تمضي العلاقات التركية ـ الأميركية إلى مزيد من التدهور. حتى الآن لم يتفق البلدان على أي نقاط مشتركة للتحالف ضد الإرهاب، لا سيما تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش».

وكل ما تم التوصل إليه هو اتفاق لتدريب معارضين سوريين «معتدلين» على الأراضي التركية. وهو في الحقيقة ليس انجازا إذ أن تركيا في الأساس تدرب وتسلح هذه الجماعات التي تسميها «معتدلة»، مثل «الجيش السوري الحر» وتقدم الدعم في الوقت نفسه للجماعات المتشددة من كل أنواع المعارضات السورية مثل «داعش» و«جبهة النصرة».

أما قاعدة اينجيرليك الجوية فانقشع غيم الالتباس على مصيرها، بالتوضيح من الطرفين أن أي اتفاق لم يتم التوصل إليه لاستخدامها من قبل طائرات التحالف. وبدا أن في الأمر خلافات، حتى على التفاصيل الصغيرة.

لكن ما يسجل في اليومين الأخيرين أن لهجة كل من الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس الحكومة أحمد داود اوغلو شهدت المزيد من التصلب تجاه المسألة الكردية، ربطا بتعثر المفاوضات مع أميركا. وبعدما كانا يركزان على أن إرهاب «حزب العمال الكردستاني» هو مواز لإرهاب «داعش»، في محاولة لعدم الدخول في معركة «الدولة الإسلامية»، فإن الرجلين أضافا «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا الذي يترأسه صالح مسلم إلى خانة المنظمات الإرهابية. وهذا أمر مفاجئ، إذ أن مسلم نفسه كان قد زار تركيا أكثر من مرة، وآخرها قبل أسبوعين، والتقى مسؤولين في وزارة الخارجية وفي الاستخبارات التركية.

وفي حديث لصحافيين في الطائرة التي أقلته عائدا من زيارة يوم واحد إلى العاصمة الأفغانية كابول، قال اردوغان إن «شيئا بدأ يتم التداول به في الأيام الأخيرة، وهو تقديم سلاح إلى حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا الذي يدافع عن كوباني أو أن تفتح جبهة قتال ضد داعش من تركيا. حسنا، إن حزب الاتحاد الديموقراطي هو بالنسبة لنا إرهابي مثل حزب العمال الكردستاني. ولا يمكن أن ينتظر احد تقديم الدعم له».

وصْف اردوغان للحزب الكردي في سوريا بالإرهابي لا ينفصل عن كلام لداود اوغلو أمام «لجنة الحكماء» لحل المشكلة الكردية، ويعكس فيه رغبة في طمس الهوية الكردية في تركيا وسوريا عندما قال «يقولون إنه ليس للأكراد دولة. أقول لمن يقولون ذلك إن دولة الأكراد هي الجمهورية التركية. فلا يمكن فصل كوباني (في سوريا) عن سوروتش (في تركيا قبالة كوباني). فإما تصبح هذه الحدود بلا معنى من خلال إدارة سلام أو أن تعيش بصورة دائمة آلاما وصدامات. لقد أظهرت هذه الأحداث انه لا يمكن فصل كوباني عن سوروتش».

واعتبر داود اوغلو، في ربط واضح لـ«حزب العمال الكردستاني» بـ«حزب الاتحاد الديموقراطي»، بأنه «لو ان مقاتلي حزب العمال كانوا قد انسحبوا فعلا من تركيا في وقت سابق لكان موقف تركيا من كوباني مختلفا».

هذه الإشارات من جانب أردوغان وداود اوغلو إلى «إرهاب الاتحاد الديموقراطي» السوري لم تأت من فراغ، بل لها ذرائعها.

وتشير صحيفة «راديكال» إلى أن اردوغان دائما ما كان يشير إلى ثلاثة شروط لدخول تركيا التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهي إقامة «منطقة آمنة» ومنطقة حظر طيران تستهدف السلاح الجوي السوري وتدريب مقاتلين من المعارضة السورية على الأراضي التركية، وهذه الشروط تختزل هدفا أساسيا، وهو إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

لكن اردوغان في طريق عودته من أفغانستان قال إن الشروط هي أربعة وليست ثلاثة، ورابعها هو إسقاط الأسد، وهو ما يعقّد جدا دخول تركيا في التحالف، إذ أن تصويت الغرب في الأمم المتحدة ضد عضوية تركيا غير الدائمة في مجلس الأمن تعكس حالة الخلاف القائمة. ويقول اردوغان، للصحافيين المرافقين له، إنه من دون تلبية هذه الشروط لا يمكن الدخول في تحالف ضد الإرهاب.

وتقول الصحيفة إن «السبب الأساسي لتشدد اردوغان هو أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي أكدت في 16 تشرين الأول الحالي ان مسؤولين في حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي قد اجتمعوا في واشنطن بمسؤول أميركي. كذلك انزعجت تركيا من اجتماع عقد برئاسة (مسعود) البرزاني في مدينة دهوك القريبة من تركيا، وبحث فيه كيفية العمل على منع سقوط كوباني بيد داعش. والأنكى من ذلك أن صالح مسلم، الذي اتهم تركيا بأنها ترفض فتح ممر للمقاتلين (إلى عين العرب)، شارك في الاجتماع».

هنا، وكما كان اردوغان يقول إنه كما «داعش» كذلك «الكردستاني»، إرهابي بدأ الآن يكرر لازمة «كما حزب العمال كذلك حزب الاتحاد إرهابي».

لكن مع ذلك تقول صحيفة «راديكال» إن اردوغان صب جام غضبه على الغرب، وعلى روسيا وإيران،..وتنهي الصحيفة بأن السياسة هي فن حصد النتائج، لكن تركيا تمضي في الاتجاه المعاكس ومنها المزيد من العزلة، وهي النقطة التي توقفت عندها صحيفة «ميللييت».

فإذا كان العديد خارج تركيا لم يتوقف عند فشل أنقرة في الحصول على عدد كاف من الأصوات لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن، فإن قدري غورسيل كتب في «ميللييت» مقالة بعنوان «العزلة الخطيرة»، قائلا «تمضي تركيا إلى مزيد من العزلة، التي يسميها حزب العدالة والتنمية بالعزلة القيمية. انتقلت تركيا من مرحلة الذروة، بانتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن في العام 2008، إلى هزيمة مخجلة في التصويت الأخير في الأمم المتحدة على هذه العضوية».

ويضيف غورسيل «لكنها عزلة، إذا أردنا تعريفها لفهم موقع تركيا في المنطقة والعالم، هي عزلة خطيرة تجعل تركيا تتردد في محاربة إرهاب داعش، وتنعزل عن التحالف الغربي، ومن جهة ثانية تدخل عملية الحل للمسألة الكردية في الداخل في خطر شديد. وليس اعتبار اردوغان أن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا مساويا في الإرهاب لحزب العمال الكردستاني سوى عامل إضافي يضاعف من عزلة تركيا».

  • فريق ماسة
  • 2014-10-20
  • 12119
  • من الأرشيف

«العزلة الخطيرة».. لماذا التصعيد التركي ضد الأكراد؟

تمضي العلاقات التركية ـ الأميركية إلى مزيد من التدهور. حتى الآن لم يتفق البلدان على أي نقاط مشتركة للتحالف ضد الإرهاب، لا سيما تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش». وكل ما تم التوصل إليه هو اتفاق لتدريب معارضين سوريين «معتدلين» على الأراضي التركية. وهو في الحقيقة ليس انجازا إذ أن تركيا في الأساس تدرب وتسلح هذه الجماعات التي تسميها «معتدلة»، مثل «الجيش السوري الحر» وتقدم الدعم في الوقت نفسه للجماعات المتشددة من كل أنواع المعارضات السورية مثل «داعش» و«جبهة النصرة». أما قاعدة اينجيرليك الجوية فانقشع غيم الالتباس على مصيرها، بالتوضيح من الطرفين أن أي اتفاق لم يتم التوصل إليه لاستخدامها من قبل طائرات التحالف. وبدا أن في الأمر خلافات، حتى على التفاصيل الصغيرة. لكن ما يسجل في اليومين الأخيرين أن لهجة كل من الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس الحكومة أحمد داود اوغلو شهدت المزيد من التصلب تجاه المسألة الكردية، ربطا بتعثر المفاوضات مع أميركا. وبعدما كانا يركزان على أن إرهاب «حزب العمال الكردستاني» هو مواز لإرهاب «داعش»، في محاولة لعدم الدخول في معركة «الدولة الإسلامية»، فإن الرجلين أضافا «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا الذي يترأسه صالح مسلم إلى خانة المنظمات الإرهابية. وهذا أمر مفاجئ، إذ أن مسلم نفسه كان قد زار تركيا أكثر من مرة، وآخرها قبل أسبوعين، والتقى مسؤولين في وزارة الخارجية وفي الاستخبارات التركية. وفي حديث لصحافيين في الطائرة التي أقلته عائدا من زيارة يوم واحد إلى العاصمة الأفغانية كابول، قال اردوغان إن «شيئا بدأ يتم التداول به في الأيام الأخيرة، وهو تقديم سلاح إلى حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا الذي يدافع عن كوباني أو أن تفتح جبهة قتال ضد داعش من تركيا. حسنا، إن حزب الاتحاد الديموقراطي هو بالنسبة لنا إرهابي مثل حزب العمال الكردستاني. ولا يمكن أن ينتظر احد تقديم الدعم له». وصْف اردوغان للحزب الكردي في سوريا بالإرهابي لا ينفصل عن كلام لداود اوغلو أمام «لجنة الحكماء» لحل المشكلة الكردية، ويعكس فيه رغبة في طمس الهوية الكردية في تركيا وسوريا عندما قال «يقولون إنه ليس للأكراد دولة. أقول لمن يقولون ذلك إن دولة الأكراد هي الجمهورية التركية. فلا يمكن فصل كوباني (في سوريا) عن سوروتش (في تركيا قبالة كوباني). فإما تصبح هذه الحدود بلا معنى من خلال إدارة سلام أو أن تعيش بصورة دائمة آلاما وصدامات. لقد أظهرت هذه الأحداث انه لا يمكن فصل كوباني عن سوروتش». واعتبر داود اوغلو، في ربط واضح لـ«حزب العمال الكردستاني» بـ«حزب الاتحاد الديموقراطي»، بأنه «لو ان مقاتلي حزب العمال كانوا قد انسحبوا فعلا من تركيا في وقت سابق لكان موقف تركيا من كوباني مختلفا». هذه الإشارات من جانب أردوغان وداود اوغلو إلى «إرهاب الاتحاد الديموقراطي» السوري لم تأت من فراغ، بل لها ذرائعها. وتشير صحيفة «راديكال» إلى أن اردوغان دائما ما كان يشير إلى ثلاثة شروط لدخول تركيا التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهي إقامة «منطقة آمنة» ومنطقة حظر طيران تستهدف السلاح الجوي السوري وتدريب مقاتلين من المعارضة السورية على الأراضي التركية، وهذه الشروط تختزل هدفا أساسيا، وهو إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. لكن اردوغان في طريق عودته من أفغانستان قال إن الشروط هي أربعة وليست ثلاثة، ورابعها هو إسقاط الأسد، وهو ما يعقّد جدا دخول تركيا في التحالف، إذ أن تصويت الغرب في الأمم المتحدة ضد عضوية تركيا غير الدائمة في مجلس الأمن تعكس حالة الخلاف القائمة. ويقول اردوغان، للصحافيين المرافقين له، إنه من دون تلبية هذه الشروط لا يمكن الدخول في تحالف ضد الإرهاب. وتقول الصحيفة إن «السبب الأساسي لتشدد اردوغان هو أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي أكدت في 16 تشرين الأول الحالي ان مسؤولين في حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي قد اجتمعوا في واشنطن بمسؤول أميركي. كذلك انزعجت تركيا من اجتماع عقد برئاسة (مسعود) البرزاني في مدينة دهوك القريبة من تركيا، وبحث فيه كيفية العمل على منع سقوط كوباني بيد داعش. والأنكى من ذلك أن صالح مسلم، الذي اتهم تركيا بأنها ترفض فتح ممر للمقاتلين (إلى عين العرب)، شارك في الاجتماع». هنا، وكما كان اردوغان يقول إنه كما «داعش» كذلك «الكردستاني»، إرهابي بدأ الآن يكرر لازمة «كما حزب العمال كذلك حزب الاتحاد إرهابي». لكن مع ذلك تقول صحيفة «راديكال» إن اردوغان صب جام غضبه على الغرب، وعلى روسيا وإيران،..وتنهي الصحيفة بأن السياسة هي فن حصد النتائج، لكن تركيا تمضي في الاتجاه المعاكس ومنها المزيد من العزلة، وهي النقطة التي توقفت عندها صحيفة «ميللييت». فإذا كان العديد خارج تركيا لم يتوقف عند فشل أنقرة في الحصول على عدد كاف من الأصوات لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن، فإن قدري غورسيل كتب في «ميللييت» مقالة بعنوان «العزلة الخطيرة»، قائلا «تمضي تركيا إلى مزيد من العزلة، التي يسميها حزب العدالة والتنمية بالعزلة القيمية. انتقلت تركيا من مرحلة الذروة، بانتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن في العام 2008، إلى هزيمة مخجلة في التصويت الأخير في الأمم المتحدة على هذه العضوية». ويضيف غورسيل «لكنها عزلة، إذا أردنا تعريفها لفهم موقع تركيا في المنطقة والعالم، هي عزلة خطيرة تجعل تركيا تتردد في محاربة إرهاب داعش، وتنعزل عن التحالف الغربي، ومن جهة ثانية تدخل عملية الحل للمسألة الكردية في الداخل في خطر شديد. وليس اعتبار اردوغان أن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا مساويا في الإرهاب لحزب العمال الكردستاني سوى عامل إضافي يضاعف من عزلة تركيا».

المصدر : السفير / محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة