اصطف أعضاء الحكومة السورية الثلاثاء الماضي لاتخاذ صورتهم التذكارية الأخيرة، قبل إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة الأسبوع المقبل، التي، وفقا لما ذكرته مصادر سورية رفيعة المستوى إلى «السفير»، لن تخرج عن مألوف الحكومات السابقة، لا سيما من عمر الحرب الممتدة لأكثر من ثلاث سنوات.

وعقدت حكومة رئيس الوزراء المكلَّف وائل الحلقي اجتماعها الأخير هذا الأسبوع، وبحثت، وفقا لوكالة الأنباء السورية ـ «سانا»، «الواقع المعيشي والخدمي والحركة الاقتصادية والصناعية والتجارية والتنموية». ويمثل هذا الواقع التحدي الأكبر في وجه حكومة القسم الثالث للرئيس السوري بشار الأسد، والتي وضع لها أولويات تتمثل في «مكافحة الإرهاب» و«إعادة الإعمار».

وكون المهمة الأولى تتعدى قدرات الحكومة التنفيذية، إلى عهدة قيادة الدولة والجيش، سيتم التركيز على الملف الثاني، المتمثل بإعادة الإعمار وتوسيع دائرة التسويات والمصالحات الداخلية.

وأمس أكدت مصادر سورية رفيعة المستوى لـ«السفير» أن الحكومة التي ستعلن الاسبوع المقبل «لن تخضع لتغييرات بنيوية» عن تلك التي سبقتها من عمر الأزمة. وسواء شهدت الحكومة غالبية من الوزراء «البعثيين» أم لا، إلا أنها لن تحمل تسميات إعلامية استثنائية.

وسبق لمصدر حزبي رفيع المستوى في «حزب البعث» الحاكم أن قال لـ«السفير» إن وجهة نظر الحزب هي تعميق «التشاركية في الحكومة المقبلة، ولكن «بصيغة الاتفاق على مكافحة الإرهاب وتأمين الواقع المعيشي الصعب في سوريا». ورغم هذا، توقعت المصادر السابقة أن تدخل شخصيات لها دلالة سياسية في حكومة الحلقي الثانية، بشكل يوحي بتنوع التركيبة، لكن دون تأثير يذكر في منحى عملها المقبل.

ووضع لهذا التأثير هامش صغير في التركيبة المقبلة بمعدل وزيرين أو ثلاثة، شرط أن يكون المرشح «يحمل مواصفات علمية وقدرة عملية على تنفيذ مهامه»، فيما رجحت مصادر إعلامية أن ينال التغيير ما يقارب 10 وزراء يشكلون ثلث تعداد جسمها تقريبا.

ويرى كثر في قيادة الحزب، كما الدولة، أن «الوقت والظروف الحالية، لا يسمحان بالإيحاءات الرمزية» للخارج، بالنظر إلى معاناة البلاد من أزمات حادة عديدة، تتطلب جهدا استثنائيا لمواجهتها.

وتخضع التركيبة الحكومية المقبلة لهذه العقلية التي أدارت ظهرها منذ فترة لكل ما يرتبط بتسويات «جنيف»، وما شابهها من مبادرات، لا سيما بالنظر للموقف الدولي القائم من تنامي خطر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وازدواجية تعاطي الغرب مع خطر التنظيم بين كل من سوريا والعراق.

وفي هذا السياق، أكد مصدر رفيع المستوى لـ«السفير» عدم «توافر ظروف تنسيق أو تعاون أمني مباشر مع الولايات المتحدة» حتى الوقت الراهن. وشدد على أن ما ذكر من معلومات حول هذا التنسيق «مستبعد»، لأسباب عدة، من بينها عدم توافر الظروف الموضوعية التي تسمح بهذا التنسيق، مكررا في السياق ذاته موقف دمشق من موضوع التنسيق الأمني المباشر مع الخصوم السياسيين.

ويمكن للبلدين أن يكونا تبادلا معلومات عبر طرف ثالث، عن معرفة، ولكن من دون اعتراف رسمي مباشر، كما يحصل بين الجيشين السوري والعراقي، لا سيما في مجال سلاح الطيران، الذي يحتاج أحيانا لتقاطع معلومات استخبارية واستطلاعية، تأتي من أطراف عدة بينها الجانبان الأميركي والإيراني.

وتشترط دمشق كما بات معلوماً، أن يرتبط التنسيق الأمني بعودة الاتصالات السياسية، وهو أمر سبق أن أكدته دمشق لمبعوثين ألمان وسويديين ونمساويين وبلغار وإسبان، وبعضهم جاء بالنيابة عن دول أوروبية بارزة، بينها فرنسا.

وثمة تأكيدات بحصول اتصالات مع دول أوروبية بخصوص حالات أمنية محددة، ولكن دون تحول العملية إلى تنسيق مباشر دوري. وتكمن صعوبة تحقيق رغبات الطرفين، في الاستدارة القصوى التي تتطلبها سياسات الغرب تجاه سوريا، أكثر مما يتطلبه هكذا أمر من دمشق. ففي الوقت الذي تخوض «دول أصدقاء سوريا» حربها مع سوريا، عبر أطراف متعددة، تخوض دمشق هذه الحرب بجيشها واقتصادها ودولتها. وفي حسابات «الهاوية» السورية من قبيل «ما الذي يمكن أن نخسره أكثر؟»، سيبقى الاشتراط السوري في محله، لجهة توفير المعلومة الاستخبارية الغنية مقابل الاعتراف السياسي. وهو اعتراف لا تحتاجه دمشق لاستعادة شرعيتها المستهدفة دوليا، وإنما لتأمين غطاء إنساني وقانوني يوسع من آفاق عمليات إعادة الإعمار، في بلد هشمّته الحرب.

وفي هذا الإطار، لا يستبعد أن يلعب الحليفان الإيراني والروسي دورا في توحيد صيغة تعاون دولية مع الجانب السوري، خصوصا أن خطوط الاتصالات لهذه الغاية مفتوحة بين طهران وواشنطن، سواء عبر اللقاء الجانبي الذي جرى في سلطنة عُمان، بين كل من مساعد نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ومستشار نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، جيك ساليفان، أم من خلال اتفاق الطرفين على التضحية برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لتأمين دعم دولي ضد «داعش». إلا أن الأثمان التي يمكن أن تدفع في الحالة السورية بالنسبة لطهران، تبقى مختلفة عن تلك التي في العراق، وتخضع لاعتبارات أكثر تعقيدا، لا ترتبط بسوريا فحسب، بل بجيرانها، وبينهم لبنان وفلسطين المحتلة وإسرائيل.

  • فريق ماسة
  • 2014-08-22
  • 10351
  • من الأرشيف

دمشق: حكومة الولاية الثالثة الأسبوع المقبل

اصطف أعضاء الحكومة السورية الثلاثاء الماضي لاتخاذ صورتهم التذكارية الأخيرة، قبل إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة الأسبوع المقبل، التي، وفقا لما ذكرته مصادر سورية رفيعة المستوى إلى «السفير»، لن تخرج عن مألوف الحكومات السابقة، لا سيما من عمر الحرب الممتدة لأكثر من ثلاث سنوات. وعقدت حكومة رئيس الوزراء المكلَّف وائل الحلقي اجتماعها الأخير هذا الأسبوع، وبحثت، وفقا لوكالة الأنباء السورية ـ «سانا»، «الواقع المعيشي والخدمي والحركة الاقتصادية والصناعية والتجارية والتنموية». ويمثل هذا الواقع التحدي الأكبر في وجه حكومة القسم الثالث للرئيس السوري بشار الأسد، والتي وضع لها أولويات تتمثل في «مكافحة الإرهاب» و«إعادة الإعمار». وكون المهمة الأولى تتعدى قدرات الحكومة التنفيذية، إلى عهدة قيادة الدولة والجيش، سيتم التركيز على الملف الثاني، المتمثل بإعادة الإعمار وتوسيع دائرة التسويات والمصالحات الداخلية. وأمس أكدت مصادر سورية رفيعة المستوى لـ«السفير» أن الحكومة التي ستعلن الاسبوع المقبل «لن تخضع لتغييرات بنيوية» عن تلك التي سبقتها من عمر الأزمة. وسواء شهدت الحكومة غالبية من الوزراء «البعثيين» أم لا، إلا أنها لن تحمل تسميات إعلامية استثنائية. وسبق لمصدر حزبي رفيع المستوى في «حزب البعث» الحاكم أن قال لـ«السفير» إن وجهة نظر الحزب هي تعميق «التشاركية في الحكومة المقبلة، ولكن «بصيغة الاتفاق على مكافحة الإرهاب وتأمين الواقع المعيشي الصعب في سوريا». ورغم هذا، توقعت المصادر السابقة أن تدخل شخصيات لها دلالة سياسية في حكومة الحلقي الثانية، بشكل يوحي بتنوع التركيبة، لكن دون تأثير يذكر في منحى عملها المقبل. ووضع لهذا التأثير هامش صغير في التركيبة المقبلة بمعدل وزيرين أو ثلاثة، شرط أن يكون المرشح «يحمل مواصفات علمية وقدرة عملية على تنفيذ مهامه»، فيما رجحت مصادر إعلامية أن ينال التغيير ما يقارب 10 وزراء يشكلون ثلث تعداد جسمها تقريبا. ويرى كثر في قيادة الحزب، كما الدولة، أن «الوقت والظروف الحالية، لا يسمحان بالإيحاءات الرمزية» للخارج، بالنظر إلى معاناة البلاد من أزمات حادة عديدة، تتطلب جهدا استثنائيا لمواجهتها. وتخضع التركيبة الحكومية المقبلة لهذه العقلية التي أدارت ظهرها منذ فترة لكل ما يرتبط بتسويات «جنيف»، وما شابهها من مبادرات، لا سيما بالنظر للموقف الدولي القائم من تنامي خطر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، وازدواجية تعاطي الغرب مع خطر التنظيم بين كل من سوريا والعراق. وفي هذا السياق، أكد مصدر رفيع المستوى لـ«السفير» عدم «توافر ظروف تنسيق أو تعاون أمني مباشر مع الولايات المتحدة» حتى الوقت الراهن. وشدد على أن ما ذكر من معلومات حول هذا التنسيق «مستبعد»، لأسباب عدة، من بينها عدم توافر الظروف الموضوعية التي تسمح بهذا التنسيق، مكررا في السياق ذاته موقف دمشق من موضوع التنسيق الأمني المباشر مع الخصوم السياسيين. ويمكن للبلدين أن يكونا تبادلا معلومات عبر طرف ثالث، عن معرفة، ولكن من دون اعتراف رسمي مباشر، كما يحصل بين الجيشين السوري والعراقي، لا سيما في مجال سلاح الطيران، الذي يحتاج أحيانا لتقاطع معلومات استخبارية واستطلاعية، تأتي من أطراف عدة بينها الجانبان الأميركي والإيراني. وتشترط دمشق كما بات معلوماً، أن يرتبط التنسيق الأمني بعودة الاتصالات السياسية، وهو أمر سبق أن أكدته دمشق لمبعوثين ألمان وسويديين ونمساويين وبلغار وإسبان، وبعضهم جاء بالنيابة عن دول أوروبية بارزة، بينها فرنسا. وثمة تأكيدات بحصول اتصالات مع دول أوروبية بخصوص حالات أمنية محددة، ولكن دون تحول العملية إلى تنسيق مباشر دوري. وتكمن صعوبة تحقيق رغبات الطرفين، في الاستدارة القصوى التي تتطلبها سياسات الغرب تجاه سوريا، أكثر مما يتطلبه هكذا أمر من دمشق. ففي الوقت الذي تخوض «دول أصدقاء سوريا» حربها مع سوريا، عبر أطراف متعددة، تخوض دمشق هذه الحرب بجيشها واقتصادها ودولتها. وفي حسابات «الهاوية» السورية من قبيل «ما الذي يمكن أن نخسره أكثر؟»، سيبقى الاشتراط السوري في محله، لجهة توفير المعلومة الاستخبارية الغنية مقابل الاعتراف السياسي. وهو اعتراف لا تحتاجه دمشق لاستعادة شرعيتها المستهدفة دوليا، وإنما لتأمين غطاء إنساني وقانوني يوسع من آفاق عمليات إعادة الإعمار، في بلد هشمّته الحرب. وفي هذا الإطار، لا يستبعد أن يلعب الحليفان الإيراني والروسي دورا في توحيد صيغة تعاون دولية مع الجانب السوري، خصوصا أن خطوط الاتصالات لهذه الغاية مفتوحة بين طهران وواشنطن، سواء عبر اللقاء الجانبي الذي جرى في سلطنة عُمان، بين كل من مساعد نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ومستشار نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، جيك ساليفان، أم من خلال اتفاق الطرفين على التضحية برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لتأمين دعم دولي ضد «داعش». إلا أن الأثمان التي يمكن أن تدفع في الحالة السورية بالنسبة لطهران، تبقى مختلفة عن تلك التي في العراق، وتخضع لاعتبارات أكثر تعقيدا، لا ترتبط بسوريا فحسب، بل بجيرانها، وبينهم لبنان وفلسطين المحتلة وإسرائيل.

المصدر : السفير/ زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة