بكبسة زر، اشتعلت طرابلس. أسماء المطلوبين نفسها تتكرر.في الشكل، معركة المسلحين خاسرة حُكماً. لكن توزيع الأدوار بين المجموعات المعادية للجيش يشي بأنّ شيئاً ما يُحضّر في الخفاء.

«هي بشائر المعركة الكبرى في لبنان»، بهذه العبارة يُجيب قيادي إسلامي عن سؤال: «ماذا يجري في طرابلس؟». معلومة قد توحي بشيء من المبالغة، ولا سيما أن المعطيات الأمنية تكشف أنّ «أعداد المسلّحين الصادقين بخوض المعركة في الشمال لا تتجاوز العشرات»، هذا إذا استُثني النازحون السوريون المؤهلون لحمل السلاح. يُعزّز ذلك نأي الشارع الطرابلسي والشمالي بنفسه ووقوفه إلى جانب الجيش، أقلّه في الاشتباكات التي وقعت خلال اليومين الماضيين. غير أن المصدر الإسلامي المقرّب من «جبهة النصرة» لا يتوقف عند هذه المعطيات، مؤكداً أنّ «ما كان سابقاً يختلف عن الآتي».

ويكشف أن «ما يحصل في الشمال يقوده شخصياً الشيخ أبو مالك التلّي»، مشيراً إلى أن شادي المولوي وأسامة منصور بايعا «النصرة» على السمع والطاعة. ويستدل بذلك على التسجيل الصوتي للمولوي الذي قال فيه إنه توافق مع المشايخ على تسليم الجندي المخطوف في باب التبانة فايز العموري، لكن أبو مالك رفض. وبالتالي، اختار المولوي النزول عند قرار أميره. أما ما يُردده مشايخ هيئة علماء المسلمين عن احتمال التوصل إلى هدنة أو تهدئة، فيردّ بأنّها آنية لن تصمد قبل أن تشتعل المواجهة مجدداً. ويعزز هذه الفرضية تزامن تصعيد «جبهة النصرة» في القلمون وكتائب عبد الله عزام معاً.

الأولى تضغط بالعسكريين الأسرى لديها، فيما الثانية على لسان الشيخ سراج الدين زريقات يهدد بالقول: «نحن على مشارف انتفاضة  تقتلع جذور الظلم». وأضاف: «استعدّوا لردود أفعالنا الطبيعية لرفع الظلم عن أهلنا في لبنان»، علماً بأن المصادر تتحدث عن «توحيد صفوف "الثوّار" في القلمون من أجل الانقضاض على قرى البقاع الشمالي». وتشير إلى أنّ «ما يجري في الشمال هو عملية إلهاء للجيش وتصويره على أنه ضد أهل السنّة وتشتيته عبر حرب الشوارع في أماكن مختلفة».

 

وعليه، كان ولا يزال سيناريو إعلان عاصمة الشمال إمارة إسلامية هاجساً يؤرق أيام الأجهزة الأمنية. أما عن شرارة إشعال المعركة في طرابلس، فتكشف المعلومات الأمنية عن «وثيقة صادرة منذ عشرين يوماً بناءً على معلومة مخبر تتحدث عن حصول اجتماع بين قادة المحاور للتحضير لبروفة انتشار أمني أمام مراكز الجيش بناءً على أوامر من أبو مالك التلّي». وتشير المعلومات إلى أن تحرّكات الجيش تمّت استناداً إلى هذه المعلومة التي جرى تعميمها. وتلفت المعلومات إلى أن توقيف أحمد سليم الميقاتي جاء بالصدفة، كاشفة أنّ هاتف الجندي الفار عبد القادر الأكومي الذي كان موضوعاً تحت الرصد شُغِّل ثم أُقفل، فجرى تحديد موقعه. وبحسب المصادر، فإن عملية التوقيف هذه عجّلت بالسيناريو الذي كان يجري التحضير له. وعلى هذا الأساس، دعا الشيخ خالد حُبلص من على منبر مسجد التقوى في طرابلس إلى «ثورة سنية». استجاب لها قرابة ثلاثين شاباً في باب التبانة يتبعون لكل من شادي المولوي وأسامة منصور وأحمد كسحة وعبد الله الجغبير الملقّب بـ«أبو هاجر». وكذلك الأمر حصل في محلة الزاهرية. في تلك الأثناء، صادف مرور دورية من فوج التدخّل في الجيش، استهدفها المسلّحون الغاضبون. فوقع اشتباك بين أفراد الدورية والمسلّحين الذين هربوا في اتجاه الأسواق القديمة. وبحسب مصادر إسلامية، فقد تلقى ذوو الموقوف الميقاتي اتصالاً من رقم مجهول أبلغهم فيه أن «أبو الهدى» توفي تحت التعذيب في وزارة الدفاع، طالباً إليهم التوجه في اليوم التالي لتسلّم جثته. وتجدر الإشارة إلى أن الموقوف المعروف بـ«أبو الهدى الميقاتي» يوالي تنظيم «الدولة الإسلامية». وتشير المعلومات إلى أن تنظيم «الدولة» عيّن أميراً له في لبنان أخيراً بايعه الميقاتي، لكن هويته وكنيته لا تزالان سريّتين لأسباب أمنية، علماً بأن الأمير المذكور ليس معروفاً لبنانياً. وتجدر الإشارة إلى أن مقاتلي «النصرة» و«الدولة» يعملون معاً في لبنان، ولا يمكن في أحيان كثيرة تحديد التنظيم الذي ينتمي إليه مقاتل ما.

لكن يمكن تقسيم المجموعات التي تقاتل في الشمال وفق الآتي: في الزاهرية، بقي سوق الحديد والنحّاسين تحت سيطرة الجيش، فيما انتشر المسلّحون في الشارع العريض وسوق الكندرجية وسوق الذهب والبالة خلف المسجد الكبير. أما في باب التبّانة، فقد تحرّكت المجموعات التابعة لكل من منصور والمولوي وأبو هريرة الميقاتي، نجل الموقوف أبو بكر الميقاتي، لاستهداف الجيش، إضافة إلى عشرات السوريين الذين بايعوا التلّي أميراً.

أما مجموعة حبلص، الذي تشير المعلومات إلى أنّه مقرّب جدّاً من «النصرة»، فقد تحرّكت في الزاهرية وهي المتورطة باستهداف الجيش. وأمام نوعية الأسلحة التي جرى ضبطها في مسجد هارون وباب التبانة وكميتها، تحرّك الجيش فقطع الطريق كليّاً بين دير عمار والعبدة. هذا الإجراء غير المسبوق، بحسب مصادر طرابلسية، منع مرور السوريين نهائياً، سواء كانت أوراقهم قانونية أو لا. كذلك أُقيمت حواجز داخل المدينة. وكل ذلك لتلافي احتمال تحرّك نازحين سوريين عُزّل والتحاقهم بمناطق الاشتباكات حيث يُزوّدون بالأسلحة. وقد عزز هذه الفرضية عثور الجيش على مخبأ خلف مصلّى الأنوار يحتوي على كمية كبيرة من الأسلحة (29 قاذف أر بي جي، 20 رشاش بي كي سي، 50 رشاش كلاشينكوف، وقنابل وعبوات محلية الصنع مع كمية كبيرة من الذخيرة).

أمام تسارع الأحداث شمالاً، تستعيد قيادات إسلامية متشددة، أحداث نهر البارد، رغم مرور ست سنوات على وقوعها. تتحدث عن «خذلان» الشارع الطرابلسي ومشايخه لتنظيم «فتح الإسلام»، تشير إلى أن رهان الجيش اليوم منعقد، كما رهان المجموعات المتشددة، على البيئة الحاضنة. كلاهما يعوّل عليها لمساندته.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-26
  • 9908
  • من الأرشيف

«بشائر المعركة الكبرى»: التلّي يقود الحرب

بكبسة زر، اشتعلت طرابلس. أسماء المطلوبين نفسها تتكرر.في الشكل، معركة المسلحين خاسرة حُكماً. لكن توزيع الأدوار بين المجموعات المعادية للجيش يشي بأنّ شيئاً ما يُحضّر في الخفاء. «هي بشائر المعركة الكبرى في لبنان»، بهذه العبارة يُجيب قيادي إسلامي عن سؤال: «ماذا يجري في طرابلس؟». معلومة قد توحي بشيء من المبالغة، ولا سيما أن المعطيات الأمنية تكشف أنّ «أعداد المسلّحين الصادقين بخوض المعركة في الشمال لا تتجاوز العشرات»، هذا إذا استُثني النازحون السوريون المؤهلون لحمل السلاح. يُعزّز ذلك نأي الشارع الطرابلسي والشمالي بنفسه ووقوفه إلى جانب الجيش، أقلّه في الاشتباكات التي وقعت خلال اليومين الماضيين. غير أن المصدر الإسلامي المقرّب من «جبهة النصرة» لا يتوقف عند هذه المعطيات، مؤكداً أنّ «ما كان سابقاً يختلف عن الآتي». ويكشف أن «ما يحصل في الشمال يقوده شخصياً الشيخ أبو مالك التلّي»، مشيراً إلى أن شادي المولوي وأسامة منصور بايعا «النصرة» على السمع والطاعة. ويستدل بذلك على التسجيل الصوتي للمولوي الذي قال فيه إنه توافق مع المشايخ على تسليم الجندي المخطوف في باب التبانة فايز العموري، لكن أبو مالك رفض. وبالتالي، اختار المولوي النزول عند قرار أميره. أما ما يُردده مشايخ هيئة علماء المسلمين عن احتمال التوصل إلى هدنة أو تهدئة، فيردّ بأنّها آنية لن تصمد قبل أن تشتعل المواجهة مجدداً. ويعزز هذه الفرضية تزامن تصعيد «جبهة النصرة» في القلمون وكتائب عبد الله عزام معاً. الأولى تضغط بالعسكريين الأسرى لديها، فيما الثانية على لسان الشيخ سراج الدين زريقات يهدد بالقول: «نحن على مشارف انتفاضة  تقتلع جذور الظلم». وأضاف: «استعدّوا لردود أفعالنا الطبيعية لرفع الظلم عن أهلنا في لبنان»، علماً بأن المصادر تتحدث عن «توحيد صفوف "الثوّار" في القلمون من أجل الانقضاض على قرى البقاع الشمالي». وتشير إلى أنّ «ما يجري في الشمال هو عملية إلهاء للجيش وتصويره على أنه ضد أهل السنّة وتشتيته عبر حرب الشوارع في أماكن مختلفة».   وعليه، كان ولا يزال سيناريو إعلان عاصمة الشمال إمارة إسلامية هاجساً يؤرق أيام الأجهزة الأمنية. أما عن شرارة إشعال المعركة في طرابلس، فتكشف المعلومات الأمنية عن «وثيقة صادرة منذ عشرين يوماً بناءً على معلومة مخبر تتحدث عن حصول اجتماع بين قادة المحاور للتحضير لبروفة انتشار أمني أمام مراكز الجيش بناءً على أوامر من أبو مالك التلّي». وتشير المعلومات إلى أن تحرّكات الجيش تمّت استناداً إلى هذه المعلومة التي جرى تعميمها. وتلفت المعلومات إلى أن توقيف أحمد سليم الميقاتي جاء بالصدفة، كاشفة أنّ هاتف الجندي الفار عبد القادر الأكومي الذي كان موضوعاً تحت الرصد شُغِّل ثم أُقفل، فجرى تحديد موقعه. وبحسب المصادر، فإن عملية التوقيف هذه عجّلت بالسيناريو الذي كان يجري التحضير له. وعلى هذا الأساس، دعا الشيخ خالد حُبلص من على منبر مسجد التقوى في طرابلس إلى «ثورة سنية». استجاب لها قرابة ثلاثين شاباً في باب التبانة يتبعون لكل من شادي المولوي وأسامة منصور وأحمد كسحة وعبد الله الجغبير الملقّب بـ«أبو هاجر». وكذلك الأمر حصل في محلة الزاهرية. في تلك الأثناء، صادف مرور دورية من فوج التدخّل في الجيش، استهدفها المسلّحون الغاضبون. فوقع اشتباك بين أفراد الدورية والمسلّحين الذين هربوا في اتجاه الأسواق القديمة. وبحسب مصادر إسلامية، فقد تلقى ذوو الموقوف الميقاتي اتصالاً من رقم مجهول أبلغهم فيه أن «أبو الهدى» توفي تحت التعذيب في وزارة الدفاع، طالباً إليهم التوجه في اليوم التالي لتسلّم جثته. وتجدر الإشارة إلى أن الموقوف المعروف بـ«أبو الهدى الميقاتي» يوالي تنظيم «الدولة الإسلامية». وتشير المعلومات إلى أن تنظيم «الدولة» عيّن أميراً له في لبنان أخيراً بايعه الميقاتي، لكن هويته وكنيته لا تزالان سريّتين لأسباب أمنية، علماً بأن الأمير المذكور ليس معروفاً لبنانياً. وتجدر الإشارة إلى أن مقاتلي «النصرة» و«الدولة» يعملون معاً في لبنان، ولا يمكن في أحيان كثيرة تحديد التنظيم الذي ينتمي إليه مقاتل ما. لكن يمكن تقسيم المجموعات التي تقاتل في الشمال وفق الآتي: في الزاهرية، بقي سوق الحديد والنحّاسين تحت سيطرة الجيش، فيما انتشر المسلّحون في الشارع العريض وسوق الكندرجية وسوق الذهب والبالة خلف المسجد الكبير. أما في باب التبّانة، فقد تحرّكت المجموعات التابعة لكل من منصور والمولوي وأبو هريرة الميقاتي، نجل الموقوف أبو بكر الميقاتي، لاستهداف الجيش، إضافة إلى عشرات السوريين الذين بايعوا التلّي أميراً. أما مجموعة حبلص، الذي تشير المعلومات إلى أنّه مقرّب جدّاً من «النصرة»، فقد تحرّكت في الزاهرية وهي المتورطة باستهداف الجيش. وأمام نوعية الأسلحة التي جرى ضبطها في مسجد هارون وباب التبانة وكميتها، تحرّك الجيش فقطع الطريق كليّاً بين دير عمار والعبدة. هذا الإجراء غير المسبوق، بحسب مصادر طرابلسية، منع مرور السوريين نهائياً، سواء كانت أوراقهم قانونية أو لا. كذلك أُقيمت حواجز داخل المدينة. وكل ذلك لتلافي احتمال تحرّك نازحين سوريين عُزّل والتحاقهم بمناطق الاشتباكات حيث يُزوّدون بالأسلحة. وقد عزز هذه الفرضية عثور الجيش على مخبأ خلف مصلّى الأنوار يحتوي على كمية كبيرة من الأسلحة (29 قاذف أر بي جي، 20 رشاش بي كي سي، 50 رشاش كلاشينكوف، وقنابل وعبوات محلية الصنع مع كمية كبيرة من الذخيرة). أمام تسارع الأحداث شمالاً، تستعيد قيادات إسلامية متشددة، أحداث نهر البارد، رغم مرور ست سنوات على وقوعها. تتحدث عن «خذلان» الشارع الطرابلسي ومشايخه لتنظيم «فتح الإسلام»، تشير إلى أن رهان الجيش اليوم منعقد، كما رهان المجموعات المتشددة، على البيئة الحاضنة. كلاهما يعوّل عليها لمساندته.

المصدر : الأخبار / رضوان مرتضى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة