إنتاجات تركية قلّة يصدّقها المُشاهد، إذ غالباً ما يَحدث ميلٌ نحو الإفراط في الحب العاصف. لنقل إنّ "الهاوية" ("أم بي سي 4") منها، سياقه جمعٌ ما بين الواقع وخفاياه. ربط الدعارة بالضمير والحاجة الى الخلاص، مؤلمان درامياً.

 وظيفة الدراما وضع الإصبع على الجرح، فكلّما نَزَف، تحمّلت، عوض الهرب، المسؤولية. تلك قاعدةٌ، بعضهم يُفضِّل تجاوزها رغبة في تخفيف العبء، لئلا ينفر المتابع. يحتمل "الهاوية"، في أحيان، أن يصارع طواحين الهواء. بطلته إيفا حسنة الوجه، ممشوقة القامة، لكنّها غير سعيدة. ثمة انطباعٌ بأنّ البعض فقط تنتابه السعادة على هذه الأرض، والبقية، كإيفا وشقيقتها انجيلا، يوميات تمضي في انتظار الأمل.

لكلٍّ حكاية ودمعة. عبر "فلاش باك" لافت، وتداخل مشهدي يُوطِّد العلاقة ما بين ماضي المرء وحاضره، يُفسِّر المسلسل سلوك أبطاله وفق امتداد زمني يختزن ترسّبات الأمس، مُصيِّراً الذاكرة المضرّجة بالصور وسيلة انتقام من الهزائم. هكذا، يتحوّل يامان، بعد طفولة قوّضها الرعب بسبب أب ظالم، مُشغِّل شبكة دعارة، ضميره ميت، كأنّه إذا وجد النساء واهنات استلذّ، ثأراً من عجز أمه عن حمايته.

تواجه الشخصيات عللها من غير الوقوف أمامها وجهاً لوجه. يُستحضَر الماضي كونه متجذراً في العمق، أحدٌ لا يحول دون سطوته على الراهن. حتى القوّادة نور ليست شريرة، خياراتها محدودة فحسب، فأمام فرْض التعرّي على انجيلا أمام رجلين من عصابة يامان، بكت. لن يكفّ الليل عن تسيير الخلْق وفق أمزجته، فتنصاع أنجيلا، فيما إيفا من مكان آخر ترجوها التماسك.

كما دائماً، ننجرف، متناسين أن نُطلع غير المتابع على مضمون ما نتحدّث عنه. العمل في بدايته، وثمة مَن لا يعلم أنّ توقيت العرض من الأحد الى الخميس، الثامنة مساء. نجدنا نتّبع أسلوباً لا مفرّ منه للسرد: يروي المسلسل قصة إيفا المتخصصة في الطب، الباحثة عن صفحة جديدة في اسطنبول، بعدما فشلت في إنقاذ حياة أُم تضع جنينها. ترجوها انجيلا لاصطحابها، فتقع الاثنتان ضحيتي شبكة دعارة يرأسها يامان. المشهد الأول عن امرأة تطعن رجلاً وتعدو مذعورة، والأخير يناديها: "سألحقُ بكِ يا عاهرة". ثوبها مضرّج بدمه وخطواتها مضطربة، الى أن تلتقي آدم، الهارب من ماضيه وفشله العاطفي الى العمل سائقاً، فتُقحِم نفسها في سيارته سائلة المساعدة. "أهرب بي. بترجّاك. شو ناطر؟".

أتت التفاصيل لاحقاً في مشهد منفصل: أمرها يامان بأن تتقدّم. أن تهمّ بنزع ثيابه. راحت تفكّ أزرار قميصه. زرّاً زرّاً، الى أن أمرها بالتمهّل. "كوني ألطف". هما خياران: أن يغتصبها أو تقتله. تناولت ما تيسّر، سدّدته في وجهه، وراحت تركض. نعود الى لقائها آدم المُعذَّب بخسارة حبيبته. التقى كلاهما على لحظات هشّة. إن تابعتَ المسلسل، تهيَّأ لحب لا يلتفت الى الخلف. اثنان هاربان لقاؤهما المفاجئ يحرّض على انتظاره. المسلسل سياقٌ جاذب، يدرك أبطاله أنّ الدعارة تيمة مستَهلكة، والجِدَّة في التفاصيل. يبدو أن حالاً من الترقّب تسود، والحلقات المقبلة مفتوحة على ما نرجو ألا ينزلق نحو إطالة مفتعلة. أضف أنّ الكادرات ناطقة، والصورة قادرة على شرح الصمت، والتداخل "الفلاشباكي" ممتع.

يغدو الحب طاقة تحول دون الاستسلام لليأس. ليس تشكيكاً به هو الرجاء بألا يمسي الغاية المنشودة. كان "اتهام" (رمضان، "الجديد") محاولة ربط الدعارة بانهيار القيم، ثم راقه اتجاهٌ آخر فسلكه.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-01
  • 12410
  • من الأرشيف

الدعارة تُنقذ مسلسلاً من "الهاوية"!

إنتاجات تركية قلّة يصدّقها المُشاهد، إذ غالباً ما يَحدث ميلٌ نحو الإفراط في الحب العاصف. لنقل إنّ "الهاوية" ("أم بي سي 4") منها، سياقه جمعٌ ما بين الواقع وخفاياه. ربط الدعارة بالضمير والحاجة الى الخلاص، مؤلمان درامياً.  وظيفة الدراما وضع الإصبع على الجرح، فكلّما نَزَف، تحمّلت، عوض الهرب، المسؤولية. تلك قاعدةٌ، بعضهم يُفضِّل تجاوزها رغبة في تخفيف العبء، لئلا ينفر المتابع. يحتمل "الهاوية"، في أحيان، أن يصارع طواحين الهواء. بطلته إيفا حسنة الوجه، ممشوقة القامة، لكنّها غير سعيدة. ثمة انطباعٌ بأنّ البعض فقط تنتابه السعادة على هذه الأرض، والبقية، كإيفا وشقيقتها انجيلا، يوميات تمضي في انتظار الأمل. لكلٍّ حكاية ودمعة. عبر "فلاش باك" لافت، وتداخل مشهدي يُوطِّد العلاقة ما بين ماضي المرء وحاضره، يُفسِّر المسلسل سلوك أبطاله وفق امتداد زمني يختزن ترسّبات الأمس، مُصيِّراً الذاكرة المضرّجة بالصور وسيلة انتقام من الهزائم. هكذا، يتحوّل يامان، بعد طفولة قوّضها الرعب بسبب أب ظالم، مُشغِّل شبكة دعارة، ضميره ميت، كأنّه إذا وجد النساء واهنات استلذّ، ثأراً من عجز أمه عن حمايته. تواجه الشخصيات عللها من غير الوقوف أمامها وجهاً لوجه. يُستحضَر الماضي كونه متجذراً في العمق، أحدٌ لا يحول دون سطوته على الراهن. حتى القوّادة نور ليست شريرة، خياراتها محدودة فحسب، فأمام فرْض التعرّي على انجيلا أمام رجلين من عصابة يامان، بكت. لن يكفّ الليل عن تسيير الخلْق وفق أمزجته، فتنصاع أنجيلا، فيما إيفا من مكان آخر ترجوها التماسك. كما دائماً، ننجرف، متناسين أن نُطلع غير المتابع على مضمون ما نتحدّث عنه. العمل في بدايته، وثمة مَن لا يعلم أنّ توقيت العرض من الأحد الى الخميس، الثامنة مساء. نجدنا نتّبع أسلوباً لا مفرّ منه للسرد: يروي المسلسل قصة إيفا المتخصصة في الطب، الباحثة عن صفحة جديدة في اسطنبول، بعدما فشلت في إنقاذ حياة أُم تضع جنينها. ترجوها انجيلا لاصطحابها، فتقع الاثنتان ضحيتي شبكة دعارة يرأسها يامان. المشهد الأول عن امرأة تطعن رجلاً وتعدو مذعورة، والأخير يناديها: "سألحقُ بكِ يا عاهرة". ثوبها مضرّج بدمه وخطواتها مضطربة، الى أن تلتقي آدم، الهارب من ماضيه وفشله العاطفي الى العمل سائقاً، فتُقحِم نفسها في سيارته سائلة المساعدة. "أهرب بي. بترجّاك. شو ناطر؟". أتت التفاصيل لاحقاً في مشهد منفصل: أمرها يامان بأن تتقدّم. أن تهمّ بنزع ثيابه. راحت تفكّ أزرار قميصه. زرّاً زرّاً، الى أن أمرها بالتمهّل. "كوني ألطف". هما خياران: أن يغتصبها أو تقتله. تناولت ما تيسّر، سدّدته في وجهه، وراحت تركض. نعود الى لقائها آدم المُعذَّب بخسارة حبيبته. التقى كلاهما على لحظات هشّة. إن تابعتَ المسلسل، تهيَّأ لحب لا يلتفت الى الخلف. اثنان هاربان لقاؤهما المفاجئ يحرّض على انتظاره. المسلسل سياقٌ جاذب، يدرك أبطاله أنّ الدعارة تيمة مستَهلكة، والجِدَّة في التفاصيل. يبدو أن حالاً من الترقّب تسود، والحلقات المقبلة مفتوحة على ما نرجو ألا ينزلق نحو إطالة مفتعلة. أضف أنّ الكادرات ناطقة، والصورة قادرة على شرح الصمت، والتداخل "الفلاشباكي" ممتع. يغدو الحب طاقة تحول دون الاستسلام لليأس. ليس تشكيكاً به هو الرجاء بألا يمسي الغاية المنشودة. كان "اتهام" (رمضان، "الجديد") محاولة ربط الدعارة بانهيار القيم، ثم راقه اتجاهٌ آخر فسلكه.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة