دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تناقصت إيرادات سوريا من العملات الصعبة إلى حد كبير منذ بداية السنة الثانية للأزمة تقريباً، وما كان ينظر إليه سابقاً كمصدر محدود للقطع الأجنبي أصبحت له الأولوية في المتابعة والاهتمام، فلكل دولار اليوم أهميته في هذه الظروف... أو هكذا يجب أن يكون
مع أن الساعة لم تكن تتجاوز السابعة صباحاً، كان محمد يحثّ الخطى، عسى أن يصل باكراً إلى مقر إحدى شركات تحويل الأموال، في مركز مدينة دمشق، ويحجز لنفسه دوراً للحصول على قيمة الحوالة المالية المرسلة إليه من شقيقه المقيم خارجاً.
يدرك محمد أن عليه أن ينتظر واقفاً لساعات حتى يُنادى اسمه. لكن «مبلغ الحوالة، الذي يتسلمه بالليرة السورية، هو الذي يعينه عملياً على تدبر أمور معيشة أسرته ووالديه في ظل الغلاء الذي تشهده البلاد منذ نحو عامين، وعدم توافر مصدر جيد للدخل».
طوابير و«واسطات»!
التزاحم اليومي على أبواب شركات تحويل الأموال القليلة التي لا تزال تعمل في سوريا، لا يشير فقط إلى أهمية تحويلات العاملين والمغتربين السوريين هذه الأيام في مساعدة ذويهم وأقاربهم على مواجهة ظروف المعيشة الصعبة، بل إلى الدور الذي بدأت تضطلع به التحويلات المالية الخارجية في رفد الخزينة العامة بالقطع الأجنبي، ولا سيما مع نضوب المصادر الرئيسية التقليدية، فهذه «البحصة» أصبحت قادرة فعلاً على إسناد «جرة» الحكومة.
في أقل من عامين فقط، فقدت سوريا تماماً المصادر الرئيسية الثلاثة لإيراداتها من القطع الأجنبي. كانت البداية مع توقف الصادرات النفطية، ثم مع قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية، فالصادرات الزراعية والصناعية عموماً.
ومع الأخذ بحقيقة ما تخلفه الحروب عادة من تخريب وتدمير، إلا أنه كان واضحاً مذ فرض الغرب عقوباته أن ما حدث، على الأقل في قطاعي النفط والإنتاج الزراعي والصناعي، كان ممنهجاً ومنظماً يستهدف في العلن «تقليص فرصة النظام على الصمود اقتصادياً»، ولو كان ذلك على حساب زيادة معاناة ملايين السوريين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.
تراجع إيرادات سوريا من القطع الأجنبي أفضى إلى أمرين: الأول تمثل في مدّ الحكومة «يدها» إلى الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي لتمويل احتياجات البلاد من المستوردات، وإلى الآن التقديرات متفاوتة بشأن حجم الاستنزاف الذي تعرض له هذا الاحتياطي، في وقت يرسل فيه المصرف المركزي تطمينات متكررة بوجود كميات كافية. أما الأمر الثاني، فكان في انتعاش السوق السوداء، وعودتها لاعباً مؤثراً بين الفينة والأخرى في تحديد سعر صرف الليرة في مواجهة العملات الأجنبية. وهنا يؤكد معاون وزير الاقتصاد والتجارة، حيان سلمان، في سياق حديثه عن تأثير العقوبات الاقتصادية الخارجية أن «صعوبة تأمين القطع الأجنبي أدت إلى انتشار السوق السوداء، وزيادة صعوبة القدرة على تمويل المستوردات. وأسهم في ذلك عدم القدرة على فتح الحسابات الاعتمادية وتأمين الكفالة المصرفية...».
على أمل
تمنّي الحكومة السورية نفسها، كما كثير من السوريين، بزيادة حجم التحويلات المالية الواردة من الخارج، وذلك بغية ترميم مصادر إيراداتها من القطع الأجنبي لتساعدها على توفير احتياجات القطاعين العام والخاص، فضلاً عن مساعيها مع الفعاليات الاقتصادية الخاصة لإعادة تنشيط حركة الصادرات، والحدّ من ارتفاع فاتورة المستوردات اليومية.
قيمة التحويلات وصلت خلال الأشهر الماضية إلى 7 ملايين دولار يومياً
ووفق بيانات المصرف المركزي، فإن قيمة التحويلات المالية وصلت خلال الأشهر الماضية إلى ما يقرب وسطياً من 7 ملايين دولار يومياً، أي ما مجموعه سنوياً 2.5 مليار دولار، وبزيادة واضحة عن التقديرات الواردة في التقرير الاقتصادي العربي لعام 2014، التي بيّنت أن التحويلات الجارية إلى سوريا عادت وارتفعت عام 2012 لتصل إلى 1.035 مليار دولار، بعد أن سجلت عام 2011 مبلغاً قدره 837 مليون دولار، وفي عام 2010 نحو 949 مليون دولار.
لكن، في المقابل، هناك أسباب تبدو منطقية في دعم فكرة أن التحويلات المالية الواردة من الخارج بالعموم تراجعت أو تأثرت بها. فالمتخصص في شؤون المصارف والنقد، محمد جمعة، يشير في دراسة خاصة غير منشورة إلى «تراجع تحويلات السوريين من الخارج لأسباب عدة في مقدمتها سفر الكثير من العائلات السورية التي كانت تحول لهم هذه الأموال إلى الخارج، وإلى الوضع الأمني ومشاكل النقل والشحن والعقوبات الاقتصادية المفروضة على الصادرات الحكومية، والتي كانت رافداً كبيراً للقطع الأجنبي، وضعف عوائد الاستثمارات السورية في الخارج وتجميد أرصدة وحسابات شركات حكومية عديدة...».
على خط مواز لعمل شركات الصرافة والتحويلات المالية المرخصة، تنشط في السوق المحلية مكاتب وشركات تحويل غير مرخصة، مستفيدة من رغبة الزبائن في الحصول على حوالاتهم المالية بالعملة المرسلة بها أولاً، وثانياً الابتعاد قدر الإمكان عن «السين والجيم» في ضوء الرقابة الشديدة لجهاز مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على جميع العمليات المالية داخل البلاد، ورغم عمليات الملاحقة والمداهمة الأمنية لبعض الشركات والمكاتب والمحلات التجارية، فقد استمرت القنوات غير المرخصة بفرض نفسها في سوق الحوالات المالية.
التفاؤل ذاته في ملف التصدير مع بعض المشاكل، إذ لا يشك عضو اتحاد المصدرين السوريين، إياد محمد، في إمكانية تحسن وتيرة الصادرات الزراعية والصناعية هذا العام بنحو كبير، وبما يحولها إلى مصدر أول لرفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي. فرغم انخفاض حركتها خلال الفترة السابقة، إلا أن الصادرات السورية لم تتوقف كما يقول، ويحتل القطاعان الزراعي والنسيجي المرتبة الأولى لجهة حجم ما يصدّر.
ويضيف في حديثه لـ«الأخبار» أنه «لا يمكن تحديد قيمة الصادرات بدقة، بسبب حركة الصادرات غير الشرعية عبر المنافذ الحدودية المفتوحة، وتالياً فإن قيمة القطع المتحقق لا يمكن تقديرها كذلك بدقة»، مشيراً إلى أن «الاتحاد ينفذ حالياً مشروعاً لتقدير قيمة الصادرات بشكل أقرب ما يكون إلى الحقيقة... لكن يبقى ارتفاع قيمة الصادرات الزراعية مرتبطاً جزئياً بالوضع الأمني في العراق، لكونه المستورد الأكبر للمنتج السوري، كذلك إن الوضع الحالي رفع من تكاليف التخليص الجمركي والنقل البري».
عسى يتغيّر السعر!
يمسك محمد جيداً بقيمة حوالته المالية ويدسها في جيبه خوفاً من «النشالين» الذي ينتشرون عادة بالقرب من فروع المصارف وشركات الصرافة والتحويلات المالية، ويقفل عائداً إلى منزله يفكر في موعد وصول الحوالة المقبلة، ومتى يجب أن يذهب ليتحاشى الازدحام والانتظار الطويل، ممنياً النفس بتغير مفاجئ يطرأ على سعر الصرف الرسمي لتكون قيمة حوالته أفضل، ما دامت أسعار السلع سترتفع، ثبت سعر الصرف أو تغير.
المصدر :
(الأخبار)/ زياد غصن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة