خلطت النهاية غير المتوقعة لمطار الطبقة العسكري في ريف الرقة، وسقوطه المدوّي في ايدي مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» الحسابات الميدانية من جديد، وفتحت شرق ووسط سوريا على احتمالات شديدة الخطورة، في الوقت الذي تتعرض فيه مدينة محردة، ذات الغالبية المسيحية بريف حماه، لأشرس هجوم تقوده منذ عدة أيام «جبهة النصرة»، وسط مخاوف من تكرار سيناريو معلولا مرة ثانية.

وبغضّ النظر عن توصيف ما جرى في مطار الطبقة، هل هو إعادة تجميع للقوات السورية أم انسحاب وهزيمة، فالحقيقة التي لا مفر منها أن محافظة الرقة بكاملها أصبحت خالية من أي تواجد للجيش السوري فيها، وهي سابقة لم تحصل منذ بداية الأزمة السورية قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، الأمر الذي يعطي مقاتلي «الدولة الإسلامية» حرية كبيرة في الحركة والتنقل وتأمين خطوط الإمداد بين الموصل ومدينة الرقة.

ومن المتوقع أن يترك سقوط مطار الطبقة تداعيات خطيرة على عدة مناطق، تمتد من ريف حماه، التي تشير التقديرات إلى أنه قد يكون الهدف المقبل لـ«داعش»، مروراً بمطار دير الزور العسكري الذي بات مهدداً بشكل جدي بعد فقد ظهيره وشريكه في «اللواء 24 دفاع جوي»، وصولاً إلى بعض المناطق العراقية التي تشهد معارك طاحنة، والتي قد يتمكن «داعش» من رفدها بمزيد من مقاتليه، بعد أن تمكن من التخلص من الهاجس الذي كانت تشكله طائرات مطار الطبقة عبر استهداف أرتاله ومقاتليه وإلحاق ضرر كبير بها.

وسقط أمس مطار الطبقة العسكري بين يدي «الدولة الإسلامية»، الذي شنّ عليه رابع هجوم من نوعه خلال ستة أيام. ورغم أن المطار استطاع التصدي بفاعلية كبيرة لمحاولات الهجوم، إلا أن استمرار الهجمات ضده بكثافة غير معهودة وخلال وقت قصير، دفع القيادة العسكرية إلى التفكير باتخاذ قرار يقضي بإخلاء المطار وسحب كافة الجنود والطائرات والعتاد الحربي منه. وكانت سيطرة وحدات من الجيش السوري الخميس الماضي على قرية العجيل، القريبة من المطار من جهة الجنوب، مؤشراً مهما على سعي الجيش لفتح طريق آمن، يمكن لجنود المطار عبوره إلى منطقة أثريا في ريف حماه عند صدور قرار الإخلاء.

وخلافاً لما يشيعه إعلام «داعش» على صفحاته، فإن الهجوم الرابع لم يبدأ إلا بعد أن اكتشفت قيادة التنظيم المتشدد أن الجيش السوري بدأ بالفعل عملية إخلاء المطار، فبادر إلى شن هجوم فجر السبت ـ الأحد مستغلاً انخفاض أعداد الجنود بعد انسحاب قسم منهم، وضعف الكثافة النارية نتيجة سحب المدفعية والدبابات، إضافة إلى انشغال الطائرات الحربية والطوافات بتأمين غطاء ناري لحماية خط الانسحاب باتجاه أثريا. وكانت المرة الأولى التي يتمكن فيها مقاتلو «داعش» من الاقتراب من محيط المطار، ومن ثم الدخول والسيطرة عليه بشكل كامل.

وقاد هجوم «داعش» على مطار الطبقة «القائد العسكري لولاية الرقة» من الجنسية الطاجيكية ويعرف بلقب «الأمير الطاجيكي»، بينما شارك في القيادة «والي داعش» على دير الزور عامر الرفدان. وكان المشرف العام على هذه المعركة، التي تُرجمت خطتها إلى ثلاث لغات (في إشارة إلى أن غالبية المقاتلين فيها من غير العرب)، «القائد العسكري العام لداعش» عمر الشيشاني.

في غضون ذلك، انسحب مقاتلو «داعش» من ريف حمص الشمالي بأوامر من «أمير» التنظيم أبي بكر البغدادي، بحسب إعلاميين مقربين منه، واتجه بعضهم الى الرقة بينما اتجه الباقون إلى ريف حمص الشرقي.

وتأتي هذه الخطوة المفاجئة في الوقت الذي شنت فيه «جبهة النصرة» حملة واسعة لـ«ردع المفسدين» في ريف حمص الشمالي، بينما كان متوقعاً أن يكون يوم أمس هو الموعد الذي اتفقت فيه «النصرة» و«داعش» على إجراء مناظرة علنية لمناقشة الخلافات التي استفحلت بينهما في المنطقة.

على صعيد آخر، شنت «النصرة» الخميس الماضي هجوماً كبيراً على مدينة محردة بريف حماه بهدف اقتحامها والسيطرة عليها. ومازالت الاشتباكات والمعارك مستمرة في محيط الحواجز التابعة للجيش السوري المنتشرة حول المدينة لحمايتها.

ورغم مشاركة حوالي 15 فصيلاً في المعارك، إلا أنه برز تباين بين توجهات «جبهة النصرة» وتوجهات الكتائب التابعة الى «الجيش الحر»، فالأخيرة لا تخفي مخاوفها وقلقها من تداعيات اقتحام مدينة محردة ذات الغالبية المسيحية، وأن يتسبب ذلك باستجلاب المزيد من الضغوط الإقليمية والدولية عليها، بينما تصر «النصرة» على اقتحام المدينة، واستقدمت من أجل ذلك تعزيزات جديدة، وصلت من حلب أمس بعد أن استشعرت أن كتائب «الجيش الحر» تتخاذل في القتال، على حد تعبير مصدر مقرب من «النصرة».

وما يؤكد جدية «النصرة» في قرار اقتحام محردة ما تم تسريبه من قبل بعض إعلاميي الجبهة، من أن زعيمها أبو محمد الجولاني انتقل إلى ريف حماه، وخطب بحوالي 1500 مقاتل قبل توجههم إلى معركة محردة. كما كان حاضراً في حفلة رفع المعنويات هذه كل من «القائد العسكري العام للنصرة» أبو همام السوري والشيخ السعودي عبدالله المحيسني. وأشار الإعلاميون، الذين سربوا الخبر، إلى أن الجولاني سيبقى في ريف حماه حتى تتبين نتيجة المعركة في محردة، لأنها ذات أهمية إستراتيجية لـ«النصرة»، متوخياً منها ربط ريف حماه بريف إدلب الذي تريد الجبهة أن يكون مركز ثقلها الجديد بعد خسارة الشرقية.

  • فريق ماسة
  • 2014-08-24
  • 6572
  • من الأرشيف

الجولاني في حماه للإشراف على معركة محردة

خلطت النهاية غير المتوقعة لمطار الطبقة العسكري في ريف الرقة، وسقوطه المدوّي في ايدي مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» الحسابات الميدانية من جديد، وفتحت شرق ووسط سوريا على احتمالات شديدة الخطورة، في الوقت الذي تتعرض فيه مدينة محردة، ذات الغالبية المسيحية بريف حماه، لأشرس هجوم تقوده منذ عدة أيام «جبهة النصرة»، وسط مخاوف من تكرار سيناريو معلولا مرة ثانية. وبغضّ النظر عن توصيف ما جرى في مطار الطبقة، هل هو إعادة تجميع للقوات السورية أم انسحاب وهزيمة، فالحقيقة التي لا مفر منها أن محافظة الرقة بكاملها أصبحت خالية من أي تواجد للجيش السوري فيها، وهي سابقة لم تحصل منذ بداية الأزمة السورية قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، الأمر الذي يعطي مقاتلي «الدولة الإسلامية» حرية كبيرة في الحركة والتنقل وتأمين خطوط الإمداد بين الموصل ومدينة الرقة. ومن المتوقع أن يترك سقوط مطار الطبقة تداعيات خطيرة على عدة مناطق، تمتد من ريف حماه، التي تشير التقديرات إلى أنه قد يكون الهدف المقبل لـ«داعش»، مروراً بمطار دير الزور العسكري الذي بات مهدداً بشكل جدي بعد فقد ظهيره وشريكه في «اللواء 24 دفاع جوي»، وصولاً إلى بعض المناطق العراقية التي تشهد معارك طاحنة، والتي قد يتمكن «داعش» من رفدها بمزيد من مقاتليه، بعد أن تمكن من التخلص من الهاجس الذي كانت تشكله طائرات مطار الطبقة عبر استهداف أرتاله ومقاتليه وإلحاق ضرر كبير بها. وسقط أمس مطار الطبقة العسكري بين يدي «الدولة الإسلامية»، الذي شنّ عليه رابع هجوم من نوعه خلال ستة أيام. ورغم أن المطار استطاع التصدي بفاعلية كبيرة لمحاولات الهجوم، إلا أن استمرار الهجمات ضده بكثافة غير معهودة وخلال وقت قصير، دفع القيادة العسكرية إلى التفكير باتخاذ قرار يقضي بإخلاء المطار وسحب كافة الجنود والطائرات والعتاد الحربي منه. وكانت سيطرة وحدات من الجيش السوري الخميس الماضي على قرية العجيل، القريبة من المطار من جهة الجنوب، مؤشراً مهما على سعي الجيش لفتح طريق آمن، يمكن لجنود المطار عبوره إلى منطقة أثريا في ريف حماه عند صدور قرار الإخلاء. وخلافاً لما يشيعه إعلام «داعش» على صفحاته، فإن الهجوم الرابع لم يبدأ إلا بعد أن اكتشفت قيادة التنظيم المتشدد أن الجيش السوري بدأ بالفعل عملية إخلاء المطار، فبادر إلى شن هجوم فجر السبت ـ الأحد مستغلاً انخفاض أعداد الجنود بعد انسحاب قسم منهم، وضعف الكثافة النارية نتيجة سحب المدفعية والدبابات، إضافة إلى انشغال الطائرات الحربية والطوافات بتأمين غطاء ناري لحماية خط الانسحاب باتجاه أثريا. وكانت المرة الأولى التي يتمكن فيها مقاتلو «داعش» من الاقتراب من محيط المطار، ومن ثم الدخول والسيطرة عليه بشكل كامل. وقاد هجوم «داعش» على مطار الطبقة «القائد العسكري لولاية الرقة» من الجنسية الطاجيكية ويعرف بلقب «الأمير الطاجيكي»، بينما شارك في القيادة «والي داعش» على دير الزور عامر الرفدان. وكان المشرف العام على هذه المعركة، التي تُرجمت خطتها إلى ثلاث لغات (في إشارة إلى أن غالبية المقاتلين فيها من غير العرب)، «القائد العسكري العام لداعش» عمر الشيشاني. في غضون ذلك، انسحب مقاتلو «داعش» من ريف حمص الشمالي بأوامر من «أمير» التنظيم أبي بكر البغدادي، بحسب إعلاميين مقربين منه، واتجه بعضهم الى الرقة بينما اتجه الباقون إلى ريف حمص الشرقي. وتأتي هذه الخطوة المفاجئة في الوقت الذي شنت فيه «جبهة النصرة» حملة واسعة لـ«ردع المفسدين» في ريف حمص الشمالي، بينما كان متوقعاً أن يكون يوم أمس هو الموعد الذي اتفقت فيه «النصرة» و«داعش» على إجراء مناظرة علنية لمناقشة الخلافات التي استفحلت بينهما في المنطقة. على صعيد آخر، شنت «النصرة» الخميس الماضي هجوماً كبيراً على مدينة محردة بريف حماه بهدف اقتحامها والسيطرة عليها. ومازالت الاشتباكات والمعارك مستمرة في محيط الحواجز التابعة للجيش السوري المنتشرة حول المدينة لحمايتها. ورغم مشاركة حوالي 15 فصيلاً في المعارك، إلا أنه برز تباين بين توجهات «جبهة النصرة» وتوجهات الكتائب التابعة الى «الجيش الحر»، فالأخيرة لا تخفي مخاوفها وقلقها من تداعيات اقتحام مدينة محردة ذات الغالبية المسيحية، وأن يتسبب ذلك باستجلاب المزيد من الضغوط الإقليمية والدولية عليها، بينما تصر «النصرة» على اقتحام المدينة، واستقدمت من أجل ذلك تعزيزات جديدة، وصلت من حلب أمس بعد أن استشعرت أن كتائب «الجيش الحر» تتخاذل في القتال، على حد تعبير مصدر مقرب من «النصرة». وما يؤكد جدية «النصرة» في قرار اقتحام محردة ما تم تسريبه من قبل بعض إعلاميي الجبهة، من أن زعيمها أبو محمد الجولاني انتقل إلى ريف حماه، وخطب بحوالي 1500 مقاتل قبل توجههم إلى معركة محردة. كما كان حاضراً في حفلة رفع المعنويات هذه كل من «القائد العسكري العام للنصرة» أبو همام السوري والشيخ السعودي عبدالله المحيسني. وأشار الإعلاميون، الذين سربوا الخبر، إلى أن الجولاني سيبقى في ريف حماه حتى تتبين نتيجة المعركة في محردة، لأنها ذات أهمية إستراتيجية لـ«النصرة»، متوخياً منها ربط ريف حماه بريف إدلب الذي تريد الجبهة أن يكون مركز ثقلها الجديد بعد خسارة الشرقية.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة