايين المسلمين لا بل مئات ملايين المسلمين ليس لديهم قائد حاليا, وأفضل مراحل التاريخ لتبديل خيارات الناس, ولرفعهم من بئر التعصب الى قمة المعرفة وبُعد النظر والتنوير, تتوافق مع أحداث تاريخية تجعل المتعصب يتساءل" أنحن على حق أم على باطل" مئات ملايين المسلمين في باطن عقولهم يستنكرون الإسلام الداعشي والوهابي, ويبحثون عن أمرين: - هل من فضيلة في الانتماء الى إسلام مثل هذا؟ - هل من إسلام نجهله أفضل من هذا؟ الجميع يخشى عاطفيا من مراجعة أفكاره حين تهتز عقائده في نفسه، كونه يخشى أن يقتنع بأنها ليست الحق الذي ظن أنه يتبعه، ولكن شجاعة القائد (المؤهل فكريا وموضوعيا) في طرح البديل الإسلامي الإصلاحي الشامل والجامع هو الردّ التاريخي على تحدٍّ تاريخي رفعه جهد قرنين من التكفير والتوهيب, والترويج لأفكار ابن تيمية وابن القيّم الجوزي وابن عبد الوهاب، وهم بالمناسبة لا يأتون بشيء من عندياتهم, بل من كتب التراث الديني لا أكثر. المسلمون عطاشى لقائد، له فكر وله موقف يتخذه بعدما يبدأ المراجعة التاريخية لكتبنا وتراثنا وتفسيرنا القرآني ولكتب السيرة ولكتب الحديث، زعيم وقائد يدلّ الجماهير على الحق وعلى الباطل فيما لدينا من تراث ديني. الناس سيتبعون أي قائد فكري فاعل يقود الاصلاح الديني ويقول للجميع: "أنا سني (أو أنا شيعي) ولكني أقول لكل المذاهب كلنا مسلمون وهذا هو الفرق بين إسلامنا وبين إسلام الوهابية والداعشية المولودة من رحمها" الإسلام في خطر كما قال سماحة السيد حسن نصر الله, لكن السعودية ليست هي المنقذ لنا وللإسلام، بل يمكن لسماحته أن يكون المنقذ لو كان سُنيّاً، لأن العامة والبسطاء من المسلمين هم الاغلبية, وهم لن يتجاوبوا في المرحلة الأولى إلا مع من يماثلهم مذهبيا، لذا يمكن لسماحته أن يشارك في الإنقاذ عبر تفنيد العقلاني والصحيح من التراث الشيعي, ويعمل مع من يعملون على تقديم التشيّع المحمّدي, وإنكار التشيّع الصفوي الذي تحدث عنه مفكرون مسلمون ثوريون حسينيون. وأيضا يمكن لسماحته أن يشارك في الإنقاذ عبر دعم شخصية قيادية بكل ما يملك (شخصيا من تأثير) وبكل ما تملكه المقاومة من وسائل إعلامية ومعنوية ومادية, كي يخرج إلى الناس من رحم مآسينا قائد شعبي يدعو إلى الإصلاح الشامل دينيا ومجتمعيا، قائد يمثل الناس ولا يمثل عليهم (لا يهم إن كان رجلا أو مجموعة رجال أو طريقة تفكير تقود الناس وتدعوهم إليها) فدون الدعم الإعلامي والإمكانيات لا يمكن أن يتحقق للقائد المفترض ما يمكنه من التحوّل إلى قائد شعبي عربيا وإسلاميا. هناك إمكانيات كبيرة, فكرية وشخصية, في العالم الإسلامي ولكنها مطمورة ولن تساعدها على الظهور ظروفها وإمكانياتها الخاصة, ولن يساعدها الإرهاب, ولا المحور الإقليمي الذي يسانده أو يستفيد منه، فقط محور المقاومة ومعه المحور الدولي " المستهدف من الإرهاب" هو الأمل للحصول على ظروف وإمكانيات تقدم القائد للناس على مستوى يكفي لانتشار أفكاره. الهدف كبير, لذا قد يستحق الأمر خلق حركة مقاومة فكرية للتكفير تحل مكان الأزهر والسعودية والزيتونة والنجف وقم (إلى أن تعود تلك المواقع الإشعاعية في تاريخنا إلى الإشعاع فكريا في واقعنا)، ولتبني لنفسها سمعة بقوة موقفها, وبشجاعة نقضها لأفكار مقدسة, مع أنها لا تماشي لا العقل ولا القرآن. حركة موازية للمذاهب كافة ، ولكن تخرج عن مسلّمات تلك المذاهب الغير مقبولة عقلا وقرآنا ، وتحمل الهوية السنية - الشيعية أولا, والإسلامية الجامعة ثانيا, والإنسانية الشاملة ثالثا. قائد يخلق حركة عندها إمكانيات فعلية إعلاميا وبحثيا, ولديها قوة دفع تجعل أعضاءها في وضع يمكنهم من الوصول إلى مليار ونصف المليار مسلم بكل لغاتهم, ولا يحصل ذلك بقناة تقدم برنامجا أسبوعيا عن الإسلام يخبط خبط عشواء, ولا بقناة سنية لا تتكلم عن السنة وأصولها. في العالم تجارب سبقتنا، والتجربة الدعائية التبشيرية الإنجيلية من أنجح التجارب التي بدلت بالإعلام المترافق مع التبشير الشخصي المباشر أفكار ومعتقدات ملايين البشر منذ قرن وربع فقط (ستمئة مليون مسيحي في العالم يعتبرون أنفسهم إنجيليين, لا بروتستانت ولا كاثوليك ولا أرثوذكس, وجذورهم العائلية الدينية تأتي من تلك المذاهب) فإذا كان دعاة الفضائيات الإنجيلية قد تمكنوا من تحويل ٦٠٠ مليون مسيحي إلى مذاهب أخرى فلِمَ لا نستطيع نحن المسلمين استعادة مليار ونصف المليار مسلم إلى الإسلام المحمدي الصحيح؟ القائد الفكري قد يكون شخصاً واحداً, لكن في حالة المسلمين المتعددي الأعراق, القائد قد يكون من الأفضل لأهدافه أن يكون في صيغة " المجلس الأعلى الدولي للمفكرين والفقهاء المسلمين" مجلس يشبه البرلمان الفقهي والبحثي، ينقّب ويدرس ويشطب, ويخرج على الناس بكتب تراث بنسخ جديدة نقية صافية إسلامية حقا. ما أتحدث عنه هو" قائد" يجمع بحر المترددين والرافضين لإسلام يبرر في سيرة رسوله وفي تفاسير آياته ما يحصل على أيدي الإرهابيين. بعد تنقية الفكر الإسلامي من التبريرات الدينية للإجرام, والتقطيع من أمام ومن خلف, وبعد تبرئة سيرة رسول الله مما جرى دسه وافتراؤه عليه ، عندها يصبح تجفيف بحر التكفير الذي يرفد التنظيمات الإرهابية بالعديد والإمكانيات أمراً ممكنا, كونه جرى الفصل بين معتنقي الفكر التكفيري ومعتنقي الفكر الإسلامي الذي جرى تحديده بالتفصيل في فروقاته عن منطلقات الإرهابيين الفكرية.  الثالثة: الإعلام والعمل الدعوي وأسلحة الحرب النفسية (فضائيات ونيوميديا وتطوع عالمي) الإرهابيون يستفيدون من قدرات إعلامية لدول, ومن سعي مؤسسات حاكمة لبسط نفوذها بالأدوات الدينية الدعوية الوهابية, وخاصة القنوات الفضائية منها. وليس في الأفق ولا في المنطق ما يشير إلى أن السعوديين أو القطريين أو الأميركيين أو الإسرائيليين سيتوقفون عن كونهم ما هم عليه. لهذا فالاتكال على استجابة سعودية لمساعي محاربة التكفير غير مأمونة العواقب, لأن الأمر لا يمثل بالنسبة لهم حربا على الإرهاب بل حربا على الذات. لهذا لا بدّ للجماعة الفكرية الفقهية "القائد" من وسائل إعلام تتفوّق على الإعلام الوهابي والتكفيري وتجاربه, لا بل وتسبقه في الوصول إلى عقول وأنفس المسلمين والعرب, بطرح إسلامي نقي ومقنع ومرضٍ دينياً.ولا بدّ من مساجد ومصليات وخطباء وجمعيات ناشطة وشخصيات عامة معروفة ومشهورة مجندة لخدمة المشروع. الرابعة: السيطرة على شارع البسطاء بالعمل الخيري. لو عرفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها ستضطر إلى دفع أربعين مليار لدعم الجمهورية العربية السورية في حربها على الإرهاب, أما كانت لتدفع ربعها على الأعمال الخيرية إن كان العمل الخيري يمنع الرعاع من اللحاق بداعش أو بالنصرة وبالتكفيريين عامة؟ الرواسب التاريخية الفكرية, والأفكار المغلوطة عن حقيقة الإسلام شكّلت المضمون لحملات التحريض الطائفي التي أدّت إلى تغذية التيار التكفيري وإلى انتشاره. ثم جرى استغلال الحروب والضحايا, وغسلت وبيّضت عقول المتلقين, وصار القاتل ضحية والضحية مجرما. لكن نسبة كبيرة من الناس تميل إلى الإسلاميين التكفيريين بسبب الأعمال الخيرية التي يستغلها أولئك لتمكين رجالهم من اختراق الأحياء الشعبية والسيطرة عليها. العمل الخيري عنوان استرجاع ملايين من الناس في كل بلد إلى أحضان العقل والمنطق . إنه عملية ترفد مهمة إنقاذ المسلمين من السقوط في هاوية التكفير. الخامسة: المشروع والهدف - تملك الحركة التكفيرية فكرا ، وتمتلك الهدف، وتمتلك الخطة الواضحة والدراسات المرافقة التي تهدف إلى فهم طبيعة البلدان التي تتحرك بداخلها، كما تهدف إلى بناء خارطة طريق عملية للوصول إلى الهدف. لا عنفهم عبثي, ولا دولتهم تمنٍّ نظري, بل هم يمتلكون كيانات تفكر وأخرى تنفذ وثالثة تراقب وتحسن وتدير وتنصح وتستفيد من هبّة عالمية تأثرت بهم, حملت إليهم منذ العام ٢٠٠١ نخبة الحركة الإسلامية الجهادية في ٥٤ بلدا إسلاميا, يضاف إليها بعض من نخبة أعلى مراتب المتعلمين المسلمين في الغرب. - لهزيمتهم يجب أن يمتلك الطرف المحارب لهم في ساحة الرأي العام المسلم مشروعا إسلاميا شرعيا (من الناحية الدينية) يستبدل طرح الخلافة بهدف مبرر له فقهيا, يثبت أن مفهوم الخلافة في الإسلام ليس واجبا قرآنيا ولا مبدأ لا يمكن التخلي عنه, خاصة وأن تجربة الخلفاء الراشدين كانت فريدة بسبب شخصيات من تولوا الحكم من الصحابة, ولكن مئات الخلفاء الامويين والعباسيين والعثمانيين شكّلوا عارا على اسم الإسلام والخلافة والدين. - طرح بديل إسلامي لشكل الحكم, ولشكل القوانين التي تتعلق بالحدود والعقوبات وحقوق المرأة والانتخابات, ودور الشعب في محاسبة السلطة, وفي منع تحويل الفئة الحاكمة إلى فئة مقدسة لا يمكن استبدالها ولا محاسبتها كونها معينة من الله. - طرح نموذج نظري لا يغني عن النموذج العملي, ولكن إلى أن يقوم النموذج على أرض الواقع قد ينقذنا طرح البديل شعبيا من حماسة الشباب لقتلنا في سبيل وهم الخلافة. فتسونامي المشاعر الجياشة عند شباب السنة المتأثرين بالإرهاب الوهابي لا بدّ وأن يحل مكانه قناة لتصريف حماسهم في نشاط سلمي أو نضالي, لكن واضح المعالم ومكتمل الأهداف, ويجعل من العنفوان (السني) في خدمة المسلمين والإنسانية لا في خدمة التكفير وغلاة الوهابية. وفي ظل عدم قيام أي مشروع جدي لإشراك السنة كافة في العالم الإسلامي في وحدات المقاومة اللبنانية والفلسطينية, فلا بدّ من إشراكهم في تنظيم عالمي لمحاربة الإرهاب في العراق وسورية دفاعا عن السنة أنفسهم من جرائم المتطرفين الذين يحوّلون السنة إلى تكفيريين. ماليزيا نموذج لمجتمع غزاه التكفير مبكرا في السبعينيات, وحكم عددا من الولايات فكيف انتصر الاعتدال عليهم؟ بالنشر والفكر والدعوة والحوار مع الأنصار والبيئة الحاضنة، فجرت استمالة المواطنين الموالين للتيار التكفيري في ماليزيا عبر مشروع التنمية, فصارت الحماسة الدينية للجهاد حماسة للجهاد اقتصاديا وزراعيا, لتطوير الأراضي والمحاصيل, وجهادا حماسيا لتطوير التعليم والمؤسسات والطب والصناعة والبلاد بما فيها . هكذا حلت الأفكار البناءة المرتبطة بالإسلام أيضا محل الأفكار التكفيرية. الخطوة السادسة: إيقاع هزائم شديدة ومهينة عسكريا وأمنيا بالتكفيريين ما جعل أغلب اليهود في أوروبا يهربون إلى فلسطين المحتلة ليس قيام دولة إسرائيل, بل انتصاراتها السهلة التي أعطت للخائفين اليهود مقرّا تحميه قوة جبارة غلبت للتو مجموعة من الدول التي تحاصرها, وتفوقت على بريطانيا معها. هذه الدعاية التي قدمت هزيمة العرب في عام ١٩٤٨ بصفة إلهية – ربانية أعطت لليهودي أرضا آمنة يحتمي فيها. هكذا حصل مع التنظيمات الإرهابية التي تقدمت بشكل لا يمكن تصديقه أبدا، فصار كل مسلم ساذج أو غير مطلع, يعتقد بأن داعش أو النصرة هم أحفاد لجيش المسلمين الذي حطم امبراطوريتين ببضعة آلاف من المقاتلين القبليين. لذا يجب تحقيق هزائم بالإرهابيين تجعلهم محل سخرية من يظن أنهم يقاتلون بنصر الله وينتصرون بقتال الملائكة معهم.  

المصدر : خضر عواركة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة