دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حتى الآن، ما يطفو على سطح المشهد العام هو تنامي مظاهر الهلع من إرهاب «داعش» في أوساط الغرب، ولاسيما بعد ذبح الصحفي الأميركي ستيف هولي على يد أحد الدواعش البريطانيين، وتدبيج مطوَلات التحذير من مخاطر هذا «السرطان»، وفق وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي بات يهدد الدول التي دفعت الإرهابيين إلى سورية والعراق، والتي ترافقت مع توجيه ضربات أميركية مقننة ومدروسة ضد قواعد هذا التنظيم بعد اقترابه من منطقة كردستان التي يعوَّل عليها الأميركيون كثيراً في رسم شكل ومستقبل بلاد الرافدين، والمتخمة بشركات النفط العالمية الكبرى، والتي يقطنها آلاف الأميركيين، وفق اعتراف الصحفي المقرب من مصادر صنع القرار توماس فريدمان لصحيفة «نيويورك تايمز»، ليلي ذلك مسارعة مجلس الأمن إلى إصدار القرار رقم 2170 الذي أثار الكثير من الجدل والسجال والأسئلة في مختلف الأوساط السياسية والإعلامية.
ومع أن أحداً لا يقلل من شأن ظاهرة الإرهاب «الداعشي» العابر للقارات، ولا يشكك في جدية مخاطره على الغرب، أو في مصداقية الخشية التي تنتشر كالطاعون في عواصم العالم المختلفة، وبالأخص في الدول الأوروبية التي وفد منها عدد لا يستهان به من الإرهابيين إلى كل من سورية والعراق، غير أن هذه المقدمات التي تحمل عنوانا مركزيا وحيدا: ضرورة تشكيل جبهة دولية للقضاء على تنظيم «داعش» الذي يهدد دول وشعوب العالم بأسره، لا يستقيم مع واقع الحراك العسكري والسياسي والدبلوماسي الأميركي والدولي الذي يضج بالمتناقضات والمفارقات التي تتجاوز حقائق صناعة الأميركيين لتنظيم «القاعدة» ومتفرعاته، وإدارتهم اللوجستية لعملية دعم وتسليح وتمويل منظمات الإرهاب في المنطقة من دول الخليج وتركيا، ونفاقهم الواضح والجلي حيال خزَان الإرهاب الأساسي المقيم في العقيدة الوهَابية المعتمدة في النظام السعودي، والتي لا يمكن ملاحظة أي فوارق تذكر بينها وبين رؤى وسلوك تنظيم «داعش».
ما يمكن تسجيله اختصارا، في هذا السياق، هو التالي: افتقاد القرار 2170 المتأخر في الصدور، إلى لغة واضحة وحازمة ودقيقة، وإلى أنياب حقيقية، وإلى آليات للتطبيق ضد الدول التي تسهل تمويل وتجنيد الإرهابيين، ولاسيما تركيا والأردن، وعدم إشارته إلى قيام أي تحالف دولي ضد «داعش»، ناهيك عن اقتصار العقوبات التي فرضها القرار الدولي على ستة مطلوبين، ليس بينهم زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، أو أي من أعضاء الحلقة القيادية المحيطة به. كشفت صحيفة «وورلد تربيون» الأميركية، يوم 15/ 8 الماضي، عن تزويد بعض دول أوروبا الشرقية أسلحة إلى جماعات «داعش» الإرهابية، وبتسهيل من حلف الناتو. - كل التحويلات المالية لتنظيم «داعش» عبر البنوك تتم تحت سمع وبصر الإدارة الأميركية. - لماذا لم تقم الطائرات الأميركية من دون طيار بقصف مواقع «داعش» بدقة قبل أن تقوم بتهجير المسيحيين وقتل الأزيديين والشبك وسواهما، أسوة بما فعلت عندما تهددت مناطق استثمارات شركات النفط الأميركية في كردستان، ولماذا يتم تجاهل الجهة التي حصلت منها «داعش» على الإمكانات الضخمة والمتقدمة في قطاع الاتصالات والانترنت، ولماذا تمتنع الولايات المتحدة والدول الكبرى عن تعطيل اتصالات هذه التنظيمات التي تضعها على لائحة الإرهاب؟
قبل أيام، وفي ذروة السجال المتعلق بالأهداف الأميركية الحقيقية التي تقف خلف اندفاعة واشنطن لمحاربة «داعش» في العراق، وبخيارات وسيناريوهات هذا التوجه، والمتصل كذلك بإمكانية فتح واشنطن وعواصم الغرب قنوات حوار مباشرة مع السلطات السورية من أجل ملاحقة هذا التنظيم الإرهابي، أعاد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن تصويب النقاش المحتدم في وسائل الإعلام العربية حيال رؤى ومقاصد واشنطن، وذكّر الجميع بأن الولايات المتحدة تدعم قيام «نظام فيدرالي في العراق». أي إن أميركا ما زالت تسعى، وعبر كل تقوم به في بلاد الرافدين، إلى تقسيم البلاد، كخطوة أولى على طريق استكمال ما بدأت به قبل سنوات.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة